أنت هنا

ليبيا التي يطوقونها
1 ذو الحجه 1432
موقع المسلم

رغم إعلان تحريرها، ومشهد السجود الآسر للألباب الذي قام به رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل، أثناء خطابه الشهير الذي بشر فيه بتطبيق الشريعة وإلغاء كل قانون يخالفها، إلا أن طلب التمديد للناتو والتدخل البادي في الشأن الليبي يبعث على القلق.

 

لا أحد ينكر في الحقيقة أن تباطؤ الناتو في التدخل إلى حين اضطرار الثوار إلى تقديم جملة من التنازلات المعلنة وغير المعلنة حين تركت قوات القذافي لتقترب جداً من بنغازي، وازدياد الرعب من حصول مجزرة فيها، كان كله مقصوداً لابتزاز المجلس الانتقالي والثوار إلى الحد الأقصى من درجات الابتزاز، ولا أحد ينكر أن الثوار حينها كانوا في وضع لا يحسدون عليه وأنهم لم يجدوا بديلاً حينها في ظل تقاعس الدول العربية والإسلامية المعتاد عن نصرتهم، ووقوعهم وقتها بين مطرقة القذافي بل مقصلته، وسندان الحلف الأطلسي؛ فاختاروا أهون الشرين في تقديرهم، وبالتالي فإن أي قراءة لما يحصل في ليبيا لابد أن تأخذ هذه اللحظة في حسبانها كي لا تعيش مع أحلام خطاب عبد الجليل طويلاً.

 

صحيح أن القسم الأكبر من الثوار كان من المتدينين، وأن الحضور الإسلامي في الثورة كان كبيراً، لكن الناتو لم يكن هيئة خيرية، ولا حتى شركة اقتصادية تسعى إلى تحقيق مكاسب تقتصر على الجانب الاقتصادي وحده؛ فمنح الدول الأوروبية المشاركة في المجهود الحربي ليس هو غاية ما يتمناه الأوروبيون، والأمريكيون أيضاً.

 

وما تبدى خلال الأيام الماضية من التحفظ على خطاب عبد الجليل بل وطلب توضيح حول مسألة الشريعة منه، والتي صدرت على لسان مايا كوسيانسيتش المتحدثة باسم وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون : "ننتظر من ليبيا الجديدة ان تستند الى احترام حقوق الانسان والمبادئ الديمقراطية".
ومثله ما أعلنته وزارة الخارجية الفرنسية أن فرنسا ستكون "متيقظة" بشأن احترام حقوق الانسان خصوصا المساواة بين الذكور والإناث في ليبيا، وقول المتحدث باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو في مؤتمر صحفي: "سنكون متيقظين بشأن احترام حقوق الانسان والمبادئ الديمقراطية خصوصا التنوع الثقافي والديني والمساواة بين الرجال والنساء التي تتمسك بها فرنسا بثبات"، وذلك كله غضباً من تصريح عبد الجليل حول السماح بتعدد الزوجات، وهو ما أقلق الحساسيات الخارجية من الإسلام..
 

 والأهم منه الحديث المتكرر والمتواتر عن "فوضى السلاح في ليبيا"، وتسليط سيف "حقوق الإنسان" على قوات الثوار وابتزازها من جهة المطالبة بالتحقيق في "انتهاكات" حقيقية أو مفترضة، ومنها مسألة قتل القذافي التي كان الناتو ـ بحسب ما تعلن بعض أطرافه ـ ضالعاً فيها، والتي صارت مثل كرة الثلج تكبر مع ازدياد مخاوف الغرب من هيمنة الإسلاميين على ليبيا ما بعد القذافي..

 

صحيح أن ثمة فوضى سلاح في ليبيا، وأن ثمة انتهاكات يمكن توقع بعضها في ظل انفلات أمني محدود، ورغبات جامحة بالثأر لدى أسر عشرات الآلاف من الشهداء وأهالي الجرحى وعشائرهم، لكن ذلك لا يعني أن يترجم بتغليب فريق من الثوار على آخر ضعيف، ولا يبرر زرع عملاء غربيين في بعض دواليب الحكم في ليبيا، ولا يعني بالطبع تجريد الثوار من أسلحتهم، ولا تهميش قادة الثورة الحقيقيين لحساب جهات يرغب الغرب في أن تنفذ سياسته في ليبيا، وتحول دون صيرورة ليبيا دولة إسلامية تحكم بما يراه شعبها جديراً بالحكم فيها، وهو الشريعة الإسلامية الغراء..

 

إنهم يسعون الآن لتطويق ليبيا من أجل هذا، لا قوانين إسلامية، ولا سلطة في يد الإسلاميين، ولا سلاح في أيدي الثوار الحقيقيين.