15 رجب 1431

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
مشكلتي أني أحب شخصًا؛ حبًا جارفًا؛ وأعلم أنه يبادلني نفس المشاعر؛ لكنه يخشى
أن أرفضه؛ لأنه مطلق؛ فهل يمكن أن أكشف له أني أريد الزواج منه؛ دون وسطاء؛ لأن الرجل الذي أحبه هو مديري في العمل، ولا يمكن أن ألجأ لزملائي، وأطلب منهم التدخل؛ لأنهم جميعًا رجال.
لكن المشكلة أن هذا الرجل غير متدين، ويشرب الخمر، لكني لن أتزوجه إلا بعد أن يتوب، ويؤكد لي عزمه على التوبة، علما بأن عمري 35 عامًا، وأخشى أن يفوتني قطار الزواج، كما أني أحب هذا الشخص جدًا؛ فماذا أفعل؟

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أختنا الفضلى:
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانِك في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة.. ثم أما بعد:
قرأت استشاراتك باهتمام شديد؛ وفهمت منها أنك: تقولين أنك تحبين هذا الشخص (حبًا جارفًا)، وأنك تعلمين أنه يبادلك (نفس المشاعر)، وتقولين إنه (يخشى) أن ترفضيه؛ (لأنه مطلق)، وتقولين إنه مديرك (في العمل)؛ ومن ثم ترفضين إبلاغه برغبتك (في الزواج منه) عبر زملاء العمل لأنهم (جميعًا رجال)!!؛ وتتساءلين: (هل يمكن أن أكشف له أني أريد الزواج منه؛ دون وسطاء؟)، ثم تنتقلين إلى نقطة أخرى فتقولين أن المشكلة أنه (غير متدين)، وأنه (يشرب الخمر)!!؛ لكنك تؤكدين أنك لن تتزوجينه (إلا بعد أن يتوب)، ويؤكد لك (عزمه على التوبة)، وتختتمين بالإشارة إلى تقدمك في السن فتقولين: (عمري 35 عامًا)، وأنك تخشين أن يفوتك (قطار الزواج)؛ وتتساءلين: (ماذا أفعل؟!).
وأستهل ردي على استشارتك ببيان عدد من الأمور؛ وهي:
- لن أعلق كثيرًا على بعض العبارات التي وردت في رسالتك مثل: (أحب شخصًا؛ حبًا جارفًا؛ وأعلم أنه يبادلني نفس المشاعر)؛ فالإسلام دين عظيم؛ وهو ليس دين تنظيري وحسب؛ بل إنه دين واقعي أيضًا؛ يقر بأن الميل إلى الجنس الآخر أمر غريزي وفطري؛ جيل الله عليه خلقه؛ لإتمام التناسل والتناكح وعمارة الأرض؛ لكنه سبحانه رسم الطريق الواضح لذلك؛ ألا وهو الارتباط الشرعي عبر الزواج؛ ووضع له الضوابط والشروط؛ ومن ثم فأنا أتفهم أن يعجب رجل بامرأة؛ أو العكس؛ في دينها أو خلقها أو جمالها أو حسبها أو نسبها؛ أو ما يدعوه للزواج منها/ ما يدعوها للزواج منه، لكنني لا أستطيع أن أفهم كيف يترك المسلم نفسه/ أو تترك المسلمة نفسها لدرجة الحب الجارف؟!!؛ ألا تخشيان أن يجرفكما تياره؛ فتحرقكما ناره؟!! وقانا الله وإياك شر النار في الدنيا والآخرة.
- رغم أن العرف قد جرى على أن يسعى الرجل لخطبة المرأة من أهلها، وأن يبدأ هو بالتصريح بالرغبة في الارتباط بها، لكن قد يقبل في بعض الحالات أن تلمح المرأة لوسطاء خير وإيمان من النساء بقبولها للزواج من فلان لو طلب ذلك من وليها، إذا رأت فيه من الصفات الحميدة ما يجعله أهلا لعشرتها؛ فلا حرج عليك؛ ولكن بالطريقة الخديجية (نسبة إلى السيدة خديجة)؛ التي تحفظ لك حياءك وكرامتك؛ وماء وجهك، وتبين صدق نيته ونظافة عزمه.
