25 جمادى الثانية 1436

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا فتاة عمري ٢٢ عاما تزوجت منذ قرابة أربعة أشهر من شاب يكبرني بسنة ونصف، ومشكلتي هي أنني منذ أن تزوجت لم يدخل بي زوجي، وفي البداية كان يقترب مني قليلا، أما حاليا فلم يعد يقترب مني نهائيا، مع أنني لم أقصر بالتزيُّن له، والتجمُّل، ويغلبني الحياء في أن أصارحه، وأنا لا أشك بأنه مصاب بشيء، أو عنده ضعف، لكنه شديد الحياء حتى في حياته العامة، ويخجل كثيرا لدرجة أنني إذا تحدثت معه بموضوع عام ينظر إلي ثم يبعد نظراته عني، وهو لا يتحدث معي إلا قليلا ولا يغازلني، ولا يبدي رأيه في شيء يخصني، أو يثني على لباسي مثلا أو مظهري، ومنذ تزوجنا لم أسمع منه كلمات الحب التي تكون عادة بين الأزواج، وإذا طلبت منه شيئا كالخروج في نزهة، لا يقول: لا أريد؛ بل يحاول تضييع الموضوع، ولكنه محترم ومحافظ على صلواته، وطيب جدا، ويلبي أغلب طلباتي، وباختصار حياتي معه كأننا أخوين وليس كزوجين، تراودني فكرة الانفصال عنه لأن نفسيتي تعبت فأصبحت كثيرة البكاء، وأهلي لاحظوا ذلك فساعدوني، ولكن لا تقولوا لي أخبري أهلك أو أن يتدخل أي شخص، فأنا لا أريدهم أن يعرفوا بمشكلتي، وأحب أن أحلها بنفسي، فأرشدوني جزاكم الله خيراً.

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أختي السائلة الكريمة، بداية أشكرك على رسالتك، وعلى ثقتك بموقع المسلم وطرحك لاستشارتك، أما بالنسبة لمشكلتك فألخصها في أمور منها:
ـــــــ إهمال زوجك لحقوقك المعنوية وتقصيره في تلبية حقوقك العاطفية واحتياجاتك الشرعية كزوجة..
ـــــــ خجله الشديد وانعزاله، وتحوُّل علاقتكما إلى علاقة أخوية، وفي أغلب الأحوال إلى قَطْعِ أسباب التواصُل بينكما..
ــــــــ تدهور حالتك النفسية والعصبية، وعدم قدرتِك على السَّيطرة على الوضع، وتأثيرُه السِّلبي على مشاعرك وتصرفاتك..
أما النصائح والإرشادات التي أقدمها لك فهي كما يلي:
أولا: حاولي أن توجَّهي تفكيرك لمعرفة مفاتيح شخصية زوجك لوُلوجِ قلبه وعقله، وامتلاك كيانِه بالكامل، واسْتخْدِمي ذلك في الرَّفعِ من مواطِنَ قوَّتِه، والتحكُّم في مواطنِ ضعفِه، وإدارة وتوجيه علاقتكما وِفق ما يناسِبُكما، ووِفق ما ينسجم مع رغباتك النفسية واحْتياجاتِك العاطفية والجسدية..
ثانيا: كثيرا ما تكون الحواجز بين الزوجين ـــ في بداية زواجهماـــ عائِقًا يفصل بينهما، فلا يملكان تحقيق الانسجام والتآلُف والتودُّد بينهما، ولأنَّ شخصية زوجك هي شخصية خجولة جدا، فالواجب عليك ـــــ كزوجة صالحة تطمح إلى إسعاد حياتها الزوجية ــــ أن تساعديه في تخطِّي هذا العائِق النفسي الذي يقيم حِصنًا مَنيعًا بينكما، وأن تكْسِري الأقفال والحواجز التي تفصل بينكما، وتُقرِّبي المسافات البعيدة التي تبثُّ النُّفور والعزوف والجفاء والبرود العاطفي بينكما، وكما تتزيَّنين له كما تتزين كل زوجة لزوجها، بأجمل الثياب وأحلى العطور وأبهى مظهر يشدُّ العين، عليك أيضا أن تتزيَّني له كما تتزين كل زوجة عاقلة وحكيمة، بأجمل حديث، وأرق كلمات، وأعذب إحساس، وأحلى مشاعر تشدُّه إليها وتجذِبه جذْبًا حثيثًا حتى تتربع كسلطانة على عرش قلبه..
