17 محرم 1430

السؤال

ساء خلق زوجتي بعد ثلاث سنوات من زواجنا بسبب تأخري في بناء بيتنا مع ضعف ذات اليد..حتى أنها تسيءلأهلي ولشعوري واحترامي دون اكتراث نهائياًعلماً أنني قد وعظتها وكلمتها ونصحتها وهجرتها. فماذا أفعل؟هل أطلق ؟

أجاب عنها:
د. سلوى البهكلي

الجواب

من المعروف ان كل امرأة متزوجة تحب ان تعيش مستقله بذاتها وتبني مملكتها الخاصة بها دون ان يتدخل في ادارة هذه المملكة أي شخص كان مهما كان، وهذا الامر لا يتحقق لمن تتزوج وتضطر الى السكن مع اهل زوجها، ولهذا سرعان ما تظهر الخلافات بين الزوجة واهل زوجها بغض النظرعن من السبب في بدء الخلاف، وعادة ما تكون اسباب الخلافات تافهة، ولكنها لا تعالج بشكل جيد وفي وقت مبكر مما يجعلها تكبر وتستفحل، الى ان تصل في بعض الأحيان الى طريق لا مفترق فيه.
اخي الفاضل..
قد تكون زوجتك صعبة المراس وحادة الطباع ولكنها لم تكشف لك عن طباعها هذه الا بعد مضي هذه السنوات الثلاث عندما نفذ صبرها اوعندما لم تجد ما كانت تحلم به ، فمن الخطأ أن يحكم أي طرف على اخلاقيات وشخصية الطرف الآخر منذ بداية الزواج.
وقد تكون زوجتك ذات شخصية قويه تحب الاستقلالية والتملك، لذا فهي تستخدم هذا الاسلوب لتتمكن من التضييق عليك والاستقلال بمنزل خاص بها دون ان تلقي بالا لظروفك المادية أو الاجتماعية التي لا تمكنك في الوقت الحالي من توفير سكن مستقل لها. وقد لا تكون مدركة بالفعل انك غير قادر على توفير سكن لها.
لذا، عليك أن تخبرها بصراحة ووضوح عن امكانياتك الحالية وعدم قدرتك على تحقيق مرادها في الوقت الحالي، وتطلب منها أن تجد معك الحلول الممكنة والقابلة للتطبيق لتتمكن من توفير السكن المستقل دون تجريح أو احداث اي ضرر لمن حولك، خاصة لأقرب الناس لك.
عليك أن تذكرها بان الدنيا قصيرة وانها دارعمل وجهاد وابتلاء، اخبرها انها ان لم تستطع ان تصبر هي وتحتمل لتحصل على الثمن الذي ستبني فيه دارها في الاخرة (لسوء خلقها معك ومع اهلك)، فأنت كذلك لم تستطع حتى الان ان تبني لك ولها دارا مستقلة في الدنيا بسبب الضغوط التي تعاني منها. وأكد لها انها متى ما استطاعت ان تحصل على الثمن الذي ستبني فيه دارها في الأخرة ستتمكن انت من توفير السكن الذي تتمناه هي وتسعد به.
ذكرها بأن والديك مهما عاشا فإنهما لن يعمرا طويلا، وانك بحاجة الى برهما فيما تبقى لهما من عمر، وأكد لها أن الله سبحانه وتعالى سيوفقك أنت واسرتك وذريتك عندما تحرص على رضا والديك، وان غضب والديك منك يمكن ان يهدد مستقبلكما الاسري، وذكرها بانها كما تدين تدان، وانها يوما ستواجه نفس المصير في الغد القريب ..
اطلب منها ان تعتبر هذه الأسرة هي اسرتها الجديدة، ولتعتبر والديك كوالديها، واهلك بمثابة اهلها. وأكد لها ان هذا امر واقع محتم عليكما خاصة في الوقت الراهن، وان عليها أن تتعرف على شخصية كل فرد من افراد عائلتك لتتمكن من التعامل معه بالطريقة التي تناسبه لتعيش انت وهي واسرتك في سلام وسكون واستقرار، وذكرها بهدي الرسول صلى الله بحسن المعاملة حيث قال:''إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم'' . فعليها أن لا تعالج الخطأ بالخطأ وترد على السوء بمثله ان حدث فعلا، بل يجب أن تستمر على الخير والمعاملة الطيبة، ولا تنتظر المقابل، ولا تنسي الإخلاص لله فهو سبب النجاح والتوفيق.
