ضوابط فقه النوازل (2)
15 ربيع الثاني 1429
عبد الله بن محمد اللاحم

ضوابط فقه النوازل (1)
ضوابط فقه النوازل (2)

ضوابط الاجتهاد في الفتاوى النازلة

الضوابط التي ينبغي أن يراعيها المجتهد قبل الحكم في النازلة:
يتعلق بالنظر في النوازل شروط جمة منها العلم والعدالة؛ فشرط العلم يدخل فيه الإخبار بالحكم الشرعي على الوجه الأكمل بعد معرفة الواقعة من جميع جوانبها.
وشرط العدالة يدخل فيه عدم التساهل في الفتوى بالشرع والمحاباة فيها، مع مراعاة وجه الحق في كل ذلك والنظر إلى مشكلات الناس برحمة ويسر الشرع، وحمل أفعالهم على الوسط في أحكامه. إلى غيرها من الشروط التي ذكرها أهل العلم فيمن يتصدى للنظر والإفتاء، وهي كالتكملة والتتمة لما ينبغي أن يكون عليه الناظر من العدالة والعلم(1).
إلا أن خطة النظر والاجتهاد والإفتاء في النوازل والواقعات قد أصابتها عوارض أخرجتها عن النهج الذي قرره أهل العلم من مبادئ وأسس للنظر، وهذا النوع من الخلل إما أن يكون من جهة الزيغ في إصدار الأحكام، أو في كيفية النظر في تناول هذه المستجدات، وإما من جهة انحراف الناظر وعدم إخلاصه وتقواه في فتواه واجتهاده؛ مما جعل بعض الأئمة والعلماء يتذمرون ويشتكون من ذلك في كل عصر يخرج فيه أهل النظر والاجتهاد عن الطريق السوي.
وقد حصل ما يدل على ذلك في عهد مبكر يشهد عليه الإمام مالك ـ رحمه الله ـ حيث قال: «ما شيء أشد عليّ من أن أُسأل عن مسألة من الحلال والحرام؛ لأن هذا هو القطع في حكم الله، ولقد أدركت أهل العلم والفقه في بلدنا وإن أحدهم إذا سُئل عن مسألة كأن الموت أشرف عليه، ورأيت أهل زماننا هذا يشتهون الكلام فيه والفتيا، ولو وقفوا على ما يصيرون إليه غدًا لقللوا من هذا، وإن عمر بن الخطاب وعليًا وعلقمة خيار الصحابة كانت ترد عليهم المسائل وهم خير القرون الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا يجمعون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويسألون،ثم حينئذٍ يفتون فيها، وأهل زماننا هذا قد صار فخرهم الفتيا، فبقدر ذلك يُفتح لهم من العلم»(2).
ويتضح لنا من كلام الإمام مالك ـ رحمه الله ـ المنهجية المثلى التي كان
السلف ـ رحمهم الله ـ يتبعونها عند نظرهم واجتهادهم في الأحكام والواقعات؛ من عدم التسرع في الفتوى، أو التقصير في بحثها والنظر فيها، أو قلة التحري والتشاور في أمرها، مما يؤدي إلى انخرامٍ ظاهرٍ في نظام النظر والاجتهاد و الفتيا، أو تسيبٍ واعتسافٍ في احترام هذا المقام العالي من الشريعة(3).
ومن أجل هذه الأهمية في المحافظة على هذا المقام والتأكيد على ما يحتاجه الفقيه من ضوابط وشروط للنظر، لاسيما في النوازل المعاصرة التي يكثر فيها زلل الأقدام وانحراف الأفهام، وذلك بما تميز به عصرنا من صراعات ثقافية وتيارات فكرية، بالإضافة إلى كثرة المؤثرات النفسية والاجتماعية والسياسية، مما يجعلها في عصرنا أشد من أي عصر مضى، ويزداد أمر الانحراف في الاجتهاد والنظر خطرًا تبعًا لاتساع دائرة انتشار هذه الاجتهادات والفتاوى بواسطة وسائل الإعلام الحديثة من طبع ونشر وإذاعة وتلفزة.
إن الضوابط والآداب التي ينبغي أن يراعيها الناظر في النوازل وخصوصًا ما كان منها معاصرًا، منها ما يحتاجه قبل الحكم في النازلة، وهذا النوع من الضوابط يكون ضروريًا لإعطاء المجتهد أهلية كاملة وعدة كافية يتسنى بها الخوض للنظر والاجتهاد في حكمها، وهناك ضوابط أخرى يحتاجها الناظر أثناء البحث والاجتهاد في حكم النازلة، ينتج من خلال هذه الضوابط أقرب الأحكام للصواب وأوفقها للحق بإذن الله.
وسيكون البحث في هذا المطلب حول أهم الضوابط التي يحتاجها الناظر في النوازل قبل الحكم في النازلة؛ على النحو التالي:

