أنت هنا

رمية ارتدت إلى ثغر القتلة
8 ربيع الأول 1431
موقع المسلم

برغم أنهم ليسوا من الصنف الذي يتورع عن الإعلان عن جرائمه، لكنهم من ذاك الذي يخشى عواقبها، ويتلاوم أفراده على ارتكابها بعد تلمس تبعاتها.

 

قتلوه، لكن فاجأتهم الضربة ترتد إلى ثغورهم، واستتروا فانفضحوا، واستخفوا فانكشفوا، وإذا الجريمة مسجلة بالصوت والصورة، والاغتيال مرصود، والشهود بالملايين، وإذا العاقبة إلى بوار.

 

يعزوها البعض إلى دماء الشهداء التي لا تضيع هدراً، والأنفس التي تلاحق قاتليها، ويعدها الآخرون من تجليات التقنية العالية التي أخذت بها شرطة دبي في تتبع تحركات وسكنات قاطنيها وزائريها، أو هي مزيج من هذا وذاك ولا تعارض عند فئة ثالثة.
المهم أنها في النهاية قد برهنت على سذاجة مفرطة من جهاز أمني واستخباري كم أسهمت الدعاية الصهيونية والغربية في تضخيم قدراته والإيحاء بأنه يعلم الغيب ويرسم المقادير!!

 

وككرة الثلج الصغيرة المتدحرجة، أخذت الفضيحة تكبر ويتضاعف حجمها كاشفة عن أخطاء كثيرة وبالغة وقع فيها الجهاز المحمي بتواطؤ أو تغاضي عن عبثه بالأمن الأوروبي من شركاء كثيرين في أوروبا سيسهمون في سرعة لملمة الفضيحة في جهتها الأمنية، ويعجزون – وهكذا يبدو الآن – في تمويت القضية إعلامياً وشعبياً في أوروبا والعالم، ليجد ساسة أوروبا أنفسهم أمام ناخب قاري قد لا يستسيغ هذا العبث بسيادة بلدانه وقارته العجوز، ما يضطر هؤلاء إلى اتخاذ بعض الإجراءات الشكلية بحق "إسرائيل" من شأنها أن تزيد من عزلتها المعنوية الآخذة في النمو بأوروبا.

 

ليست أمنية، لكنه واقع قد بانت بعض ملامحه مع فرار وزيرة الخارجية الصهيونية السابقة تسيبي ليفني وقد ضربت عليها الذلة من بريطانيا قبل شهور مخافة الملاحقة القانونية كمجرمة حرب، وهو إجراء لم يكن متوقعاً أن يمضي إلى نهاية المشوار، لكنه وشى بحجم الحرج الذي بات يلاحق المجرمين حتى في بلاد "وعد بلفور".

 

من الخطأ ربما الظن بأن الضربة التي تلقاها مطلقوها باغتيال المبحوح تجاوز في أثرها الحدود الإعلامية والجماهيرية بكثير، لكن في المقابل ليس مفرطاً في التفاؤل النظر إلى تداعيات الحادثة على أنها هزيمة حقيقية لـ"إسرائيل" في ميدان كانت تعتبر أنها من رائداته، وهو الميدان التقني والاستخباري، وهو الذي جاءتها طعناته من مدينة وادعة كدبي لا تخوض حروباً عسكرية وتستعيض عنها بقوتها الناعمة.

 

لقد حققت دبي بعض النجاح في الكشف عن جريمة بعد وقوعها مع أنها لم تفرض قوانين للطوارئ ولا أحكاماً عرفية، ولم تزج بآلاف في سجونها أو توسع دائرة الاشتباه كما تقضي بذلك سياسات النظم الشمولية الأمنية، وفي ذلك درس اعتباري لابد أن تتلقاه دولنا العربية الأخرى بالاعتبار، لأن الحلول العشوائية لمشاكلها أقصر الطرق لتفاقمها وتضخيمها، واتخاذ طرق هادئة وحكيمة ومركزة أنجع كثيراً من غيرها، وقد برهنت الإمارة الصغيرة على حسن إدارتها المبدئية للمشكلة دونما النظر أو التعليق عن الخيوط الخارجية المعقدة للحادثة ومساعي التخفيف الصهيونية والغربية وربما العربية من وطأتها أو إخفائها؛ فتلك مسألة أخرى تتعلق بالسياسة وأحابيلها أكثر من علاقتها بالأمن وحرفيته.