نظرية عوض المثل وأثرها على الحقوق
15 جمادى الأول 1436
أ.د. علي محيي الدين القره داغي

تمهيد

تتلخص مباحث هذا البحث في بيان أهمية "عوض المثل" في الفقه الإسلامي، ودوره في تحقيق العدالة في المعاملات وغيرها وفي الوصول إلى تعريف جامع مانع لعوض المثل، ومعياره المرن الملاحظ فيه العناصر المادية والنفسية، كما أسهب البحث في كيفية التقويم في عوض المثل، وبم يكون التقويم؟ وهل يشترط العدد؟ وما الحكم عند اختـلاف المقومين، أو عند ثبوت التقويم غير العادل؟ ومدى تأثير الزيـادة على ثمن المثل، أو تغير عوض المثل، ثم أفاض في بعض تطبيقات أساسية لعوض المثل، وذكر آراء الفقهاء وأدلتهم مع المناقشة والترجيح.

 

المقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه. وبعد:
فقد أولى الإسلام عناية كبيرة برعاية المثل في الحقوق والالتزامات باعتباره يمثل العدالة التي ينشدها وشيد أسسه عليها، ولذلك نرى أن لفظة " المثل " ومشتقاتها تتكرر في القرآن الكريم أكثر من مائة وخمسين مرة، كما نجدها ترد كثيراً في السنة المشرفة، وجاءت أقضية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) برعاية عوض المثل أكثر من مرة، فقد قضى (صلى الله عليه وسلم) في بَرْوَع بنت واشق [1] بمهر المثل حيث كانت قد تزوجت بغير مهر ومات زوجها [2].

 

وعُنيَ الفقه الإسلامي بمختلف مذاهبه ومدارسه - بتطبيقات عوض المثل في أكثر أبواب الفقه سواء ما يتعلق منها بالمعاملات أو بأحكام الأسرة، أو بالضمان والتعويض والتمليك بالمثل، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " عوض المثل كثير الدوران في كلام العلماء، وهو أمر لا بد منه في العدل الذي به تتم مصلحة الدنيا والآخرة، فهو ركن من أركان الشريعة مثل قولهم: قيمة المثل، وأجرة المثل، ومهر المثل ونحو ذلك.. ويحتاج إليه فيما يضمن بالإتلاف من النفوس والأموال والأبضاع والمنافع... " [3]، بل إن العلامة ابن القيم جعل مدار الاستدلال جميعه على التسوية بين المتماثلين، والفرق بين المختلفين " [4].

 

وعلى الرغم من أهمية هذا الموضوع وكونه يشكل أساساً من أسس الفقه الإسلامي فإنا نجد أحكامه متناثرة في بطون الكتب الفقهية ومبعثرة على كثير من أبواب الفقه المتفرقة، ولم أر من قام بجمع شتاته، ولمِّ متفرقاته لتتكون منها نظرية متكاملة الأركان متراصة البنيان موضحة المعالم..

 

وهذا ما نحن بصدده، ولا أريد أن يقف عملي عند هذا الجمع على الرغم من أهميته وإنما يتجاوز - بإذن الله تعالى - إلى التمحيص والتنقية، والترجيح، وأحاول جاهداً للوصول إلى وضع معيار دقيق للمثل وعوضه، حيث تاهت فيه بعض الآراء، واختلطت المعايير، واختلفت التعاريف حسب أماكن وروده في الأبواب الفقهية، كما نلقي الأضواء على كيفية التقويم في عوض المثل ومعياره، وتطبيقاته، ثم نحاول جاهدين للوصول إلى تقديره والعناصر المؤثرة فيه، ثم نتناول نطاقه وتطبيقاته ذاكرين لمسائله الأقوال الفقهية مع أدلتها، وترجيح ما يعضده الدليل، ثم نختم البحث بخلاصة البحث ونتائجه.

 

التعويض بالعوض، والمثل لغة واصطلاحاً:

ولما كان هذا المصطلح مركباً من كلمتين فلا بد من التعريف بهما منفردين، ثم به، فالعوض - بكسر العين وفتح الواو - لغة البدل، قال ابن سيده: " وبينهما فرق " والجمع أعواض، والمصدر: العوض - بفتح العين والواو - فيقال: عاضه عوضاً وعياضاً، وعوَّضه، وأعاضه، والأكثر استعمالا ً: عوَّضه تعويضاً، وتعوض منه واعتاض: أخذ العوض، واستعاضه أي طلب منه العوض، واعتاضني إذا جاء طالباً للعوض والصلة، وعاوضت فلاناً بعوض في المبيع والأخذ والإعطاء، وله معان أخرى [5].

