صرف الزكاة في دية العمد والصلح عنه
2 صفر 1439
عياد بن عساف العنزي

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الله تعالى بعلمه وحكمته فرض الزكاة، وبين مصارفها التي تصرف فيها؛ كما قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60] وصرف الزكاة في غير مصارفها الشرعية التي بينها الله تعالى خروج بها عما أمر الله به، وعن مقصد الشارع وحكمته في تحديد أهلها، ولذا لزم أهل العلم بيان ما يقع في هذا الباب من مخالفات، ورد ما أشكل من ذلك إلى الأصول والمقاصد الشرعية، ومن هذا الباب مسألة كثر السؤال عنها، واختلفت فتاوى المعاصرين فيها بين مجيز ومانع، وهي: (صرف الزكاة في دية العمد والصلح عنه)، وبعد استخارة الله تعالى توجهت همتي إلى بحثها، سائلاً الله تعالى العون والتوفيق والسداد، وأن يجعل ذلك في موازين حسناتي، إن ربي سميع مجيب.

 

التمهيد في التعريف بمفردات العنوان

وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: تعريف الصرف

الصرف في اللغة يأتي بمعان متعدد، منها؛ الرجوع، والإنفاق.
قال ابن فارس:"الصاد، والراء، والفاء، معظم بابه يدل على رجع الشيء، من ذلك: صرفتُ القوم صرفاً، وانصرفوا إذا رجعتَهم فرَجَعوا"(1).
وتقول: "صرفتُ المال: أنفقتُه"(2).
والمراد بالصرف هنا: الإنفاق، أي إنفاق الزكاة في الدية، وجعلها فيها.

 

المطلب الثاني: تعريف الزكاة

وفيه مسألتان:

المسألة الأولى: تعريف الزكاة لغة

تطلق الزكاة في اللغة على معان متعددة، منها: الزيادة والبركة والنماء، والطهارة، والمدح، والصلاح. وقد أرجعها ابن فارس إلى معنيين هما: النماء والطهارة.(3)
قال ابن منظور: "وأصل الزكاة في اللغة: الطهارة، والنماء، والبركة، والمدح، وكله قد استعمل في القرآن والحديث، ووزنها فعلة كالصدقة فلما تحركت الواو وانفتح ما قبلها انقلبت ألفا، وهي من الأسماء المشتركة بين المخرج والفعل، فتطلق على العين وهي الطائفة من المال المزكى بها، وعلى المعنى وهو التزكية"(4).

 

المسللة الثانية: تعريف الزكاة شرعاً

عرف الفقهاء الزكاة بتعريفات متقاربة، فعرفها الحنفية بأنها:
"تمليك المال من فقير مسلم غير هاشمي ولا مولاه، بشرط قطع المنفعة عن المملك من كل وجه لله تعالى"(5).
ونوقش هذا التعريف بأن التمليك ليس مطلقاً في جميع مصارف الزكاة، وإنما هو في الأصناف الأربعة الأولى في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60]، وذلك لدخول لام الملك عليها، بخلاف الأصناف الأربعة الأخرى فلم تدخل عليها لام الملك، وإنما دخلت عليها "في" الظرفية فلا يشترط في صرفها لهم التمليك(6).

 

وأيضاً في التعريف قيد الفقر فيمن تصرف له الزكاة، وهذا غير مسلم، فإن من أصناف الزكاة من يعطى منها مع الغنى؛ كالمجاهد في سبيل الله، والغارم لمصلحة غيره.

 

وعرفها المالكية بأنها:
"إخراج جزء مخصوص من مال مخصوص بلغ نصاباً لمستحقه، إن تم الملك وحول غير معدن وحرث"(7).
ويؤخذ على هذا التعريف التفصيل في ذكر بعض الشروط وما يستثنى منها من
غير حصر، وهذا تطويل غير مستحسن في التعريف.

 

وعرفها الشافعية بأنها:
"اسم صريح لأخذ شيء مخصوص، من مال مخصوص، على أوصاف مخصوصة، لطائفة مخصوصة"(8).
وهذا التعريف يقارب الذي يليه، وهما أقرب إلى بيان المراد من التعريفين السابقين.

 

وعرفها الحنابلة بأنها:
"حق واجب في مال مخصوص، لطائفة مخصوصة، في وقت مخصوص"(9).

 

ولعل التعريف الأخير أوضح التعريفات؛ حيث تبين فيه أن الزكاة حق واجب بسبب المال، وهو مال مخصوص بينته النصوص من الكتاب والسنة من حيث الجنس والمقدار، وليست واجبة في كل مال، وأنها واجبة لطائفة مخصوصة، وهم الأصناف الثمانية المذكورون في آية التوبة، وأن لها وقتاً محدداً تجب فيه، كحولان الحول فيما يشترط فيه، ووقت الحصاد في الخارج من الأرض.

 

المطلب الثالث : تعريف الدية

وفيه مسألتان:

المسألة الأولى: تعريف الدية لغة

الدية في اللغة: مصدر ودى القاتل القتيل "يَدِيهِ" "دِيَةً" إذا أعطى وليه المال الذي هو بدل النفس، وفاؤها محذوفة، والهاء عوض عن الواو في أولها، والأصل "وِدْيَةٌ" مثل "وِعْدَةٌ"، وفي الأمر "دِ" القتيل بدال مكسورة لا غير؛ فإن وقفت قلت:"دِهْ"، ثم سمي ذلك المال "دِيَةً" تسمية بالمصدر، ولذا جمعت، والجمع "دِيَاتٌ"، مثل هبة وهبات وعدة وعدات، و"اتَّدَى" الولي إذا أخذ الدية ولم يثأر بقتيله(10).

 

المسألة الثانية: تعريف الدية اصطلاحا

عرفت الدية اصطلاحاً بتعريفات متقاربة عند فقهاء المذاهب:
فعند الحنفية عرفت بأنها:"مال مؤدى في مقابلة متلف ليس بمال وهو النفس، والأرش الواجب في الجناية على ما دون النفس"(11).
فالحنفية لا يطلقون مسمى الدية إلا على بدل النفس فقط، ويطلقون على بدل ما دون النفس الأرش.
وعرف المالكية الدية بأنها:"مال يجب بقتل آدمي حر عن دمه، أو بجرحه مقدراً شرعاً لا باجتهاد"(12).
وعند الشافعية:"هيَ المَالُ الْوَاجبُ بالْجِنَايَةِ على الْحرِّ في النَّفسِ أو فيمَا دونَهَا"(13).
وعند الحنابلة:"المال المؤدى إلى مجني عليه أو وليه بسبب جناية"(14).

 

ومن هذه التعريفات يتبين أن جمهور العلماء يطلقون اسم الدية على بدل النفس، كما يطلقونه على بدل ما دون النفس، خلافاً للحنفية الذين يقصرون مسمى الدية على بدل النفس، كما تبين أن الدية لا تطلق إلا على ما وجب بالجناية على الحر؛ كما في تعريف المالكية، والشافعية، أما الواجب بسبب الجناية على العبد فلا يسمى دية؛ لأن الواجب في الجناية على العبد قيمته(15)، أو ما نقص من قيمته، بخلاف الحر فإن دية نفسه وأعضائه مقدرة في الجملة.
وأجمع هذه التعريفات تعريف الحنابلة؛ فيكون هو التعريف المختار، والله أعلم.

 

المطلب الرابع: تعريف الصلح

وفيه مسألتان:

المسألة الأولى: تعريف الصلح لغة

الصُلح لغة: بضم الصاد وسكون اللام، الاسم من المصالحة، وهو التوفيق، وأصلحتُ بين القوم: وفقتُ بينهم، والصلاح ضد الفساد، والإصلاح ضد الإفساد(16).

 

المسألة الثانية: تعريف الصلح اصطلاحا

عرف الفقهاء الصلح بتعريفات متقاربة:
فعرفه الحنفية بأنه:"عقد يرفع النزاع"(17).
وعرفه المالكية بأنه: "انتقال عن حق، أو دعوى بعوض؛ لرفع نزاع، أو خوف وقوعه"(18).
وعرفه الشافعية بأنه: "العقد الذي ينقطع به خصومة المتخاصمين"(19).
وعرفه الحنابلة بأنه: "معاقدة يتوصل بها إلى الإصلاح بين المختلفين"(20).
وبالنظر في هذه التعريفات نجد أنها متطابقة في تعريف الصلح بأنه عقد يرفع النزاع والخصومة، إلا أن المالكية أدخلوا في التعريف ما كان رافعاً لخصومة محتملة الوقوع(21).

 

المبحث الأول: موجب جناية العمد، وعلى من تكون دية العمد؟

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: موجب جناية العمد

اختلف الفقهاء في موجب جناية العمد؛ هل هو القصاص عيناً، أم هو الخيار بين القصاص والدية؟ على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن موجب جناية العمد القصاص عيناً، فليس لأولياء المجني عليه اختيار الدية إلا برضا الجاني.
ذهب إلى ذلك الحنفية(22)، والمالكية على الرواية المشهورة(23)، وأحمد في رواية(24).
القول الثاني: أن موجب جناية العمد القصاص عيناً، والدية بدل عنه، فلأولياء المجني عليه اختيار الدية بدلاً عن القصاص ولو لم يرض الجاني.
ذهب إلى ذلك الشافعي في أحد قوليه(25)، وهو المذهب عند الشافعية(26)، ورواية عن الإمام أحمد(27).
القول الثالث: أن موجب جناية العمد التخيير بين القصاص والدية، فلأولياء المجني عليه أن يختاروا القصاص، أو يختاروا الدية ابتداءً ولو لم يرض الجاني.
ذهب إلى ذلك ابن عباس رضي الله عنهما(28)، والحنابلة في ظاهر المذهب(29)، والظاهرية(30)، وهو الرواية غير المشهورة عند المالكية(31)، وأحد قولي الشافعي(32). ويروى عن ابن المسيب، وعطاء، والحسن، ومجاهد، والشعبي، وبه قال الليث، والأوزاعي، وإسحاق، وأبو ثور، وجمهور أصحاب الحديث(33).

 

الأدلة في المسألة:
أدلة القول الأول:
استدل من قال بأن موجب القتل العمد القصاص عيناً، وليس لأولياء المجني عليه اختيار الدية إلا برضا الجاني؛ بما يلي:
1 - قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:178].