أولاً: التأكد من وقوعها:
الأصل في المسائل النازلة وقوعها وحدوثها في واقع الأمر، وعندها ينبغي أن ينظر المجتهد في التحقق من وقوعها والتأكد من حدوثها، ومن ثمَّ استنباط حكمها الشرعي، وقد يحصل أن يُسأل الفقيه المجتهد عن مسألة لم تقع تكلفًا من السائل وتعمقًا منه في تخيلات وتوقعات لا تفيد صاحبها ولا تنفع عالمًا أو متعلمًا، وذلك لبعد وقوعها واستحالة حدوثها.
ولا يخفى أن التوغل في باب الاجتهاد إنما هو للحاجة التي تنزل بالمكلف يحتاج فيها إلى معرفة حكم الشرع وإلا وقع في الحرج والعنت أو الخوض في مسائل الشريعة بغير علم أو هدى، أما إذا كان باب الاجتهاد مفتوحًا من غير حاجة وقعت ودون حادثة نزلت،فلا شك في كراهية النظر في مسائل لم تنزل أو يستبعد وقوعها(4).
ويؤيد ذلك ما جاء عن سلفنا الصالح من كراهية السؤال عمَّا لم يقع وامتناعهم عن الإفتاء، فيها، وبعضهم ذهب إلى التشديد في ذلك والنهي عنه(5).
ويُروى عن الصحابة في ذلك آثار كثيرة منها: أن رجلاً جاء إلى ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ فسأله عن شيء، فقال له ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: «لا تسأل عما لم يكن، فإني سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلعن من سأل عما لم يكن»(6).
وكان زيد بن ثابت رضي الله عنه إذا سأله إنسان عن شيء قال: «آلله ! أكان هذا؟ فإن قال: نعم، نظر وإلا لم يتكلم»(7).
«وعن مسروق قال: كنت أمشي مع أُبي بن كعب رضي الله عنه فقال: فتىً: ما تقول يا عماه في كذا وكذا؛ قال: يا بن أخي! أكان هذا؟ قال: لا، قال: فاعفنا حتى يكون»(8).
«ويروى عن عبد المـلك بن مروان ـ رحمه الله ـ أنه سأل ابن شهـاب ـ رحمـه الله ـ فقال له ابن شهاب: أكان هذا بأمير المؤمنين؟ قال: لا، قال: فدعه، فإنه إذا كان، أتى الله عز وجل له بفرج»(9).
فهذه الآثار وغيرها كثير تبين حرص الصحابة والتابعين على عدم الخوض في مسائل لم تقع، سواءً بالسؤال عنها أو بالجـواب فيها؛ لأن النظر فيها لا ينفع، كـما
هو معلوم عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ مع النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال فيهم ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: «ما رأيت قومًا كانوا خيرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وما سألوا إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض، كلهن في القرآن، وما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم»(10).
ويوضح ابن القيم ـ رحمه الله ـ مقصد ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بقوله: «ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة»، فقال: «المسائل التي حكاها الله في القرآن عنهم، وإلا فالمسائل التي سألوه عنها وبين لهم أحكامها في السنة لا تكاد تحصى، ولكن إنما كانوا يسألونه عما ينفعهم من الواقعات، ولم يكونوا يسألونه عن المقدرات والأغلوطات وعضل المسائل، ولم يكونوا يشتغلون بتفريع المسائل وتوليدها، بل كانت هممهم مقصورة على تنفيذ ما أمرهم به، فإذا وقع بهم أمر سألوا عنه، فأجابهم، وقد قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ(*) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ)(11)»(12).
فعلى المجتهد أو المفتي في النوازل أن يتأكد من وقوع النازلة، ولا ينظر في المسائل الغريبة والنادرة أو المستبعدة الحصول، ولكن إذا كانت المسألة ولو لم تقع منصوصًا عليها، أو كان حصولها متوقعًا عقلاً فتستحب الإجابة عنها، والبحث فيها؛ لأجل البيان والتوضيح ومعرفة حكمها إذا نزلت.
وفي هذا يقول الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ بعد أن حكى امتناع السلف عن الإجابة فيما لم يقع: «والحق التفصيل، فإذا كان في المسألة نص من كتاب الله أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أثر عن الصحابة لم يكره الكلام فيها وإن لم يكن فيها نص ولا أثر، فإن كانت بعيدة الوقوع أو مقدرة لا تقع لم يستحب له الكلام فيها.
وإن كان وقوعها غير نادر ولا مستبعد، وغرض السائل الإحاطة بعلمها ليكون منها على بصيرة إذا وقعت استحب له الجواب بما يعلم، ولاسيما إن كان السائل يتفقه بذلك، ويعتبر بها نظائرها، ويفرع عليها، فحيث كانت مصلحة الجواب راجحة كان هو الأولى والله أعلم»(13).

ثانيًا: أن تكون النازلة من المسائل التي يسوغ النظر فيها:
بيَّنا فيما سبق أهمية مراعاة المجتهد، وتأكده من وقوع النازلة، وترك النظر عما لم يقع أو يستبعد وقوعه عقلاً؛ وذلك حتى لا ينشغل أهل الاجتهاد عما هو واقع فعلاً أو ما لا نفع فيه ولا فائدة.
وإذا قررنا مبدأ النظر في الوقائع الحادثة للناس والمجتمعات، فللمجتهد بعد ذلك أن يعرف ما يسوغ النظر فيه من المسائل وما لا يسوغ، وهذا الضابط لا ينفك عن الذي قبله؛ وذلك لأن المجتهد قد يترك الاجتهاد في بعض المسائل التي لا يسوغ فيها النظر؛ لأن حكمها كحكم ما لم يقع من المسائل لعدم الفائدة والنفع من ورائها، فالضابط الذي ينبغي أن يراعيه المجتهد الناظر ألا يشغل نفسه وغيره من أهل العلم إلا بما ينفع الناس ويحتاجون إليه في واقع دينهم ودنياهم.
أما الأسئلة التي يريد بها أصحابها المراء والجدال أو التعالم والتفاصح أو امتحان المفتي وتعجيزه أو الخوض فيما لا يحسنه أهل العلم والنظر، أو نحو ذلك، فهذه مما ينبغي للناظر أن لا يلقي لها بالاً؛ لأنها تضر ولا تنفع وتهدم ولا تبني وقد تفرق ولا تجمع.
وقد ورد النهي عن ذلك كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الغلوطات(14).
وجاء عن معاوية رضي الله عنه: أنهم ذكروا المسائل عنده، فقال: «أما تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن عضل المسائل»(15).
قال الخطابي ـ رحمه الله ـ في هذا المعني: «الغلوطات: جمع غلوطة، وهي المسألة التي يعيا بها المسؤول فيغلط فيها، كره أن يُعترض بها العلماء فيغالطوا ليستزلوا ويستسقط رأيهم فيها»(16).
فشداد المسائل وصعابها مما لا نفع فيه ولا فائدة إلا إعنات المسئول لاشك أنه مذموم شرعًا، ينبغي أن يحذر الفقيه أو الناظر من الانسياق الملهي خلف هذه المسائل والانشغال بها عما هو أهم وأعظم، كذلك ينبغي للناظر أن لا يقحم نفسه ويجتهد في المسائل التي ورد بها النص؛ إذ القاعدة فيها: «لا مساغ للاجتهاد في مورد النص»(17).
والمقصود بهذه القاعدة ـ على وجه الإجمال ـ ما قاله الإمام الزركشي ـ رحمه الله ـ أن «المجتهد فيه وهو كل حكم شرعي عملي أو علمي يقصد به العلم ليس فيه دليل قطعي»(18).
ويمكن من خلال النقاط التالية إبراز ما يسـوغ للمجتهد أن ينظر فيه من النوازل بإجـمـالٍ:
1 ـ أن تكون هذه المسألة المجتهد فيها غير منصوصٍ عليها بنصٍ قاطعٍ أو مجمع عليها.
2 ـ أن يكون النص الوارد في هذه المسألة ـ إن ورد فيها نصٌ ـ محتملاً قابلاً للتأويل.
3 ـ أن تكون المسألة مترددة بين طرفين وضح في كل واحدٍ منهما مقصد الشارع في الإثبات في أحدهما والنفي في الآخر(19).
4 ـ أن لا تكون المسألة المجتهد فيها من مسائل أصول العقيدة والتوحيد أو في المتشابه من القرآن والسنة.
5 ـ أن تكون المسألة المجتهد فيها من النوازل والوقائع أو مما يمكن وقوعها في الغالب والحاجة إليها ماسة(20).

