أنت هنا

"أحكام النوازل السياسية".. نحو التأصيل
6 رجب 1433
موقع المسلم

النوازل السياسية هي من أدق مسائل النوازل، وأكثرها إشكالاً، وصعوبة في الترجيح، ومرد ذلك يعود إلى كثرة تشعباتها، ودقائق تفاصيلها، واحتياج الفقهاء فيها إلى استصحاب الأدلة الكلية، والتبحر في أصول الفقه، وفهم المقاصد الشرعية جيداً، نظراً للحاجة إلى كثير من الموازنات بين المصالح والمفاسد.

 

ولعل ما طرأ على بعض البلدان الإسلامية من تغييرات هو ما أعوز إلى مزيد من مدارسة هذا الباب، من قبل متخصصين من أهل العلم؛ فكان هذا التقاطر من كل البلدان بدعوة من رابطة علماء المسلمين لأهل العلم والفكر منها ومن غيرها، لاستعراض ومدارسة بحوث معمقة في النوازل السياسية، وقدمت عشرات الأوراق، وألقيت عديد من المداخلات أيضاً من علماء ومفكرين وباحثين.

 

معظم ما تم طرحه من موضوعات في المؤتمر كان محل بحث يسبق ذلك بكثير، بيد أن المناخ الذي يعاد فيه النظر إلى جملة من المسائل صارت بالفعل محل تحقق ومعاينة، ولم تعد مجرد ترفاً فكرياً لا يواطئ الواقع في كثير من الأحيان؛ فحيث هبت رياح تغيير على كثير من أقطار العالم العربي، وسمع رجع صدى صوتها في سائر البلدان الإسلامية، لم تبق قضية الديمقراطية مبحثاً يحلق بعيداً عن الواقع، بل وجد المتدينون مجالاً يتيح لهم الانخراط في أحزاب وقوى سياسية، ويمارسون الديمقراطية وفق آليات لم يفرضوها بل فرضتها التحولات الجديدة، وبالتالي أصبح لزاماً النظر مجدداً في المشروع من آلياتها، والإفادة منه، والتفريق العملي التطبيقي على أرض الواقع بين الحكم عليها من حيث النظرية والأفكار، والقبول بآلياتها.

 

وإذ أصبح للصوت الانتخابي قيمة في ظل الاعتداد به في بعض الانتخابات النزيهة أو شبه النزيهة، أضحى النظر إلى قضية مشاركة المرأة في الانتخابات خصوصاً والعمل السياسي ملحاً، لتبيان ما يجوز من مشاركتها مما لا يباح في ضوء الثوابت والقواعد المرعية، وحيث نصت قوانين الأحزاب في بعض البلدان التي شهدت تغييرات على شروط يلتزم بها الحزب السياسي، بات من المتحتم أن يصار إلى توجيه المسلمين إلى الأحكام الشرعية في هذا الصدد..

 

وهكذا..
والحقيقة أن ما سبق ليس بدعاً في حقيقته من حيث جدة الأحكام! وإنما الجديد هو كيفية ضبط البوصلة، التزاماً وتحرياً حتى لا يحدث إفراط في هذا الجانب أو تفريط في ذاك، ولنضرب مثلاً بمشاركة المرأة، حيث تفرض بعض القوانين الخاصة بخوض الانتخابات البرلمانية على الأحزاب نوعاً من "المحاصصة" في تمثيل المرأة بحيث يتوجب ترشيحها ضمن قوائم حزبية، وهو ما لا يجعل مثل هذه القضية مما يمكن تأجيله أو التغاضي عنه نظراً لحرج الموقف وصعوبة تجاوزه، وكذلك كيفية تعاطي "الإسلاميين" مع  قضية الديموقراطية وإعلان الالتزام بأحكامها بما يمثله ذلك من تداعيات على المستوى الفكري والتوعوي.. ومثل ذلك كثير.
لذا؛ فقد عمد المؤتمر إلى محاولة إيجاد مقاربة لحلول عملية لا تفضي إلى التفريط في الثوابت، ولا تفويت المصالح، وفقاً لميزان دقيق سعى العلماء إلى بلورته.