17 جمادى الثانية 1435

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ أنا وزوجتي على علاقة طيبة ولله الحمد، ولكن في بداية زواجنا واجهنا بعض الصعوبات، فيما يتعلق بتجهيزات الخطوبة، لأن والدتي كانت لا تتوافق مع بعض التجهيزات، والتي ليست بذات أهمية.
الشاهد في الموضوع أننا تفاجئنا قبل حفلة الخطوبة بساعة تقريبًا بإحدى معارفنا، والتي ساعدتنا في اختيار زوجتي، تتصل بنا وتعطينا بعض التعليمات، وتبين أن هذه التعليمات بناءً على طلب أم زوجتي.
بالنسبة لأمي كان الأمر جارحًا بعض الشيء، لأنها كانت تتعلق بكيف نتحدث أمام الناس، وكيف نتعامل معهم، ولكن أمي أشارت عليّ أن لا نأخذ بهذا الأمر، المهم هو زوجتي.
ولكن لاحظت بعدها أن زوجتي حساسة أكثر من اللازم، وتتحسس كثيرًا من حديث أمي، وأنا كنت أحاول أن أبرر وأشرح لها وجهة النظر، وكانت تستجيب.
لقد احترت في فترة الخطوبة بين أن أحاول أن أتجنب الموضوع الحاصل، وخلال أول إجازة نقضيها مع أهلي لم ألحظ أن زوجتي تتفاعل مع أهلي كثيرًا، وكانت دائمة الطلب بالذهاب عند أهلها، وكانت تطلب المبيت عندهم، وكنت أعارض المبيت وأظهر لها ذلك.
المشكلة أن زوجتي متعلقة بأهلها بشكل يجعل من الصعب علي أن أفسر ما إذا كان هذا التعلق طبيعي أم لا؟، فخلال اليوم تمضي ساعات طويلة بالتحدث مع أمها وأخواتها، كما أنها تشاركهم تفاصيل بيتنا، وهم كذلك.
لكنني صدمت حين اكتشفت أنها تتشارك مع أختها في انتقادها لأمي، وهو الأمر الذي حيرني وقهرني، ولم أكن أتوقع منها ذلك. لم أبد لها أي رد فعل سلبي، ومازلت أودها وأبرها، ولكنني أشعر بالأسى من ذلك.
أرجو أن تشيروا علي بالنصح فيما ينبغي للأمور أن تكون.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

الأخ الكريم:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
قرأت رسالتك، ولاحظت أن شكواك تدور حول عدد من النقاط الأساسية، وهي:
- أن زوجتك "حساسة أكثر من اللازم"، و"تتحسس كثيرًا" من حديث أمك.
- أنك لم تلحظ أنها تتفاعل مع أهلك، وذلك في أول إجازة نقضيها مع أهلك.
- أنها "دائمة الطلب بالذهاب عند أهلها"، و"تطلب المبيت عندهم".
- أنها "متعلقة بأهلها"، وأنها "تمضي ساعات طويلة بالتحدث مع أمها وأخواتها".
- أنها تشاركهم "تفاصيل" بيتكم، وأنها "تتشارك مع أختها" في انتقادها لأمك.
- أنك لم تبد لها "أي رد فعل سلبي"، ومازلت تودها وتبرها، لكننك تشعر بالأسى.
أخي الحبيب:
أود بادئ ذي بدء أن أوضح لك أن الله عز وجل شرع الزواج لأهداف عظيمة، وأسباب سامية، من بينها إنشاء "أسرة مسلمة"، تكون بمثابة "لبنة" من لبنات "المجتمع المسلم"، الذي هو الوحدة الأساسية في محيط الأمة المسلمة.
وقد اقتضت سنة الزواج أن ينخلع شابٌ من أسرته الكبيرة، وتنخلع فتاةٌ من أسرتها الكبيرة، ويتآلفان سويًا وفق قواعد الشريعة الإسلامية، ليكونا معًا بيتًا مسلمًا جديدًا، ينشأ على طاعة الله، ويجتهدا سويًا على تربية أولادهما تربية إسلامية.
وحتى نضع النقاط فوق الحروف، فإنني ألخص لك ردي على استشارتك في النقاط التالية:
1) الإحساس نعمة من نعم الله عز وجل، لكن شأنها شأن كل الأخلاق يجب أن تكون في الحدود المقبولة، وألا تتجاوزها إلى ما يزعج الآخرين، ففي البداية احمد الله أن زوجتك حساسة، واجتهد أنت معها لتخلصها مما هو "أكثر من اللازم"، بأن تلفت انتباهها برقة، في خلوة تجمعكما سويًا، وفي غير حضور أحد.
2) اعلم أنه على قدر احترامك لأمها وتقديرك لها، وسؤالك عنها، فإنها ستحاول أن تعاملك بالمثل في أمك، بين لها فضل الأم ومكانتها في الإسلام، والأجر الذي أعده الله للبارين بأمهاتهم، وعرفها بطريق غير مباشر، أن رضا أمك من رضاك، وذكرها بفضل أمك عليك، وجهادها الطويل في تربيتك وتعليمك وتأهيلك للحياة، مع التركيز بحديث "البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تان".