ثالثًا: فهم النازلة فهمًا دقيقًا:
إن فقه النوازل المعاصرة من أدق مسالك الفقه وأعوصها حيث إن الناظر فيها يطرق موضوعات لم تطرق من قبل ولم يرد فيها عن السلف قول، بل هي قضايا مستجدة، يغلب على معظمها طابع العصر الحديث المتميز بابتكار حلولٍ علمية لمشكلات متنوعة قديمة وحديثة واستحداث وسائل جديدة لم تكن تخطر ببال البشر يومًا من الدهر والله أعلم.
من هذا المنطلق كان لا بد للفقيه المجتهد من فهم النازلة فهمًا دقيقًا وتصورها تصورًا صحيحًا قبل البدء في بحث حكمها، والحكم على الشيء فرع عن تصوره، وكم أُتِي الباحث أو العالم من جهة جهله بحقيقة الأمر الذي يتحدث فيه؟ فالناس في واقعهم يعيشون أمرًا، والباحث يتصور أمرًا آخر ويحكم عليه.
فلابد حينئذ من تفهم المسألة من جميع جوانبها والتعرف على جميع أبعادها وظروفها وأصولها وفروعها ومصطلحاتها وغير ذلك مما له تأثير في الحكم فيها(21).
ولأهمية هذا الضابط جاء في كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنهما ـ ما يؤكد ضرورة الفهم الدقيق للواقعة حيث جاء فيه: «أما بعد، فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فافهم إذا أُدليَ إليك؛ فإنه لا ينفع تكلم بالحق لا نفاذ له ... ثم الفهم الفهم فيما أدلي إليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنة، ثم قايس الأمور عند ذلك، واعرف الأمثال، ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق»(22).
يقول الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ معلقًا وشارحًا هذا الكتاب بقوله: «ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم:
أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علمًا.
والثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر، فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجرًا ... ومن تأمل الشريعة وقضايا الصحابة وجدها طافحةً بهذا، ومن سلك غير هذا أضاع على الناس حقوقهم، ونسبه إلى الشريعة التي بعث الله بها رسوله»(23).
ومما ينبغي أن يتفطن له المفتي أو الناظر التبيّن من مقصود السائل أو المستفتي وطلب المزيد من الإيضاح والاستفصال منه؛ وذلك حين لا يفهم المفتي صورة النازلة كما يجب، من أجل التعرف السليم على الحكم الشرعي الذي تندرج تحته تلك النازلة أو حين يكون الأمر يدعو إلى التفصيل والإيضاح.
وقد ضرب ابن القيم ـ رحمه الله ـ عدَّة أمثلةٍ في هذا المجال فمن ذلك: «إذا سُئِلَ عن رجل حلف لا يفعل كذا وكذا، ففعله، لم يجز له أن يفتي بحنثه حتى يستفصله؛ هل كان ثابت العقل وقت فعله أم لا؟ وإذا كان ثابت العقل فهل كان مختارًا في يمينه أم لا؟ وإذا كان مختارًا فهل استثنى عقيب يمينه أم لا؟ وإذا لم يستثن فهل فعل المحلوف عليه عالمًا ذاكرًا مختارًا أم كان ناسيًا أو جاهلاً أو مكرهًا؟ وإذا كان عالمًا مختارًا فهل كان المحلوف عليه داخلاً في قصده ونيته أو قصد عدم دخوله مخصصه بنيته أو لم يقصد دخوله ولا نوى تخصيصه؟ فإن الحنث يختلف باختلاف ذلك كله»(24).
فالمقصود أن يتنبه المفتي والناظر على وجوب الفهم الكامل للنازلة والاستفصال عند وجود الاحتمال لأن المسائل النازلة ترد في قوالب متنوعة وكثيرة، فإن لم يتفطن لذلك المجتهد أو المفتي هلك وأهلك(25).
والمتأمل في بعض فقهاء العصر يجد بعضهم يجازف بالفتوى في أمور المعاملات الحديثة، مثل التأمين بأنواعه، وأعمال البنوك، والأسهم والسندات، وأصناف الشركات، فيحرم ويحلل دون أن يحيط بهذه الأشياء خبرًا ويدرسها جيدًا، ومهما يكن علمه بالنصوص عظيمًا ومعرفته بالأدلة واسعة، فإن هذا لا يغني ما لم يؤيد ذلك معرفة تامة بالواقعة المسئول عنها وفهمه لحقيقتها الراهنة(26).

رابعًا: التثبت والتحري واستشارة أهل الاختصاص:
بيّنا في الضابط السابق أهمية فهم النازلة فهمًا دقيقًا واضحًا كافيًا يجعل الناظر متصورًا حقيقة المسألة تصورًا صحيحًا يحسن بعدها أن يحكم بما يراه الحق فيها، وقد يحتاج الفقيه أن يستفصل من السائل عند ورود الاحتمال إذا دعى إلى ذلك المقام.
ومما ينبغي أيضًا للناظر أن يراعيه هنا زيادة التثبت والتحري للمسألة، وعدم الاستعجال في الحكم عليها، والتأني في نظره لها، فقد يطرأ ما يغير واقع المسألة أو يصل إليه علم ينافي حقيقتها وما يلزم منها، فإذا أفتى أو حكم من خلال نظرٍ قاصرٍ أو قلة بحثٍ وتثبتٍ وتروٍ، فقد يخطئ الصواب ويقع في محذور يزل فيه خلق كثير(27).
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يؤيد التثبت والتحري في الفتيا والاجتهاد؛ ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «من أُفْتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه»(28)، وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: «أجرأكم على الفتيا أجرأكم على النار»(29).
و يروى عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: «من أجاب الناس في كل ما يسألونه عنه فهو مجنون»(30). وكان ابن مسعود رضي الله عنه يُسأَل عن المسألة فيتفكر فيها شهرًا، ثم يقول: «اللهم إن كان صوابًا فمن عندك، وإن كان خطأ فمن ابن مسعود»(31).
وجاء عن الإمام مالك ـ رحمه الله ـ أنه قال: «إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة، فما اتفق لي فيها رأي إلى الآن»(32). وقال أيضًا: «ربما وردت عليَّ المسألة فأفكر فيها ليالي»(33).
ولاشك في دلالة هذه الأحاديث والآثار على أهمية التثبت في الفتوى وعدم الاستعجال في إجابة كل أحدٍ دون تروٍ ونظرٍ، فالمفتي في النوازل إذا وضع نصب عينيه أهمية خطته وشرفها اتخذ الإخلاص والتثبت شعاره ضمن النجاح في القيام بمسئوليته الجسيمة(34).
يقول الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في ذلك: «حقيق بمن أقيم في هذا المنصب أن يعدّ له عدّته وأن يتأهب له أهبته وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه , ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به، فإن الله ناصره وهاديه، وكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب»(35).
ومما ينبغي أن يراعيه الناظر في النوازل من التثبت والتحري استشارة أهل الاختصاص، وخصوصًا في النوازل المعاصرة المتعلقة بأبواب الطب والاقتصاد والفلك وغير ذلك، والرجوع إلى علمهم في مثل تلك التخصصات عملاً بقوله تعالى: ( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )(36)، فإن كانت النازلة متعلقة بالطب مثلاً، وجب الرجوع إلى أهل الطب وسؤالهم والاستيضاح منهم، وإن كانت النازلة متعلقة بالاقتصاد والمال فيُرجَعُ حينئذٍ لأصحاب الاختصاص في الاقتصاد أو للمراجع المختصة في ذلك الشأن، فالذي لا يعرف حقيقة النقود الورقية المعاصرة أفتى بأنها لا زكاة فيها، أو أن الربا لا يجري فيها اعتمادًا على أنها ليست ذهبًا أو فضة(37).
كما أن الذي لا يعرف مجريات ما يسمى (بأطفال الأنابيب) لا يستطيع أن يعطي فتوى صحيحة فيها بالحِلِّ أو الحرمة، إلا إذا وضحت له حالات هذه العملية
وفروضها، فيستطيع حينئذٍ أن يعطي الحكم المناسب لكل حالة(38).
ولعل في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الاستشارة ضمانٌ للمفتي من القول بلا علم وخصوصًا فيما ينزل من مسائل معاصرة، والاجتهاد الجماعي في وقتنا الحاضر المتمثل بالمجامع الفقهية وهيئات الإفتاء ومراكز البحث العلمي تحقق الدور المنشود الذي ينبغي للمفتي أو المجتهد مراعاته والالتزام به لتتسع دائرة العلم وتزداد حلقة المشورة من أجل الحيطة والكفاية في البحث والنظر.
يقول الخطيب البغدادي ـ رحمه الله ـ معلقًا على أهمية ذلك: «ثم يذكر المسألة ـ أي المفتي ـ لمن بحضرته ممن يصلح لذلك من أهل العلم ويشاورهم في الجواب، ويسأل كل واحد منهم عما عنده، فإن في ذلك بركة واقتداء بالسلف الصالح، وقد قال الله تبارك وتعالى( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ: )(39)، وشاور النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع وأشياء وأمر بالمشاورة، وكانت الصحابة تشاور في الفتاوى والأحكام»(40).

