30 جمادى الأول 1438

السؤال

سؤال يراودني دائما، ألم يقل الله سبحانه: "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد"، فلماذا نرى المؤمنين والمستضعفين مهزومين ضعفاء دائما؟ ومتى ينتصرون؟

أجاب عنها:
الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر

الجواب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين..

هذا سؤال وجيه، وهو يَرِدُ على الذهن عادة، خصوصا مع ما يحصل للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ومع غلبة عدوهم عليهم ي أكثر من مكان، فيتساءل المؤمنون عن معاني النصر.

 

والمتأمل في القرآن والسنة يدرك الجواب:

فالنصر – كما في قوله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} - ليس مقتصراً على ما في الأذهان من الانتصار في المعركة والعلو في الأرض من الناحية المادية، وإلا فالمؤمنون هم الأعلون ولا شك.

 

فالنصر له وجوه كثيرة، ومن المهم معرفتها وفهمها وإدراك معانيها، كي يفهموا علامات سبيلهم الذي يسيرون فيه ويستقيمون عليه.

 

فوعد الله لا يتخلف، بنصره لرسله والذين آمنوا، في الدنيا والآخرة، وليس كل نبي قد انتصر على عدوه بالغلبة المباشرة، بل هناك من الأنبياء من قُتل كيحيى وزكريا عليهما السلام فلم ينتصرا بالغلبة المباشرة على عدوهم، فلذلك إذا فهمنا ذلك أدركنا ما هو النصر الذي أشار الله إليه.

 

فأعظم أنواع الانتصار هو تبليغ رسالة الله جل وعلا على الوجه الصحيح، أي كما بلّغ النبي صلى الله عليه وسلم، والثبات على ذلك حتى آخر لحظة من حياة الداعي إلى الله.

 

فالثبات على دين الله سبحانه والاستقامة على الرسالة ترسيخ لمعنى عزة الإيمان، ورسوخ المبادىء الإيمانية، وصدق العقيدة، والثقة بموعود الله سبحانه، وهذا ما يريده الله سبحانه من عباده المؤمنين وذاك هو الانتصار في أسمى معانيه.

 

أما الانتصار في المعركة، وغيره، فهي من أنواع الانتصار، ولذلك في سورة الصف يقول الله جل وعلا: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} الآيات.. إلى أن قال: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}.

 

فأورد سبحانه كلمة (نصرٌ) بلفظ النكرة، يعني: أي: نوع من أنواع النصر - الذي هو فتح مكة - فليس هو فقط النصر المراد بل هو نوع من أنواع النصر.

 

كذلك قد يكون لدى المؤمنين موانع تمنع تحقق النصر، ولذلك لما وقع خطأ باجتهاد في معركة أُحُد وقعت الهزيمة مع أنه لم يقع إلا من جزء من الرماة وليس كل الرماة، والرماة كلهم جزء من الجيش ومع ذلك وقعت الهزيمة على الجميع.

 

فأسباب النصر الظاهرة - أي في الدنيا – قد تكون غير متوافرة أو تكون هناك موانع من تحققه فلا يتحقق، وليس معنى ذلك إخلاف موعود الله سبحانه أبدا.

 

فمثلا في واقع الأمة الآن ومنذ ثلاثين سنة أو أكثر وأنا أرقب واقع المسلمين، ووجدت من أعظم أسباب عدم الانتصار هو اختلاف القلوب، فاختلاف القلوب شأنه عظيم جداً ولذلك قال الله جل وعلا في سورة الفتح عن الصحابة: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ}، أي من الصدق والإخلاص والتوحيد والتآلف.

نعم في بيعة الرضوان وجد هذا التآلف فأنزل سبحانه السكينة عليهم ثم بدأت الفتوحات الظاهرة. والله أعلم..