8 ربيع الأول 1436

السؤال

عن عبد الرحمن بن سعيد قال: خدرت رجل ابن عمر، فقال له رجل: اذكر أحب الناس إليك، فقال: محمد. أخرجه البخاري في (الأدب المفرد: 694).
فضيلة الشيخ: أليس هذا من نداء الأموات؟ وما حكم هذا القول؛ لأنه احتج البعض أن هذا من توسل الصحابة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وجزاكم الله خيراً

أجاب عنها:
أ.د. عبدالله عمر الدميجي

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فهذا الأثر أولاً ليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح إسناده، فهو ضعيف الإسناد وفي بعض أسانيده كذاب، وقد رواه البخاري في الأدب المفرد كما ذكر السائل ولم يشترط البخاري في هذا الكتاب الصحة كما في صحيحه، ثم إسناده ضعيف لأن فيه عنعنة ابن إسحاق وهو مدلس، ورواه ابن السني (166) بإسناد ضعيف أيضاً فيه علثان عن ابن عمر بنحوه، كما رواه ابن السني (165) عن ابن عباس وهو موضوع، فيه غياث بن إبراهيم قال ابن معين: كذاب.
ثم لو صح فليس فيه ما توهمه بعض الناس من نداء الأموات والاستغاثة أو الاستعانة بهم، وإنما فيه: اذكر أحب الناس إليك، ولا شك أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو أحب الناس إلى كل مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين".
وأكثر الروايات – كما هنا – من غير "يا" والرواية الضعيفة التي جاءت عند ابن السني مخالفة لغيرها وردت فيها (الياء) وهذا النداء ليس على حقيقته – لو صح – ولا يتوهم أنه للاستعانة أو الاستغاثة بالميت وإنما المقصود استحضاره في الذهن صلى الله عليه وسلم وإظهار الشوق وإضرام نار المحبة كما يأتي على ألسنة الشعراء أحياناً، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم في التشهد: (السلام عليكم أيها النبي ورحمة الله وبركاته).
وعلى كلٍّ فلا دليل فيه على دعاء الأموات والاستعانة بهم لو صح فكيف وهو لم يصح، ودعاء الأموات والاستعانة بهم قد دلت الدلائل الشرعية الكثيرة على أنه من المحرمات الشركية التي لا تجوز بحال، ولذا لم يرد عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا النبي صلى الله عليه وسلم أو استعان أو استغاث به صلى الله عليه وسلم بعد موته، ولكن أصحاب القلوب المريضة هم الذين يبحثون عن مثل هذه الموضوعات ويحتجون بها على الشركيات، ويتركون الآيات المحكمات والأحاديث المرفوعات.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.