خامسًا: الالتجاء إلى الله ـ عز وجل ـ وسؤاله الإعانة والتوفيق:
وهذا الضابط من أهم الآداب التي ينبغي أن يراعيها الناظر في النوازل ليوفق للصواب ويفتح عليه بالجواب، وما ذلك إلا من عند الله العليم الحكيم، القائل في كتابه الكريم يحكي عن الملائكة: ﮋقَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ )(41). وقد استحب بعض العلماء للمفتي أن يقرأ هذه الآية، وكذلك
قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي(*)وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (*)وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (*) يَفْقَهُوا قَوْلِي )(42)، وغيرها من الأدعية والأوراد؛ لأن من ثابر على تحقيق هذه الصلة الملتجئة بالله كان حريًا بالتوفيق في نظره وفتواه(43).
وما أروع ما قاله الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ مؤكدًا هذا النوع من الأدب للمفتي: «ينبغي للمفتي الموفق إذا نزلت به المسألة أن ينبعث من قلبه الافتقار الحقيقي الحالي لا العلمي المجرد إلى ملهم الصواب ومعلم الخير وهادي القلوب، أن يلهمه الصواب، ويفتح له طريق السداد، ويدله على حكمه الذي شرعه لعباده في هذه المسألة، فمتى قرع هذا الباب فقد قرع باب التوفيق، وما أجدر من أمّل فضل ربه أن لا يحرمه إياه، فإذا وجد في قلبه هذه الهمة فهي طلائع بشرى التوفيق، فعليه أن يوجه وجهه ويحدق نظره إلى منبع الهدى ومعدن الصواب ومطلع الرشد وهو النصوص من القرآن والسنة وآثار الصحابة، فيستفرغ وسعه في تعرف حكم تلك النازلة منها، فإن ظفر بذلك أخبر به وإن اشتبه عليه بادر إلى التوبة والاستغفار والإكثار من ذكر الله، فإن العلم نور الله يقذفه في قلب عبده، والهوى والمعصية رياح عاصفة تطفئ لك النور أو تكاد ولا بد أن تضعفه، وشهدتُ شيخ الإسلام ـ ابن تيمية ـ قدس الله روحه إذا أعيته المسائل واستصعب عليه، فرّ منها إلى التوبة والاستغفار و الاستغاثة بالله واللجوء إليه، واستنزال الصواب من عنده والاستفتاح من خزائن رحمته، فقلما يلبث المدد الإلهي أن يتتابع عليه مدًا، وتزدلف الفتوحات الإلهية إليه بأيتهن يبدأ...»(44).
ولعل من أشد المزالق التي يقع بها بعض المفتين ضعف الصلة بالله ـ عز وجل ـ وقلة الورع، مما قد يؤدي إلى سلوك هذا الصنف من المفتين إلى إرضاء أهوائهم أو أهواء غيرهم ممن ترجى عطاياه وتخشى رزاياه، أو قد يكون باتباع أهواء العامة والجري وراء إرضائهم بالتساهل أو بالتشديد، وكله من اتباع الهوى المضل عن الحق.
والله ـ عز وجل ـ قد حذر من ذلك حيث قال: ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (*)نَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ )(45).
وكذلك قوله تعالى يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم أيضًا: ( وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ )(46)، إلى غيرها من الآيات والأحاديث.
وصدق الإمام سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ حيث قال: «ما من الناس أعز من فقيه ورع»(47). ويعلل الإمام الشاطبي عزّة وندرة هذا النوع من الفقهاء؛ بأن أفعاله قد طابقت أقواله، فيقول ـ رحمه الله ـ: «فوعظه أبلغ، وقوله أنفع، وفتواه أوقع في القلوب ممن ليس كذلك؛ لأنه الذي ظهرت ينابيع العلم عليه واستنارت كليته به، وصار كلامه خارجًا من صميم القلب، والكلام إذا خرج من القلب وقع في القلب، ومن كان بهذه الصفة فهو من الذين قال الله فيهم: ( إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ )(48)، بخلاف من لم يكن كذلك،فإنه وإن كان عدلاً وصادقًا وفاضلاً لا يبلغ كلامه من القلوب هذا المبلغ،حسبما حققته التجربة العادية»(49).
فما أحوج الفقيه المفتي في عصرنا الحاضر إلى تقوية الصلة بالله والافتقار إليه حتى يكون في حمى الإيمان بالله مستعليًا وعن الخلق مستغنيًا وبالحق والصواب موفقًا بإذن الله(50).
فهذه بعض الضوابط التي ينبغي للناظر والمجتهد في النوازل مراعاتها قبل البحث في حكم النازلة.
والحقيقة أن هناك ضوابط وآداب أخرى كثيرة ذكرها أهل العلم ـ ربما يندرج بعضها فيما ذكرنا ـ لعل من أهمها مناسبة للمقام في هذا المطلب ما قاله الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ: «لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال:
1 ـ أن تكون له نية، فإن لم يكن له نية؛ لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور.
2 ـ أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة.
3 ـ أن يكون قويًا على ما هو فيه وعلى معرفته.
4 ـ الكفاية وإلا مضغه الناس.
5 ـ معرفة الناس»(51).
وقد وفّى وكفى الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في بيانها وشرحها بالدليل والبرهان في كتابه القيم إعلام الموقعين(52).

