6 رجب 1434

السؤال

السلام عليكم.. أنا تائهة، أنا فتاة جامعية والحمد لله متفوقة بدراستي، تقدم لي شاب ملتزم وقام بخطبتي، فمنذ فترة بدأت المشاكل بيننا.. أولا أجلنا عرسنا لأنه لم يستطع توفير مسكن شرعي (البيت الذي بدأ بناءه لم ينته بعد)، وتم الاتفاق على الزواج بعد سنة، لكنني رفقةً به لكي لا يتجه للقروض الربوية أقنعت أهلي بالتأجيل، هو إنسان رائع لكن فيه صفات تضايقني.. مثلا إنه إنسان اعتاد التأجيل وهو الولد الوحيد لأهله؛ فدائماً يشعرني أني دائماً مقارنة بأمه وأخواته فإذا خرجنا معاً يشعر بأن عليه أن يعوض أخواته بطريقة ما، بالإضافة إلى أن ظروفه المادية صعبة، قال لي أهله: إنه يستوجب عليه مساعدتنا؛ فذلك جعلني لا أشعر بالأمان من الناحية المادية، فأنا متعبة وأشعر بالضيق الدائم وأفكر دائماً في تركـه (خصوصا بعدما خطبت صديقتي لشاب أفضل من خطيبي)، لجأت للرقية الشرعية عندما فكرت أن من الممكن أن يكون الذي عندي حسداً لكن بلا جدوى.. ماذا أفعل؟

أجاب عنها:
أميمة الجابر

الجواب

هكذا تتقلب أحوالنا، ففي بعض الوقت ترضي النفس بحالها وتحاول التكيف به لكنها في أوقات أخرى عندما تنظر لمن حولها فتبدأ بالمقارنات وللأسف تتغير تدريجيا فينقلب الرضا إلى سخط، فكل إنسان ينظر إلى غيره متوقعا أنه في أتم السعادة وينظر إلى ظاهره فيغتر به عندما يجده سعيدا مبتسما يخيل له أنه متنعم فيحسده على تلك السعادة.
إن سؤالك يدور حول عدم رضاك بهذا الشخص كونه فقيرا وكونه يهتم بأخواته وأمه، وأن حصول صديقتك على شخص أغنى أثر فيك سلبيا!..
السائلة الكريمة.. عليك أن تعلمي أن الدنيا لم تعط للإنسان كل ما يتمناه، لابد أن تعطي شيئا وتأخر آخر، فكثير من الناس يتجرعون ألماً ولكنهم يرسمون أمام من حولهم عكس ذلك لكنك عليك أن تعلمي أن التعلق بالدنيا هو الذي يجعل الإنسان غير راض عن حاله مهما كان عنده من النعم فيريد المزيد دائما، مما يجلب عليه حزنا مستمرا
وعلى العكس عندما يزهد الإنسان في هذه الدنيا، يملأ قلبه الرضا فيظهر القليل أمامه كثيرا فلا يلتفت نظره لما عند الناس فيملأ الله قلبه شبعا فيشعر دائما بالسعادة، تلك هي السعادة التي تبحثين عنها بعد ما ملأ الحزن قلبك والهم والغم كيانك والبكاء عينك.
فالسعادة الحقيقية في التطلع لما في الآخرة وقد جاءك الإنسان الملتزم الذي وصفتيه وصفا آخر بأنه "رائع" لكن الذي عكر تلك الأحاسيس عندك عندما قارنتيه بخطيب صديقتك، فقد وسوست لك نفسك وساعدها الشيطان على ذلك حتى أخرجها من الرضا للسخط.
اعلمي أنه لا يمكن أن يكتمل إنسان بكل المواصفات كما تريدين لكننا ننظر لأفضل الأشياء عنده وهي خلقه ودينه وقد جاءك الإنسان الملتزم - كما ذكرت - فهذه وحدها نعمة كبيرة حيث قال صلى الله عليه سلم " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير "رواه الترمذي
فلماذا تريدين أن تتركيه؟ هل لأن ظروفه المادية صعبة كما ذكرت؟
فقد وافقت به في البداية وأنت تعلمين عنه كل ذلك، فهو لم يخدعك، بل كان صريحا أمامك قبل الخطبة ووضح لك ظروفه، وصدقه هذا ميزة أخرى عنده.
أما بالنسبة لاهتمامه بأخواته فإنه لم يقارنك بهم بل هكذا الإنسان المحترم الذي يعلم حق الله تعالى ويعلم قدر تعظيم الوالدين وبرهم، أليس هو وحيد أخواته وأمه؟ فلماذا تريدين أن يفضلك عنهم؟
اعلمي أنه لو لم يكن فيه خير لأهله فمستقبلا لن يكون فيه خير لك، فعليك أن تدفعيه لتلك المشاعر الطيبة العظيمة تجاه أمه وأخواته، واعلمي أنه سيزيد لك حبا ومودة عندما يشعر منك هذه السلوكيات النبيلة
فلا تكوني كـبعض الزوجات التي تريد أن تستحوذ على الزوج فتنزعه نزعا من وسط والديه وإخوانه وأخواته ولا تحب إلا أن يهتم بها وبأهلها.
وأما إن أنفق بعض المال على أبويه كمساعدة ففي الحديث "أنت ومالك لأبيك" فإياك عندما يرزقه الله تعالى أن تكونين حاجزا بينه وبين ذلك الثواب فما ينفقه لله سوف يضاعفه الله تعالى له أضعافا كثيرة.
السائلة الكريمة.. فهمت من رسالتك بأنك تخافين الله وذلك عندما ذكرت انك لا تريدين أن تدفعي خطيبك للقروض الربوية فقلبك المؤمن الذي يخاف الله فهو نفسه الذي سوف يرشدك للصواب
فأنت فتاه تتمتعين بالذكاء والتفوق فحاولي ألا تتأثري بمن حولك بل عليك أنت أن تؤثري فيهم وتكونين لهم القدوة إلى الخير.
وإياك أن تفتنك الدنيا بزخارفها فهي تبدو في عين الكثيرات متلونة تحاصرهن بألوانها فتتأثر القلوب والنفوس الضعيفة بتلك الألوان.
فالزوج الملتزم الآن جوهرة نادرة في هذا الزمان تبحث عنه الكثيرات فأنت في يدك نعمة فعليك أن تتحلين بالصبر وتكونين دائما خلفه تساعديه على أن ينهض بحاله ويعلو؛ فكثير من الأزواج يبدؤون حياتهم من نقطة الصفر ثم بفضل الله أولا ثم الزوجة الصالحة ومساندتها له وبتقواهم لله تعالى يرزقهم الله الرزق الكثير، فاعلمي أنه من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب.
وعليك أن تتصدي لوساوس الشيطان وتكوني يقظة مبصرة كالطود الأشم لا تقعي في حيله الماكرة فهكذا المتقون يقول الله تعالى فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201] وليملأ الرضا قلبك حتى تجدي السعادة التي تبحثين عنها.
لا يبقى إلا أن أذكرك أن الخطبة لا تحل حلالاً ولا تبيح محظوراً، وأنك لا تزالين بالنسبة له أجنبية.
فأريه منك خيراً واستمسكي بربك، وامسكي بزوجك الصالح، لعل الله يقدر لكما الخير معاً.