 

ولم يرد " العوض " ومشتقاته في القرآن الكريم، ولكنه ورد في السنة المشرفة، منها ما رواه أبو داود بسنده عن سلامة بنت معقل أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لقومها: " اعتقوها فإذا سمعتم برقيق قدم عليّ فائتوني أعوضكم منها، قالت فأعتقوني، وقدم على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رقيق فعوضهم مني غلاماً " [6]، أي أعطاهم بدلها غلاماً، وروى البخاري بسنده عن النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: إن الله تعالى قال: " إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة " [7] أي أعطيته بدلهما الجنة، قال الحافظ: " وهذا أعظم العوض.. " [8]

 

وروى أيضاً عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: امرأة من المشركين جاءت إلى المسلمين أيعاوض زوجها منها لقوله تعالى: ((وآتوهم ما أنفقوا)) قال: "لا، إنما كان ذلك بين النبي (صلى الله عليه وسلم) وبين أهل العهد " والمعنى: هل يعطي بدلها عن النفقات لزوجها؟ [9].

 

وأما المثل - بكسر الميم وسكون الثاء - وبفتحهما - لغة فهو بمعنى الشبه، فيقال: هذا مِثْله، ومَثَلُهُ كما يقال: شِبْهُه وشَبَهُه وزناً ومعنى، قال ابن بَرِّيّ: " الفرق بين المماثلة والمساواة: أن تكون بين المختلفين في الجنس، والمتفقين، لأن التساوي هو التكافؤ في المقدار لا يزيد ولا ينقص، وأما المماثلة فلا تكون إلا في المتفقين، نقول فِقْهُهُ كفقهه، ولونه كلونه - فإذا قيل هو مثله على الإطلاق فمعناه أنه يسد مسده، وإذا قيل: هو مثله في كذا فهو مساو له في جهة دون جهة [10]ويقول العلامة المقري: " المثل يستعمل على ثلاثة أوجه بمعنى الشبه، وبمعنى نفس الشيء وذاته، وزائدة..، والمثال بمعنى الوصف والصورة.. " [11].

 

1 - المثل في القرآن والسنة:

وقد ورد لفظ المثل ومشتقاته في القرآن الكريم أكثر من (150) مرة منها قوله تعالى: ((قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم)) أي من حيث الخلقة، والماهية والجنس والنوع - ((ولكن الله يمن على من يشاء من عباده)) [12]، كان ذلك جواباً للكفرة حينما قالوا: ((... ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون)) [13]، حيث اعتبروا المساواة في البشرية وما هو من خصائصها كافية في أن يثبت لكل واحد من الشبهين حكمُ الآخر، فكأنهم قالوا: فإذا تساوينا في هذا الشبه فأنتم مثلنا لا مزية لكم علينا، وهذا باطل لأنهم لم يلاحظوا أموراً أخرى لا توجد في أحد الشبهين [14].

 

وهذا مشعر بأن المِثل الحقيقي إنما يتم إذا روعيت جميع الجوانب والصفات.
ومنها قوله تعالى: ((فأتوا بسورة من مثله)) [15]، فقال المفسرون: أي مثل نظم القرآن ووصفه، وفصاحة معانيه التي يعرفونها، وفي غيوبه وصدقه ونحو ذلك [16]، وقوله تعالى: ((فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)) [17]، فقال المفسرون: أي خذوا حقوقكم، واقتصوا بدون زيادة وتجاوز [18].

 

هذا وقد ثار خلاف كبير بين المفسرين والفقهاء في تفسير قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم)) [19]، حيث فسر بعضهم: " مثل ما.. " يشبهه في الخلقة الظاهرة، وحينئذ يكون مثله في المعنى [20]، وفسره الآخرون بقيمته، ودعم هذا الموقف الحنفية حيث قالوا: إن المراد بالمثل هنا القيمة، وذلك لأن الآية عامة في قتل كل صيد مع أننا قد لا نجد مثلا ً لبعض الحيوانات التي تصطاد، لذلك فحمل المثل على القيمة يؤدي إلى عمومه في جميع الحيوانات، وهذا ما يؤيده وجوب استعمال اللفظ على عمومه ما أمكن [21].

 

ومن جهة ثانية أن تفسير المثل في الآية بالقيمة يؤدي إلى أن ينتظم المعنى وتسير بداية الآية وآخرها في نسق واحد، وذلك لأن قوله تعالى: " ((ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم)) عام في كل صيد، ويكون الحكم الخاص في حالة قتله هو الجزاء بالمثل أي بالقيمة التي تشمل ما له نظير، وما لا نظير له، وأما على ضوء تفسير المثل بالنظير فيكون تخصيصاً بغير دليل وهو غير سائغ، ويدل على ذلك أن جماعة من الصحابة قد روي عنهم أنهم قضوا في الحمامة بشاة، ولا تشابه بينهما من حيث الخلقة فعلمنا أنهم أوجبوها على وجه القيمة [22].