الضوابط التي ينبغي أن يراعيها المجتهد أثناء الحكم في النازلة:
بيّنا فيما سبق بعض الضوابط التي يحتاجها الناظر في النوازل قبل الحكم أو الفتيا في الواقعة، ولعلنا في هذا المطلب أكثر احتياجًا لسوق بعض الضوابط التي ينبغي مراعاتها، أثناء الحكم على النازلة، من أجل بلوغ الناظر الدرجة العليا من المعرفة والفهم للأدلة والقواعد وما يتعلق بالنظر من ظروف وأحوال تؤدي بمجموعها إلى استفراغ المجتهد وسعه وجهده للوصول إلى الحكم الصحيح ـ إن شاء الله تعالى فمن هذه الضوابط ما يلي:

أولاً:الاجتهاد في البحث عن الحكم الشرعي للنازلة:
والمقصود بذلك أن يبذل المجتهد وسعه في البحث عن الحكم الشرعي للنازلة بتتبع طرق الاستنباط المعروفة والجري في ذلك على سنن النظر المعهودة، فقد يجد الحكم منصوصًا عليه أو قريبًا منه، وقد يلجأ إلى القياس على الأدلة، أو التخريج على أقوال الأئمة؛ مع مراعاة عدم مصادمة حكمه للنصوص والإجماعات الأخرى أو مخالفتها للعقول الصحيحة والفطر السليمة فهذا مسلمٌ اعتباره في الشريعة.
ويجدر بنا هنا أن نذكر بعض الآداب التي ينبغي للناظر مراعاتها من خلال هذا الضابط ومما له صلة في مبحثنا:
أ ـ أن يذكر دليل الحكم في الفتوى النازلة: قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في ذلك: «ينبغي للمفتي أن يذكر دليل الحكم ومأخذه ما أمكنه ذلك ولا يلقيه إلى المستفتي ساذجًا مجردًا عن دليله ومأخذه، فهذا لضيق عَطَنِه وقلة بضاعته من العلم، ومن تأمل فتاوى النبي صلى الله عليه وسلم الذي قوله حجة بنفسه رآها مشتملة على التنبيه على حِكمة الحكم ونظيره ووجه مشروعيته»(53).
وقال ـ رحمه الله ـ في موضع آخر: «عاب بعض الناس ذكر الاستدلال في الفتوى وهذا العيب أولى بالعيب، بل جمال الفتوى وروحها هو الدليل، فكيف يكون ذكر كلام الله ورسوله وإجماع المسلمين وأقوال الصحابة رضوان الله عليهم والقياس الصحيح عيبًا»(54). ثم بيّن ـ رحمه الله ـ ما صار إليه الأمر في الفتوى بعد الصحابة والتابعين بقوله: «ثم طال الأمد وبعد العهد بالعلم، وتقاصرت الهمم إلى أن صار بعضهم يجيب بنعم أو لا فقط، ولا يذكر للجواب دليلاً ولا مأخذًا، ولا يعترف بقصوره وفضل من يفتي بالدليل، ثم نزلنا درجة أخرى إلى أن وصلت الفتوى إلى عيب من يفتي بالدليل وذمه، ولعله أن يحدث للناس طبقة أخرى لا يدري ما حالهم في الفتاوى؟!»(55).
ونُقِل عن الإمام الصيمري وغيره القول بعدم مطالبة المفتي بذكر الدليل في فتواه(56).
ولعل الأقرب إلى الصواب في هذه المسألة ـ والله أعلم ـ: أن ذكر الدليل في الفتوى يرجع إلى حال السائل وطبيعة الفتوى أو النازلة؛ فإذا كان السائل له علم بالشرع، ودراية في معاني الأدلة، أو طلب معرفة الدليل، فينبغي للمفتي أو الناظر ذكر الدليل والحجة أو الحكمة من المشروعية؛ تطمينًا لقلب السائل وزيادة في علمه وتوثيقًا لفهمه، أما لو كان المستفتي أميًا لا يفقه معنى الدليل فذكره له مضيعة للوقت وخطابًا لمن لا يفهم.