 

وجه الدلالة:
أن الآية دلت على أن القصاص مكتوب، والمكتوب لا يتخير فيه، وهذا يفيد تعين القصاص موجباً للقتل العمد؛ إذ لو كان الواجب به أحد حقين لما صدق القول على أحدهما بأنه أوجب(34). وأيضاً: فإن الله تعالى ذكر القصاص ولم يذكر الدية، فلو ثبت التخيير بينهما لثبت بخبر الواحد، فكان زيادة على الكتاب، والزيادة نسخ، والكتاب لا ينسخ به(35).

 

المناقشة:
نوقش بأن آخر الآية يدل على أن للولي اختيار الدية من غير رضا الجاني، وأن هذا التخيير من تخفيف الله عز وجل عن هذه الأمة؛ حيث كان في بني إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية؛ كما صح بذلك الأثر عن ابن عباس - رضي الله عنهما-، وسيأتي في أدلة القول الثالث.

 

2 - قول النبي صلى الله عليه وسلم لأنس رضي الله عنه كما في قصة الربيع: (كتاب الله القصاص)(36).
 

وجه الدلالة:
دل الحديث على أن موجب العمد القصاص، ولو كان الواجب به التخيير بين القصاص والدية لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لاسيما والحاجة داعية إليه، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

 

المناقشة:
نوقش بأن الحديث يدل على أن القتل العمد موجب للقصاص، وبه نقول، لكن ليس فيه ما يدل على عدم إيجابه للدية إذا اختارها الولي، وهذا قد جاء في الأدلة الأخرى؛ كما سيأتي.

 

3 - ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العمد قود)(37).
 

وجه الدلالة:
دل الحديث على وجوب القصاص بالقتل العمد، دون الدية، فدل على تعينه(38).

 

المناقشة:
نوقش بما نوقش به سابقه.

 

4 - قالوا: إذا كان القصاص عين حق الولي، كانت الدية بدل حقه، وليس لصاحب الحق أن يعدل إلى بدل حقه من غير رضا من عليه الحق؛ كمن له على شخص حنطة موصوفة في الذمة، فإنه ليس له أن يأخذ منه قيمتها من غير رضاه(39).
 

المناقشة:
يناقش من وجهين:
الوجه الأول: عدم التسليم بأن الدية بدل عن القصاص الواقع على الجاني، بل هي بدل عن المقتول؛ إذ لو كانت بدلاً عن القصاص، لوجب على المرأة إذا قتلت رجلاً دية امرأة إذا عفا الأولياء عن القصاص، وهذا باطل فإن الواجب عليها دية رجل.
الوجه الثاني: على التسليم بأن الدية بدل عن القصاص، فإن الأدلة من الكتاب والسنة قد دلت على أن من حق الولي اختيار الدية من غير رضا الجاني.

 

5 - أن الأصل في ضمان العدوان الوارد على حق العبد أن يكون بالمثل، فيتقيد به، والمثل في القتل العمد هو القصاص، وأخذ المال ليس بمثل للقتل العمد، فلا يصلح أن يكون ضماناً أصلياً له(40).
 

المناقشة:
يناقش بالتسليم بأن المثل في القتل العمد هو القصاص، لكن تضمن النفس كذلك بالدية كما في القتل الخطأ وشبه الخطأ وليس بمثل، ولا يسلم بأن إيجاب الدية في القتل العمد من باب الضمان، وإنما هو من باب التخفيف والرحمة لهذه الأمة والله أعلم.

 

أدلة القول الثاني:
استدل من قال بأن موجب القتل العمد القصاص، وللولي اختيار الدية دون رضا الجاني؛ بما يلي:
1 - قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:178].

 

وجه الدلالة:
دلَّ أول الآية على أن الواجب بالقتل العمد القصاص وحده، ودلَّ قوله عز ذكره: (فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) على أن الولي إذا عفا عن القصاص فله اتباع القاتل بالدية بالمعروف، وعلى القاتل أن يؤديها إليه بإحسان، ولا يقف ذلك على رضاه(41). قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية، فقال الله تعالى هذه الآية: (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء) فالعفو أن يقبل الدية في العمد (فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) يتَّبع بالمعروف، ويؤدي بإحسان (ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) مما كتب على من كان قبلكم (فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) قَتَلَ بعد قبول الدية"(42).

 

المناقشة:
نوقش بأن المراد بقوله تعالى: (فمن عفي له من أخيه شيء) هو الولي لا القاتل؛ إذ القاتل معفو عنه لا معفو له، والقاتل لا يتْبَع أحداً بل هو المتََّبَع، فيكون معنى الآية الكريمة، من أُعطي له من أخيه شيء بطريق الفضل فليتبع بالمعروف، فيجوز أخذ المال من القاتل برضاه، ولذا قيل: إن الآية نزلت في الصلح عن دم العمد.
وقيل: نزلت في دم بين نفر فيعفو أحدهم عن القاتل، فيكون للباقين الاتباع بالمعروف في نصيبهم من الدية. وإذا كانت الآية تحتمل ذلك، فلا يصح الاحتجاج بها مع الاحتمال(43).

 

2 - أن قتل الخطأ لما أوجب بدلاً واحداً، وهو الدية اعتباراً بالمتلفات التي ليس لها مثل، اقتضى أن يكون قتل العمد موجباً لبدل واحد، وهو القود اعتباراً بالمتلفات التي لها مثل(44).
 

المناقشة:
نوقش بأن النفس تخالف سائر المتلفات؛ لأن المتلفات لا يختلف بدلها بالقصد وعدمه، وبدلها من جنسها، والنفس المقتولة بخلاف ذلك، فيختلف بدلها بالقصد وعدمه، ويجب بالقتل الخطأ وشبه الخطأ الدية وهي من غير جنس النفس(45).

 

3 - من طريق النظر: أن إحياء النفس فرض، فلزمت القاتلَ الديةُ بغير رضاه؛ إحياءً لنفسه(46).

 

أدلة القول الثالث:
استدل من قال بأن موجب القتل العمد التخيير بين القصاص والدية؛ بما يلي:
1 - الآية التي استدل بها أصحاب القول الثاني، فإنها تدل على أن للولي اختيار الدية من غير رضا الجاني، ويجب على الجاني أن يؤديها إليه بإحسان، فثبت بذلك أن القتل العمد يوجب أحد شيئين؛ إما القصاص، وإما الدية، وللولي أن يختار أيهما شاء، ويؤيد ذلك ما ثبت في السنة من تخيير الولي بينهما؛ كما في الحديثين الآتيين.

 

2 - ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين؛ إما يودى، وإما يقاد)(47).
 

3 - ما رواه أبو شريح الكعبي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فمن قتل له قتيل فأهله بين خيرتين؛ إما أن يقتلوا، أو يأخذوا العقل)(48).
وجه الدلالة من هذين الحديثين، وما جاء في معناهما:
أن هذه الأحاديث نص جلي لا يحتمل تأويلاً(49) في موجب القتل العمد، وهو أن الولي له الخيار بين القتل، وبين أخذ الدية.

 

4 - أن الدية بدل من نفس المقتول دون القاتل، بدليل أن المرأة لو قتلت رجلاً وجب عليها دية الرجل، فلو جعلت الدية بدلاً من القود صارت بدلاً من نفس القاتل دون المقتول، ولوجب على المرأة إذا قتلت رجلاً أن يؤخذ منها دية امرأة، فثبت أن الدية بدل من نفس المقتول جرت مجرى القود فصارا واجبين بالقتل(50).
 

5 - أن الدية أحد بدلي النفس، فكانت بدلاً عنها، لا عن بدلها؛ كالقصاص(51).
 

الترجيح:
الراجح - والله أعلم - هو القول الثالث: أن موجب جناية العمد التخيير بين القصاص والدية، فلأولياء المجني عليه أن يختاروا القصاص، أو يختاروا الدية ابتداءً ولو لم يرض الجاني؛ وذلك لقوة أدلته، وصراحتها في الدلالة على المطلوب، ولورود المناقشة على أدلة القولين الآخرين.

 

المطلب الثاني: على من تكون دية العمد؟

دية العمد تلزم الجاني، ولا تحمل العاقلة منها شيئاً، وقد دلَّ على ذلك النص، والإجماع؛ أما النص فقول النبي صلى الله عليه وسلم : (ألا لا يجني جان إلا على نفسه)(52)، وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحمل العاقلة عمداً، ولا عبداً، ولا صلحاً، ولا اعترافاً)(53). وروي عن ابن عباس موقوفاً عليه، ولم يعرف له في الصحابة مخالف فكان إجماعاً(54).

 

وأما الإجماع؛ فقد نقله ابن المنذر، فقال: "وأجمعوا على أن العاقلة لا تحمل دية العمد، وأنها تحمل دية الخطأ"(55)، وقال ابن قدامة رحمه الله: "أجمع أهل العلم على أن دية العمد تجب في مال القاتل، لا تحملها العاقلة"(56).

 

ولأن الأصل أن بدل المتلَف يجب على المتلِف، وأرش الجناية على الجاني، وإنما خولف هذا الأصل في قتل الحر المعذور فيه؛ لكثرة الواجب، وعجز الجاني في الغالب عن تحمله، مع وجوب الكفارة عليه، وقيام عذره، تخفيفاً عنه، ورفقاً به، والعامد لا عذر له، فلا يستحق التخفيف(57).

 

فإذا عفا أولياء المجني عليه عن القصاص من الجاني، واختاروا الدية، فإنها تلزم الجاني - يكون غارماً بها لأولياء المجني عليه - فتكون ديناً في ذمته، وتتعلق بماله بعد وفاته؛ كسائر ديونه.

 

فإذا ثبت أن دية العمد يتحملها الجاني مع كونها ثابتة شرعاً بغير اختياره - بناءً على القول الراجح؛ كما تقدم -، فالصلح عن القصاص بما زاد عن الدية يتحمله المصالح - الجاني أو غيره - من باب أولى؛ لكونه لزمه باختياره، ولا تحمل العاقلة منه شيئاً.

 

وإذا صالح الأولياء الجاني عن القصاص بما زاد عن الدية، فلا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يكون الصلح باتاً غير مشروط.

 

الحال الثانية: أن يكون الصلح مشروطاً، فإن جاء الجاني بالصلح عند الأجل المضروب وقع العفو وتم الصلح، وإن تأخر عنه لم يتم الصلح وطالب الأولياء بالقصاص.

 

ففي الحال الأولى يقع العفو ناجزاً بعقد المصالحة، ويكون الصلح - المال المصالح عليه - ديناً في ذمة الجاني؛ كسائر ديونه؛ كما لو عفا الأولياء على الدية.

