أنت هنا

مسرحية بشار.. والاعتراف الغربي
8 شعبان 1435
موقع المسلم

ذات يوم اعترف مستشار الرئيس المخلوع مبارك، د.مصطفى الفقي أنه كان يصرخ بالنظام في أعقاب انتخابات برلمان 2010 بألا يرتكبوا تزويراً فاضحاً يحد من قدرة المعارضة على التحرك داخل البرلمان، وأنه قرر حينها إليهم رؤيته التي اعتبرها قاعدة مضطردة، أنه حين تمنع المعارضة كلها من دخول البرلمان فإنك تسمح لها بأن تتدفق إلى الشارع، وأن تتوحد في الوقت نفسه، وأكد أنه أوصاهم بأن يسمحوا بوجود معارضة محددة في البرلمان تحول دون وحدة المعارضة، وأقر أن تغاضي أركان النظام على الاستماع لنصائحه قد أدى إلى "انتفاضة 25 يناير" التي وحدت المعارضة ضد نظام مبارك، فأسقطت رأسه.

وهذا الرؤية التي عبر عنها السياسي المصري المخضرم ليست على ما يبدو نظرية لا تحمل الخطأ، فثمة دول اعتمدت أساليب فجة من التزوير والقمع ومصادرة الآراء كنظام بشار الأسد وأبيه، وظلت مزمنة في أماكنها لعشرات السنين، وهذا ما يحاول بشار الأسد اليوم إعادة انتاجها مع تقديمه بعض التنازل في "كبريائه السياسي"؛ فرضي بـ 89% كنتيجة مصطنعة لانتخابات رسمت معالمها براميل المتفجرات، بدلاً من صناديق الاقتراع، في حين كان لا يرضى هو ولا والده بأقل من 99%!

الواقع أن "تنازل" بشار اليوم هو محاولة منه للتعاطي مع حرب حقيقية دائرة تسبب فيها تمسكه بالسلطة إلى حد حرق شعبه وتشريده وتجويعه وإخراج البلاد من بوابة التاريخ، غير أن محاولته تلك ليست محكومة بالنجاح هذه المرة، لا لأن الشعب قد قاطعها أو لم يهتم بها فحسب؛ فذاك ما لا يتوقف الطغاة عنده كثيراً، ولا لأن الغرب قد أبدى تشككه الكبير في نتائجها؛ فذاك أيضاً مما لا يقلق بشار، حيث يدرك هو وأركان حكمه أن هذا السلوك الغربي هو من قبيل ذر الرماد في العيون، وهو إتمام لدوره في مسعى الإبقاء على نظام بشار الطائفي، واستقرار الأمر له؛ فلقد وفرت دوماً هذه السياسة للغرب مجالاً أرحب لإبداء تمسكه بقيمه "الحضارية" أمام شعوبه من جهة، ومن أخرى، الاستمرار في الإبقاء على ورقة ضغط من جهة أخرى على نظم كبشار وعصابته، ومن جهة ثالثة، منح الشعب السوري وغيره مخدراً ومتنفساً وهمياً للشعور بأن الغرب لابد سيجلب له حقه يوماً ما من هذا الطاغية! وإنما ما يقلق بشار حقاً هي الرصاصة التي تصد بها الثورة السورية عدوان النظام الفاشي على الشعب السوري وفصائل ثورته.

وإذا كانت ردود الأفعال الغربية على نتائج الانتخابات الرئاسية الثورية قد جاءت رافضة لإجراءاتها المنحازة كلياً لبشار؛ فإن ما يستشف منها ليس هو بدء العكسي لانهيار نظام بشار بفعل غربي؛ فلطالما جعجعت العواصم الغربية في استخفافها بنتائج انتخابات عربية لكنها لم تكن سوى إرهاصات لاعتراف موثق بتلك النظم، لأنها ببساطة تلبي ما يحتاجه الغرب كحارسة لـ"إسرائيل" كما يفعل نظام بشار، وتنفذ الأجندة الغربية بحذافيرها في المنطقة، ومنها ألا يكون للشعوب إرادة في أوطانها.

ولئن كان الغرب قد أبدى رفضه "المبدئي" لانتخابات بشار برغم تنازله فيها عن 11% من الأصوات؛ فإن ذلك ليس سوى جواز مرور لترتيبات ما بعد قضاء بشار وحلفائه الشرقيين والغربيين على مقاوميه من الشعب السوري الثائر، فلم يكن يوماً تزوير الانتخابات حائلاً دون اعترافهم الضمني بنظامه وأبيه.. هكذا في حساباتهم.. لكن للميدان العسكري حسابه الآخر.. "والله غالب على أمره"