وكذلك لو كانت النازلة تتعلق بمهام الدين ومصالح المسلمين أو بها غموض قد يطرأ في الذهن فينبغي للمفتي ذكر الدليل والحجة، والاهتمام ببسط الأدلة ما أمكنه ذلك(57).
ب ـ أن يبين البديل المباح عند المنع من المحظور: وهذا الأدب له من الأهمية في عصرنا الحاضر القدر العظيم، وذلك أن كثيرًا من المستجدات الواقعة في مجتمعنا المسلم قادمة من مجتمعات كافرة أو منحلة لا تراعي القيم والثوابت الإسلامية؛ فتغزو مجتمعاتنا بكل قوة مؤثرة ومغرية كالمستجدات المالية والفكرية والإعلامية وغيرها.فيحتاج الفقيه إزاءها أن يقرّ ما هو مقبول مباح شرعًا ويمنع ما هو محظور أو محرم مع بيانه لحكمة ذلك المنع وفتح العوض المناسب والاجتهاد في وضع البدائل المباحة شرعًا حماية للدين وإصلاحًا للناس، وهذا من الفقه والنصح في دين الله عز وجل.
كما قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ: «من فقه المفتي ونصحه إذا سأله المستفتي عن شيء فمنعه منه وكانت حاجته تدعو إليه؛ أن يدله على ما هو عوض له منه، فيسد عليه باب المحظور ويفتح له باب المباح وهذا لا يتأتى إلا من عالم ناصح مشفق قد تاجر مع الله وعامله بعلمه؛ فمثاله من العلماء: مثال الطبيب العالم الناصح في الأطباء؛ يحمي العليل عما يضره، ويصف له ما ينفعه، فهذا شأن أطباء الأديان والأبدان.
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما بعث الله من نبي إلا كان حـقًا عليه أن يدل أمته على خـير ما يعلمه لهم، وينـهاهم عن شر ما يعـلمه لهم»(58).
وهذا شأن خلق الرسل وورثتهم من بعدهم»(59).
ج ـ التمهيد في بيان حكم النازلة: ينبغي للناظر في النوازل التمهيد للحكم المستغرب بما يجعله مقبولاً لدى السائلين، وقد ذكر ابن القيم ـ رحمه الله ـ: «إذا كان الحكم مستغربًا جدًا مما تألفه النفوس وإنما ألفت خلافه، فينبغي للمفتي أن يُوطِّئ قبله ما يكون مؤذنًا به؛ كالدليل عليه والمقدمة بين يديه، فتأمل ذكره سبحانه قصة زكريا وإخراج الولد منه بعد انصرام عصر الشيبة وبلوغه السن الذي لا يولد فيه لمثله في العادة، فذكر قصته مقدمة بين يدي قصة المسيح وولادته من غير أب، فإن النفوس لما آنست بولد بين شيخين كبيرين لا يولد لهما عادة سهل عليها التصديق بولادة ولد من غير أب»(60).
كما ينبغي أيضًا للناظر إن يعدل عن جواب المستفتي عما سأله عنه إلى ما هو أنفع له منه ولاسيما إذا تضمن ذلك بيان ما سأل عنه وذلك من كمال علم المفتي وفقهه ونصحه وشاهده قوله تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ )(61) .
وقد يحتاج الفقيه الناظر أيضًا أن يجيب السائل بأكثر مما سأله عنه لما فيها من تكميل موضوع السؤال أو لعلةٍ ترتبط بينهما قد يحتاج إليها السائل فيما بعد أو يستفيد منها عموم أهل الواقعة.
وقد ترجم الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ لذلك في صحيحه فقال: «باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله عنه»، ثم ذكر حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ ما يلبس المحرم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات، ولا الخفاف، إلا أن لا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل الكعبين»(62).
وهذا أيضًا من كمال العلم والنصح والإرشاد في بيان أحكام النوازل.
ثانيًا: فقه الواقع المحيط بالنازلة:
ويقصد بهذا الضابط أن يراعي الناظر في النوازل عند اجتهاده تغيّر الواقع المحيط بالنازلة سواءً كان تغيرًا زمانيًا أو مكانيًا أو تغيرًا في الأحوال والظروف وعلى الناظر تبعًا لذلك مراعاة هذا التغير في فتواه وحكمه.
وذلك أن كثيرًا من الأحكام الشرعية الاجتهادية تتأثر بتغير الأوضاع والأحوال الزمنية والبيئية؛ فالأحكام تنظيمٌ أوجبه الشرع يهدف إلى إقامة العدل وجلب المصالح ودرء المفاسد، فهي ذات ارتباط وثيق بالأوضاع والوسائل الزمنية وبالأخلاق العامة، فكم من حكم كان تدبيرًا أو علاجًا ناجحًا لبيئة في زمن معين، فأصبح بعد جيل أو أجيال لا يوصل إلى المقصود منه، أو أصبح يفضي إلى عكسه بتغير الأوضاع والوسائل والأخلاق.
ومن أجل هذا أفتى الفقهاء المتأخرون من شتى المذاهب الفقهية في كثير من المسائل بعكس ما أفتى به أئمة مذاهبهم وفقهاؤهم الأولون، وصرّح هؤلاء المتأخرون بأن سبب اختلاف فتواهم عمن سبقهم هو اختلاف الزمان وفساد الأخلاق في المجتمعات، فليسوا في الحقيقة مخالفين للسابقين من فقهاء مذاهبهم، بل لو وُجِدَ الأئمة الأولون في عصر المتأخرين وعايشوا اختلاف الزمان وأوضاع الناس لعدلوا إلى ما قال المتأخرون(63). وعلى هذا الأساس أسست القاعدة الفقهية القائلة: «لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان»(64).
ومن أمثلة هذه القاعدة:
أن الإمام أبا حنيفة ـ رحمه الله ـ يرى عدم لزوم تزكية الشهود ما لم يطعن فيهم الخصم، اكتفاء بظاهر العدالة، وأما عند صاحبيه أبي يوسف ومحمد ـ رحمهما الله ـ فيجب على القاضي تزكية الشهود بناء على تغير أحوال الناس(65).
كذلك أفتى المتأخرون بتضمين الساعي بالفساد لتبدل أحوال الناس مع أن القاعدة: «أن الضمان على المباشر دون المتسبب»، وهذا لزجر المفسدين(66).
ومـن الفـتاوى ما ذهـب إليـه شـيخ الإسلام ابن تيـمية وتلميذه ابن القيم ـ رحمهما الله ـ في تقييد مطلق كلام العلماء وقالا بإباحة طواف الإفاضة للحائض التي يتعذر عليها المقام حتى تطهر (67)، وقد عمل بها بعض العلماء المعاصرين مراعاة لتغير أحوال الناس.
كذلك جواز إغلاق أبواب المساجد في غير أوقات الصلاة في زماننا مع أنه مكان للعبادة ينبغي أن لا يغلق وإنما جُوِّزَ الإغلاق صيانة للمسجد من السرقة والعبث(68).
إلى غيرها من الأمثلة الكثيرة التي غيّر فيها الأئمة المتأخرون كثيرًا من الفتاوى بسبب تغير الأزمنة واختلاف أحوال الناس(69).
يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في فصل تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد: «هذا فصل عظيم النفع جدًا وقد وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه، ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى مراتب المصالح لا تأتي به، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور، ومن الرحمة إلى ضدها، ومن المصلحة إلى المفسدة ومن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل»(70).
ولعل هذا النص النفيس للإمام الجليل ابن القيم ـ رحمه الله ـ يكون منارًا لأهل النظر والاجتهاد يهتدون به في بحثهم واجتهادهم من أجل أن يراعي المجتهد أو المفتي أثناء اجتهاده ونظره الظروف العامة للعصر والبيئة والواقع المحيط بالناس، فربَّ فتوى تصلح لعصر ولا تصلح لآخر، وتصلح لبيئة ولا تصلح لأخرى، وتصلح لشخص ولا تصلح لغيره، وقد تصلح لشخص في حال، ولا تصلح له نفسه في حال أخرى.
ثالثًا: الوضوح والبيان في الإفتاء:
وهذا الضابط مهم في تبليغ الحكم المتعلق بالنازلة فلا يكفي الإخبار وحده بحكم الواقعة بل لا بد أن يكون ذلك الإخبار واضحًا بينًا لا غموض فيه ولا إبهام فيه، وألا يفضي إلى الاضطراب والاختلاف في معرفة المعنى المقصود بالفتوى. وقد وضح الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ أهمية هذا الضابط بقوله: «لا يجوز للمفتي الترويج وتخيير السائل وإلقاؤه في الإشكال والحيرة، بل عليه أن يبين بيانًا مزيلاً للإشكال متضمنًا لفصل الخطاب، كافيًا في حصول المقصود لا يحتاج معه إلى غيره، ولا يكون كالمفتي الذي سئل عن مسألة في المواريث فقال: يقسم على الورثة على فرائض الله عز وجل وكتبه فلان، وسئل آخر عن صلاة الكسوف فقال: يصلي على حديث عائشة... وسئل آخر فقال: فيها قولان ولم يزد ...»(71).
ويدخل ضمن هذا الأدب في الفتيا مخاطبة الناس بلغة عصرهم التي يفهمون متجنبًا وعورة المصطلحات الصعبة وخشونة الألفاظ الغريبة، متوخيًا السهولة والدقة.
وقد جاء عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون، أتريدون أن يكذَّب الله ورسوله؟»(72). فمراعاة حال السائلين من حيث فهم الخطاب وإدراك معنى الحكم مطلبٌ مهم يجب على الناظر مراعاته وتوخيه دون أن يكون قاصرًا على فهم طائفة معينة، أو خاليًا من التأصيل العلمي اللائق بالفتوى تنزّلاً لحال العوام من الناس بل على الناظر مراعاة الوسط والاعتدال بين ما يفهمه العامي ويستفيد منه المتعلم؛ ولذلك قال الخطيب البغدادي ـ رحمه الله ـ في ضمن صفات المفتي: «وليتجنب مخاطبة العوام وفتواهم بالتشقيق والتقعير، والغريب من الكلام، فإنه يقتطع عن الغرض المطلوب، وربما وقع لهم به غير المقصود»(73).
ولذلك ينبغي للناظر في النازلة أن يعتبر نفسه عند الإجابة مفتيًا ومعلمًا ومصلحًا وطبيبًا مرشدًا حتى تبلغ فتواه مبلغها ويحصل أثرها بإذن الله.