ثالثا: ازرعي بداخل بيتك معاني الفرح والسُّرور، وفَسائِل المَحبَّة، والمَودَّة، والسَّكَن الحقيقي، وكل مقاصِدَ الزَّواج وغاياتِه النَّبيلة، وقدِّمي في البداية مجموعة من التنازلات والتضحيات ولو كان ذلك على حساب احتياجاتك المشروعة، لأن بلوغ المراد والغاية المرْجوَّة يحتاج البذل والعطاء، حتى توثِّقي رباط الزَّوجِيَّة بصِلاتٍ متينة ووَشائِج قوية..
رابعا: أَفْسِحي لزوجك مساحةً رَحْبَة تخلِّصُه من قيودِه، وتُعْتقُه من الأغلال التي تكبح جِماح عاطفته، وتردُّ فورةَ مشاعره، وتمنعه من ممارسة حياته الزوجية بشكل طبيعي..
خامسا: ركِّزي على الجانب المشرق والإيجابي في شخصية زوجك، وتغاضي عن الجانب السِّلبي، حتى تكْسبي محبَّته وتقديره، فالزوجة العاقلة هي الكيِّسَة الفطِنة التي تنجح في احتواء زوجها احتواء كاملا..
سادسا: حاولي أن تتفهَّمي أسباب تقصيره في تلبية احتياجاتِك الخاصة، وأسباب خجله الشديد، وأسباب ابْتعادِه عنك وهَجْرك في الفراش، والتهَرُّب من التَّواصُل معك بشكلٍ إيجابي..
وساعديه قدر استطاعتك في الخروج من حالته المتأزِّمة، وكوني له الدَّواءَ والبلْسَمَ الشَّافي، وكوني له الطَّبيب المعالج الخبير بموطِن الدَّاء، الذي يلمُّ شَعَتَه ويجْبُرُ كسْرَه، ويضمِّد جرحه ويرتِّق نزْفَه، ويخفِف من آلامه ومعاناةِ نفسِه العليلة..
سابعا: لعلَّ زوجك ـــ أيتها الكريمة ـــ يعاني من مشاكل نفسية، أو تعرض في حياته لأزمة عاطفية، أو حصلت له حادثة ــــ في الماضي أو في طفولته ـــ أو ذكرى سيئة أثرت على حياته العامة وحياته الزوجية، أو ربما شخصيته تختبئ خلف ظلالِ مخلَّفات تربيته ونشأته، وطبيعة الحياة التي كان يعيشها، أو ربَّما لا يجد وسيلة أو قدرة أو طاقة تخلِّصه من تلك التراكمات العالِقة في ذاكرته، فيلجأ إلى الانتقام من نفسِه بأسلوب مشوَّه، يتمثَّل في التعبير عن ضعفه وانْطِوائِه، وتقصيره حتى في ممارسة حقِّه الشرعي، ليثبت رفضه وثورته وتمرُّده على تلك الأشياء التي كان يكرهها ويمقتها وعجز عن تغييرها في زمانها ومكانها..
فدَعيه يمارس احتياجَه النفسي لفترة أطول، ليٌفرغ عُلْبة الذاكرة السَّوداء مما هو مسجَّل بداخلها من رَواسِب الماضي وذكرياته القديمة، فعساه بذلك يهدأ ويشعر بالراحة والطمأنينة، ويعود لطبيعته ولاتِّزانه النفسي..