 

وأما في الحال الثانية؛ فلا يقع العفو بمجرد عقد الصلح، ولا يثبت المال المصالح عليه في ذمة الجاني، فإذا حان الأجل ولم يأت الجاني بالمال المصالح عليه لم يثبت الصلح، ولو مات الجاني قبل أن يأتي بالمال المصالح عليه لم يتعلق بماله؛ لأنه غير ثابت في الذمة بسبب الشرط، وتثبت الدية لأولياء المجني عليه في مال الجاني بعد موته عند القائلين بأن موجب القتل العمد القصاص أو الدية، وهو القول الراجح؛ كما تقدم.

 

المبحث الثاني: صرف الزكاة في الدين بسبب محرم

إن الدية الواجبة في قتل العمد إذا اختارها الأولياء، والصلح الواجب مقابل تنازل الأولياء عن القصاص، سببهما الأول هو القتل العمد العدوان المحرم بالنص الشرعي، والإجماع القطعي، ولذا سأتكلم بإيجاز عن تحريم الدماء وتعظيم شأنها، ثم عن حكم صرف الزكاة فيما كان سبب حصوله من الديون أمراً محرماً.

 

أولا : تحريم الدماء، وتعظيم شأنها:

من المعلوم من الدين بالضرورة تحريم القتل بغير حق، وأنه من عظائم الأمور، وكبائر الذنوب، وعلى هذا تضافرت النصوص القطعية من الكتاب والسنة، وهو مما أجمعت عليه الأمة(58)، قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء:33]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات)، قالوا: وما هنَّ يا رسول الله؟ قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق...)(59). وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)(60)، وغير ذلك من الآيات، والأحاديث الكثيرة.

 

ثانيا : حكم صرف الزكاة في الدين بسبب محرم.

إذا ركبت الشخص ديون بسبب ارتكاب لمعصية، أو إنفاق في سفه؛ كأن يقترض أو يأخذ تمويلاً مقسطاً بمعاملة مباحة ثم يصرف هذه الأموال في المعاصي، أو ينفقها في سفه، فما حكم صرف الزكاة إليه لسداد تلك الديون؟

 

اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا يجوز إعطاء الزكاة للمدين بسبب الإنفاق في معصية، أو في سفه، ما لم يتب، فإن تاب من ذلك؛ بأن ظهرت منه بوادر التوبة فإنه يعطى من الزكاة ما يقضي به دينه.
ذهب إلى ذلك جمهور العلماء من المالكية(61)، والشافعية(62)، والحنابلة(63).

 

القول الثاني: يجوز إعطاؤه من الزكاة مع الكراهة.
ذهب إلى ذلك الحنفية، قال الجصاص الحنفي: "...وإنما ذكر هؤلاء في الدين أنه من غير سرف ولا إفساد؛ لأنه إذا كان مبذراً مفسداً لم يؤمن إذا قضى دينه أن يستدين مثله فيصرفه في الفساد، فكرهوا قضاء دين مثله؛ لئلا يجعله ذريعة إلى السرف والفساد، ولا خلاف في جواز قضاء دين مثله ودفع الزكاة إليه، وإنما ذكر هؤلاء عدم الفساد والتبذير فيما استدان على وجه الكراهة لا على وجه الإيجاب"(64).

 

القول الثالث: لا يجوز إعطاؤه من الزكاة مطلقاً.
ذكره الماوردي أحد الأقاويل في المسألة ولم ينسبه، قال رحمه الله : "واختلف فيمن أدان في معصية على ثلاثة أقاويل؛ أحدها: لا يعطى؛ لئلا يعان على معصية، والثاني: يعطى؛ لأن الغرم قد وجب، والثالث: يعطى التائب منها، ولا يعطى إن أصر عليها"(65). وذكره الألوسي ولم ينسبه(66).

 

الأدلة في المسألة:
دليل القول الأول:
استدل الجمهور على أنه لا يجوز إعطاء الزكاة للمدين بسبب الإنفاق في معصية، أو في سفه، ما لم يتب؛ بأن في إعطائه من الزكاة إعانة له على الفساد. وقد قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة:2].
فإن تاب من ذلك؛ بأن ظهرت منه بوادر التوبة فإنه يعطى من الزكاة ما يقضي به دينه، إذا لم يجد ما يقضيه به(67)؛ لأنه ليس في ذلك إعانة له على المعصية؛ لظهور توبته منها، وبزوال المانع بالتوبة عاد الممنوع، فيدخل في مصرف الغارمين، فيعطى من الزكاة.

 

دليل القول الثاني:
استدل الحنفية على جواز إعطائه من الزكاة مع الكراهة؛ بأن الغرم قد لزمه ووجب عليه، فيدخل في مصرف الغارمين؛ لكونه غارماً، فيشمله إطلاق الآية.

 

المناقشة:
نوقش بأن الدين الحاصل بسبب معصية لا يدخل في الآية؛ لأن المقصود من صرف المال المذكور في الآية الإعانة، والمعصية لا تستوجب الإعانة(68).

 

دليل القول الثالث:
استدل من قال بالمنع من إعطائه مطلقاً؛ بأن في ذلك إعانة له على المعصية، وبأنه قد يظهر التوبة ليعطى من الزكاة(69)، ولأن مثل هذا لا يؤمن إذا أدي عنه دينه أن يستدين غيره(70).

 

المناقشة:
يناقش بأنه ليس في إعطاء من ظهرت توبته من الزكاة إعانة له على المعصية، بل إعانة له على براءة ذمته، والأحكام مبناها على الظاهر والله يتولى السرائر.

 

الترجيح:
يظهر لي - والله أعلم - التفصيل في ذلك؛ فإن كان المستدين قد تاب، وكان الدائن له لا يعلم بأنه قد استدان من أجل المعصية، فإنه في هذه الحال يجوز قضاء دينه من الزكاة، وأما إن كان المستدين لم يتب، أو تاب ولكن الدائن يعلم حين عامله بأنه استدان من أجل المعصية فلا يجوز قضاء دينه من الزكاة؛ وذلك لأن قضاء الدين من الزكاة يتعلق به حقان؛ حق المدين ببراءة ذمته، وحق الدائن باستيفاء دينه، فلزم اعتبار حال كل منهما من حيث تحصيل مقصود الزكاة؛ لأن الزكاة مشروعة للإعانة على الطاعات، والقيام بالواجبات، وسد الحاجات، وصرفها للعاصي بسبب الاستحقاق مخالف لهذا المقصود.

 

المبحث الثالث: صرف الزكاة في دية العمد، إذا اختيرت الدية، أو صولح على أكثر منها

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: صرف الزكاة في دية العمد إذا اختار الأولياء الدية

تقدم في المبحث الأول أن أولياء المجني عليه لهم العفو عن القاتل على الدية، فتلزم الدية الجاني من غير رضاه - على القول الراجح - فيسقط عنه القصاص وتكون الدية ديناً لازماً في ذمته شرعاً كما تقدم، ففي هذه الحال إذا لم يستطع الوفاء، فهل يجوز أن تصرف الزكاة في هذه الدية؛ كما تصرف في سائر الديون؟

 

من المعلوم بالنص والإجماع أن الغارمين من مصارف الزكاة الثمانية، الوارد ذكرهم في قول الله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60]، والجاني عمداً إذا لزمته الدية يكون غارماً بها، لاسيما وأن لزوم الدية له ثابت بالنص إذا عفي له عن القصاص ولم يعف له عن الدية، فإذا لم يكن قادراً على الوفاء كان مشمولاً بالنص داخلاً في صنف الغارمين الذين تصرف فيهم الزكاة(71)، وبناءً على ذلك يجوز أن تصرف الزكاة في دية العمد الواجبة بالنص؛ إذا تاب الجاني من معصيته، بأن ظهرت منه بوادر التوبة بالندم، والصلاح، ونحو ذلك.

 

وقد نص على ذلك ابن حزم رحمه الله حيث قال: "والدية في العمد والخطأ مائة من الإبل، فأن عدمت فقيمتها ... وهي في الخطأ على عاقلة القاتل، وأما في العمد فهي في مال القاتل وحده، ... فمن لم يكن له مال ولا عاقلة فهي في سهم الغارمين في الصدقات"(72). وقال في موضع آخر: "وفي العمد يكون القاتل إذا قبلت منه الدية غارماً من الغارمين فحظهم في سهم الغارمين"(73).

 

وجاء في فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: (أما الدية التي يحكم بها على الجاني لكون القتل عمداً فتجب عليه في ماله حالة، وتكون من ضمن الديون التي في ذمته، .... ويسوغ أن يدفع له في حالة إعساره من الزكاة ما يوفي به هذه الدية؛ لأنه من الغارمين، الذي هم أحد أصناف أهل الزكاة الثمانية)(74).

 

وقال الشيخ عبد الله البسام رحمه الله في توضيح الأحكام: "أما الدية في قتل العمد فتجب في مال الجاني، وتكون من ضمن الديون التي في ذمته، فإن كان موسراً لزمه الوفاء، وإن كان معسراً فنظرة إلى ميسرة، ويسوغ أن يدفع له من الزكاة ليوفي به هذه الدية؛ لأنه من الغارمين"(75).

 

وقد رأى بعض المعاصرين عدم جواز صرف الزكاة في دية العمد، وهو ما جاء في فتاوى الندوة الثانية لقضايا الزكاة المعاصرة، وعللوا ذلك بوجود الحاجة الماسة بالنسبة للمصارف الأخرى(76).

 

ويناقش ذلك: بأن وجود الحاجة الماسة للزكاة بالنسبة للمصارف الأخرى، لا يمنع من جواز صرف الزكاة في دية العمد الواجبة بالنص الشرعي عند اختيار الأولياء لها، ولكون القاتل في هذه الحال من الغارمين الذين هم من مصارف الزكاة، وكون سبب لزوم الغرم معصية وهو القتل العمد، لا يمنع من صرف الزكاة فيه إذا تاب القاتل؛ كما لو غرم بغير القتل من المعاصي ثم تاب على ما تقدم بيانه.

 

المطلب الثاني: صرف الزكاة في الصلح عن العمد على أكثر من الدية

قبل الكلام عن حكم صرف الزكاة في الصلح على أكثر من الدية، لا بد من بيان حكم المصالحة عن القصاص بأكثر من الدية الواجبة شرعاً.

 

اختلف الفقهاء في حكم المصالحة عن القصاص بأكثر من الدية، على ثلاثة أقوال:
القول الأول: تصح المصالحة عن القصاص بأكثر من الدية.
وهذا مذهب عامة الفقهاء من الحنفية(77)، والمالكية(78)، والشافعية على الأصح(79)، والحنابلة على المشهور من المذهب(80)، والظاهرية(81).