3) لا تقلق كثيرًا لعدم تفاعلها مع أهلك، خاصة في الزيارات الأولى لهم، فهذا شيء طبيعي، لأنها ما زالت تعتبر نفسها غريبة عنهم، صلتها بهم ضعيفة، ومدة معرفتها بهم قليلة، وهنا يأتي دورهم، في التقرب منها، والتودد إليها، حتى يكسروا الحواجز التي لا تزال بينها وبينهم، وهنا أنصح بأن يقدموا لها الهدايا (ولو بالتنسيق معك دون علمها)، وأن يدعوها لزيارتهم، وأن يرحبوا بها، و...إلخ.
4) وأما عن كونها "دائمة الطلب بالذهاب عند أهلها"، فهذا أمر طبيعي في الفترة الأولى من الزواج، حيث تعيش في وحدة، وليس لديها ما يشغلها من أولاد، وربما كنت ممن يعملون لساعات طويلة خارج المنزل، مما يجعلها حبيسة الدار لساعات طويلة دون أنيس يجالسها، هذا كله فضلاً عن كونها حديثة عهد بزواج وبعاد على أسرتها التي اعتادت العيش معهم طوال حياتها السابقة، فاصبر عليها، ولا تمنعها من زيارة أهلها، بل أنصحك بأن تبادر أنت بدعوتها للقيام بزيارة أمها وأخواتها، وأن تهاديهم وتجاملهم من أجل تطييب خاطرها.
5) أما مسألة المبيت، فالأصل أن المرأة لا تبيت خارج بيت زوجها إلا لضرورة، وهذا ما يجب أن تفهمها إياه بالرفق واللين والمودة، واعلم أنه كلما شعرت الزوجة بالسعادة مع زوجها فإنها لا ترغب في مفارقته ولا مغادرة منزله، ويمكنك أن تطلب من أمها وأخواتها الكبريات أن يوضحن لها الأمور وينصحنها بطريق غثير مباشرة.
6) واعلم أن حبها لأهلها وتعلقها بهم فطرة إنسانية، وغريزة بشرية، بل إن برها بأبويها وصلتها لأرحامها أمر واجب في شريعتنا الإسلامية الغراء، وأنه لن يصرفها عن تعلقها بأهلها إلا تعلقها بك، فاجتهد ان تجعلها متعلقة بك، محبة لك، لا تستغني عنك، ولا ترغب في قضاء ساعة من وقتها بعيدًا عن زوجها الحبيب الذي ملآ عليها حياتها الجديدة، ولا تغضب من كونها "تمضي ساعات طويلة بالتحدث مع أمها وأخواتها" فهذا كما قلت لك أمر طبيعي خاصة في ظل غيابك عن البيت لساعات طويلة، وعدم وجود طفل يملأ عليها وقتها ويشغلها به.
7) على الرجل أن يعلم زوجته ما يصح وما لا يصح، وما يليق وما لا يليق، وما يحل وما يحرم، فهي ما زالت بعد حديثة عهد بزواج، وحديثة عهد بطباعك وأخلاقك، فعرفها ما تحب وما تكره، وفهمها أن ما يحدث بين الرجل وامرأته من أسرار الزوجية لا يصح شرعًا وعرفًا أن يطلع عليها الآخرون، مهما كانت درجة قرابتهم، ومن ثم فلا يليق بالزوجة ولا الزوج أن يخرجا أسرارهما ولو لأقرب الناس إليهما. وأوضح لها أنه لا يليق بمسلمة أن تنشر تفاصيل حياتها للناس، وأنه مما يغضبك أن تسمع بأذنك أية إهانة أو انتقاد لأمك صاحبة الفضل عليك.
8) لقد أسعدني قولك في رسالتك أنك لم تبد لها "أي رد فعل سلبي"، إزاء كل هذه الملاحظات، فهذا دليل على حسن خلقك وصبرك الجميل وحبك الشديد لها وحرصك على مشاعرها. كما أسعدني أنك مازلت حريصًا على ودها وبرها، واعلم أن هذا السلوك الراقي منك سثيكون إن شاء الله الأساس المتين الذي سيبنى عليه بيتكما، أما عن قولك أنك على الرغم من كل هذا فإنك "تشعر بالأسى"، فلا عليك، ولكن أسألك الله أن تصفح وتعفو وألا يصل هذا الأسى إلى القلب، فمن عفا وأصلح فأجره على الله.
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يتقبل منك نيتك الطيبة وأن يثيبك عنها خيرًا، وأن يصرف عنك الأسى والحزن، وأن يصلح لك زوجك، كما نسأله سبحانه أن يصرف عنكما كيد الشيطان ومكره.. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.