25 ذو الحجه 1436

السؤال

فضيلة الشيخ:
إذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال هل هي على إطلاقها؟ وهل يجوز لكل أحد أن يبطل الاستدلال بالنصوص لأي احتمال يطرأ على ذهنه؟ وما ضابطه؟

أجاب عنها:
د.عبدالله آل سيف

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فالاحتمال هو الأمر المتوهم أو الأمر الجائز أو الشيء الوارد على أمرٍ ما على غير وجه اليقين، ثم إن كان بدليل فهو الظن الراجح ، وإن كان بغير دليل فهو الوهم ، ولايلتفت له ، والاحتمال قريب من معنى الشك من جهة تردده بين أمرين : إما راجح أو مرجوح .
وهذه القاعدة ليست على إطلاقها ، فليس كل احتمال يسقط به الاستدلال ، ومراد العلماء بها الاحتمال المبني على دليل كلفظ خاص يخص عموم لفظ عام أو مقيد يقيد إطلاق لفظ مطلق ، ويستعملها العلماء في مثل ما لو جاء نص قطعي أو ما في حكمه ، ثم عرضه دليل يرد عليه احتمال فيطرح هذا الدليل المعارض ويقال : لأنه ورد عليه الاحتمال فيسقط الاستدلال به ، وهذا عامة استدلال العلماء به ، ثم قد يستعملونها في مثل لو ورد دليلان متساويين ويرد عليها احتمالان متساويان فيقال مثل ذلك ، لأنه يُطْلَبُ مرجحٌ لأحدهما ، وتقديم أحدهما بلا دليل ترجيح بلا مرجح ، وهو ممنوع عقلاً وشرعاً ، وقد يرد الاحتمال على دليل فيحول دلالته من قطعية إلى ظنية ، كما لو ورد على عموم احتمال مبني على دليل ، ثم إن الاحتمال يرتفع مباشرة ويلغى بوجود دليل يرفعه فلايبقى له اعتبار ، وعند الأصوليين إن تساوى الاحتمالان فهو شك وإلا فالراجح ظن والمرجوح وهم ، وحينها يؤخذ بالراجح ويترك الوهم ، والضابط في الاحتمال المعتبر ما بني على دليل ، أما الاحتمالات الوهمية الصرفة فلايلتفت لها ، ومن أمثلة الاحتمال الذي يسقط به الاستدلال ما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم أفطر الحاجم والمحجوم رواه أحمد والحاكم وابن حبان وأبو داود والنسائي وصححه ابن المديني وغيره ، وهذا الحديث القولي عارضه حديث فعلي وهو حديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم .أخرجه البخاري ، وحديث ابن عباس ورد عليه الاحتمال وهو الخصوصية بمقام النبوة أو لمرض كان به كما ورد في بعض ألفاظه عند البخاري (من وجع كان به) ومع هذه الاحتمالات يسقط الاحتجاج بحديث ابن عباس ونأخذ بالحديث الأول في المنع من الحجامة ، على أن بعض الحفاظ بين أن لفظ (صائم ) معلولة والصواب (وهو محرم )وليس فيها ذكر الصوم.ولذا قيد بعض العلماء هذه القاعدة بقوله : الاحتمال في وقائع الأحوال يسقط الاستدلال. الأشباه والنظائرللسيوطي : (1 / 421).
أي في الوقائع الفعلية فلايعارض بها النص الصريح. وقد نص العلماء على أنه ليس كل احتمال صحيحاً ، يقول ابن عرفه رحمه الله : وهو أن ما ذكره رحمه الله وإن صح احتماله فليس كل احتمال في الفرعيات يسقط الاستدلال" شرح حدود ابن عرفة - (2 / 319).
بل نص أهل العلم على خلاف هذا فقالوا : لا يسقط الاستدلال بالدليل بمجرد تطرق الاحتمال إليه ، ومن أمثلة الاحتمالات الضعيفة التي لايلتفت لها ما أخرج البخاري ( الفتح 1/413 ) ومسلم ( 1/145 ) عن عائشة قالت : (( كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته ، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي وإذا قام بسطتها )) .فهذا الحديث يدل على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء ، واعترض عليه باحتمال الخصوصية أو أن المس كان بحائل .وقد تعقب هذا الكلام العلامة أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي ( 1/142 ) فقال : ومن البين الواضح أن هذا التعقيب لا قيمة له ، بل هو باطل ، لأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل صريح ، واحتمال الحائل لا يفكر فيه إلا متعصب ! انتهى.
والله أعلم وأحكم ، وصلى الله على نبينا محمد.