 

القول الثاني: تصح المصالحة عن القصاص بأكثر من الدية؛ إذا كان المال المصالح عليه من غير جنسها، ولا تصح بأكثر منها إذا كان المصالح عليه من جنسها.
ذهب إلى ذلك الشافعية على القول الثاني عندهم في أن موجب القتل العمد القصاص أو الدية(82)، وهو قول عند الحنابلة(83).

 

القول الثالث: لا تصح المصالحة عن القصاص بأكثر من الدية.
ذهب إلى ذلك بعض الحنفية(84)، وبعض الحنابلة(85).

 

الأدلة:
أدلة القول الأول:
استدل القائلون بصحة المصالحة عن القصاص بأكثر من الدية سواء كان المال المصالح عليه من جنس الدية، أو من غير جنسها؛ بما يلي:
1 ما رواه - عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل مؤمناً متعمداً دُفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا أخذوا الدية، وهي ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة، وما صولحوا عليه فهو لهم، وذلك لتشديد العقل)(86).

 

وجه الدلالة:
دل قوله صلى الله عليه وسلم : (وما صولحوا عليه فهو لهم) على جواز الصلح عن القصاص بأي شيء يتصالحون عليه؛ سواءً كان بأكثر من الدية، أو أقل منها.

 

2 - ما روته عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم ابن حذيفة مصدقاً، فلاجَّه رجلٌ في صدقته، فضربه أبو جهم، فشجه، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: القود يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لكم كذا وكذا)، فلم يرضوا، فقال: (لكم كذا وكذا)، فلم يرضوا، فقال: (لكم كذا وكذا)، فرضوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إني خاطب العشية على الناس ومخبرهم برضاكم؟)، فقالوا: نعم، فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إن هؤلاء الليثيين أتوني يريدون القود فعرضتُ عليهم كذا وكذا، فرضوا، أرضيتم؟)، قالوا: لا، فهمَّ المهاجرون بهم، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفوا عنهم، فكفوا، ثم دعاهم فزادهم، فقال: (أرضيتم؟)، فقالوا :نعم، قال: (إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم؟)، قالوا: نعم، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أرضيتم؟ قالوا: نعم)(87).
 

وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح الليثيين عن القود من عامله في الشجة، وما زال يزيدهم حتى رضوا بما صولحوا عليه، فدل ذلك على جواز المصالحة عن القصاص بأكثر من الدية.

 

3 - ما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل له قتيل فهو بخير النظرين؛ إما أن يفدى، وإما أن يقتل)(88)، والمفاداة تكون بالصلح، وهي تشمل ما كان أقل من الدية وما كان أكثر منها(89).
 

4 - ما روي أن هدبة بن خَشْرَم قتل قتيلاً، فبذل سعيد بن العاص، والحسن، والحسين لابن المقتول سبع ديات، ليعفو عنه، فأبى ذلك، وقتله(90).
 

5 - أنه صلح عما لا يجري فيه الربا؛ إذ هو صلح عن القصاص، فأشبه الصلح عن العروض، فيصح بالقليل والكثير، من جنس الدية أو من غير جنسها، حالاً أو مؤجلاً(91).
 

6 - أن لولي القصاص الخيرة بين القصاص وبين الدية، فلا تتعين له الدية، فإذا صولح بمال عن القصاص لم يكن ذلك عوضاً عن الدية، بل في مقابل إسقاط حقه من القصاص، فلا يتحقق الربا(92).
 

أدلة القول الثاني:
استدل القائلون بصحة الصلح عن القصاص بأكثر من الدية إذا كان المال المصالح عليه من غير جنسها، وعدم صحته بأكثر من الدية إذا كان المصالح عليه من جنس الدية؛ بما يلي:
أما أدلتهم على جواز المصالحة عن القصاص بأكثر من الدية إذا كان المال المصالح عليه من غير جنسها، فهي أدلة القول الأول.
وأما دليلهم على عدم جواز الصلح عن القصاص بأكثر من الدية إذا كان المال المصالح عليه من جنسها، فهو الحذر من الوقوع في الربا، فيصالح عن الألف بألفين، وذلك ربا(93).

 

المناقشة:
يناقش بأن الصلح واقع عن القصاص لا عن الدية، ولا ربا بين ما ليس بمال وبين ما هو مال(94).

 

أدلة القول الثالث:
استدل القائلون بأنها لا تجوز المصالحة عن القصاص بأكثر من الدية؛ بما يلي:
1 - ما رواه أبو شريح الخزاعي رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم – قال: (من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار إحدى ثلاث: إما أن يقتص، وإما أن يعفو، وإما أن يأخذ الدية، فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه، ومن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم)(95).

 

وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم خيره بين ثلاث: القصاص، أو العفو، أو الدية، وأمر بالأخذ على يديه إذا طلب غير ذلك(96)، فدل على أن الصلح على أكثر من الدية غير جائز؛ إذ لو كان جائزاً لذكره، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

 

المناقشة:
نوقش من وجهين:
الوجه الأول: أن الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده سفيان بن أبي العوجاء، ومحمد بن إسحاق، والأول ضعيف، والثاني مدلس وقد عنعنه(97).

 

الوجه الثاني: أن المراد بالرابعة هي المذكورة في آية القصاص، فبعد أن ذكر الله تعالى القصاص، والعفو، قال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:178].
 

والمراد أن يقتل بعد الدية، أو العفو؛ قال ابن كثير: "يقول تعالى: فمن قتل بعد أخذ الدية، أو قبولها فله عذاب من الله أليم موجع شديد، وهكذا روي عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة والحسن وقتادة...أنه هو الذي يقتل بعد أخذ الدية"(98)، فلا يكون في الحديث دلالة على منع المصالحة عن القصاص بأكثر من الدية(99).
 

2 - ما رواه وائل بن حجر رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جيء برجل قاتل في عنقه النِّسْعة - قال: فدعا ولي المقتول فقال: أتعفو؟ قال: لا، قال: أفتأخذ الدية؟ قال: لا، قال: أفتقتل؟ قال: نعم، قال: اذهب به، فلما ولى قال: أتعفو؟ قال: لا، قال: أفتأخذ الدية؟ قال: لا، قال: أفتقتل؟ قال: نعم، قال: اذهب به، فلما كان في الرابعة قال: أما إنك إن عفوت عنه يبوء بإثمه وإثم صاحبه، قال: فعفا عنه، قال فأنا رأيته يجرَّ النسعة)(100).
 

وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم خير ولي المقتول بين العفو، أو الدية، أو القتل، ولو كان العفو على أكثر من الدية جائزاً لذكره، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز(101).

 

المناقشة:
نوقش بأن غاية ما فيه عدم ذكر المصالحة عن القصاص بأكثر من الدية، فلا يكون دالاً على المنع من ذلك، وقد جاء في الأدلة الأخرى ما يدل على جواز المصالحة بأكثر من الدية(102).

 

الترجيح:
الراجح - والله أعلم - هو القول الأول، فيجوز الصلح عن القصاص بأكثر من الدية من غير حد؛ لقوة أدلته، وضعف أدلة القولين الآخرين، ولأن الأصل جواز الصلح والترغيب فيه، وهو ما قررته هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في قرارها ذي الرقم (204) في 10/ 5/ 1422هـ، ونص المقصود منه: "إن الأصل جواز الصلح وعدم تحديده بحد معين ما لم يشتمل الصلح على إحلال حرام أو تحريم حلال، ولم يظهر للمجلس ما يقتضي العدول عن هذا الأصل"(103).

 

إذا تبين ذلك، وأن الراجح جواز الصلح عن القصاص بأكثر من الدية، فما حكم صرف الزكاة فيه؟ وهل هناك فرق بين الصلح على أموال باهظة يراد منها الانتقام والتعجيز، وبين الصلح على أموال معقولة يراد منها تطييب خواطر الأولياء؟

 

تقدم في المبحث الأول أن الصلح عن القصاص بما زاد عن الدية، لا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يكون الصلح باتاً غير مشروط.
الحال الثانية: أن يكون الصلح مشروطاً، فإن جاء الجاني بالصلح عند الأجل المضروب وقع العفو وتم الصلح، وإن تأخر عنه لم يتم الصلح وطالب الأولياء بالقصاص.
ففي الحال الأولى يقع العفو ناجزاً بعقد المصالحة، ويكون الصلح - المال المصالح عليه - ديناً في ذمة الجاني؛ كسائر ديونه؛ كما لو عفا الأولياء على الدية فقط.
وأما في الحال الثانية؛ فلا يقع العفو بمجرد عقد الصلح، ولا يثبت المال المصالح عليه في ذمة الجاني، فإذا حان الأجل ولم يأت الجاني بالمال المصالح عليه لم يثبت الصلح، ولو مات الجاني قبل أن يأتي بالمال المصالح عليه لم يتعلق بماله؛ لأنه غير ثابت في الذمة بسبب الشرط، وتثبت الدية لأولياء المجني عليه في مال الجاني بعد موته عند القائلين بأن موجب القتل العمد القصاص أو الدية، وهو القول الراجح؛ كما تقدم.

 

فيكون في ذلك مسألتان:

المسألة الأولى: صرف الزكاة في الصلح البات على أكثر من الدية.

في هذه الحال يقع العفو ناجزاً بعقد المصالحة، ويكون الصلح - المال المصالح عليه - ديناً في ذمة الجاني؛ كسائر ديونه؛ كما لو عفا الأولياء على الدية.
فهل يجوز صرف الزكاة في هذا الصلح؛ كما لو عفا الأولياء على الدية فقط؟

 

لم أطلع على كلام صريح للفقهاء المتقدمين بخصوص هذه المسألة، وللمعاصرين فيها قولان:
القول الأول: جواز صرف الزكاة في هذا الصلح.
ذهب إلى ذلك بعض المعاصرين. فقد جاء في جواب بعضهم في هذه المسألة: "يجوز دفع زكاة المال لصالح الدية المذكورة؛ لدخولها دخولاً أوليًا في صنف عتق الرقاب من أهل الزكاة، قال الله تعالى: «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين.... الآية» وقد فسر العلماء قوله "وفي الرقاب" بالأرقاء، وألحق بعضهم الأسير؛ لأنه فك رقبة، وعتق الرقبة من الموت أولى بعتقها من رق العبودية ومن إنقاذها من ذل الأسر، ولعجز المتحمل لها عن دفعها عجزاً محققا فهو يدخل في سهم المساكين أو الفقراء في الزكاة، وأدخله بعضهم في سهم الغارمين، والنتيجة عند الجميع واحدة وهي جواز إعطائه من الزكاة"(104).

