17 رجب 1433

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الإخوة الفضلاء.. تزوجت بفتاة بكر تدرس في الجامعة أصول الدين وهي من عائلة طيبة وديّنة وخلوقة.. لكن أمي اعترضت عليّ.. وأبي دائما يدعوني للانفصال عنها.. كل ذلك بسبب عدم جمالها.. ولم يتجاوز عقدي بها الشهرين حتى الآن.. لدرجة أني زهدت فيها وقررت الانفصال عنها؛ لكي لا تكبر المشكلة مستقبلا.. ولمصلحة الطرفين.. أفيدوني بارك الله فيكم مأجورين.

أجاب عنها:
خالد عبداللطيف

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ومرحبا بك أخي الكريم في موقع المسلم، وشكر الله لك ثقتك وحرصك على طلب المشورة.

مشكلتك أخي تتمثل في رفض والديك للفتاة التي عقدت عليها، إلى درجة جعلتك تزهد فيها وترغب بالفعل في الانفصال عنها؛ وذلك بعد شهرين من العقد عليها، وتبرر ذلك بأنه لمصلحة الطرفين؛ لكيلا تكبر المشكلة!

وأقول لك في البدء أخي متسائلا:

وأين كان ذلك قبل هذه المراحل من التعارف والخطوبة ثم العقد؟! وهل الأمور بهذه السهولة كأنها صفقة بيع وشراء يريد صاحبها الرجوع فيها؟! وهل تستسيغ حقا أن تكسر قلوب من تصفهم بأنهم "عائلة طيبة وديّنة وخلوقة" بهذه البساطة!

أخي الكريم.. لا شك أن "الدين" هو الركيزة الأساس في اختيار شريكة حياتك وأم المستقبل لأولادك، كما قال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم قَالَ: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ".

قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: "الصحيح في معنى هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع، وآخرها عندهم ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين،... وفي هذا الحديث الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شيء؛ لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم وحسن طرائقهم ويأمن المفسدة من جهتهم".

وفي تحفة الأحوذي: "قال القاضي رحمه الله: من عادة الناس أن يرغبوا في النساء ويختاروها لإحدى الخصال، واللائق بذوي المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون، لا سيما فيما يدوم أمره، ويعظم خطره" اهـ .

‏وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عند ابن ماجه: "لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن - أي يهلكهن - ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة سوداء ذات دين أفضل".

ولعلك أخي الكريم كنت على دراية بذلك يوم اخترت هذه العائلة الطيبة كما تصفهم، فأبشر ببشرى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في قوله: "تربت يداك"!

نعم، لو كنت في مرحلة الاختيار لكان من السائغ أن تراعي ما تحب وترغب من صفات الجمال قدر الإمكان، بالإضافة للركيزة الأساس "الدين"، ومن أجل هذا شرع النظر للمخطوبة قبل الارتباط للتحقق مما يرغب فيه الخاطب.‏

‏أما وقد عقدت على زوجتك منذ شهرين؛ فهذه دلالة على أنك بنيت اختيارك على أساس الدين ورضيت بالصفات المتوفرة في زوجتك مع ما تصفه من الخير فيها وفي أسرتها.

واعلم أخي المبارك أن الجمال نسبي، وليس في الصفات البدنية والحسية فحسب، بل إن المرأة قليلة الجمال تكون بحسن تبعلها لزوجها وجمال روحها وطيب عشرتها أفضل نساء الأرض في عينه الراضية عنها. وهذا مشاهد معروف، وإنما تنعم البيوت وتهنأ بالدين والعشرة بالمعروف بين الزوجين.

وفي المقابل كم من البيوت تشقى وتتنغص بسوء العشرة والنشوز ولو كانت الزوجة جميلة الجميلات!

ولعلي أقسو عليك بعض الشيء (قسوة المحب المشفق) بأنك تعاني من التردد في شأنك، فما هكذا أخي الحبيب يورد الزواج وبناء البيوت! وما هكذا نستهين بأمر الطلاق ونقض الميثاق الغليظ!

وأما مسألة إرضاء الوالدين في هذا الأمر: فقد كان في الأمر سعة قبل العقد، وكان الأمر قابلا للأخذ والرد، وكان بوسعك أن تجعل لرأيهما الكريم اعتبارا في اختيارك؛ برا بهما وإحسانا إليهما. مع أنك حتى في هذه الحال (قبل العقد) يسوغ لك أن تقوم باقناع والديك بأخلاقها ودينها وسلوكها، كما تستطيع هي أن تبادرهما ببعض السلوكيات الإيجابية، أما إن رفضاها رفضا تعسفيا لاوجه لها بالمرة فإنك عندئذ قد يكون لك مندوحة في حرية الاختيار بعيدا عنهما خصوصا إذا كان يتصادم مع مرضاة ربك ووصية نبيك صلى الله عليه وسلم، مع مصاحبتهما بالمعروف والبر بهما ومواصلة استرضائهما مرة بعد مرة.

فاستمسك أخي بهذه الفتاة وأسرتها الطيبة؛ فإني أستشعر أن الخير ينتظرك لتأسيس بيت مبارك على قواعد السكينة والمودة والرحمة. وفي الوقت نفسه استعن بالله تعالى وادعه في أوقات الإجابة بتليين قلب والديك، ورضاهما عن هذا الزواج، مع استمرار البر بهما والاجتهاد في إقناعهما، كما يمكنك توسيط من ترى له حظوة لديهما من عقلاء العائلة ليعينك في إقناعهما.

واعلم أخي الكريم أن حسن مقصدك وبناء اختيارك على الدين سيجعل الله لك به من أمرك يسرا، من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا؛ بإذن الله تعالى وفضله وإحسانه.