 

المثل في اصطلاح الفقهاء:

تختلف وجهات نظر الفقهاء إلى " المثل " حسب وقوعه في أبواب الفقه المختلفة، فمثلا ً فالبقرة مثل للجمل، والنعامة مثل للبدنة في باب الحج بحيث إذا قتل المحرم نعامة يجب عليه بدلها جمل - مثلا ً[23] - في حين أن الحيوانات جميعها ليست من باب المثليات في باب القرض [24] والغصب [25] بل إن الذكر من الغنم - مثلا ً - ليس مثلا ً للأنثى في باب البيع حيث يعتبرونهما جنسين مختلفين ما دام الغرض من كل واحد منهما مختلفاً [26]، وفي باب الربا تتحقق المثلية في المكيل والموزون مع اتحاد الجنس عند أكثر الفقهاء [27].

 

ونصل من خلال هذه الاعتبارات المختلفة إلى أن المعيار في هذه المسألة هو تحقيق العدالة، ولذلك نرى أن هناك حالات كثيرة تخرج عن المثلي مع أنها على ضوء القواعد العامة تكون من المثليات، فهذا يعني أنه إذا حقق الرد بالمثل العدالة فهو المطلوب، وإذا لم يحققها بل حققتها القيمة فيكون الرد بالقيمة، فمثلا ً فالماء من المثليات، لكنه لو غصبه إنسان في مفازة، أو استقرضه فلا يرده بالمثل عند حالة السعة والاختيار، بل يرد بالقيمة، وكذلك الحليُّ المصنوع من الذهب فهو من حيث أصله من المثليات، لكن الصنعة أخرجته من المثليات [28].

 

فقد وضع بعض الفقهاء معياراً للمثل في أبواب القرض، والغصب، والإتلاف، يكمن فيما هو يباع - حسب العرف - بالكيل، أو الوزن، فعلى ضوء هذا لا يدخل ما عدا المكيل والموزون فيه، والذي نرى ترجيحه هو أن المعيار في المثلي هو كل ما يحقق العدالة [29]، يقول شيخ الإسلام: " والأصل في العقود جميعها هو العدل، فإنه بعثت به الرسل، وأنزلت الكتب، والشارع نهى عن الربا لما فيه من الظلم، وعن الميسر لما فيه من الظلم... " [30].

 

المراد بعوض المثل في الاصطلاح:

إذا كان المراد بالمثل في اللغة هو النظير والشبه، وبالعوض هو المقابل والبدل، فيكون معنى: عوض المثل في اللغة: بدل مثل الشيء المطلوب، وهو بهذا المعنى عام شامل لجميع التعويضات بالمثل سواء كانت بسبب اتفاق أو غيره، غير أن عوض المثل في عرف الفقهاء مصطلح خاص لم يقصد به جميع التعويضات، ولا رد المثل في المثليات، ولا القيمة في القيميات على إطلاقها، ولا بدل الشيء المتفق عليه في العقود، ولا الديات والضمانات التي حدد الشارع مقدارها...

 

وإنما يقصد بعوض المثل عندهم هو: بدل مثل شيء مطلوب بالشرع غير مقدر فيه أو بالعقد لكنه لم يذكر، أو ذكر ولكنه فسد المسمى، أو كان بسبب عقد فاسد، أو نزع جبري مشروع للملكية.

 

فعلى هذا يشمل:
1 - ما إذا لم يذكر في عقد النكاح مهر، أو ذكر ولكنه لم يعتد به الشارع مثل أن يكون المسمى شيئاً محرماً، أو لا يعتبر مالا ً متقوماً، وهذا ما يسمى بمهر المثل.

 

2 - وما إذا كان بين العاقدين اتفاق، ولكنه لم يذكر فيه المسمى، أو أصبح المسمى معدوماً، أو فاسداً، أو أصبح العقد فاسداً أو مفسوخاً ولكنه ترتب عليه أن أحد العاقدين كان قد نفذ من العقد شيئاً، أو أهلك المعقود عليه، أو كان العقد قرضاً ووجب فيه رد القيمة، أو نحو ذلك مما سيأتي تفصيله، وهذا يدخل فيه: أجر المثل في الإجارة الفاسدة، أو المضاربة الفاسدة، أو نحوهما، وكذلك يدخل فيه: ثمن المثل...