 

القول الثاني: عدم جواز صرف الزكاة في هذا الصلح.
ذهب إلى ذلك بعض المعاصرين، ومنهم: الشيخ يوسف القرضاوي؛ فقد جاء في فتواه في هذه المسألة:"أولاً: حكم المساهمة في دية قاتل العمد من صندوق الزكاة: بالنسبة لقاتل العمد، فإني أؤيد الفتوى الصادرة من الهيئة العالمية لقضايا الزكاة المعاصرة في عدم جواز إعطاء (قاتل العمد) من زكاة المال، ليفدي نفسه من القصاص الواجب عليه لزومًا بإلزام الله تعالى. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:178] فالقصاص من القاتل المتعمد فريضة مكتوبة من الله تعالى، مثل الصيام الذي قال الله فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] وقال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء:33] فإذا أراد القاتل أن يفدي نفسه، ويفك رقبته من القتل الواجب عليه شرعاً فإنما يكون ذلك من ماله الخاص، لا من مال الزكاة الذي جعله الله للفقراء والمساكين والعاملين عليها، ونحوهم من أهل الحاجة من المسلمين، أومن أهل المنفعة للمسلمين.

 

ومما يدل على ذلك: أن الإسلام إنما شرع المواساة في دية قتل الخطأ؛ لأنه قتل غير مقصود من صاحبه، ولذا ارتفع عنه الإثم....... وشرع الإسلام أن تواسي العاقلة - أهل القاتل - القاتل في دفع دية قتل الخطأ، بل هي التي تتحمل هذه الدية كلها، كما ثبت ذلك بالسنة القولية والعملية. ولم يحمل الشرع الشريف العاقلة شيئًا في قتل العمد، كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لا تحمل العاقلة عمدًا ولا اعترافًا ولا صلحًا "، ولا مخالف له من الصحابة، وعليه إجماع المذاهب. فلو كان قتل العمد مما يواسَى فيه لكان أحق من يواسي فيه العاقلة. ولهذا أجمع أهل العلم على أن دية العمد تجب في مال القاتل، لا تحملها العاقلة.....وبهذا يتبين لنا أن (صندوق الزكاة) لا يجوز له أن يساهم في دفع دية القاتل العمد؛ لأنه في واقع الأمر يأخذ من المال المرصود للفقراء وأهل الحاجة ونحوهم، لفك رقبة قاتل متعمد عليه أن يتحمل مسؤولية نفسه. ونحن نلاحظ أن فداء القاتل المتعمد من القصاص لا يكون عادة إلا في مقابله مبالغ كبيرة حتى يرضى أهل المقتول بالتنازل عن حقهم في شفاء صدورهم بالقصاص منه. وقد قرأنا في الصحف منذ وقت قريب أن أحد القاتلين في المملكة العربية السعودية طلب منه عدة ملايين من الريالات من أولياء القتيل. فكيف نجيز أخذ هذا من مال الزكاة؟ إننا إذا أجزنا ذلك، فإنما نجيز اغتيال حقوق الفقراء علانية، وأخذ ما أوجب الله لهم في أموال الأغنياء لنعفي قاتلاً متعمدًا من القصاص. هذا ما لا يشك فقيه ذو بصيرة في عدم جوازه، وبالله التوفيق"(105).

 

وذهب إليه الشيخ/ محمد محمد المختار الشنقيطي، فقد جاء في جواب له عن حكم صرف الزكاة في الدية، قوله:"أما في هذه المسألة ففيها نظر؛ إذ القتل إما أن يكون عمداً، وإما أن يكون خطأ. فإذا كان عمداً فهو جناية وجريمة، ومثلها لا يساعد فيها؛ لأن أصل الجناية لا تجوز شرعاً، ولو أننا كلما قتل قاتل وعفي عن قتله أعطيناه من الزكاة؛ لذهب المعنى من زجر الناس وتحملهم لمشقة الدية حتى يجدوا العناء، فيحجموا عن الدماء المحرمة، وعن سفك الدم الحرام"(106).

 

وممن ذهب إليه الشيخ/ عبد الله المنيع، فقد جاء في كلام له عن هذه المسألة: "ما يحدث اليوم ليس تصالحاً، وإنما ضغط على أهل الدم، لكي يتصالحوا بعشرة ملايين، أو عشرين مليوناً، ثم يذهب لأقارب القاتل وللأغنياء ويطلب منهم دفع الدية، ثم يكون من هؤلاء الأغنياء تجاوب على أساس أن يكون من الزكاة، فالذي يظهر لي أن دفع الزكاة لهؤلاء في غير محله، والزكاة التي تدفع في هذا المجال لا تبرأ ذمة من يدفعها، ولا يعد أنه دفع الزكاة؛ لأن القاتل مُعتَدٍ مجرم ظالم قاتل نفسٍ عمداً ظلماً وعدواناً، ومع ذلك نساعده، ونأخذ زكوات المسلمين منهم لصالحه، هذا لا ينبغي ولا يجوز"(107).

 

الأدلة:
أدلة القول الأول:
يمكن أن يستدل لمن قال بجواز صرف الزكاة في الصلح عن دم العمد، بما يلي:
1 - ما روي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع)(108).

 

وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أحل المسألة لذي الدم الموجع، والغرم المفظع، وهو ما ينطبق على من تحمل صلحاً عن دم العمد، ولو كان باهظاً، وإحلالالمسألة له دليل على جواز دفع الزكاة له. قال المناوي في شرحه للحديث: "(لذي دم موجع) يعني ما يتحمله الإنسان من الدية، فإن لم يتحملها وإلا قتل فيوجعه القتل (أو لذي غرم مفظع) بضم الميم وسكون الفاء وظاء معجمة وعين مهملة شديد شنيع"(109). وقال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه: "قَوْله (أَوْ دَم مُوجِع) هُوَ أَنْ يَتَحَمَّلَ دِيَةً فَيَسْعَى فِيهَا حَتَّى يُؤَدِّيَهَا إِلَى أَوْلِيَاء الْمَقْتُول، فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهَا قُتِلَ الْمُحْتَمَل عَنْهُ فَيُوجِعُهُ قَتْله، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم"(110). وقال العيني في شرح سنن أبي داود(111): "قوله: (أو لذي دم موجع) بكسر الجيم، والدم الموجع هو أن يتحمل حمالة في حقن الدماء، وإصلاح ذات البين، حتى يؤديها، فإن لم يؤدها قتل فيوجعه قتله". وقال المنذري: "ذو الدم الموجع هو الذي يتحمل دية عن قريبه أو حميمه أو نسيبه القاتل، يدفعها إلى أولياء المقتول، ولو لم يفعل قتل قريبه أو حميمه الذي يتوجع لقتله"(112).

 

المناقشة:
يناقش من وجهين:
الوجه الأول: أن الحديث ضعيف؛ قال ابن حجر في التلخيص(113): "وأعله ابن القطان بجهل حال أبى بكر الحنفي ونقل عن البخاري أنه قال: لا يصح حديثه".

 

الوجه الثاني: أنه لا يسلم بأن المراد بالدم الموجع دية العمد، بل المراد دية الخطأ، ووصفه بالموجع لكثرة الدية بسبب تعددها، أو لعجز من وجبت عليه عنها، فيوجعه ذلك؛ لكونها لازمة له. قال ابن عبد البر: "الدم الموجع الحمالة في دم الخطأ"(114).
 

2 - ما روى قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه قال: تحملت حمالة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال: (أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها) قال: ثم قال: يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك...)(115).
 

وجه الدلالة:
إن الصلح عن القصاص غالباً ما يكون من باب الحمالة؛ لأن الذي يقوم به هم أولياء القاتل، لا القاتل نفسه، وبالتالي يجوز صرف الزكاة فيه؛ كما يجوز صرفها في سائر الحمالات، ومما يؤيد ذلك في الواقع أن عقد المصالحة يقع بين أولياء القاتل وأولياء المقتول، وأن الذي يسعى في جمع الصلح هم أولياء القاتل، وذلك كله يقع من غير وكالة من القاتل، وربما من غير علمه. قال الصنعاني في تفسير الحمالة: "وذلك أن يتحمل الإنسان عن غيره ديناً، أو دية، أو يصالح بمال بين طائفتين، فإنها تحل له المسألة، وظاهره وإن كان غنياً فإنه لا يلزمه تسليمه من ماله، وهذا هو أحد الخمسة الذين يحل لهم أخذ الصدقة وإن كانوا أغنياء"(116). وبين الشيرازي أن من أصناف الغارمين: "من تحمل دية مقتول، فيعطى مع الفقر والغنى..."(117). والظاهر أن مراده دية العمد؛ لأن دية الخطأ تكون على العاقلة، قال النووي في شرحه: "إنما يعطى الغارم لإصلاح ذات البين ما دام الدين باق عليه سواء كان الدين لمن استدانه منه ودفعه في الإصلاح، أو كان تحمل الدية مثلاً لأهل القتيل ولم يؤدها بعد، فيدفع إليه ما يؤديه في دينه، أو إلى ولي القتيل..."(118). فإذا جاز تحمل دية العمد عن القاتل الواجبة عليه شرعاً عند اختيار أولياء المقتول، فتحمل الصلح عن القصاص من القاتل
من باب أولى، وإذا جاز دفع الزكاة لمن تحمل دية العمد عن القاتل مع وجوبها عليه في ماله، فدفعها لمن تحمل الصلح عن القصاص من باب أولى، والله أعلم.

 

المناقشة:
يناقش بأن المراد بالحمالة عند بعض أهل العلم: أن تقع فتنة بين طائفتين فيقوم من يصلح بينهم بمال يتحمله، فهذا قد أجاز له الشارع أن يأخذ من الزكاة ما يسدد به هذه الحمالة؛ لئلا يجحف ذلك بأموال أهل المروءات إذا لم يعطوا من الزكاة، فيؤدي ذلك إلى الإحجام عن هذا الباب في الإصلاح، وهذا من محاسن شريعة الإسلام، ومراعاتها لمصالح العباد في العاجل والآجل(119).

 

الإجابة:
يمكن أن يجاب بأن قصر الحمالة الواردة في حديث قبيصة على هذا المعنى يحتاج إلى دليل، وإنما هذا المعنى أبرز وجوه الحمالة، والأصل بقاء المطلق على إطلاقه(120).

