أنت هنا

باكستان وأمريكا.. نهاية حلف مدنس!!
6 ذو القعدة 1432
موقع المسلم

واشنطن تهدد بضربات عسكرية في باكستان ضد جماعة حقاني وباكستان ترد بقوة لأن وضع النظام شديد الهشاشة وليس لأن الساسة ناموا في الخيانة سنوات ثم استيقظوا فجأة على روعة الشرف ومزايا الوطنية!! وهم الذين تعاموا عن قتل ابن لادن في أراضيهم من قبل القوات الخاصة الأمريكية!!

 

فالجنرالات الأمريكيون اتهموا إسلام أباد بالتواطؤ مع طالبان وهي لغة استعلائية فوقية وإلا فهنالك قنوات دبلوماسية تحتوي مثل هذه الاحتقانات عادة بين الدول،وعند الاضطرار توكل المهمة إلى وزارة الخارجية لتتحدث بلغة لبقة وناعمة.
ولعل واشنطن التي تبحث عن كبش فداء بعد هزائمها العسكرية ثم السياسية-وأبرزها رفض طالبان التفاوض معها قبل جلاء الغزاة!!- وجدت في باكستان بضعف قيادتها وفقرها والفيضانات التي زادت وضعها سوءاً، وجدت فيها الحلقة الأضعف الملائمة لجعلها كبش فداء يمكن تحميله وزر الانتكاسات الصليبية بعامة أمام الرأي العام الغربي المتشوق إلى الخروج من مستنقعات ما يسمى"الحرب على الإرهاب". وهذا التشوق ليس مدفوعاً بحوافز أخلاقية في مجتمعات تؤله المادة وتعبد الشهوات، ولكن لأسباب نفعية صرفة.

 

ومما شجع إسلام أباد كذلك على التصدي الحازم ووضع قواتها في حالة تأهب قصوى تحسباً لأي حماقة أمريكية، إدراك الباكستانيين عجز أوباما عن فتح جبهة جديدة وهي التي تسعى إلى إقفال ملفات هزائمها في المشرق الإسلامي كله.
وهذا يعني بعبارة أكثر وضوحاً، أن الطرف الخاسر في أفغانستان –أي:الغرب بقيادة العم سام-عليه الإقرار بأن قواعد اللعبة يجب أن تتغير. فطالبان تكاد تكمل انتصارها التاريخي على الناتو بقضه وقضيضه، الأمر الذي يعيد القضية إلى المربع الأول ويخلط الأوراق في المنطقة كلها.

 

وهنا يحق لباكستان /الشعب لا النظام أن تجلس في الجانب الرابح من الحرب،بالرغم من مشاركة حكوماتها التابعة الذليلة في صف الغزاة!! فباكستان بالمعنى الإستراتيجي الذي فرّط فيه الخائن برويز مشرف وأخلافه سوف تشترك في قطف ثمار نصر رائع لم تشارك فيه بل عملت ضده تماماً. فخصوم باكستان التاريخيون-الهنود- هم الأشد خسارة إقليمياً من عودة الأمور إلى سياقها الطبيعي، أما الخاسر الثاني في المنطقة فهو إيران التي تتحالف مع روسيا والهند ضد باكستان!!

 

والأرقام الرسمية نفسها تتحدث عن أن "الحرب على الإرهاب" فتكت بـ 3آلاف عسكري و30ألف مدني من باكستان، وهذه الحرب بالوكالة عن الغرب والتي تسدي خدمات مجانية للأعداء التاريخيين لباكستان، أوهنت إسلام أباد داخلياً حتى أخذت تهدد وحدتها الإقليمية، فضلاً عن تفشي مشاعر الاحتقار  للجيش في أوساط الشعب الباكستاني وذلك للمرة الأولى، إذ اعتاد الباكستانيون أن ينظروا إلى جيشهم بكثير من التبجيل، حروب الآخرين هذه قزّمت باكستان  أمام الغطرسة الهندية، بل وأمام الاستكبار الإيراني في حين كانت إسلام أباد ترمق طهران بازدراء وكثير من اللا مبالاة، حيث كانت حكومة طالبان حليفة باكستان تقف وحدها سدّاً منيعاً في وجه الأطماع الصفوية في المنطقة!!

 

إن إستراتيجية أمريكا الكبرى منذ أحداث11/9/2001م، تتلقى الضربة تلو الأخرى، بصرف النظر عن "إنجازات" تتعلق بقيادات تنظيم القاعدة ذات الطابع الاستخباري، الذي يؤكد الفشل بدلاً من أن ينفيه، فهذه الـ"نجاحات" أتت بعد عشر سنوات من المطاردة الأممية المضنية لأفراد معدودين على أصابع اليد الواحدة. فقوام تلك الإستراتيجية مغالطة تاريخية متعمدة،وهي أن العداء مع المسلمين كافة لكنها تتخفى وراء تنظيم هلامي ليس له حاضنة اجتماعية في محيطه!!

 

وعليه،فما لم تبدأ واشنطن بالخطوة الأولى للعلاج –أي الإقرار بوقوع الداء- فإنها سوف تظل في حالة صدام تفرضه على أمة الإسلام فرضاً، ثم تطرح سؤالها الساذج:لماذا يكرهوننا؟!
وسوف تتلقى مزيداً من الهزائم النكراء،من فلسطين إلى أفغانستان مروراً بالعراق الذي ما زالت آلة الدعاية الغربية تصوره على أنه إنجاز تاريخي غير مسبوق.
ولعل انتكاسات العم سام على يد الشباب العرب في ظل ربيع الثورات الشعبية السلمية، تكفي لتنبيه النائمين منذ قرون، إلى ضرورة مراجعة أسس السياسة الخارجية الأمريكية وبخاصة إزاء العالَم الإسلامي.