 

3 - وما كان نتيجة نزع جبري مشروع لملكية خاصة من قبل الدولة، وهذا ما يسمى بتمليك المثل.

 

4 - وما كان نتيجة إتلاف لكنه لم ينص الشارع على تحديد مقدار الضمان فيه وهو ما يسمى بضمان المثل سواء كان في الحج أو غيره من الضمانات المالية الأخرى.

 

وقبل أن ندخل في تفاصيل هذه المسائل لا بد أن نذكر كيفية الوصول إلى عوض المثل ومعياره.

 

معيار عوض المثل:

لو تتبعنا أقوال الفقهاء في المسائل المنثورة الخاصة بعوض المثل نجد أنهم يحاولون بشتى الوسائل تحقيق العدالة، ولذلك يلاحظون عند التقدير كل الظروف والملابسات التي تحيط بالقضية، وكل الأمور والاعتبارات التي تؤثر فيها، بل وكل أطرافها وجوانبها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " عوض المثل.... أمر لا بد منه في العدل الذي به تتم مصلحة الدنيا والآخرة، فهو ركن من أركان الشريعة... ومداره على القياس والاعتبار للشيء بمثله وهو نفس العدل، ونفس العرف الداخل في قوله تعالى:((يأمرهم بالمعروف)) [31] وقوله: ((وأمر بالعرف)) [32] وهذا متفق عليه بين المسلمين، بل بين أهل الأرض، فإنه اعتبار في أعيان الأحكام، لا في أنواعها، وهو من معنى القسط الذي أرسل الله له الرسل، وأنزل له الكتب، وهو مقابلة الحسنة بمثلها، والسيئة بمثلها، كما قال تعـالى: ((هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)) [33] وقال: ((وإذا حُييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها)) [34] وقال تعالى: ((وجزاء سيئة سيئة مثلها)) [35] وقال تعالى: ((كتب عليكم القصاص في القتلى)) [36] وقال: ((وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)) [37].

 

فعوض المثل سار في كل التصرفات التي لم ينص على عوضها المعين، أو نص ولكنه فسد المسمى، فحينئذ نلجأ إلى التعويض بالمثل، أو عوض المثل.

 

فمعيار عوض المثل في الواقع هو تحقيق العدالة ولذلك لا بد من النظر في جميع الملابسات التي تحيط به، ورعاية الزمان والمكان والعرف السائد، يقول ابن تيمية: " عوض المثل هو مثل المسمى في العرف، وهو الذي يقال له السعر والعادة، فإن المسمى في العقود نوعان: نوع اعتاده الناس وعرفوه، فهو العوض المعروف المعتاد، ونوع نادر لفرط رغبة، أو مضارة، أو غيرهما، ويقال فيه ثمن المثل، ويقال فيه المثل، لأنه بقدر مثل العين، ثم يقوم بثمن مثلها، فالأصل فيه اختيار الآدميين وإرادتهم ورغبتهم، ولهذا قال كثير من العلماء: قيمة المثل: ما يساوي الشيء في نفوس ذوي الرغبات، ولا بد أن يقال في الأمر المعتاد، فالأصل فيه إرادة الناس ورغبتهم، وقد علم بالعقول: أن حكم الشيء حكم مثله، وهذا من العدل والقياس، والاعتبار، وضرب المثل الذي فطر الله عباده عليه، فإذا عرف أن إرادتهم المعروفة للشيء بمقدار علم أن ذلك ثمن مثله، وهو قيمته وقيمة مثله لكن إن كانت تلك الرغبة والإرادة لغرض محرم كصنعة الأصنام ونحو ذلك كان ذلك العوض محرماً في الشرع [38].

 