 

الرد:
يمكن أن يرد على هذه الإجابة بأن هذا الإطلاق مقيد بقصد الشارع من مشروعية الحمالة، وهو الإصلاح ودفع الفتنة، وهذا القصد لا يوجد في تحمل الصلح عن دم العمد؛ لأن القصاص مقصود للشارع، وليس في قتل القاتل عمداً عدواناً فتنة ولا شر، بل جعل الشارع في القصاص حياة للناس.

 

3 - أن المصالحة عن القصاص على أكثر من الدية معاقدة جائزة شرعاً على القول الراجح؛ كما تقدم، فيكون الوفاء بهذا الصلح واجباً، للزوم الصلح بالعقد، والمال الواجب في الذمة لآدمي دين يجب الوفاء به، فإذا كان المدين به لا يقدر على وفائه، فهو من الغارمين، والغارمون أحد أصناف الزكاة الثمانية، فيجوز صرف الزكاة له.
 

المناقشة:
نوقش بأن صرف الزكاة في هذا الصلح مخالف لمقصود الشارع من إيجاب دية العمد على الجاني ردعاً له، وزجراً للناس عن هذه الجناية العظيمة، فلو جاز صرف الزكاة في ذلك لذهب هذا المقصود؛ لأن الناس يسهل عليهم أن يدفعوا زكاة أموالهم في ذلك، ولا يسهل عليهم التبرع من أموالهم، وما كان مخالفاً لمقصود الشارع فهو باطل في محل المخالفة، والباطل لا يجوز العمل به، ولا يجزئ عن الحق الواجب.

 

4 - القياس: فإذا جاز صرف الزكاة في دية العمد الواجبة شرعاً عند العفو على الدية، جاز صرف الزكاة في الصلح عن القصاص؛ بجامع أن كلاً منهما دين وجب بدلاً عن القصاص.
 

المناقشة:
يناقش بأنه قياس مع الفارق؛ فالدية واجبة بالشرع، والصلح واجب بالاتفاق والمصالحة، وفرق بين ما أوجبه الله على العباد وبين ما أوجبه العباد على أنفسهم، والدية مشروعة بالاتفاق، والصلح بما زاد عن الدية محل خلاف بين الفقهاء، والدية لا مجال فيها للمزايدة والانتقام بالمال، والصلح بما زاد عن الدية يفتح باب المزايدة والانتقام من الجاني وأهله وعشيرته بالأموال الباهظة، فصرف الزكاة في الدية المنصوصة لا مجال فيه للحيف على أهل الزكاة، وصرف الزكاة في الصلح بما زاد عن الدية فيه حيف عظيم بأهل الزكاة، لاسيما مع المبالغات العظيمة في هذا العصر التي وصلت إلى عشرات الملايين.

 

5 - القياس على عتق الرقاب؛ فكما جاز بالنص عتق الرقبة من الزكاة، فيجوز من باب أولى صرف الزكاة في عتق الرقبة من القتل؛ لأن مصيبة القتل أعظم من نقص الرق، فإذا جاز صرف الزكاة في الأدنى حاجة فصرفها في الأعظم حاجة أولى.
 

المناقشة:
يناقش بأن قياس العفو عن القصاص على عتق الرقبة من الرق قياس مع الفارق؛ ذلك بأن الرق ليس مكتوباً ابتداءً بل الإمام مخير في أسرى الكفار بين الرق، والمن، والفداء، وأما القصاص فقد كتبه الله على القاتل وجعل لولي المقتول سلطاناً عليه ابتداءً، ولا يمنع من ذلك التخيير بينه وبين الدية، فالقصاص أصل ثابت والعفو تخفيف ورحمة، فلا يقاس ما كان مكتوباً ابتداءً على ما ليس بمكتوب.

 

وأيضاً: فإن الرقيق معصوم الدم، ونقصه من جهة الرق المشروع، والقاتل عمداً مباح الدم لأولياء القتيل، وسببه القتل المحرم شرعاً، فلا يقاس أحدهما على الآخر.
 

6 - القياس على فك الأسرى، فكما جاز فك الأسير من الزكاة؛ لدخوله في مصرف الرقاب، فيجوز من باب أولى صرف الزكاة في عتق الرقبة من القتل؛ لأن مصيبة القتل أعظم من الأسر، فإذا جاز صرف الزكاة في الأدنى حاجة فصرفها في الأعظم حاجة أولى.
 

المناقشة:
يناقش بأنه قياس مع الفارق؛ ذلك بأن فك الأسرى واجب على المسلمين مع القدرة فلا يجوز ترك مسلم تحت أيدي الكفار، بخلاف تخليص القاتل العمد من القصاص فإنه لا يجب؛ لأنه مستحق الدم لولي المقتول بنص الكتاب. ولأن أسر المسلم باطل في أصله، وإيجاب القصاص على القاتل حق مكتوب، فلا يقاس ما كان باطلاً في أصله على ما كان حقاً مكتوباً في أصله. ولأن مصيبة الأسر قد تكون أعظم من مصيبة القتل؛ لأن الأسير ربما فتنه الكفار في دينه فارتد والعياذ بالله.

 

أدلة القول الثاني:
يمكن أن يستدل لمن قال بعدم جواز صرف الزكاة في الصلح عن دم العمد، بما يلي:
1 - أن دية الخطأ أوجبها الشارع على العاقلة ابتداءً في أموالهم من غير الزكاة، تنبيهاً على أن الأصل في الديات أن تكون من غير الزكاة، ولعل السبب في ذلك تعظيم خطر الدماء، ووجوب تكاتف العصبات في درء أسبابها؛ لتحملهم تبعة ذلك، فإذا كان هذا المعنى في جناية الخطأ فهو في جناية العمد أظهر، وإنما لم يوجب الشارع على العاقلة تحمل دية العمد؛ ليكون ذلك أعظم على الجاني وأشد ردعاً له وزجراً لغيره عن هذه الجناية العظيمة، وتجويز إعطائه من الزكاة يخالف هذا المقصود أعظم مخالفة، والله أعلم.

 

فإن قيل: قد نقضتم هذا الأصل بتجويزكم دفع الزكاة في دية العمد المنصوصة؛ فالجواب: أن هذا لا مناقضة فيه؛ لأننا لا نقول بجواز دفع الزكاة فيها ابتداءً، بل عند عجز الجاني ضرورة؛ لئلا يضيع حق الأولياء عند العفو على الدية، ولا يهدر دم القتيل، عند عجز الجاني، والشارع لم يوجبها على العاقلة مبالغة في الزجر، فإذا لم تدفع فيها الزكاة ضاع حق مستحق للأولياء بنص الكتاب. وكما لو عجزت العاقلة عن دية الخطأ، فإنه يجوز لهم الأخذ من الزكاة؛ لئلا يهدر دم القتيل.
وهذا المعنى لا يوجد عند الصلح بما زاد عن الدية؛ لأن ما زاد عن الدية لم يوجبه نص كتاب ولا سنة، وإنما وجب بالمصالحة، وتجويز دفع الزكاة في هذا الصلح يخالف الأصل في الديات على ما تقدم بيانه، والله أعلم.

 

2 - أن قتل العمد لو كان مما يواسى فيه القاتل؛ لكان أحق من يواسيه فيه العاقلة، ومع ذلك لم يجعل الشارع على العاقلة من دية العمد شيئاً، فدل على عدم جواز صرف الزكاة في دية العمد لاسيما إذا كان مبالغاً فيها.
 

3 - أن القصاص قد أوجبه الله تعالى على القاتل المتعمد، وجعله فريضة مكتوبة؛ كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:178]، فالقصاص من القاتل المتعمد فريضة مكتوبة من الله تعالى، مثل الصيام الذي قال الله تعالى فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] فلم يجز إعطاء القاتل المتعمد من الزكاة ليفدي نفسه من القصاص المكتوب عليه شرعاً، فإذا أراد أن يفدي نفسه، ويفك رقبته من القتل الواجب عليه شرعاً فإنما يكون ذلك من ماله الخاص، أو من أموال الناس تبرعاً وإحساناً، لا من مال الزكاة الواجب صرفه في مصارفه الشرعية.
 

4 - أن في جواز صرف الزكاة فيما زاد عن الدية ذريعة إلى المبالغة في الصلح إلى حد غير معقول؛ لأن الناس إذا قيل لهم ادفعوا زكاة أموالكم - وهم دافعوها لا محالة - في سبيل عتق هذا القاتل من السيف، ومن أحيى نفساً فكأنما أحيى الناس جميعاً، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، وأي كربة أعظم من كربة من وضع السيف على رقبته، كان الدفع عندهم في هذا الشأن أحب إليهم من أن يصرفوها في غيره، وربما دفع التاجر الواحد الذي تبلغ زكاة ماله الملايين جميع هذا الصلح، وترك الصرف إلى مئات الفقراء والمساكين، وربما صرف أهل البلد الواحد أو القبيلة الواحدة جميع زكاة أموالهم في هذا الصلح، ومن شأن هذا التيسير الدفع إلى مزيد من الأموال المصالح عليها من أجل إسقاط القصاص لسهولة تحصيلها وسرعة جمعها من المزكين، وفي ذلك إجحاف بحق أهل الزكاة، وقد جاءت الشريعة بسد الذرائع وهو أصل متفق عليه بين أهل العلم(121)، فوجب إعماله في هذه المسألة حفاظاً على حقوق أهل الزكاة المستحقين لها، والله أعلم.
 

5 - أن صرف الزكاة فيما زاد عن الدية المقدرة فيه إجحاف بأهل الزكاة، وإنقاص لحقهم بغير مسوغ شرعي واضح، وإنما هذا يكون وفاؤه من باب العقل (من غير الزكاة)، فإذا كانت دية الخطأ تحملها العاقلة من أموالها من غير الزكاة، فالصلح الذي هو أكثر منها وأنقص لأهل الزكاة منها أولى بأن لا يكون من الزكاة.
 

