أنت هنا

الدفاع عن فرنسا وساركوزي معها
11 شعبان 1430
د. محمد يحيى
عندما نجد دفاعَا عن مواقف ساركوزي المعروفة، ومواقف بلاده في مواجهة الحجاب الإسلامي وأخيرًا في مواجهة النقاب أو البرقع كما يسمى.
عندما نجد مثل هذا الدفاع يصدر في أوروبا أو في فرنسا ذاتها، فقد يكون هذا أمرًا مفهومًا ومقبولاً لأن هذا هو توجه عام يسود في تلك البلاد وهو يندرج في إطار المواجهات والعداء مع الإسلام الموصوف عندهم عامة بالتطرف والإرهاب والتشدد وبأنه دين أجنبي وافد يسعى أصحابه إلى فرض أنفسهم على البلدان الأوروبية وعلى عقائدها التي هي المسيحية ثم ورائها اليهودية حسب التصور الرائد.
وحتى في أوساط الغرب لم يكن هذا الموقف الفرنسي المضاد للحجاب والنقاب موقفًا ساريًا ومنتشرًا، بل على العكس، وجدنا هناك من يقف ضده رافعًا شعارات حرية العقيدة أو حرية التعبير أو حرية السلوك الشخصي، بل إن الرئيس الأمريكي أوباما دعا في خطبته التي ألقاها في القاهرة في مطلع شهر يونيو الماضي إلى احترام حق المرأة المسلمة في ارتداء الحجاب وفق ما تريده.
ولكن الغريب يحدث عندما نجد أصواتًا تصدر في البلدان الإسلامية ذاتها تدافع عن هذه المواقف الفرنسية أحر الدفاع وتصفها بأنها إيجابية وترى فيها من المزايا والمحاسن ما لم يره فيها أصحابها أنفسهم الذين لم يقدموا مثل هذا الدفاع عنها.
وعلى سبيل المثال: في الثامن عشر من شهر يوليو ظهرت في جريدة مصرية يومية هي "المصري اليوم" مقالة كتبتها سيدة تدافع فيها عن موقف ساركوزي وترى أنه بعدائه هذا للبرقع أو للنقاب، إنما يقف كمدافع عن القومية التي يمثلها في وجه قومية أخرى وصفتها بأنها قومية الحنابلة، ومضت الكاتبة إلى القول أنه إذا كان هناك في العالم العربي قوميات أسمتها بقوميات الحنابلة يدافعون عن النقاب فلاشك أنه من حق القومية الفرنسية أو الأوروبية أن تقف ضد هذا النقاب مثلما يقف أصحاب قومية الحنابلة دفاعًا عن عاداتهم وتقاليدهم.
ولم تكتفي الكاتبة بهذا القدر دفاعًا عن مواقف ساركوزي ومواقف فرنسا، بل مضت إلى الهجوم على النقاب وعلى الحجاب وعلى تقاليد من وصفتهم بالقومية الحنبلية، فالنقاب عندها ليس أكثر من خرقة المقصود بها إبعاد المرأة عن الوجود في المجتمع وإخفاءها لأنها عار يجب ستره وإبعاده، كما أن النقاب هذا عندها هو في الواقع ليس أكثر من ستار تخفي وراءه المرأة نهمها كما قالت وشهوتها للرجال، فالمرأة من وراء النقاب تستطيع أن تمد بصرها متطلعة بشهوانية ورغبة أثيمة لكل الرجال حولها دون أن يشعر أحد بما يعتري وجهها من آثار الشهوة والرغبة في الرجال التي تسترها وراء النقاب.
وإذا كان هذا الهجوم على النقاب قد أصبح الآن مألوفًا في كل الوسائل الإعلامية حتى في البلدان العربية، فإن الدفاع عن موقف فرنسا هو أمر غريب!، فمن الذي نصب هذه الكاتبه وآخرون من أمثالها نهضوا في الصحف المصرية دفاعًا عن ساركوزي وقانونه الجديد، أقول من نصبهم للدفاع عن فرنسا، وبأي لسان يتحدثون، وإذا كانوا يريدون القول بأنهم هم ملتحقون بالثقافة الغربية ولا علاقة لهم بالعادات والتقاليد العربية والإسلامية، فلماذا لا يصرحوا بذلك علانية عندما يكتبون أمثال هذه الكتابات ولا يسترونها وراء دعوات زائفة بأنهم إنما يدعون إلى تصحيح الأمور أو وضعها في نصابها أو إلى الانتقاد الاجتماعي المسموح والمرغوب فيه.
والحقيقة أن أمثال هذه الأقلام العلمانية التي تنشط في كل مرة يصدر فيها قرار أو تصرف في الغرب يعادي الإسلام تطل علينا دفاعًا عن الغرب ليس حبًا في الغرب بقدر ما هي كراهية في الإسلام ورغبة في النكاية به، وهي وإذ تتظاهر بالدفاع عن قرارات وتصرفات تحدث في الغرب ضد الإسلام وتصفها بأنها قرارات تندرج تحت مسمى حرية الفكر والتعبير وحرية الاختلاف الثقافي وما ذلك إلا أنها في الحقيقة لا تمارس هذه الحريات عندما يتعلق الأمر بالإسلام بل تدعو من منطلقها العلماني والسلطوي إلى القمع والكبت الشديد والمباشر لأي مظاهر إسلامية حتى وإن كانت في هيئة عادات وتقاليد اجتماعية لا تضر أحدًا بقدر ما تريح ممارسيها من المسلمين.
ولقد تعودنا على مر السنوات الماضية على مثل هذا الموقف من الجانب العلماني الذي لا يفتأ يدافع عن القرارات الغربية المختلفة من أول غزو أفغانستان وضرب العراق وتعقيد القضية الفلسطينية وتأييد "إسرائيل" إلى مهاجمة الحركات والجماعات الإسلامية والعلماء المسلمين تحت مسمى أنهم إرهابيون.
إن هؤلاء العلمانيين إذ يدافعون عن هذه القرارات، وقد يبدو أنهم يفعلون ذلك بدافع العمالة للغرب وهم عملاء فعلاً، إلا أنهم في المقام الأول وقبل أن يكونوا مدافعين عن الغرب، فإنهم يعملون ذلك نكاية في الإسلام والمسلمين، ولكنهم وهم يهاجمون الإسلام الذي يكتمون في وسط أهله يتظاهرون بأنهم يفعلون ذلك دفاعًا عن الغرب كي يكسبوا تعاطف الغرب معهم وأموال الغرب التي تأتيهم ليديروا بها جمعياتهم، كما يكسبوا أيضًا حماية الغرب لهم إذا ثار ضدهم رد فعل إسلامي يدعو إلى مقاطعتهم، وقد شهدنا أيضًا أمثلة عديدة على مدى بلدان عربية وإسلامية كثيرة كان فيها دعاة العلمانية المتمسحين بالغرب يكونون موضع حماية وموضع ستر إعلامي غربي عليهم وصل إلى حد حمايتهم من تنفيذ قوانين البلاد الإسلامية عليهم أو السماح لهم باللجوء إلى الغرب حيث يعيشون هناك في رفاهية الدعم الغربي لهم وربما كان هذا الدعم في نهاية المطاف هو الدافع الأكبر الكفيل من تلك المقالات المساندة والمدافعة عن القرارات والتصرفات الغربية المعادية للإسلام.