إذا عرف ذلك فرغبة الناس كثيرة الاختلاف والتنوع بحسب الحالات والأزمنة والأماكن، كما تختلف بكثرة المطلوب وقلته، فعند قلته يرغب فيه ما لا يرغب فيه عند الكثرة، أو بعبارة أخرى يؤثر فيه قانون العرض والطلب، فإذا كان العرض كثيراً كان السعر أقل مما لو كان قليلا ً، وهكذا الأمر إذا كثر طالبوه حيث يرتفع ثمنه، على عكس ما إذا قل طالبوه، إضافة إلى رعاية قلة الحاجة وكثرتها وقوتها وضعفها، فلا شك أن الشيء عند كثرة الحاجة إليه وقوته ترتفع قيمته ما لا ترتفع عند قلتها وضعفها، بل إن عنصر الإنسان المعاوض يدخل أيضاً في الاعتبار في بعض العقود، فمثلا ً إذا كان المعاوض غنياً ملياً غير مماطل لدَيْنه يرغب في معاوضته بالثمن الذي لا يبذل مثله لمن كان مماطلا ً، أو يظن عجزه، أو جحده، وقد ذكر شيخ الإسلام أن نوع النقد أيضاً يؤثر في التقدير أيضاً، فقال: " وبحسب العوض فقد يرخص فيه إذا كان بنقد رائج ما لا يرخص فيه إذا كان بنقد آخر دونه في الرواج، كالدراهم والدنانير بدمشق في هذه الأوقات، فإن المعاوضة بالدراهم هو المعتاد، وذلك أن المطلوب من العقود هو التقابض من الطرفين، فإذا كان الباذل قادراً على التسليم موفياً بالعهد كان حصول المقصود بالعقد معه، بخلاف ما إذا لم يكن تام القدرة، أو تام الوفاء، ومراتب القدرة والوفاء تختلف، وهو الخير المذكور في قوله تعالى ((فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً)) قالوا: قوة على الكسب، ووفاء على العهد " [39].

 

وكذلك الشأن بخصوص حضور المبيع والدفع آجلا ً أم عاجلا ً، فإن المبيع إذا كان حاضراً يكون سعره أكثر مما لو كان غائباً، وكذلك المشتري قد يكون قادراً في الحال على الأداء، لأن معه مالا ً، وقد لا يكون معه مال لكنه يريد أن يقترض، أو يبيع السلعة فالثمن مع الأول أخف، وكذلك المؤجر قد يكون قادراً على تسليم المنفعة المستحقة بالعقد بحيث يستوفيها المستأجر بلا كلفة، وقد لا يتمكن المستأجر من استيفاء المنفعة إلا بكلفة ما أو يخاف من ظالم أو لص يمنعه وإن كان محل العقد متشابهاً، بل من العقار ما لا يمكن أن يستوفي منفعته بالكامل إلا ذو قدرة، فحينئذ يختلف قيمته عما لا يستوفي غيره منه إلا منفعة يسيرة، " وعلى هذا يختلف الانتفاع بالمستأجَر، بل والمشترَى، والمنكوح، وغير ذلك فينتفع به ذو القدرة إضعاف ما ينتفع به غيره لقدرته على جلب الأسباب التي بها يكثر الانتفاع، وعلى دفع الموانع من الانتفاع، فإذا كان كذلك لم يكن كثرة الانتفاع بما أقامه من الأسباب، ودفعه من الموانع موجباً لأن يدخل ذلك التقويم إلا إذا فرض مثله، فقد تكون الأرض تساوي أجرة قليلة لوجود الموانع من المعتدين أو السباع، أو لاحتياج استيفاء المنفعة إلى قوة ومال " [40].

 

والخلاصة أنه ينبغي في تقدير عوض المثل رعاية كل الاعتبارات التي تؤثر فيه حسب العرف السائد، سواء كان في نطاق المعاملات المالية أو غيرها، فمثلا ً عوض المثل في المعاملات المالية تلاحظ فيه كل الاعتبارات المؤثرة في القيمة في عرف التجار، وهو في المهور يلاحظ فيه العرف السائد، ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية بعد ما ذكر عدة اعتبارات مؤثرة: " ولا بد من اعتبار العصر في مهر المثل، فإن الزمان إن كان زمان رخص رخص، وإن زادت المهور، وإن كان زمن غلاء وخوف نقص، وقد تعتبر عادة البلد والقبيلة في زيادة المهر ونقصه، وينبغي اعتبار الصفات المعتبرة في الكفاءة [41] ويقول السيوطي: " يختلف - أي ثمن المثل - باختلاف المواضع، والتحقيق أنه راجع إلى الاختلاف في وقت اعتباره، ومكانه..... " [42].

 

كيفية التقويم في عوض المثل:

انتهينا فيما سبق إلى أن عوض المثل تلاحظ فيه رغبات الناس، وزمانه ومكانه، والحالة التي تم فيها التصرف، بل تراعى فيه جميع الأمور المؤثرة في القيمة غلاء ورخصاً، ولا بد أن نذكر هنا المسائل المكملة لعملية التقويم وهي ما يأتي:

 

المسألة الأولى: بم يكون التقويم ؟

ذهب الفقهاء إلى أن التقويم في عوض المثل يكون بغالب نقد البلد - أي البلد الذي تم فيه التصرف الموجب لعوض المثل - قال النووي: " مهر المثل يجب حـالا ً من نقد البلد كقيمة المتلفات " [43]، وقال السيوطي: " فلا تقويم بغير النقد المضروب " [44] وقال ابن نجيم: " يجب... من جنس الدراهم والدنانير " [45]، وكذلك قال غيرهم لأن القاعدة العامة هي أن التقويم يكون بنقد البلد الغالب " [46].