الترجيح:
يظهر لي - والله أعلم - أن القول الثاني، وهو عدم جواز صرف الزكاة في الصلح عن دم العمد، هو القول الراجح، وذلك لقوة أدلته وسلامتها من المناقشة في الجملة، في مقابل ورود المناقشة على أدلة القول الآخر، والمسلم مأجور على الدفع في هذا الصلح من غير أموال الزكاة؛ لتفريجه كربة أخيه المسلم، وإنقاذه من القتل، لا سيما مع ظهور توبته، وأمارة أوبته، وشدة ندامته، ويظهر لي - والله أعلم - أنه لا بد للقول بجواز صرف الزكاة في الصلح عن القصاص - عند من يرى جوازه - من شروط:
1 - ألا يكون القاتل معروفاً بالفساد، والشر، وإيذاء العباد.
2 - ظهور توبة القاتل بظهور أمارات الصلاح عليه، وشدة ندمه.
3 - ألا يكون قد تكرر منه القتل العمد، فأن تكرر منه فلا يعطى.
4 - ألا يكون له مال يفي بالصلح، فإن كان له ما يفي ببعضه أعطي ما يفي بالباقي فقط.
5 - ألا يكون الصلح مبالغاً فيه مبالغة تخرج به عن الحد المعقول؛ لأن من شأن صرف الزكاة في ذلك، أن يكون ذريعة للتساهل في القتل؛ اعتماداً على إغراء الأولياء بالأموال الطائلة للتنازل عن القصاص، ومن ثم أخذها من أموال الزكاة، وهذا ما لا يشك فقيه بعدم جوازه، والله أعلم.

 

المسألة الثانية: صرف الزكاة في الصلح إذا كان مشروطاً، فإن جاء الجاني بالصلح عند الأجل المضروب وقع العفو وتم الصلح، وإن تأخر عنه لم يتم الصلح وطالب الأولياء بالقصاص.
 

لم أطلع على من فرق بين المسألتين السابقتين من المعاصرين سوى الشيخ/ سليمان الماجد، وإن كان الأكثر من حيث الواقع المسألة الثانية، وكل من منع من صرف الزكاة في المسألة الأولى يمنع من صرفها في المسألة الثانية من باب أولى، بينما بعض المجيزين لصرف الزكاة في المسألة الأولى يمنع من صرفها في المسألة الثانية؛ كما جاء في فتوى للشيخ/ سليمان الماجد، حيث سئل عن جواز دفع الدية من مال الزكاة، فأفتى بقوله: "الحمد لله أما بعد .. فإذا وجبت الدية في مال الجاني؛ لكون القتل عمداً جاز دفع الزكاة إليه أو إلى ورثة الدم لسداد دية القتيل؛ لأن الدية تجب في مال القاتل؛ فيكون من جملة الغارمين، وإن كان القتل خطأ فهي غير واجبة عليه؛ لأنها إنما تجب على عاقلة القاتل، ثم على بيت المال؛ فلا يجوز دفعها في هذه الحال. ولا يندرج تحت هذا الحكم ما يُراد دفعه لشراء تنازل ورثة الدم عن القصاص؛ لعدم ثبوت الدين. والله أعلم"(122).
 

فيفهم من هذه الفتوى التفريق بين الصلح البات الذي يترتب أثره على عقده، فيقع العفو عن القصاص، ويكون الصلح ديناً في ذمة الجاني، فيجوز صرف الزكاة له؛ لكونه من الغارمين، وبين العفو المشروط بسداد الصلح، إذ إنه لا يثبت فيه الصلح ديناً في ذمة الجاني، ولا يقع العفو إلا عند سداد الصلح كاملاً، فلا يجوز صرف الزكاة فيه، وهذا الصلح هو الواقع لدى الناس، بل ربما أن الصلح البات لا يكاد يوجد إلا نادراً.
 

فيكون في هذه المسألة قولان:
القول الأول: جواز صرف الزكاة في هذا الصلح المشروط. وهذا ظاهر إطلاق من أفتى بجواز صرف الزكاة في المسألة الأولى، وظاهر ما استدل به.

 

القول الثاني: عدم جواز صرف الزكاة في الصلح المشروط. وقال به كل من منع من صرف الزكاة في الصلح البات، وأفتى به الشيخ/ سليمان الماجد.
 

الأدلة في المسألة:
أدلة القول الأول:
يستدل من يجيز صرف الزكاة في الصلح المشروط، بأدلة المجيزين لصرف الزكاة في الصلح البات، وقد تقدم ما ورد عليها من مناقشة - دون الدليلين الثالث والرابع، فإنهما لا يردان في الصلح المشروط؛ لأنه ليس ديناً ثابتاً في ذمة الجاني، ولا ذمة أوليائه-.

 

أدلة القول الثاني:
يستدل من قال بعدم جواز صرف الزكاة في الصلح المشروط، بالأدلة الدالة على عدم جواز صرف الزكاة في الصلح البات المتقدم ذكرها، بالإضافة إلى أن الصلح المشروط لا يثبت ديناً في الذمة، فلا يدخل صاحبه في صنف الغارمين؛ وعلى هذا فلا يجوز صرف الزكاة له، والله أعلم.

 

المناقشة:
يناقش بأن هذا القول مبني على أن الغرم لا يكون إلا بدين ثابت في ذمة المدين، بينما الغرم يصح إطلاقه على من غرم لإصلاح ذات البين، فتحمل حمالة لذلك، فإن الحمالة تحتمل أن تكون صلحاً مشروطاً، أن جاء به المتحمل في الأجل المتفق عليه تم الصلح، وزالت المفسدة، وإن لم يأت به عاد المطالبون بدعواهم ولم يعد لهذا الصلح أثر، ومع ذلك جاء النص بجواز صرف الزكاة لمن تحمل حمالة؛ لدخوله في صنف الغارمين، والله أعلم.

 

الإجابة:
يجاب عن ذلك بأن الحمالة التي يجوز صرف الزكاة فيها، هي ما رتبت ديناً ثابتاً في ذمة المتحمل، وبهذا يكون غارماً، وهذا ظاهر عبارات الفقهاء(123)، فلا يدخل فيها ما كان صلحاً مشروطاً، بالإضافة إلى أن مقصود الشارع من الحمالة التي يجوز صرف الزكاة فيها؛ ما كانت للإصلاح بين الناس، ودفع الفساد والفتنة، وهذا المقصد لا يتحقق في تحمل الصلح عن دم العمد؛ كما تقدم بيانه، والله أعلم.

 

الترجيح:
هو ما تقدم ذكره في الترجيح في المسألة السابقة، فلا داعي لتكراره، والله أعلم.

 

الخاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه، والتابعين، أما بعد:
فهذه أبرز النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث:
1 - أن الدية هي: المال المؤدى إلى مجني عليه أو وليه بسبب جناية.
2 - أن الصلح: معاقدة يتوصل بها إلى الإصلاح بين المختلفين.
3 - أن موجب جناية العمد التخيير بين القصاص والدية، فلأولياء المجني عليه أن يختاروا القصاص، أو يختاروا الدية ابتداءً ولو لم يرض الجاني.
4 - دية العمد تلزم الجاني، ولا تحمل العاقلة منها شيئاً، وقد دلَّ على ذلك النص، والإجماع.
5 - من المعلوم من الدين بالضرورة تحريم القتل بغير حق، وأنه من عظائم الأمور، وكبائر الذنوب، وعلى هذا تضافرت النصوص القطعية من الكتاب والسنة، وهو مما أجمعت عليه الأمة.
6 - نص جمهور العلماء على أنه لا يجوز إعطاء الزكاة للمدين بسبب الإنفاق في معصية، أو في سفه، ما لم يتب، فإن تاب من ذلك؛ بأن ظهرت منه بوادر التوبة فإنه يعطى من الزكاة ما يقضي به دينه، إذا لم يجد ما يقضيه به.
7 - أن الجاني عمداً إذا لزمته الدية المنصوصة يكون غارماً بها، فإذا لم يكن قادراً على الوفاء كان مشمولاً بالنص داخلاً في صنف الغارمين الذين تصرف فيهم الزكاة.
8 - جواز الصلح عن القصاص بأكثر من الدية من غير حد.
9 - عدم جواز صرف الزكاة في الصلح عن القصاص، وإنما يدفع من غير أموال الزكاة.
10 - لا بد للقول بجواز صرف الزكاة في الصلح عن القصاص من شروط ذكرت في البحث.
والله أعلم، وأحكم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

