3 ربيع الثاني 1432

السؤال

السلام عليكم، أنا أعيش حياة مرة وقاسية فبعد أن خطبني ابن عمتي الذي يفوقني ب20 عاما ورفضي له صرت أحس أنني لن أتزوج مستقبليا بل وعائلتي تنظر لي كأنني عانس... أعطني حلا يخفف علي.

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

أختي السائلة الكريمة أقدِّر معاناتك وإحساسك، كما أراعي نفسيتك الحزينة التي ربما سببتها ظروفك المحيطة بك، وكذلك نظرة أسرتك، ولكن من واجبي أن أرشدك لما فيه الخير، وأساعدك لتتخلصي من خواطرك السلبية والتي منها:
شعورك بأنَّ حياتك مرة وقاسية، وهذا الشعور يصيب الشخص بالكآبة والحزن والإحباط النفسي، وأنت مسلمة قوية بدينك، وقوية بإيمانك بأنّ كل ما يصيبك في الدنيا من سرّاءٍ أو ضرّاءٍ هو من تقدير الرحمن وتصريفه، فالواجب عليك الرضا بكل ما قسمه الله لك قليلاً كان أم كثيرًا، خيرًا كان أم شرًّا، وتأكَّدي بأنَّك بهذا الرضا ترتعين في جنات العرفين بالله، ممّن صارت أقدار الله عز وجل أحبَّ إليهم من هوى أنفسهم، وأفضل من ملذّاتهم وأحلامهم وأمانيهم الصغيرة..
حياتك جميلة أختي الكريمة بحبك لله، وبرضاك عن الله وعن أقدار الله، وبقوة إيمانك وثقتك بالله، هذه الثقة التي تمنح النفس الضعيفة قوةً وعزيمةً على مواجهة كل التحدِّيات والصعوبات والمشاكل والابتلاءات والمحن التي تُمتحن بها في الدنيا.
فعليك بالرضا في كلِّ أحوالك، والصبر لحكم الله، والإخلاص في التوكل على الله والاستسلام له، فذاك ذروة سنام الإيمان بالله.
وتأكَّدي بأنّك إنْ وطَّنْتِ نفسك على الرضا، عِشْتِ في الدنيا حياةً طيبةً كريمة، ولا تعرف الهموم والمكدِّرات إلى قلبك سبيلاً.
وبهذا توقِدين شعلة الطموح في نفسك، فتتفوَّقين على كلِّ أحزانك وهمومك، وتنجحين في التعامل مع أسرتك والإحسان إليهم، وكسب مودتهم ومحبتهم واحترامهم لشخصيتك، ولتصرفاتك ولاختياراتك، بما فيها اختيارك للزوج الذي ترينه كفؤاً لك، ومن توفرت فيه شروط ومقوِّمات الدّين والصَّلاح، والقادر على إسعادك.
تأكّدي بأنَّكِ تمتلكين من القوة والكفاءة ما تصنعين بها نجاحك بنفسك وباستقلالٍ عن مساعدة غيرك، فما عليكِ إلاَّ أن تُباشِري وظيفتك داخل أسرتك ووسط مجتمعك، وتستغلّي ملكاتك ومواهبك مهما كانت بسيطة، وتغيِّري من طريقة تفكيرك بحياتك، وتقييمك لشخصيتك، وتثقي بنفسك وبقدراتك، وتسعيْ لتصيري عنصرًا نشيطاً وفعّالاً، يفرض وجوده واحترامه على الكل.
ولْتُجَدِّدي نظرة أسرتك، ونظرة كل من يتعامل معك، حين تَرتقي بهم ومعهم في مدارج أعظم وأسمى من مشروع الزواج وعدم الزواج، وحين تثبتي لهم بأنّه لا يتعدَّى أن يكون مشروعًا من بين مشاريع حياتك لا حياتَك كلَّها، وأنّه حلمٌ من بين أحلامك لا كلّ أحلامك، وأنّه هدفٌ من بين أهدافك لا كلَّ أهدافك..
ولتنجحي في هذا التحدّي عليك أن تتحرَّري أوّلاً من هاجس الزواج، حتى لا يتحوَّل إلى كابوسٍ يقضُّ مضجعك، ويؤرِّقك في نومك، ويصرفك عن مباشرة وظائفك وهواياتك بصورةٍ صحيحة، ويحجزك داخل محيطٍ ضيق يحوِّل حياتك لسجن يعذِّبك ويقهرك، ويفقدك ثقتك بنفسك، بل يكفيك أن تدعي أمره لله وهو سبحانه سيختار لك ما فيه الخير، على أن تقبلي على هذا المشروع بشروط الزواج الإسلامي السعيد، لا الشروط المادية أو التي يتعذر توفُّرها في ظروفك الحالية.
كما أنصحك أختي الكريمة بالصبر لأنه يعقُبه النصر، وإياك والاستسلام لواردات ونزغات الشيطان، التي تنهال على النفس كمعاول تهدم أركانها، وتضعف أعمدتها، فينهار بناء النفس السليمة والجسم السليم.
ومن هذه النزغات الشيطانية اعتقادك بأنك لن تتزوجي مستقبلا، لأنه لا أحد فينا يعلم ما هو مقسوم له في حياته، ولا ما هو مقدر له من رزق، أو ذرية، أو زوج، أو مال...
لا أحد فينا يعلم ما بصحيفته مما هو بظهر الغيب إلا الله وحده، ولا أحد فينا يعلم إلا ما علَّمه الله إياه بالقدر الذي يحتاجه فقط.
وعليه جِّددي إيمانك بالله، ووثِّقي رباطك به، وتقرَّبي إليه فهو وحده سبحانه من سيهدي نفسك السكينة والأمان والراحة، وهو من سيرزقك الزوج الصالح الذي يجمعك به في طاعته.
ومهما بلغت من السن ومهما كانت ظروفك صعبة، تأكدي بأن الله سبحانه قادر على أن يبدل حالك بين عشية وضحاها، وأن يرسل إليك من يشاركك حياتك ويسعدك، فتشبثي ببريق الأمل لأنه الشمعة التي تظل موقدة كلما انطفأت أوقديها ثانية، فما أكثر شموع الأمل بحياتك، فلا تجعلي سماءك مظلمة باليأس والقنوط من رحمة الله ومن فضله.
أتمنى قريبا إن شاء الله أن تزفيني بخبر زواجك وتغير أحوالك للأحسن، وأنا على ثقة بأنك ستنجحين في تحقيق أحلامك، كما نجحت اليوم أن تراسلي الموقع وتعرضي مشكلتك وتطلبي حلا لها.
أسأل الله العلي القدير أن يسعدك ويرزقك الزوج الصالح، وأن يفرج كربتك وييسر عسرتك، وأن يرضِّنا وإياك بقضائه ويبارك لنا في أقدارنا، حتى لا نحب تعجيل شيء أخَّره عنّا، ولا تأخير شيء عجَّله لنا.