 

وقد أثار الفقهاء مسألة ما إذا كان في البلد نقدان يتعامل بهما على قدم المساواة فبأي منهما يكون التقويم ؟ فذهب بعضهم إلى رعاية الأقل قيمة، وبعضهم إلى رعاية الأكثر ما دام أحدهما أغلى من الآخر [47].
فالذي يظهر رجحانه أن الأمر في ذلك يعود إلى المقومين أو القاضي مع ملاحظة الظروف والملابسات التي تحيط بالقضية.

 

المسألة الثانية: مدى اشتراط العدد:

اختلف الفقهاء في مدى اشتراط العدد في المقومين، فهل يشترط كونهم أكثر من واحد، أم يكتفى بواحد عدل ؟
ذهب جماعة منهم الشافعية [48] إلى اشتراط العدد، في حين ذهب آخرون منهم الحنفية في قول، والمالكية [49] إلى عدم اشتراطه، وأنه يكتفى فيه بشخص واحد.

 

وسبب الخلاف أن الفريق الأول اعتبروا التقويم بمثابة الشهادة، ولذلك ألحقوه بها في حين نظر الفريق الثاني إلى حقيقة التقويم واعتبروه بالحَكَم، فكما لا يشترط التعدد في القضاء والحكم فكذلك لا يشترط في التقويم.

 

والراجح هو اشتراط التعدد بأن لا يكون عدد المقومين أقل من اثنين، وذلك لأن القرآن الكريم حكم في جزاء قتل الصيد في حالة الإحرام أن يحكم بمثل ما قتل رجلان عدلان فقال تعالى: ((.... ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم....)) [50] وقد فهم من هذا النص وجوب وجود الحكمين الخبيرين العدلين في هذه المسألة، وهو أصل صالح لمسألتنا في التقويم [51]، وذلك لأن التقويم مما تختلف فيه وجهات النظر فلا بد من وجود عدلين لترجيح رأي على آخر، كما أن القيم تختلف على حسب الأحوال والأزمان والأماكن فلا بد من وجود اثنين.

 

هذا إذا لم يتراض أصحاب الشأن بتحكيم شخص لتقويمه، أما إذا تراضوا وتنازلوا على حكمه فلا أرى مانعاً لذلك [52]، وكذلك إذا تراضوا بينهم بالمعروف على عوض المثل فلا يوجد مانع من جواز ذلك أيضاً.
ومن الجدير بالتنبيه عليه هو أنه يشترط في المقوِّم أن يكون عدلا ً خبيراً بقيمة الشيء المقوَّم.

 

المسألة الثالثة: اختلاف المقومين في عوض المثل:

فقال بعضهم: يقدر بكذا، وقال الآخر: يقدر بكذا [53].
في هذه الحالة اختلف الفقهاء أيضاً فذهب بعضهم إلى ترجيح ما هو الأكثر، وبعضهم إلى ترجيح الأقل، لأنه المتيقن، والزائد مشكوك فيه فلا يلزم بالشك، في حين ذهب فريق ثالث إلى التفصيل فقالوا: يؤخذ في الغرم بالأقل، وفي غيره مثل الغصب بالأكثر [54].

 

والذي يظهر لي رجحانه أن المقومين الخبراء إذا اختلفوا في التقويم فيرجح جانب الأكثرية لأن رأي الاثنين - في الغالب - أفضل من رأي واحد، وإذا كانوا متساويين من حيث العدد فيضاف إليهم خبير آخر، أو تشكل لجنة أخرى لتبت في الموضوع.

 

ثم إنه لا يشترط الوصول في التقدير إلى القطع والتحديد، بل يكفي الظن والتقريب، قال الزركشي: إن ما توقف على التقويم، وعرض على أهل الخبرة وحكموا بالتقويم تقريباً، فهو المتبع في سائر الأبواب، وإن تطرق إليه تقدير النقصان ظناً إلا في باب السرقة فإنه لا يعتمد عند المحققين لسقوط القطع بالشبهة، فلا يجب الحد ما لم يقطع المقومون ببلوغها نصاباً [55].

