1 ذو الحجه 1440

السؤال

إذا سافر المتمتع من مكة إلى المدينة مثلا، عازما على الرجوع مكة، فهل يحرم من الميقات الذي يمر به أو يحرم من مكة؟

أجاب عنها:
عبد الرحمن البراك

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:  

فقد دلَّ حديثا ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما في المواقيت على وجوب الإهلال منها على كل من أراد حجًّا أو عمرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس: «هن لهن، ولمن أتى عليهن، من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة»، لكن من قدم مكة متمتعا وفرغ من العمرة، ثم سافر مسافة قصر، كسفره إلى المدينة والطائف وغيرهما، فذهب كثير من أهل العلم إلى أنه ينقطع تمتعه، استنادا إلى أثر عمر رضي عنه، وهو قوله: « إذا اعتمر في أشهر الحج ثم أقام فهو متمتع، فإن خرج ورجع فليس بمتمتع» وعن ابن عمر نحو ذلك. قاله ابن قدامة في المغني (5/354).

      وحينئذ فإذا رجع إلى مكة فإنه يلزمه الإحرام بالميقات الذي يمر به، كما لم لو يكن منه تمتع قبلُ، فإن أحرم بالحج صار مفردا، وإن أحرم بعمرة صار متمتعا تمتعا جديدا، وذهب جمع من أهل العلم سلفا وخلفا إلى أنه لا ينقطع تمتعه بسفره؛ فإنه سافر بنية الرجوع إلى مكة؛ فهو مقيم على نسكه، ومقتضى هذا القول، أعني القول بعدم انقطاع التمتع بالسفر العارض، أنه لا يلزم مَن هذه حاله الإحرام من الميقات عند رجوعه للحج؛ لأنه يرجع لإتمام نسكه الذي كان قد أحرم به، بل يحرم من مكة يوم التروية كغيره من المحلين، وتكون حاله كأهل مكة.

     ويؤيد هذا الحكم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينه أحدا من الذين أمرهم بالإحلال وفسخ إحرامهم إلى عمرة، لم ينه أحدا عن السفر، ومن المعلوم أنه لا بد أن تعرض لبعضهم الحاجة، ولا سيما إلى البلدان القريبة كالطائف وجدة ونحوهما، وقد ذهب الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في عدد من جواباته إلى أن المتمتع إذا سافر بنية الرجوع إلى مكة فإنه لا يلزمه الإحرام من الميقات، وهو المفهوم من فتاوى شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، قال الشيخ محمد بن عثيمين: "إذا أدى المتمتع العمرة، وخرج من مكة إلى الطائف أو إلى جدة أو إلى المدينة، ثم رجع، فإنه لا يلزمه الإحرام بالحج؛ لأنه رجع إلى مقره، فإنه لما جاء حاجاً صار مقره مكة، فإذا سافر إلى المدينة ثم رجع فقد رجع إلى مقره، فيحرم بالحج يوم التروية من مكة، كما لو كان من أهل مكة وذهب إلى المدينة في أشهر الحج، ثم رجع من المدينة وهو في نيته أن يحج في هذا العام، فإنه لا يلزمه الإحرام بالحج إلا من مكة"، وقال أيضا: " من خرج إلى المدينة بنية الرجوع فلا يلزمه الإحرام؛ لأنه متمتع، ويبقى على حله، وفي اليوم الثامن يحرم بالحج"، وسئل  عمَّن صار متمتعاً وأتم أعمال العمرة، ثم خرج إلى المدينة بنية الرجوع، هل يلزمه الإحرام في هذا الحالة من آبار علي؟ فأجاب رحمه الله بقوله: "لا يلزمه الإحرام لأنه متمتع وبقي على حله وفي اليوم الثامن يحرم بالحج" اهـ.

     وذكر شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أن المتمتع إذا سافر بعد العمرة إلى الطائف أو جدة أو المدينة لا يقطع تمتعه، وإليك نص كلامه، قال: "من جاء للحج وأدى العمرة، ثم بقي في جده أو الطائف، وهو ليس من أهلهما، ثم أحرم بالحج فهذا متمتع، فخروجه إلى الطائف أو جده أو المدينة لا يخرجه عن كونه متمتعا، لأنه جاء لأدائهما جميعا، وإنما سافر إلى جدة أو الطائف لحاجة، وكذا من سافر إلى المدينة للزيارة كل ذلك لا يخرجه عن كونه متمتعا في الأظهر والأرجح فعليه هدي التمتع" اهـ.

      ولم يتعرض شيخنا ابن باز رحمه الله لمسألة إحرام المتمتع من الميقات عند رجوعه إلى مكة، ولكن يفهم من إطلاقه بعدم قطع التمتع أنه لا يرى وجوب الإحرام عليه من الميقات عند رجوعه. 

      وبناء على ما سبق يتوجه القول بأن المتمتع إذا سافر عازما على الرجوع مكة، فإنه لا يجب عليه الإحرام من الميقات الذي يمر به؛ لأنه لا يزال متلبسا بنسكه، وراجعا لإتمامه، ولم يتعرض أكثر المصنفين لهذه المسألة؛ لأن القول الذي عليه الأكثرون هو انقطاع التمتع بالسفر، وعند هؤلاء يجب على من تمتع ثم سافر أن يحرم من الميقات الذي يمر به.

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

أملاه: عبد الرحمن بن ناصر البراك، لخمس بقين من ذي القعدة 1439ه.