أنت هنا

مصر.. ليست البطاقات كلها في الصندوق
1 رجب 1433
موقع المسلم

ساعات، ويتدفق ملايين المصريين إلى مقارات الانتخابات للإدلاء بأصواتهم لاختيار رئيس مصر التي ينظر إليها على أنها أخطر استحقاق يمر بمصر ما بعد الثورة، وأهمها على الإطلاق، برغم أن برلمان مصر لم يحسم بعد مسألة تشكيل تأسيسية الدستور التي بدورها يناط بها وضع دستور جديد للبلاد، سيكون من أهم بنوده تحديد صلاحيات كل من رئيس الدولة والحكومة والبرلمان، ووضع الجيش وقادته في المرحلة القادمة.

 

ورغم ضبابية ذلك إلا أن منصب الرئاسة يكتسي أهمية فائقة في بلد لم يتعود منذ عقود على قيادة مؤسسية تتوازن فيها السلطات، وهو بذلك يمثل حجر عثرة لأولئك الذين يريدون استمرار علاقة التبعية للغرب التي امتدت على مدى أربعة عقود ـ على الأقل ـ حيث يبدو أن كفة الميزان تميل نحو "رئيس إسلامي" مثلما ترجح صحيفة إندبندنت وتعززه نتائج الانتخابات الرئاسية في الخارج والتي قفزت بالمرشحين "الإسلاميين" د.مرسي، ود.أبو الفتوح في المقدمة متجاوزين منافسيهم بمراحل.

 

وإذ يجادل "نظاميون سابقون" في أن مؤشرات الخارج لا تعبر بالضرورة عن الداخل إلا أن حصول المرشحين "الإسلاميين" على ما يزيد عن 65% في الخارج يشي بأن القادم سيكون "إسلامياً" ما لم يحصل تلاعب في الانتخابات أو ما بعدها، وهو تلاعب بات يقلق قطاعاً عريضاً من المحللين والنشطاء "الإسلاميين" والوطنيين؛ حيث ظل مستقراً تفاهم دولي ما على عدم صعود "الإسلاميين" إلى سدة الحكم في بلدان كثيرة في قلبها مصر صاحبة الأثر الكبير في محيطها، وهذا التفاهم الذي مثل خطاً أحمر لا يمكن الجزم بأنه قد انهار على عتبة "الثورة" وصعود "الإسلاميين" السياسي؛ فمن المرجح أن نجاح مرشح الإخوان د.محمد مرسي سيعني تلقائياً فتح المجال في الأردن وليبيا وسوريا من بعد... الخ لأن تصبح ذات حكم إخواني، وهو ما لا يغيب عن صناع القرار في المنطقة سواء في واشنطن أو لندن أو بروكسل أو باريس أو تل أبيب أو موسكو..

 

إخوان مصر، هم إخوان كتائب فلسطين، أبطال معركة الفالوجا أيام الإمام البنا، هم عاصمة الإخوان في العالم، والسماح لهم هنا يعني فتح الباب على مصراعيه، لاسيما بقية دول الطوق كالأردن وسوريا، ما يستدعي قراراً أممياً؛ فهل تم اتخاذ هذا القرار؟ وإذا كان فما حيثياته؟! وما يقال عن مرشح الإخوان، يمكن أن يقال عن مرشح قضى أقل قليلاً من ربع قرن في مكتب الإرشاد، هو د.عبد المنعم أبو الفتوح وله مواقف ثورية معروفة، وفي ذلك، ترى مجلة نيوزويك أن مثار القلق الأكبر ربما يكون العلاقة المضطربة لأبو الفتوح مع الجيش، معقل النخب القديمة وأقوى مؤسسة فى البلاد. حيث ينظر لأبو الفتوح باعتباره أقل المرشحين رغبة فى استيعاب الجيش، وهو ما أكسبه احترامًا، لكنه يثير شبح عدم الاستقرار فى المستقبل، على حد قول الصحيفة، والتي تتوقع أنه في حال فوزه فإنه "لن يتمكن أبدًا من ترسيخ السلطة أو إرساء الاستقرار فى البلاد".

 

وعليه؛ فنحن إزاء احتمال وجود فائز وتالٍ لا يتمتعان بقبول من الجهات النافذة إلى حد بعيد، ويمثل نجاح أحدهما تحدياً ربما يؤثر في سير العملية الديمقراطية الهشة في مصر، والتي قد تصطدم بصخرة عنيدة من المقاومة لتبوء أحدهما منصب الرئاسة المصرية؛ فحيث مضت العملية الدعائية بسلام إلى حد كبير، وتمضي التوقعات نحو انتخابات نزيهة من جانب قطاع شعبي عريض؛ فإن الواقع قد لا يكون سائراً في هذا الاتجاه، حيث لم تتجاوز مصر حسابات معقدة تتراجع معها قيمة الصندوق الانتخابي نفسه، وربما تعاديه، وإذ يبدو البعض متفائلاً بالأجواء الديمقراطية وشكلياتها البراقة من مناظرات ومؤتمرات حاشدة ودعاية هائلة؛ فإن اللاعبين الحقيقيين قد لا يسايروا هذا النمط البديع، ويشاطروا البسطاء أحلامهم.

 

وما يسترعي الانتباه في مصر اليوم أنها حين تباشر انتخابات بدت مقدماتها نظيفة وشفافة ونزيهة؛ فإن ما يحيط بها من مؤثرات قضائية وإعلامية وسلطوية لا تمضي في الاتجاه ذاته؛ فبطاقات الصندوق ليست وحدها تلك التي يضعها المواطن ببراءة في صندوق الانتخاب، وإنما حزمة من البطاقات تحكمها عملية حسابية دولية معقدة، لابد من متابعتها أيضاً عبر الخارطة الجغرافية لمصر، وحضورها التاريخي، وحضارتها، وثقلها المهاب، إن سرى في غير مسار "دولي" مأمون.
وبين هذا وذاك، يتردد الناس في فهم ما يجري ما بين متفائل وحذر، وفي الوسط من يتوقع نزاهة انتخابية، وسلطات محدودة للرئيس القادم.. ليس لصالح الحكومة وحدها بل أيضاً لصالح اللاعب القوي في البلاد.