 

المسألة الرابعة: ثبوت التقويم غير العادل:

وقد أثار الفقهاء ما إذا قام المقومون بتقدير معين وقُضِيَ به، ثم قامت بينة على أن التقدير غير عادل فهل ينقض التقدير الأول وما ترتب عليه ؟ ذكر السيوطي أن العلامة ابن الصلاح الشهرزوري سئل عن ملك اليتيم، احتيج إلى بيعه، فقامت بينة بأن قيمته مائة وخمسون، فباعه القيم بذلك، وحكم الحاكم بصحة البيع، ثم قامت بينة أخرى بأن قيمته حينئذ مائتان، فهل ينقض الحكم ويحكم بفساد البيع ؟

 

فأجاب - بعد التمهل أياماً والاستخارة، أنه ينقض الحكم، لأنه إنما حكم بناء على البينة السالمة عن المعارضة بالبينة التي مثلها، وأرجح، وقد بان خلاف ذلك، وتبين استناد ما يمنع الحكم إلى حالة الحكم.

 

ونازعه في ذلك السبكي في فتاويه، ومنع النقض، قال: لأن التقويم حدس وتخمين ولا يتحقق فيه التعارض إلا إذا كان في وقت واحد، وإن سلمنا المعارضة فهي معارضة للبينة المتقدمة وليست راجحة عليها.. وكيف يُنْقض الحكم بغير مستند راجح... وكما لا يُقدم على الحكم إلا بمرجح فكذلك لا نقدم على نقضه إلا بمرجح، ولم يوجد.

 

ثم إن قول ابن الصلاح: " وقد بان خلاف ذلك " ممنوع، لأنه لم يَبِنْ خلافه بل أكثر ما فيه أنه أشكل الأمر علينا، ولا يلزم من إشكال الأمر علينا أن نوجب النقض [56].

 

فعلى ضوء هذا أن الراجح هو أن التقويم الثاني إذا لم يكن معه ما يرجحه فلا يرجح على التقويم الأول الذي تعضد بحكم القاضي أما إذا وجد ما يرجحه، ودلت القرائن على وجود الفرق بين التقديرين من حيث الواقع فإن التقويم الأول يُنْقض، وينقض معه كل ما ترتب عليه.

 

هذا إذا كان التقويم الأول قد تعضد بحكم الحاكم، أما إذا كان الأمر قبل الحكم فإن القاضي يأخذ بأي من التقويمين يحقق العدالة، حيث يعمل فيه نظره واجتهاده، وإذا ثبت له أن التقويم غير عادل فإنه لا يحكم به، وإذا كان قد حكم به فإنه ينقضه - كما سبق [57].

 

المسألة الخامسة: مدى تأثير الزيادة على ثمن المثل:

إذا كانت الزيادة كثيرة على ثمن المثل، والبون شاسعاً بين قيمته وما قدر له، أو على ضوء تعبير الفقهاء: كانت الزيادة فاحشة فإنها تؤثر على تفصيل فيه، غير أن الخلاف قد ثار في الزيادة اليسيرة قال السيوطي: " الزيادة اليسيرة على ثمن المثل لا أثر لها في كل الأبواب إلا في اليتيم إذا وجد الماء يباع بزيادة يسيرة على ثمن مثله لم يلزمه مطلقاً في الأصح، قال في الخادم: ومثله شراء الزاد ونحوه في الحج، وأما الزيادة الكثيرة، وهي التي لا يتغابن الناس بمثلها، ففيها فروع:

الأول: المسلم فيه يجب تحصيله ولو بأكثر من ثمن المثل إذا لم يوجد إلا به ولا ينزل منزلة الانقطاع، جزم به الشيخان - أي الرافعي والنووي - قال السبكي في فتاويه: وعلى قياسه إذا لم يوجد من يشتري مال المديون إلا بدون قيمته يجب بيعه والوفاء منه.

 

الثاني: إذا تلف المغصوب المثلي ولم يوجد مثله إلا بأكثر من ثمن المثل، ففي وجوب تحصيله وجهان، رجح كلا منهما مرجحون، وصحح النووي عدم الوجوب لأن الموجود بأكثر من ثمن مثله كالمعدوم... قال السبكي: وفي تصحيحه نظر...

 

الثالث: الرقبة في الكفارة لا يلزم شراؤها بأكثر من ثمن المثل على المذهب واختار البغوي خلافه.

 

الرابع: إبل الدية إذا لم توجد إلا بأكثر من ثمن المثل لا يجب تحصيلها، بل يعدل إلى قيمتها، كذا جزم به الشيخان، وبحث بعضهم: أن يجري فيها خلاف الغاصب، قال البلقيني.. فلو كانت الزيادة يسيرة فيحتمل الوجوب كاليتيم... والأول أقرب [58].
وذكر ابن نجيم الحنفي مسائل قريبة مما ذكره السيوطي [59].