ذكرها بان كل شخص سيحصل على رزقه الذي كتبه الله له، ولن يمنعه منه احد، وان الانسان مهما حاول ان يحصل على شيء لم يكتبه الله له فلن يحصل عليه، وانك مازلت تحاول وتعمل جاهدا لتوفر لها السكن المستقل الذي تحلم به، ولكن الأوان لم يحن بعد، فعليها ان تدعو الله وتستغفره ليرزقكما ما تتمنيان لا ان تسيء خلقها وتعترض.
ذكرها بالحقوق الزوجية التي يفترض ان يحفظها كل منكما للاخر قدر امكانه، والتي من اهمها طاعة الزوجة لزوجها في كل أوامره اذا لم تكن في معصيـة الله سبحانـه، وأن عليها ان لا تتصرف تصرفات تسخط بها زوجها كما تفعل معك حاليا، فقد قال صلى الله عليه وسلم "ثلاثة لا يرفع لهم عمل: عبد آبق، وامرأة زوجها عليها ساخط، والمسبل ازاره خيلاء". وعليك ان تحذرها من عدم التطاول أو الإساءة لك، وتبين لها ما يترتب عليه كلامها وتصرفاتها من الإثم العظيم، لأنك أحق الناس ببرها وإحسانها ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق"
ذكرها بقوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله" وأن عليها أن تعينك على حياتك وتسعى الى رضاك، وان لا تغضبك فقد قال صلى الله عليـه وسلم:"ويـل لامرأة أغضبت زوجها، وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها "
عليك ان تفهم زوجتك أن جوهر العلاقة الزوجية هو الصبر على احوال الزوج وتحمل المسئولية معه، وان تكون عونا له لا عليه. ويمكنك ان تجلب لها بعض الأشرطة والكتب التي تتكلم عن الحياة الزوجية واهميتها ، وكيفية التغلب على متاعبها، والعيش باستقرار وسعادة.
فإذا لم تتمكن من حل مشكلتك مع زوجتك، فعليك أن تستعين بأطراف خارجية خاصة بمن تثق بهم من أهلها، ليسعو الى اصلاح ما بينكما. وعليك او عليهم ان يبينو لها ما الذي سيحدث لها ولجميع افراد اسرتكم الصغيرة اذا كان لديكم اطفال في حال استمرار الحياة على هذا النحو أو في حال حصول الطلاق.
فإن ادركت الخطأ الذي هي واقعة فيه، وقررت العدول عنه، فعاونها على ذلك، وإن استمرت على ما هي عليه، فعليك ان تفكر جديا في طلاقها ان لم يكن لديكم اطفال، فهذه ليست الزوجة التي يعتمد عليها أو التي يفترض أن تكون سندا لزوجها في هذه الحياة.
أما ان كان لديكم اطفال فعليك أن تفكر جيدا في امكانية استمرار حياتكما على هذا النحو وما هو اسوأ منه، وتوازن بين أمرين، الامر الاول بقائك مع امرأة سيئة الخلق، تسيء إليك ولأهلك ومايمكن ان يكتسبه أطفالك من خصال سيئة عندما يقتدون بها، والأمر الثاني ما قد يحصل لاطفالك بعد حصول الطلاق، ثم تتخذ قرارك، ولكن عليك أولا أن تستخير الله تعالى قبل اتخاذ أي قرار.
حاول ان تتعرف على الاسباب الاساسية التي ادت الى هذا التغير، وراجع نفسك جيدا، فقد يكون ما انت عليه بسبب ذنب ارتكبته او مازلت واقع فيه، فقد قال احد السلف "إني أرى معصيتي في خُلُق زوجتي ودابتي". فان كان الامر كذلك عليك بالتوبة إلى الله تعالى.
عليك أن تعيد النظر في نفسك أولاً، وتراجع شريط حياتكما سويا، وتعيد حساباتك من جديد لتكتشف اين السبب في هذا الشقاق وهذه المشاكل، وتحاول ان تجد لها حلا وتقرب وجهات النظر. كما عليك أن تبحث عن الأسباب التي تزيد من فرص النجاح في علاقتك الزوجية، وتحاول أن تزيد منها، وتتجنب كل ما يشعل الخلاف بينكما او يزيد من حدته.