التنبيه على مزالق يقع فيها بعض المفتين

المراد بالمزالق التي يراد بها التنبيه عليها في هذه المسألة: تلك المداخل الخفية والأخطاء الدقيقة التي تحصل لكثير ممن يفتي في النوازل.
ذلك أن الوقوع في هذه المزالق حاصل مع توافر الضوابط الثلاثة من حيث الجملة، أعني بذلك ضوابط الاجتهاد في النوازل التي ورد بيانها في المسألة السابقة.

المزلق الأول: التعضية(74).
وهو تقسيم النازلة إلى أجزائها التي تتركب منها، مع إعطاء كل جزء حكمه الخاص به، كل على حدة، دون اعتبار للقدر الحاصل من التركيب والاجتماع.
ومن الأمثلة على ذلك:
أن يقال في بيع المرابحة: هو عبارة عن ثلاثة عقود: عقد وكالة، وعقد مواعدة بالشراء، وعقد بيع بالتقسيط، وكلها عقود صحيحة، وبناء على ذلك فبيع المرابحة عقد صحيح لا غبار عليه.
هذا ما نطق به بعض المفتين ـ ممن يقول بالجواز ـ من غير التفات إلى المعنى الحاصل من حصول هذه العقود الثلاثة مجتمعة، ودون نظر إلى الهيئة الجديدة المتولدة عن هذا التركيب.
وقد ذكر بعض المفتين ـ ممن يقول بالمنع ـ أن بيع المرابحة مع كونه مكونًا من هذه العقود الثلاثة إلا أن الظروف التي تحيط به والدوافع التي أدت إلى الأخذ به وانتشاره تفيد أنه ليس إلا صورة من صور التحايل على الربا؛ حيث إن البائع ـ وهو البنك الممول ـ يريد أن يقرض المشتري بفائدة، وكذلك المشتري؛ فإنه يريد أن يقترض من البنك بفائدة، وإنما جعلت هذه السلعة بينهما حيلة، حتى تنتقل صورة الافتراض بفائدة إلى ما يسمى بيع المرابحة.

المزلق الثاني: الحيدة عن الواقع:
ذلك أن كثيرًا من المفتين في النوازل إذا سئل عن نازلة معينة أجاب عن حكم هذه النازلة من حيث الأصل، ثم يأتي بشروط الحكم، والحال: أن هذه الشروط يبعد جدًا ـ بحسب الواقع ـ توافرها في النازلة.
ومن الأمثلة على ذلك:
أن بعض المفتين حينما سُئل عن حكم الإيجار المنتهى بالتمليك قال: يجوز، فقال له السائل: لكنهم يلزموننا بالتأمين، فقال: لا توافقهم على التأمين، بل خذ السيارة بدون تأمين، التأمين ليس بلازم.
إن هذا المفتي كان عليه أن يجلي الصورة الحاصلة في الواقع، وهي أن الإيجار المنتهي بالتمليك بحسب الواقع لا بد فيه من التأمين، وكان عليه أن يقول: إن الإيجار المنتهي بالتمليك مع اشتراط التأمين يجوز، أو: لا يجوز.

المزلق الثالث: قضية المصطلحات والألفاظ المجملة:
من الضروري عند الحكم على نازلة من النوازل النظر إلى حقائق الأمور، وعدم الاغترار بأسمائها، إذا الأحكام الشرعية إنما تتعلق بالحقائق والمعاني، لا بالألفاظ والمباني(75).
إن التلاعب بالألفاظ الشرعية بات سمة في كثير من المعاملات المشبوهة، وآية ذلك أنك لو نظرت في جميع المعاملات الصادرة عن جميع البنوك القائمة في العالم الإسلامي لا تجد تحت خدماتها معاملة يطلق عليه اسم الربا صراحة! لا فرق في ذلك بين البنوك الإسلامية وغير الإسلامية. فهل هذا يدل على أن هذه المعاملات كلها ليست من الربا، وأن الربا لا يوجد لدى هذه البنوك؟
والقاعدة المطردة والأصل المتبع: استعمال الأسماء الشرعية في تسمية الأمور ما أمكن، لكن إن وجدت نازلة ليس لها اسم شرعي فالواجب أن تعطى اسمًا لغويًا يناسبها ويدل على حقيقتها من حيث الدلالة اللغوية.

المزلق الرابع: الغفلة عن تطور النوازل وانقلابها:
ذلك أن حقيقة النازلة قد يطرأ عليها شيء من التغير والتحول، وهذا التغير ربما يفضي إلى أن تنتقل حقيقة النازلة بالكلية عن حقيقتها السابقة، يحدث هذا مع أن اسم النازلة باق في كلتا الحالتين.
إن البقاء على التصورات الأولى للنازلة والبناء عليها والركون إليها يوقع في اختلال التصور وانتكاس الفهم.
فلا بد إذن من تحديد المعلومات لمن أراد أن يتصور النازلة تصورًا تامًا، خاصة وأننا في هذا العصر ـ عصر السرعة ـ نشهد تجددًا دائمًا ونلحظ تغيرًا مطردًا في الأساليب والهيئات والأفكار.
ومن الأمثلة على ذلك: شراء الأسهم؛ فقد كانت الأسهم قبل أكثر من عقدين تختص في الغالب ببعض القطاعات؛ كشركات الكهرباء ومصانع الإسمنت، وقد وقعت الفتوى إذ ذاك بحلية شراء هذه الأسهم، أما في وقتنا هذا فقد تغيرت الأوضاع؛ حيث إن هذه الشركات المساهمة أصبحت تقوم بإيداع السيولة المالية في البنوك الربوية وأخذ الفوائد عليها، وصارت تستثمر في القروض الطويلة الأجل بفائدة ربوية.
فهل يسوغ استصحاب الفتوى السابقة في جواز شراء أسهم الشركات وتطبيقها على أسهم الشركات القائمة الآن؟
المزلق الخامس: الميل بالناس إلى التيسير والتخفيف، دون اعتبار لمقاصد الشريعة وقواعدها العامة:
بناء على أن هذا هو الأصلح لأحوال الناس في هذا العصر بسبب انصرافهم بمغريات الحياة عن الالتزام بأحكام الدين، فكان من المتعين تقريب هذا الدين إلى تلك النفوس الضعيفة، وتأليف هذه القلوب المريضة، كيما تنشط لقبول أحكام الشريعة والإقبال عليها، قالوا: وهذا أمر واجب محتم، خاصة وأن القول بالتيسير والأخذ بهذه الرخصة أو تلك لا بد أن يوجد له مستند ما يؤيده ويعزز اتباعه؛ من نص مأثور أو قول إمام متبوع.