ثم عليه أن يقوم بزيارة وليك ليبين مراده ويتحدث عن طلبه.
نصل بك إلى (المشكلة) كما أطلقت عليها في رسالتك؛ وهي أنه (غير متدين)، وهو تعبير فضفاض؛ غير واضح أو محدد؛ فقد يعني عند البعض أنه غير منتظم في الطاعات بالكلية، وقد يعني عند آخرين أنه لا يصلي أو لا يخرج الزكاة، أو لا يصوم أو لا يقف عند حدود الله، أو يقبل الرشوة، أو يأكل من حرام، أو..... إلخ؛ وقد يعني عند آخرين أنه: يصلي لكنه لا يحافظ على الصلاة قي موعدها؛ أو قد يصلي لكن ليس في الجماعة الأولى أو ليس في المسجد؛ أو أنه يصوم شهر رمضان ولا يزيد عليه تنفلا، أو يخرج الزكاة المفروضة لكنه لا يتصدق؛ أو.... وإن كان سياق حديثك يفهم منه ضمنًا أنه ربما يكون من الفريق الأول؛ وهو ما يعززه قولك عنه نصًا أنه (يشرب الخمر)!!
- والحقيقة أن هذا الأمر هو تحد من نوع جديد؛ ويحتاج منك إلى الوقوف مع نفسك، والصدق مع الله؛ قبل كل شيء؛ فالنصيحة الكبرى هو بالبعد التام عن الزوج غير الصالح، والرفض التام للرجل غير الطائع لله سبحانه.
ولعلك تدركين ذلك فقد أشرت إلى هذا في رسالتك بقولك: (لن أتزوجه إلا بعد أن يتوب)، و(يؤكد لي عزمه على التوبة)؛ وهو أمر له جانبان أحدهما حسن والآخر غير حسن، فلو صح منك؛ وصدق معك فيه؛ وحسنت توبته، لكان لك مثل أجر توبته؛ لكنني أخشى عليك أن يسوف بك في التوبة، ويعدك ويمنيك بها؛ حتى يتزوج؛ وبعدها يعود كما كان؛ فإن بان منه حسن توبة وإقلاع تام عن الذنب، وتأكد لك عزمه على عدم الرجوع للمعصية، فقومي موقفك تجاهه وإلا فتوقفي حتى لا تندمي حين لا ينفع الندم فالخمر مهلكة وشاربها هالك في دركات الخطيئة فاحذري أيتها الكريمة.
- وقبل الختام لي معك، ومع بنات جنسك؛ وقفة؛ أحسبها ضرورية؛ وذلك لما لمسته من قولك: (عمري 35 عامًا)، و(أخشى أن يقوتني قطار الزواج)؛ فأقول لك وبالله التوفيق: شكر الله لك أيتها الأخت الكريمة شجاعتكِ في الإفصاح عما يدور في نفسكِ من مخاوف، وفهمكِ لنفسكِ وما تحتاجه، وما تقلق منه؛ ونريد أن نطمئنكِ؛ فاعلمي- زادك الله علمًا وفقهًا- أن الزواج رزق؛ وأن الرزق مُقدَّر من قِبَل الله (عز وجل)؛ ومسجل للإنسان في اللوح المحفوظ (رجلا كان أو امرأة) وهو في بطن أمه؛ قبل أن يولد، فثقي أنك لن تتزوجي إلاَّ زوجك المسجَّل باسمكِ في علم الغيب؛ وفي الوقت المعلوم الذي حدده رب العالمين، والذي لا يستطيع أحد أن يقدمه أو يؤخره؛ فلا ينبغي أن ينشغل الإنسان بالرزق؛ وقد تكفل به، فقال تعالى في محكم التنزيل: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات/ 22-23].
ورغم ما تقدم؛ فعليكِ أن تأخذي بالأسباب؛ ثم تتوكلي على الله؛ وأذكرك ونفسي بالدعاء في كل وقت وحين؛ وحبذا في جوف الليل؛ فإن دعاء السحر سهام القدر، وأنصحك بأن تستخيري الله (عز وجل)؛ وفقك الله لما فيه كل خير..
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.