أنت هنا

الفتن التي تواجه المسلم في دار الكفر وموقفه منها
2 شعبان 1432
اللجنة العلمية

أولاً: الفتن التي تواجه المسلم في دار الكفر:
يتعرض المسلم في دار الكفر لفتن الشهوات والشبهات والتي انحرف بسببها كثير من أبناء المسلمين، وذكر أحد الباحثين من طلاب العلم وقد عاش في ألمانيا منذ أكثر من اثنتي عشرة سنة بأن المسلم عند قدومه لأوروبا تواجهه فتن من أهمها(1):
1- انعدام رقابة المجتمع المحيط به في البيت والشارع والمدرسة ومقر العمل والتي تبعث على الحياء من إظهار المخازي والمساوئ فإذا كان المسلم في مجتمع لا يعرف الحياء والأدب ويكثر فيه التعري والمجاهرة بالمنكرات والمشين من الأخلاق والعادات قل حياؤه وضعف إيمانه وضاعت مروءته.
2- قلة بقاع الخير وأهله: فالمسلم هناك يعاني من قلة المساجد والعلماء وأهل الخير ومنتدياتهم ويجد في المقابل وفرة وكثرة لبقاع الشر وأهله حيث تنتشر دور البغاء وحانات الخمور وأماكن اللهو الباطل والفساد العريض ودعاة الشر والباطل وجرأتهم.
3- كثرة المنصرين ودعاة الباطل وأعلام الضلال: فينشط في تلك البلاد من يلبس على المسلمين في أصول دينهم وفروعه ويسعى لإضلالهم وفتنتهم عن دينهم.
4- فشو الزنا والخمر والمال الحرام والاختلاط والتبرج والسفور وغيرها من المنكرات؛ لأنه إذا انعدمت الرقابة فحدث ولا حرج عن الانفلات الأخلاقي واتباع الشهوات والملذات بكل طريق ولا شك بأن مشاهدة المسلم لمثل ذلك ووجوده في بيئة كهذه فتنة له في دينه وخطر على عقيدته وخلقه.

 

5- تحكيم القوانين الوضعية: فكل نزاع قد يحدث للمسلم في تلك البلاد تفصل فيه محاكمهم الوضعية ولا مجال للتحاكم إلى شريعة الرحمن وتزداد خطورة هذا الأمر في المشاكل العائلية والنزاعات الزوجية حيث يقف القانون هناك إلى جانب الزوجة لا سيما إذا كانت من تلك البلاد كما يكون الأولاد عرضة لتحويلهم إلى دور الحضانة حيث يتعلمون القيم والعادات غير الإسلامية بل ويتعرضون للتنصير أو التهويد.
6- الاعتداء على نفس المسلم وماله وعرضه: فقد زادت موجات العنف ضد المسلمين في بلاد الكفار لا سيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حين هدمت أبراج مركز التجارة العالمي في أمريكا ونسب ذلك للمسلمين فتولد لدى كثير من المتعصبين فيتلك البلدان حقد أشعل ما كان في صدورهم من أحقاد سابقة دفينة فتعرض كثير من المسلمين للقتل وسلب المال ومصادرة الممتلكات والحقوق، والحبس ظلماً وعدواناً والإذلال.
7- التضييق على المسلمين في دينهم حيث يجد المسلم صعوبة في إقامة شعائر دينه أو إظهار ذلك في بعض الأماكن ويتعرض لعقوبات واعتداءات في بعض الأحوال.
فهذه نماذج من الفتن التي تواجه السائح المسلم في بلاد الكفار وهي كثيرة متنوعة وتتفاوت في خطورتها وقوتها أو ضعفها بحسب الزمان والمكان(2).

 

ثانياً: الموقف من هذه الفتن:
يجب على المسلم أن يتقي ربه – عز وجل – ويعتصم بكتابه وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويجتنب مواطن الفتن وأسبابها، ويهاجر من كل بلاد لا يقوى فيها على القيام بما وجب من شعائر الإسلام فراراً بدينه من الفتن ما لم يكن عاجزاً(3)، كما قال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً) (النساء:97-99).
فلا يجوز للقادر على الفرار بدينه وخُلُقِهِ من الفتن أن يبقى في مواطنها ويتعرض لأسبابها ويشهد أماكنها فإن حاضر المنكر كفاعله إذا كان باختياره لغير حاجة شرعية(4)، قال الله سبحانه وتعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (الأنعام:68)، ويقول سبحانه: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) (النساء: من الآية140). ومن هذا الباب الهجرة من دار الكفر والفسوق إلى دار الإسلام والإيمان فإنه هجر للمقام بين الكفار والمنافقين الذين لا يمكنونه من فعل ما أمر الله به(5)، ومن هذا قوله سبحانه: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (المدثر:5).

 

أما من كان قادراً على إقامة شعائر دينه في تلك البلاد وكان في بقائه مصلحة راجحة من دعوة أو تعليم أو كان ثَمَّ ضرورة لبقائه فعليه بالسعي فيما يعصمه من الفتن باجتناب أسبابها ومواطنها وغض البصر وتحصين الفرج والالتجاء إلى الله عز وجل بالدعاء والعبادة والصلاة فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وتقطع دابر الفتنة وتعمق الصلة بين العبد وربه وتربي النفس على الصبر والمجاهدة، كما أن عليه القيام بواجب الدعوة إلى دين الله عز وجل وتبصير الناس بالحق وجمع كلمة المسلمين في تلك البلاد وتقوية شوكتهم وتكثير سوداهم وأن يعامل أهل تلك البلاد من غير المسلمين باللطف واللين إذا طمع في إسلامهم؛ لأن ذلك من التأليف على الإسلام(6).

 

ـــــــ

(1) ينظر: أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب، سالم الرافعي، ص77، بتصرف.
(2) ينظر: المصدر السابق، بتصرف.
(3) ينظر: فتاوى اللجنة الدائمة، جمع أحمد الدويش (12/47-59) و(362، 252)، و(2/68)، والمفيد، لابن جبرين، جمع العريفي، ص (1430145)، بتصرف.
(4) ينظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام بن تيمية، (28/203-204)، بتصرف.
(5) المصدر السابق.
(6) ينظر: فتاوى اللجنة الدائمة (12/47-59-252-362) و(2/68)، والمفيد، لابن جبرين (143)145)، وأحكام الأحوال الشخصية، للرافعي، 79 وما بعدها، بتصرف.