أنت هنا

الخليج العربي والفرصة السانحة في سوريا
6 رمضان 1432
موقع المسلم

فيما ترشح أنباء وتكهنات في العواصم الغربية عن احتمالات تقليل الوجود الأمريكي في الخليج، وإغلاق بعض القواعد العسكرية بدوله في أعقاب الإعلان عن رفع سقف الدين الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية تجنباً لإعلان إفلاس الدولة العظمى الأولى في العالم، وهو ما يترجم عسكرياً إلى تقليل الإنفاق العسكري والانكفاء على الداخل نسبياً، وبما يستتبع ذلك من تبخر احتمالات تورط واشنطن في أي حرب مستقبلية في المنطقة إلا في حالات قصوى تهدد وجود الولايات المتحدة نفسها، وبما يعزز من توقعات تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة على حساب النفوذ الإيراني؛ فإن الموقف الخليجي من أحداث الثورة السورية يبدو إذ ذاك غريباً بعض الشيء.

 

الأصل معروف، وليس بحاجة إلى كثير بيان فيما يخص ضرورة أن تقف الدول الخليجية خصوصاً والعربية والإسلامية عموماً موقفاً مسانداً للثورة السورية وتطلعات الشعب السوري في حياة كريمة، وحقناً لدماء أبناء الشام، وهي أولى ما يوقف إلى جواره لعظم حرمة الدم المسلم عند الله سبحانه وتعالى، ومن قبل حفظاً للدين الذي يستبيحه النظام السوري الذي أظهرت ميليشياته الهرطقة والتجديف والإمعان في الاعتداء على كلمة التوحيد وادعاء الألوهية أحياناً للرئيس السوري، واستهدافاً للمساجد، والاعتداء على المقدسات بما يفوق ما فعله الكيان الصهيوني وبما يجاوز بعدة مراحل ما أشعل المسلمين حرقة على دينهم في المسألة الدنماركية وغيرها، وهي مسائل غنية عن التوضيح، ولا تخطئها عين السياسة والدبلوماسية الخليجية اتساقاً مع دساتيرها ومقرراتها الشرعية.

 

والأصل نعليه بالفعل، ونحسب أن كل مسلم غيور يتفطر قلبه كمداً وحزناً على أهلنا في سوريا الذين يسامون سوء العذاب من فرعونها، ويتمنى أن لو جأرت كل المساجد بالدعاء لهم لينجيهم الله مما هم فيه وينصرهم على عدوهم ويشف صدور قوم مؤمنين، غير أننا لابد وأن نشدد على جانب آخر من المشهد تمليه علينا اللحظة وفرصتها السانحة التي تمنح الساسة في الخليج مجالاً لتغيير المعادلة الإيرانية لصالحهم، والتعويل على ذاتها بالأساس في تأمين الخليج وكبح جماح الأطماع الخارجية، وهو ما ينبغي أن ينعكس على موقف تلك الدول من إحدى ركائز الهلال الشيعي والحلف الإيراني ضدها/النظام السوري.

 

إن موقفاً أكثر حزماً وفعالية من دول الخليج إزاء هذا الطيش الذي يمارسه نظام بشار الذي لا نشك في سقوطه وفي كونه سيترك من بعد جرحاً غائراً في نفوس السوريين إزاء الصمت الخليجي والعربي، سيؤمن بالضرورة حماية أنجع للأمن القومي الخليجي، وسيقفز بالخليجيين إلى دائرة التأثير الفعلي فيما يحدث بسوريا وفي المنطقة برمتها، وسيمنح لهم وضعاً استراتيجياً هائلاً يمتد من لبنان إلى العراق كنقطة ارتكاز تعزز من قيمة الفعل الخليجي في العالم كله، وسيكسر حلقة متينة في حلقات الحلف المعادي لدول الخليج، وسيفرض الكلمة الخليجية في عالم سياسة المنطقة.. فهل تريد الشعوب إلا ذاك؟

 

معلوم أن الموقف الغربي عموماً، والأمريكي، و"الإسرائيلي" خصوصاً يدفعان في اتجاه وأد الثورة السورية وتأبين الثوار بشكل "مظهري حنون"، وهو يدرك في قرارة نفسه أن نظام بشار هو الأهم من نظام مبارك الذي لم يدافع عنه في الأخير عندما وضع في قفص الاتهام، ولا يود التضحية به بسهولة، لكن هذا الموقف الأمريكي من الناحية السياسية البحتة – حتى دون النظر للمسألة الأخلاقية – يحمل ضرراً بالغاً بالاستراتيجية الخليجية ويزيد من احتمالات الابتزاز والنزف الاقتصادي وتعريض الأمن الخليجي للخطر، ومن ثم؛ فإن الخطر كل الخطر في التساوق مع هذا الموقف الغربي والإحجام عن التمايز عنه، والتأسيس لسياسة إقليمية أكثر ملاءمة لعالم ما بعد الثورات العربية.