4 ذو الحجه 1439

السؤال

 تدور رسائل عبر الجوالات في هذه العشر وفي كل سنة في العشر، بأن صيام العشر لم يثبت به حديث، وأنه مخالف للهدي النبوي الصحيح، فما توجيهكم تجاه هذا القول؟ جزاكم الله خيرا.

أجاب عنها:
عبد الرحمن البراك

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما مِنْ أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيام) يعني: أيامَ العشر، قالوا: يا رسُولَ الله، ولا الجهادُ في سبيلِ الله؟ قال: (ولا الجهادُ في سبيلِ الله، إلا رجلٌ خَرَجَ بنفسِه ومالِه، فلم يَرجعْ من ذلك بشيءٍ) أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه؛ من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وأصله في البخاري، وروى الإمام أحمد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل، والتكبير، والتحميد).
والعمل الصالح عام يشمل الصيام والصدقة والذكر وقراءة القرآن، وهذا ترغيب من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته في تعظيم هذه العشر، للاستكثار من العمل الصالح فيها، وهي أيام مباركة عظيمة أقسم الله بها في قوله تعالى: (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2))، وهي الأيام المعلومات التي قال فيها الله فيها: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ) على ما جاء عن ابن عباس في صحيح البخاري.
ولا يجوز إخراج الصيام عن عموم العمل الصالح إلا بدليل، ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن صيام العشر، ولم يدَّع ذلك أحد من أهل العلم، لكن اختلفت الرواية في فعله صلى الله عليه وسلم؛ فجاء عنه في حديث حفصة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم تسع ذي الحجة. رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي، فإن صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يصومها كان هذا مؤكِّدا لما دل عليه حديث ابن عباس وابن عمر من الترغيب في العمل الصالح، ويكون قد دلَّ على صيامها القول والفعل منه صلى الله عليه وسلم.
وأما ما جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما في العشر قط) فيعارضه حديث حفصة المتقدم أنه كان يصومها عليه الصلاة والسلام، والقاعدة عند أهل العلم أن المثبِت مقدَّم على النافي، ورواية الإثبات توافق ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم أمته في كل عمل صالح في العشر، وقد يجاب عن تركه صلى الله عليه وسلم للصيام بأنه قد يترك بعض الأعمال لأمر يتعلق به أو بأمته عليه الصلاة والسلام، كما ترك الاستمرار في صلاته بالناس في قيام رمضان خشية أن يفرض عليهم، ومن القواعد المقررة في الأصول أنه إذا تعارض القول والفعل منه صلى الله عليه وسلم قُدِّم القول؛ لأنه أقوى دلالة، وهو خطاب للأمة كلها، وبناءً على ذلك؛ فلا يجوز الالتفات إلى الرسائل المثبِّطة عن فعل الخير جهلا أو تعمدا.
ومما نوصي به عدم قبول الفتاوى التي يتناقلها الناس في وسائل التواصل إلا بعد التأكد من صدورها عن أهل العلم المعتبرين الموثوق بهم، ومن ذلك الفتوى التي يروجها بعض الناس في هذه الأيام (العشر)، ومضمونها أنه لا يحرم على من أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره وأظفاره شيئا إذا دخلت العشر، فهذه الفتوى مخالفة لما ثبت في صحيح مسلم عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يضحي، فليمسك عن شعره وأظفاره)، وفي رواية لمسلم أيضا: (فلا يمسَّ من شعره وبشره شيئا)، وهذه الفتوى المذكورة مقتبسة من كلام للشيخ عبد الله بن زيد المحمود رحمه الله، والشيخ عبد الله المحمود ـعفا الله عنهـ له اجتهادات أخطأ فيها، ولذا رد عليه غير واحد من أهل العلم، منهم العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة العربية السعودية في عصره، فلا يلتفت لكلام الشيخ المحمود، فمن روَّج تلك الفتوى المذكورة فقد أساء، نسأل الله أن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يعيذنا من الشيطان الرجيم.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
أملاه: عبد الرحمن بن ناصر البراك، في الثاني من ذي الحجة لعام 1439هـ.