28 جمادى الثانية 1434

السؤال

أخي في الصف الخامس الابتدائي، ولا يستطيع القراءة والكتابة، ولما اكتشفت المشكلة حاولت معه، وابتدأت بتحفيظه الحروف الهجائية، ولكنه لم يحفظها، مع قدرته على الحفظ، وعلمت ذلك من خلال حفظه للأناشيد، ولا أدري ما الحل لتعليمه القراءة والكتابة.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أختنا الفضلى:
السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكِ، وشكر اللهُ لكِ ثقتكِ بإخوانِكِ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
شكر الله لكِ هذه النية الطيبة، وهذه الرغبة المحمودة في محو أمية أخيكِ، وأسأل الله عز وجل أن يجزيكِ عنه خير الجزاء، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتك يوم القيامة، اللهم آمين.
والحق أن مشكلة أخيكِ هذه تفتح جرحًا غائرًا، وملفًا مهملاً ومسكوتًا عنه في أمتنا العربية، ألا وهو "ملف التعليم"، فغالبية دولنا العربية لا تلقي بالاً للتعليم، ولا تهتم بالأمر كما يجب.
ولمعلوماتك - أختنا الفضلى- فإن العدد الأميين في العالم العربي، الذي تخطى عدد سكانه الـ350 مليوناً، وصل إلى نحو 100 مليون أمي، ويكفي أن تعلمي أن ‏12‏ مليون طفلاً في العالم العربي في سن الإلزام خارج منظومة التعليم، وأن التعليم الابتدائي أو الأساسي في المنطقة العربية لا يستوعب كل من هم في سنة التعليم.
والإحصاءات تؤكد أن من هم في سن التعليم لكنهم خارج التعليم: في جيبوتي 64%، وفي السودان 54%، وفي جزر القمر 45%، وفي موريتانيا 32%، وفي اليمن وعمان 28%، ........وهكذا.
وحسب تقرير المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الألكسو" فإن: متوسط نسبة الأمية في العالم العربي وصلت إلى 29.7%، وأنها ترتفع بين النساء إلى 46.5%، فنسبة الأمية بين المغربيات وصلت إلى 62%، وبين السعوديات وصلت إلى 27%.
أقول هذا، وأقدم كل هذه الأرقام والنسب والمعلومات، لأكشف لكِ – أختنا الكريمة- عن حجم المأساة التي يعيشها عالمنا العربي، والتي يمكن تلخيصها كما قال علماؤنا ومفكرونا ودعاتنا بأن مأساتنا أن (أمة اقرأ لا تقرأ)، فنحن الأمة الإسلامية التي علمت الدنيا، صار الجهل بأوليات القراءة والكتابة عنوانًا لنا للأسف الشديد. وهذا يحتاج إلى جهود مخلصة، ومسئولين يتقون الله فينا، وأموال كثيرة في أيدٍ أمينة، إضافة إلى نية خالصة، وعزيمة أكيدة، وصبر جميل.
وبخصوص مشكلة أخيك، فإنني أستعين بالله، وأنصحك بالآتي:
1- قومي بعمل زيارة للمدرية التي يدرس بها، وقابلي مدرية اللغة العربية بالمدرسة، واسأليها عن مستواه، واطلبي منها أن تعطيه مزيدًا من الاهتمام، أقول هذا لأن التجربة أثبتت أن التلميذ يهتم بتنفيذ كلام مدرسته أو مدرسه أكثر من اهتمامه بتنفيذ كلام والديه، أو إخوته، خاصة فيما يتعلق بالمقررات الدراسية.
2- اجلبي له مدرسًا خاصًا في المنزل، ليقوم بالشغل معه، وحددي له مهمته، في جعله يستطيع القراءة والكتابة بجودة عالية، وأنا أعتذر عن قول هذا، وأرفض من داخلي فكرة الدروس الخصوصية، غير أن الواقع السيئ للتعليم في عالمنا العربي، حيث الكثافة الكبيرة، وقصر وقت الحصة، والمناهج المكتظة، وطريقة التدريس التي تعتمد على التلقين والاستظهار، دون تنمية التفكير، والحث على الابتكار والإبداع، ... إلخ، كل هذا يجعلني أقبل الأمر استثناءً للقاعدة، وخاصة في مثل حالة أخيكِ.
3- خصصي له محفظًا للقرآن، ليعتني به، ليس من ناحية الحفظ (في هذه المرحلة بالذات) وإنما ليقوم بتدريبه على القراءة الصحيحة، مع تقويمه، ومراجعته على الدوام، وعمل واجب يومي له لكتابة 3- 5 آيات فقط، لعدة مرات، ويمكن الاستعانة بكراسة الإملاء، من مادة اللغة العربية والتي تحتوي في الغالب على آيات قرآنية كريمة، وأحاديث نبوية شريفة.
4- قومي أنتِ بدور المتابعة والمراقبة له، وتحفيزه على أداء الواجبات، ومراجعة الآيات، وشجعيه برصد المكافآت (ولو في المرحلة الأولى)، وانظري ما يحب لتجعليه له مكافأة على اجتهاده.
5- استثمري التكنولوجيا الحديثة، في مساعدته على القراءة والكتابة، عن طريق استخدام الأقراص المدمجة (السيديهات)، وخاصة تلك التي تهتم بتعليم القراءة والكتابة، من خلال عرض الصور، والنطق الصوتي لأسماء الأشخاص أو الأشياء أو الفواكه أو الحيوانات أو........إلخ، فربما كان الكومبيوتر وسيلة لجذبه للتعلم، مع التوصية بمراقبته الدائمة، وتخصيص ساعة أو اثنين فقط يوميًا لذلك.
6- طالما أنك تعترفين بقدرته على الحفظ، وهو ما بدا واضحا من قولك (مع قدرته على الحفظ، وعلمت ذلك من خلال حفظه للأناشيد،)، فيجب عليكِ أن توظفي ما يحب وما يجيد للوصول إلى تريدين، حيث يمكنك الانطلاق من الأناشيد الإسلامية الجميلة، والمحببة إلى قلبه، بأن تجعليه يستمع إلى النشيد، ثم تطلبي منه أن يردده، ثم يقوم بكتابته في كراسة خاصة، وتقومي له الأخطاء، .......وهكذا.
7- أوصيك قبل هذا كله وبعده، باللجوء إلى الله، والدعاء له، بأن يفتح الله عليه، وأن ينير بصيرته، وأن يحببه في طلب العلم، فسلاح الدعاء لا يستهان به أبدًا، وكلما أخلصنا في الدعاء له، وأخذنا بأسباب الفلاح والتعليم، فإن الله عز وجل سيفتح له أبواب التعليم، ويجعله من المقبلين على العلم، المحبين للدراسة، فتوكلي على الله، واستعيني بالله.
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يجعل في كلامنا الأثر، وأن يتقبل منك نيتك الطيبة في تعليم أخيك، وجهدك الطيب لرفع مستواه، ومحو أميته، كما أسأله سبحانه أن يثيبك عليه خيرًا، وأن يهد قلبه لطلب العلم، وأن يصرف عنه كيد الشيطان ومكره.. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.