25 جمادى الأول 1436

السؤال

هل يُظهر المؤمن بغضه للكافر المسالم سواء أكان من الأقارب أم من غيرهم؟ وكيف يتم إظهارها؟ إذا كان الجواب بنعم؛ فكيف أظهر النبي صلى الله عليه وسلم بغضه لعمه أبي طالب؟ وهل يمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أظهر بغضه للغلام اليهودي الذي أسلم؟ أو لأبيه الذي قال: أطع أبا القاسم؟

أجاب عنها:
عبد الرحمن البراك

الجواب

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن الله وليُّ المؤمنين وعدوٌّ للكافرين، والمؤمنون أولياء الله يحبهم ويحبونه، وبعضهم أولياء بعض، والكافرون أعداء الله، وهو يمقتهم، والمقت أشد البغض، وبعضهم أولياء بعض، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ)، وقال سبحانه: (وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ)، وهذا خبر يتضمن الأمر بتولي المؤمنين بعضهم بعضا، والنهيَ عن تولي الكافرين، وقد جاء النهي صريحا عن تولي الكافرين واتخاذهم أولياء، فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، والولاية ضد العداوة، والولاية تتضمن المحبة، والعداوة تتضمن البغض، والإيمانُ بالله يقتضي موافقته سبحانه فيما يحب وفيما يبغض، وذلك بحب من يحبه الله وحب مايحبه الله، وبغض من يبغضه الله، وبغض ما يبغضه الله، وهذا يقتضي من المؤمن أن يحب المؤمنين أولياء الله بحسب درجاتهم في الإيمان، ويبغض الكافرين أعداء الله بحسب مراتبهم في الكفر، ولا يحصل التمايز بين المؤمنين والكفار إلا بأن يعلم الكفار ما بيننا وبينهم من العداوة والبغضاء، والبراءة منهم ومن دينهم، (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ).
والكفار من حيث العلاقة معهم نوعان: محاربون ومعاهَدون، فالمحاربون يجب أن نظهر عداوتهم وبغضهم بكل صور الإظهار، وأعلى ذلك القتل والقتال، والإرهاب والإذلال، وأما المعاهَدون كأهل الذمة يوم كانوا أيام عز المسلمين، وكذا المقيمون اليومَ من الكفار في بلاد المسلمين لسبب من الأسباب، فيكفي في إظهار بغضنا لهم علمُهم بعقيدتنا فيهم وفي دينهم، وأن يَظهر أثر ذلك في معاملتهم الاجتماعية بالمجالسة واللقاء، بحيث لا تكون معاملتهم كمعاملة المسلم للمسلم في الحفاوة والإكرام، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق، فاضطروه إلى أضيقه) رواه مسلم عن أبي هريرة، ولا يلزم في إظهار البغض والعداوة أن تقول له: إني أبغضك، فإن هذا لا معنى له، وهو يعلم عقيدتك فيه ومعاملتك له، فليس من العقل ولا من المشروع أن تقول لصاحب في السفر أو زميل في العمل أو جار أو والد أو قريب كلَّما لقيته: إني أبغضك؛ فإن هذا مما ينفر عن الإسلام، وينافي ما أمر الله به من حسن الصحبة وحسن الجوار وبر بالوالدين وصلة الرحم، وقد قال الله في شأن الأبوين المشركين: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)، وقال تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا)، وقال صلى الله عليه وسلم لأسماء رضي الله عنها حين سألته: هل تصل أمها وهي مشركة؟ فقال: (نعم، صلي أمك) متفق عليه، وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال لعشيرته حين أنذرهم: (إني لا أملك لكم من الله شيئا، غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها) متفق عليه.
هذا مع القيام بالواجب من حسن المعاملة، كما تقدم، وعدم الظلم، وكف الأذى، وحسن الجوار، وبر الوالدين، وصلة الرحم، وبذل المعروف، مما يعد من الإحسان العام، وبهذا يظهر الجواب عن السؤال في معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه وللغلام.
فعلم مما تقدم أن عداوتنا للكفار نوعان؛ قلبية وعملية، ظاهرة وباطنة، وهي عداوة المحاربين، وهذه العداوة تقتضي ألا نألوا جهدا في إلحاق الضرر بهم.
النوع الثاني: عداوة قلبية اعتقادية، وهذه تقتضي البغض والبراءة منهم ومن دينهم، وتلك العداوة والبغض والبراءة عامة للكافرين محاربين أو مسالمين، وتلك العداوة ـ أعني النوع الأول ـ خاصة بالمحاربين، كما تقدم، وكما هو ظاهر.
ومن شواهد العداوة في المعنى العام قوله تعالى: (فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ)، وقوله: (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ)، وقوله سبحانه: (ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ)، وقوله تعالى عن إبراهيم وأبيه: (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ)، وقوله سبحانه: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ)، وقوله: (وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء)، وقوله تعالى في المنافقين: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)، وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) أي: يعادون الله ورسوله ويشاقُّون الله ورسوله، وفي معناها قوله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) الآية.
ومن شواهد العداوة بالمعنى الخاص بالمحاربين قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء) إلى قوله: (إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ)، وقوله تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ) الآية، وقال صلى الله عليه وسلم لأمير الجيش: (وإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال) الحديث، رواه مسلم.
نسأل الله أن ينصر أولياءه المؤمنين، ويخذل أعداءه الكافرين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.