راجع المواقف المختلفة التي حدثت بينك وبين زوجتك، خاصة المشاكل أو المشاحنات، ولاحظ كيفية استجابة زوجتك في كل موقف، وكيف استطعت أن تتغلب على بعض هذه المشاكل، ابحث عن الأسباب أو المواقف التي عادة ما تؤدي إلى مشاكل، وتعرف جيدا على شخصية زوجتك، لتتمكن من التعامل معها بالشكل المناسب.
حاول ان تراجع جميع تصرفاتك وتكتشف الاسباب التي ادت الى المشاكل التي تعاني منها ، فقد تكون أخطاء زوجتك من صنعك انت، أو قد تكون أنت المتسبب في حدوثها، وقد تكون أنت من يضخم الأخطاء. عليك ان تواجه نفسك ولا تهرب من أخطائك، ولا ترمي بالمشاكل على الغير.
قد يلعب البعد الثقافي بينك وبين زوجتك دورا في مشكلتك معها، فعليك ان تكتشف ماهية تفكيرها وما هي المؤثرات التي يمكن ان تغير طريقة تفكيرها، وتحاول ان تؤثر عليها لتحصل على هدفك.
قد يلعب أهل الزوجة دورا كبيرا فيما انتم عليه ، وذلك بسبب النصائح التي يقدمونها لابنتهم في كيفية التعامل معك انت واهلك لتتمكن من فرض رأيها عليك والاستقلال بمنزل لوحدها، لذا عليك ان تناقش الامر مع اهل زوجتك ليدركون ان نصائحهم ستكون سببا لهدم حياتكما الزوجية وخراب بيتها.
قد تكون سوء تعامل زوجتك معك أو مع أهلك أو نفرتها منهم بسبب قسوتك عليها او اهمالك لها، لذا عليك ان تتنبه لهذا الأمر، فالمرأة تتفاعل عادة وتلين بالكلمة اللطيفة والمعاملة الطيبة والمشاعر الصادقة، ففي الغالب انت مقصر في تعبئة الفراغ العاطفي التي تشعر به زوجتك لذا فهي تتصرف بهذه الطريقة، فعليك أن تقترب الى زوجنك عاطفيا، فكلما اقتربت منها اكثر واكثر كلما قل هذا الجفاء، واستطعت ان تحل المشكلة.
عليك أن تشعرها بأنها أهم شخصية لديك في المنزل، وان مقامها يختلف عن مقام والديك، ولا مجال للمقارنة بينهما، وانها وان كانت في منزل والديك الا انها يجب أن تشعر بأنها في مملكتها الخاصة. وانها تتمركز في المقام الاول لديك، طالما حرصت عليك وعلى برك في أهلك.
قد تكون تصرفات زوجتك هذه ناتجة عن مرض نفسي أو ضغوط نفسية تعاني منها فعليك أن تعالج اي امراض نفسية قد تعاني منها زوجتك، لتتمكن من السيطرة على اعصابها وقبول ما هي عليه ..
حاول أن نعزز وتنشيء بينكما تقنية الحوار الهادف، وجلسات المصارحة والمكاشفة، فمعظم المشاكل التي تحدث في المنازل ينتج عادة من ضعف آليات الحوار بين الزوجين، لكن حذار من تبدأ الجلسات بالصراخ وتبادل الاتهامات فهي تزيد الأمور تعقيداً. فلابد للحوار أن يكون في جلسة هادئة في مكان هادئ. ولابد من إبداء التعاطف معها ومع مشكلتها، وإشعارها بأنك تدرك وتقدر معاناتها. ولابد من إشعارها أيضا بحبك وتقديرك لها، ورغبتك في استمرار الحياة الزوجية بينكما، وانك مستعد للتعاون معها لحل المشكلة، ولكن الوقت لم يحن بعد للاستقلال بمنزل منفرد بسبب الظروف المادية التي لا تمكنك من تحقيق حلمها.
كن حكيما، فعليك أن تسعى بحكمة إلى تفنيد المشكلة ومناقشتها لا الهروب منها وعدم مواجهتها، وعليك اقناع زوجتك بقبول وضعكما الحالي، دون توجيه أي اتهامات لها، وعليك ان تحثها على الصبر، وعدم العجلة. اطلب منها الصبر ثم الصبر ثم الصبر واحتساب الأجر عند الله..
استعن بالله واكثر من الدعاء والتضرع إلى الله تعالى. ولا تيأس من المحاولة تلو المحاولة، فان بعد العسر يسرا.