المزلق السادس: الميل بالناس إلى التشديد والمنع دون اعتبار لمقاصد الشريعة وقواعدها العامة:
بناء على ذلك هو الأحوط، وهو الأصلح لأحوال الناس الذين غلب عليهم التساهل والتفريط في الأخذ بعزائم الشريعة مما قد يفضي في المآل إلى الانسلاخ الكامل من أحكام الدين.

المزلق السابع:الاحتجاج بالإفتاء الجماعي، والاقتصار عليه وجعله مستندًا يُستغنى به عما سواه:
والمراد بالإفتاء الجماعي: ما يصدر من فتاوى وبيانات عن بعض المجامع واللجان العلمية.

المزلق الثامن: الاحتجاج بالإفتاء الفردي والبناء عليه والتسليم له:
والمراد بالإفتاء الفردي: ما يصدر من فتاوى وبيانات عن واحد من أهل العلم.

مظان فقه النوازل

المراد بمظان فقه النوازل: المصادر التي تتميز بذكر النوازل وبيان أحكامها.
ويمكن تصنيف هذه المصادر إلى سبعة أنواع:
أولاً: الكتب المؤلفة في النوازل.
ثانيًا: الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات العلمية.
ثالثًا: التوصيات والدراسات الصادرة عن المؤتمرات والندوات الخاصة ببعض النوازل.
رابعًا: القرارات والبيانات والفتاوى الصادرة عن المجامع الفقهية واللجان والهيئات العلمية.
خامسًا: فتاوى المعاصرين الفردية التي يغلب عليها العناية بالنوازل المعاصرة.
سادسًا: الوسائل الجامعية.
سابعًا: الشبكة العالمية (الانترنت).

-------------------------------------------------
كافة الحواشي
********************
1. انظر: التفصيل في شروط الاجتهاد في النوازل في كتب الأصول.
2. ترتيب المدارك (1/179).
3. انظر: الفقيه والمتفقه (2/386 ـ 428).
4. المحصول للرازي (2/493).
5. انظر: جامع بيان العلم وفضله (2/1065 ـ 1069).
6. أخرجه الدارمي في سننه (1/50).
7. أخرجه الدارمي في سننه (1/50).
8. أخرجه الدارمي في سننه (1/56).
9. جامع بيان العلم وفضله (2/1067).
10. أخرجه الدارمي في سننه في المقدمة، باب كراهية الفتيا (1/51) (ح125).
11. سورة المائدة، الآيتان (101 ، 102).
12. إعلام الموقعين (1/56، 57).
13. المرجع السابق (4/170).
14. أخرجه أبو داود ـ كتاب العلم، باب التوقي في الفتيا (3656). والغلوطات أو الأغلوطات: هي شدائد المسائل، وقيل: دقيقها، وقيل: ما لا يحتاج إليه من كيف وكيف. انظر: الفقيه والمتفقه (2/20، 21).
15. أخرجه الطبراني في الكبير (865).
16. غريب الحديث للخطابي (1/354).
17. انظر: شرح القواعد الفقهية للشيخ أحمد الزرقا (ص147).
18. البحر المحيط (6/227).
19. انظر: الموافقات (5/114 ـ 118).
20. انظر: الرسالة (ص560).
21. انظر: جامع بيان العلم وفضله (2/848).
22. أخرجه البيهقي في الكبرى (10/15) (ح20324).
23. إعلام الموقعين (1/69).
24. المرجع السابق (4/146).
25. انظر: الفقيه والمتفقه (2/387، 388).
26. انظر: الفتوى بين الانضباط والتسيب (ص74).
27. انظر: الفقيه والمتفقه (2/390).
28. أخرجه أبو داود ـ كتاب العلم، باب التوقي في الفتيا (3/321) (ح3657) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفي رواية: «بفتيا غير ثبت» أخرجها ابن ماجه ـ باب اجتناب الرأي والقياس (1/20) (ح53)، وأحمد في المسند (2/321) (ح8249)، والدارمي في سننه، باب الفتيا وما فيه من الشدة (1/69) (ح159)، وقد توافرت روايات هذا الحديث عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم، جمع طرقها الطبراني في جزء من نحو 170 صفحة، سماه: «طرق حديث من كذب علي متعمدًا».
29. أخرجه الدارمي في سننه، باب الفتيا وما فيه من الشدة (1/69).
30. أخرجه الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه (2/416)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/1124).
31. إعلام الموقعين (1/64).
32. ترتيب المدارك (1/178).
33. المرجع السابق.
34. انظر: فتاوى الإمام الشاطبي، د. أبو الأجفان (ص83).
35. إعلام الموقعين (1/9).
36. سورة النحل، الآية (43).
37. انظر: الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، د. القرضاوي (ص176).
38. انظر: المدخل إلى فقه النوازل، د. أبو البصل (ص130) ضمن مجموعة أبحاث اليرموك، العدد 1 عام1997م.
39. سورة آل عمران، الآية (159).
40. الفقيه والمتفقه (2/390).
41. سورة البقرة، الآية (32).
42. سورة طه، الآيات (25 ـ 28).
43. انظر: أدب المفتي والمستفتي (ص140، 141).
44. إعلام الموقعين (4/131، 132).
45. سورة الجاثية، الآيتان (18، 19).
46. سورة المائدة، الآية (49).
47. أخرجه الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه (2/340).
48. سورة فاطر، الآية (28).
49. الموافقات (5/299).
50. انظر: الفتوى بين الانضباط والتسيب (ص75 ـ 77).
51. إعلام الموقعين (4/152).
52. (4/152 ـ 160).
53. إعلام الموقعين (4/123).
54. المرجع السابق (4/200).
55. المرجع السابق (4/200).
56. انظر: أدب المفتي والمستفتي (ص152).
57. انظر: الفقيه والمتفقه (2/406، 407).
58. أخرجه البخاري بنحوه ـ كتاب الأحكام، باب بطانة الإمام وأهل مشورته (6659).
59. إعلام الموقعين (4/122).
60. المرجع السابق (4/125).
61. سورة البقرة، الآية (189).
62. أخرجه البخاري ـ كتاب العلم، باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله (234).
63. انظر: مجموع رسائل ابن عابدين (2/123).
64. انظر: القواعد الفقهية، للشيخ أحمد الزرقا (ص227).
65. انظر: تبيين الحقائق شرح كنزر الرقائق (6/211).
66. انظر: قواعد ابن رجب، القاعدة: 127 (2/597).
67. انظر: إعلام الموقعين (3/19 ـ 31).
68. انظر: الوجيز في القواعد، د. البورنو (ص255).
69. انظر: الطرق الحكمية، لابن القيم (ص162).
70. إعلام الموقعين (3/11).
71. إعلام الموقعين (4/136).
72. أخرجه البخاري ـ كتاب العلم، باب من خص بالعلم قومًا دون قوم كراهية أن لا يفهموا (124).
73. الفقيه والمتفقه (2/400).
74. التعضية: التجزئة والتفرقة، ومنه قوله تعالى: ( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) [الحجر:91]. انظر: مختار الصحاح (439)، والمصباح المنير: (416،415).
75. انظر: إعلام الموقعين (3/118).