________________________________

(1)    معجم مقاييس اللغة 3/342، وينظر: المفردات في غريب القرآن 1/279.
(2)    المصباح المنير ص 338، وينظر: المعجم الوسيط 1/513.
(3)    ينظر : معجم مقاييس اللغة 3/17 - 18، النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الجزري 2/765، تاج العروس مع جواهر القاموس 38/220 - 222، لسان العرب 14/358، المخصص لابن سيده 4/58.
(4)    لسان العرب 14/358.
(5)    تبيين الحقائق 1/251، والدر المختار مع رد المحتار 6/445.
(6)    ينظر: تفسير الرازي 16/86، تفسير المنار 10/436.
(7)    منح الجليل 3/279.
(8)    الحاوي الكبير 3/71.
(9)    الإقناع مع شرحه كشاف القناع 2/166، وكشف المخدرات 1/243.
(10)    ينظر: مادة (ودي) في لسان العرب 15/383، القاموس المحيط 4/399، المصباح المنير ص 654، أنيس الفقهاء ص 108.
(11)    المبسوط 26/59، وينظر: البحر الرائق 8/372، الدر المختار بهامش رد المحتار 5/368.
(12)    حدود ابن عرفة 2/621.
(13)    أسنى المطالب 4/47.
(14)     شرح منتهى الإرادات 3/298، كشاف القناع 6/5.
(15)    ينظر: الإجماع لابن المنذر ص121، مراتب الإجماع لابن حزم ص164، الإفصاح لابن هبيرة 2/212.
(16)    ينظر: المصباح المنير، مادة (صلح) ص345، مختار الصحاح، مادة (صلح) ص178.
(17)    البحر الرائق 7/255، وينظر: الاختيار لتعليل المختار 3/5.
(18)    الخرشي على مختصر خليل 6/2، أسهل المدارك 3/14.
(19)    كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار ص 260.
(20)    المغني 7/5 ، وينظر: كشاف القناع 3/390.
(21)    ينظر: الموسوعة الفقهية الكويتية 27/323.
(22)    ينظر: بدائع الصنائع 7/241 ، الاختيار 5/23.
(23)    ينظر: الذخيرة 12/413 ، الشرح الكبير للدردير 4/239.
(24)    ينظر: المبدع 8/299 ، الإنصاف 25/207.
(25)    ينظر: الحاوي الكبير 12/97.
(26)    ينظر: مغني المحتاج 4/48 ، نهاية المحتاج 7/309.
(27)    ينظر: المغني 11/592 ، المبدع 8/299 ، الإنصاف 25/207.
(28)    أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى...) 5/153 ، وينظر: المحلى 10/360 – 361.
(29)    ينظر: المغني 11/592 ، الشرح الكبير 25/203 ، المبدع 8/297 ، الإنصاف 25/202.
(30)    ينظر: المحلى 10/360
(31)    ينظر: الكافي لابن عبد البر ص 590 ، الذخيرة 12/413 ، الشرح الكبير للدردير 4/240.
(32)    ينظر: الأم 6/10 ، الحاوي الكبير 12/97 ، مغني المحتاج 4/48.
(33)    ينظر: المحلى 10/361 ، أحكام القرآن للقرطبي 2/252 ، المغني 11/591.
(34)    ينظر: بدائع الصنائع 7/241.
(35)    ينظر: الاختيار 5/24.
(36)    أخرجه البخاري، كتام التفسير، باب: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى...) 5/154 ، ومسلم، كتاب القسامة، باب إثبات القصاص في الأسنان وما في معناها 3/1302 ، رقم ( 1675 ).
(37)    أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب الحدود والديات 3/94 ، وابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الديات، مع قال العمد قود 6/403 ، قال ابن حجر في التلخيص الحبير (4/21): "اختلف في وصله وإرساله، وصحح الدارقطني في العلل الإرسال".
(38)    ينظر: بدائع الصنائع 7/241.
(39)    ينظر: بدائع الصنائع 7/241.
(40)    ينظر: بدائع الصنائع 7/241.
(41)    ينظر: الحاوي الكبير 12/95، 97.
(42)    أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى...) 5/154.
(43)    ينظر: بدائع الصنائع 7/241-242.
(44)    ينظر: الحاوي 12/97.
(45)    ينظر: المغني 11/592.
(46)    ينظر: أحكام القرآن للقرطبي 2/252.
(47)    أخرجه البخاري، كتاب الديات، باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، 8/38 ، واللفظ له، ومسلم ، كتاب الحج، باب تحريم مكة، 2/988 ، رقم (1355).
(48)    أخرجه أبو داود، كتاب الديات، باب ولي العمد يرضى بالدية، 2/579 ، رقم (4504)، والترمذي، كتاب الديات، باب ما جاء في حكم ولي القتيل في القصاص والعفو 4/14 ، رقم (1406)، وأحمد في المسند 6/385 ، رقم (27204)، وصححه الألباني في الإرواء 7/276.
(49)    ينظر: المحلى 10/361 ، أحكام القرآن للقرطبي 2/252.
(50)    ينظر: الحاوي الكبير 12/97.
(51)    ينظر: المغني 11/592.
(52)    أخرجه الترمذي في سننه،كتاب الفتن، باب ما جاء دماؤكم وأموالكم عليكم حرام 4/401، رقم (2159)، وابن ماجه، كتاب الديات، باب لا يجني أحد على أحد 2/890، رقم (2669)، وأحمد 3/499، رقم (16108)، وصححه محققو المسند 25/465، وحسنه الألباني في الإرواء 7/334.
(53)    أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الديات، باب من قال: لا تحمل العاقلة عمداً ولا عبداً ولا صلحاً ولا اعترافاً 8/104، وحسنه الألباني في الإرواء 7/336.
(54)    ينظر: المغني 12/27.
(55)    الإجماع لابن المنذر ص120.
(56)    المغني 12/13.
(57)    ينظر: المصدر السابق.
(58)    ينظر: المغني 11/443.
(59)    أخرجه البخاري، كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً...) 4/195، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها 1/92، رقم (145).
(60)    أخرجه البخاري، كتاب الديات، باب قول الله تعالى (أن النفس بالنفس...) 8/38، ومسلم كتاب القسامة، باب ما يباح به دم المسلم 3/1302، رقم (1676)، واللفظ له.
(61)    ينظر: بداية المجتهد 1/511، الخرشي 2/218، الشرح الصغير 1/492.
(62)    ينظر: الأم 2/93، الحاوي 8/508، أسنى المطالب 1/397، الإقناع للشربيني 1/461.
(63)    ينظر: الشرح الكبير 7/273، المبدع 2/423، الروض المربع ص221.
(64)    أحكام القرآن للجصاص 3/126.
(65)    تفسير الماوردي = النكت والعيون 2/376.
(66)    روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني 5/313.
(67)    ينظر: المصادر السابقة في المطلب السابق.
(68)    ينظر: التفسير الكبير للرازي 16/87.
(69)    ينظر: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني 5/313.
(70)    ينظر: تفسير آيات الأحكام للسايس 1/466.
(71)    ينظر: المحلى 10/388، 389، 11/94، توضيح الأحكام من بلوغ المرام 5/235.
(72)    المحلى 10/388.
(73)    المحلى 11/94.
(74)    فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم 11/361، وينظر: مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 18/357-358.
(75)    توضيح الأحكام من بلوغ المرام 5/235.
(76)    ينظر: أبحاث وأعمال الندوة الثانية لقضايا الزكاة المعاصرة ص249.
(77)    ينظر: المبسوط 21/9، 26/102، بدائع الصنائع 6/49، تبيين الحقائق 6/113، تكملة البحر الرائق 8/353، الدر المختار 5/340.
(78)    ينظر: المدونة 4/370، الكافي لابن عبد البر ص590، التاج والإكليل 6/254، الخرشي 8/27، الشرح الكبير للدردير 4/263.
(79)    ينظر: روضة الطالبين 9/240، 242، مغني المحتاج 4/49، نهاية المحتاج 7/310.
(80)    ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1/159، المغني 11/595، زاد المعاد 3/454، الشرح الكبير مع الإنصاف 13/161.
(81)    ينظر: المحلى 8/166.
(82)    ينظر: روضة الطالبين 9/242، ومغني المحتاج 4/49.
(83)    ينظر: المبدع 4/289، الإنصاف 13/163.
(84)    ينظر: الفتاوى الهندية 6/20.
(85)    ينظر: المحرر لأبي البركات 2/130، زاد المعاد 3/454، شرح الزركشي 6/112، الإنصاف 13/162.
(86)    أخرجه الترمذي، كتاب الديات، باب ما جاء في الدية كم هي من الإبل؟ 4/6، رقم (1387)، وابن ماجه، كتاب الديات، باب من قتل عمداً فرضوا بالدية 2/877، رقم (2626)، وأحمد 2/183، رقم (6717)، وحسن إسناده محققو المسند، ينظر: الموسوعة الحديثية، مسند الإمام أحمد بن حنبل 11/326.
(87)    أخرجه أبو داود، كتاب الديات، باب العاقل يصاب على يديه خطأ 2/589، رقم (4534)، والنسائي، كتاب القسامة، السلطان يصاب على يده 8/35، رقم (4778)، وابن ماجه، كتاب الديات، باب الجارح يفتدى بالقود، 2/881، رقم (2638)، وأحمد برقم (25958) قال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين (الموسوعة الحديثية، مسند الإمام أحمد بن حنبل 43/110).
(88)    تقدم تخريجه.
(89)    ينظر: المحلى 8/168، تبيين الحقائق 6/113.
(90)    ذكره ابن قدامة في المغني 11/595، ولم أجده في كتب السنة حسب ما تيسر لي من البحث.
(91)    ينظر: المغني 11/596، بدائع الصنائع 6/49.
(92)    ينظر: المغني 7/24، 11/596، بدائع الصنائع 6/49.
(93)    ينظر: المبدع 4/290، والإنصاف 13/163.
(94)    ينظر: المبسوط 26/102.
(95)    أخرجه أبو داود، كتاب الديات، باب الإمام يأمر بالعفو في الدم، 2/576، رقم (4496)، واللفظ له، وابن ماجه، كتاب الديات، باب من قتل له قتيل فهو بالخيار بين إحدى ثلاث، 2/876، رقم (2623)، وأحمد في المسند 4/31، رقم (16422)، قال محققو المسند (26/297): (إسناده ضعيف لضعف سفيان بن أبي العوجاء السلمي، قال البخاري: في حديثه نظر...).
(96)    ينظر: نيل الأوطار 7/12.
(97)    ينظر: إرواء الغليل 7/278.
(98)    تفسير ابن كثير 1/210.
(99)    ينظر: أحكام الجناية على النفس وما دونها ص79.
(100)    رواه أبو داود، كتاب الديات، باب الإمام يأمر بالعفو في الدم، 2/576، رقم (4499)، والبغوي في شرح السنة، 10/160، وصحح إسناده المحقق شعيب الأرنؤوط.
(101)    ينظر: أحكام الجناية على النفس وما دونها ص79.
(102)    ينظر: أحكام الجناية على النفس وما دونها ص80.
(103)    مجلة البحوث الإسلامية، العدد (92)، ص358.
(104)    فتوى للشيخ عبد الله البقمي، بوابة تربة على الشبكة العنكبوتية على الرابط:
http://www.tarabah.net/vb/showthread.php?t=25493
(105)    رابط الفتوى على الشبكة العنكبوتية
http://www.onislam.net/arabic/zakah-counsels/8518/79236-2004-08-01%2017-...
(106)    شرح زاد المستقنع، المكتبة الشاملة، على الرابط:
http://islamport.com/w/hnb/Web/1741/6139.htm
(107)    صحيفة الاقتصادية الإلكترونية على الشبكة العنكبوتية، رابط الفتوى:
http://www.aleqt.com/2014/10/10/article_894771.html
(108)    أخرجه أبو داود، كتاب الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة، 1/516، رقم (1641)، وابن ماجه، كتاب التجارات، باب بيع المزايدة، 2/740، رقم (2198)، وأحمد في المسند، رقم 12134) وذكر محققو المسند أن لهذه القطعة من الحديث شواهد تصح بها، (الموسوعة الحديثية، مسند الإمام أحمد بن حنبل 19/183).
(109)    التيسير بشرح الجامع الصغير 1/608.
(110)    4/420.
(111)    6/387.
(112)    مشكاة المصابيح 6/546.
(113)    3/15 رقم (1165).
(114)    التمهيد 18/329.
(115)    أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب من تحل له المسألة 2/722 رقم (1044).
(116)    سبل السلام 2/298.
(117)    المهذب 1/172.
(118)    المجموع 6/207.
(119)    ينظر: المبدع 2/423، كشاف القناع 2/281، نيل الأوطار 4/173.
(120)    ينظر: أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله ص368، المطلق والمقيد للصاعدي ص257.
(121)    ينظر: الفروق 2/33، الموافقات 3/244، 4/145.
(122)    الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ سليمان الماجد على الشبكة العنكبوتية، رابط الفتوى:
http://www.salmajed.com/fatwa/findnum.php?arno=19343
(123)    ينظر: المهذب 1/172، المجموع 6/207، المبدع 2/423، كشاف القناع 2/281.