ثامنا: أنتِ ــــــ أيتها الكريمة ـــــ سكنٌ ولباسٌ لزوجك، وسترٌ لعيوبه ومثالبه، وسندٌ لضعفه وحوفه وخجله، وهواجسه..
فكوني له البيت الآمِن، والسَّكن المُريح، والعيشَ الرَّغْد، والأسرة، والدِّفء، ومرْفأَ الأمانَ ومَرْسى السَّلام النفسي..
تاسعا: الصراحة هي أقرب طريق إلى حلِّ كثير من المشاكل الزوجية، والحوار الإيجابي ومناقشة المشكل المطروح بأسلوبٍ ليِّن رفيق، واستخدام الكلمة الطيبة التي تخاطب العقل والوجدان، تفتح كثيرا من الأبواب المغلقة، وتكسر كثيرا من الحواجز بين الزوجين..
فحاولي ان تفكري في الأمر بطرح هذه الأسئلة:
أيُّهما أولى بك ـــ أيتها الكريمة ـــ أن تصارحي زوجك بمعاناتك، وتسأليه عن سبب عزوفه وابتعاده عنك، وتشتكي إليه من هذا البرود الذي بينكما.. أم تختاري الصمت والابتعاد وتطلبي الطلاق؟
وأيهما أولى، أن تصِلي لحلٍّ ممكن لهذه المشكلة التي بينكما، أم تصارحي أسرتك بالأمر؟
ولو فرضا أنت طلبت الطلاق، بماذا ستخبرين أهلك أو أهله أو الناس عن السبب؟
فالصواب يكمن في مواجهة المشكلة لا الهروب منها، وما في خجل بين الزوجين ولا أسرار، بل في حديث وحوار ونقاش، وبحث عن أسباب المشكل، وطرح لحلول، ثم علاج..
عاشرا: أرى أنه من الصواب ـــ في حالتكما ــــ زيارة طبيب مختص ونزيه، لينصت إلى كل طرف، ويحاول أن يقرِّب بينكما المسافة، ويطرح عليكما الحلول الممكنة في حالتكما، ويشرح لكما بعض التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالزواج، في جو من المحبة والدفء والتواصل العاطفي الجيد والمثمر..
ولو رفض زوجك هذا الحل، حاولي أن تقنعيه بزيارة طبيب نفسي، بأسلوب جميل لا يخدش مشاعره، ولا يهين من رجولته وكرامته، واشرحي له أن هذه الزيارة هي مفيدة لكما، وأن المسألة طبيعية وكثير من الأزواج يفعلونها بين فترة وأخرى عبر جلسات منتظمة لأجل لتحسين العلاقة بين الزوجين..
وختاما..
أوصيك أختي الكريمة أن تصبري صبرا جميلا، لأنَّ الله سبحانه وتعالى يوفِّي الصابرين أجرًا مضاعَفًا وثوابًا عظيمًا، كما قال تبارك وتعالى: {إنما يُوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب}، ولأن صبرك على زوجك، وعلى ما تجدينه من المحن والشدائد، يجعلك دائما في معِيَّة الله مصداقا لقوله تعالى: {والله مع الصابرين}، ولأنَّ النَّصر مع الصبر، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا)..
أما في حالة إذا فشلت في تعيير طباع زوجك.. وخفت على نفسك المعصية والوقوع في الإثم ، ويئِسْتِ من حالته ومن الوصول لأيِّ حلٍّ ممكن، واسْتنفدت كل ما في طاقتك، وجرّبتِ كل ما تستطيعينه من محاولات لإصلاحه، وقطعت الأمل في برْئه وشفائه، ، هنا يصير الطلاق في حالتك هو الحلُّ الأمثل والأَسْلَم، حفظا للعرض وللشرف وللقيم الدينية..
أسأل الله العلي القدير أن يصلح زوجك، وأن يبدِّل حاله إلى أحسن حال، وأن يرده إلى الحق والخير ردّاً جميلاً، وأن يفرج كربتك وييسر أمورك كلها، وأن ينصرك بالحق ويثبتك عليه..