 

المسألة السادسة: تغير عوض المثل:

وذلك بأن يكون المقومون قد قدروا ثمن شيء، أو أجرته في زمن معين بشيء مقدر ثم تغيرت الأحوال وأدت إلى زيادة ثمن المثل، أو أجرة المثل - مثلا ً - فما الحكم ؟
لقد فصل الفقهاء في هذه المسألة، وفرقوا بين تقويم السلع الحاضرة والمنافع المستمرة، فما كان من قبيل السلع الحاضرة فالتقويم فيها ثابت لا يتغير حيث هو مرتبط بزمن العقد، أو القبض، أو الإتلاف حسب طبيعة الشيء المراد تقويمه.

 

أما تقويم المنافع المستمرة - كمن أجر بيتاً - بأجرة المثل، ثم تغيرت الأحوال وزادت أجرة مثله، أو نقصت، فإن بعض الفقهاء أفتوا بمراعاة هذه الزيادة، بل إن هذه الزيادة تجعل العقد السابق باطلا ً مما يستدعي إجراء العقد على ضوء تقديم عادل ثابت، في حين خالفهم البعض بناء على استصحاب الحالة السابقة، يقول السيوطي: " أفتى ابن الصلاح فيمن أجر وقفاً بأجرة شهدت البينة بأنها أجرة مثله، ثم تغيرت الأحوال وطرأت أسباب توجب زيادة أجرة المثل: بأنه يتبين بطلان العقد وإن الشاهد لم يصب في شهادته.

 

واحتج بأن تقويم المنافع في مدة ممتدة إنما يصح إذا استمرت الحال الموجودة حالة التقويم، أما إذا لم تستمر وطرأ في أثناء المدة أحوال تختلف بها قيمة المنفعة، فيتبين أن المقوِّم لها لم يطابق تقويمه المقوَّم.

 

قال: وليس هذا كتقويم السلع الحاضرة، قال: " وإذا ضم ذلك إلى قول من قال من الأصحاب: إن الزيادة في الأجرة تفسخ العقد كان قاطعاً لاستبعاد من لم ينشرح صدره لما ذكرناه " [60].

 

ولم يرتض الشيخ تاج السبكي بهذه الفتوى، وقال: إنها ضعيفة، لأن الشاهد إنما يقول بالنسبة للحالة الراهنة، ثم ما بعدها تبع لها مسبوق عليه حكم الأصل، قال: فالتحقيق أن يقال: إن لم تتعين القيمة، ولكن ظهر طالب بالزيادة لم ينفسخ العقد، والقول بانفساخه ضعيف، وإن تغيرت فالإجازة صحيحة إلى وقت التغيير، وكذلك بعده فيما يظهر، ولا يظهر خلافه [61].

 

والذي يظهر لي رجحانه هو قول ابن الصلاح، وذلك لأن الرضاء إنما تم على أساس أجرة المثل، فإذا تغيرت الأحوال وأصبحت الأجرة أدنى من أجرة المثل أو أكثر - بكثير في الحالتين - فإن محل الرضا لم يبق على ما هو عليه، وذلك يجعل العقد مهزوزاً إن لم يجعله باطلا ً فهو يجعله غير لازم، فمن هنا فالقول بأن ذلك يجعله غير لازم حيث يكون للطرف المتضرر الحق في الفسخ والاتفاق من جديد هو أولى بالقبول، أما في الوقف فإن كثيراً من العلماء اشترطوا خلو العقد من أي غبن ولذلك فما قاله فيه ابن الصلاح حري بالقبول.

 

ويمكن أن نقيس على هذه المسألة كل الإجارات التي تتم لصالح القصّر وفاقدي الأهلية، كالمجنون والصبي، حيث لا بد أن يتم تأجير أموالهم بأجرة المثل، وإذا تغيرت الأحوال فلا بد من رعاية هذه الأحوال بما يحقق مصالحهم الدائمة، فلو كان للمجنون بيت وأجر بأجرة ثم زادت يجب على وليه أن يلغي العقد السابق ويقيم العقد على أجرة المثل الحالية، وكذلك الأمر في جميع من كانت أمواله لدى الأولياء، أو الأوصياء. والله أعلم.

 

وفي المذهب الحنفي نجد بعض مسائل تدعم ذلك ولا سيما في الوقف ومال اليتيم، يقول ابن نجيم: " وإن كانت - أي الشهادة - لزيادة أجرة المثل فالمختار قبولها فيفسخها المتولي، ويمضيه القاضي، وإن امتنع المتولي فسخها القاضي،.... ثم يؤجرها ممن زاد، فإن كانت داراً، أو حانوتاً عرضها على المستأجر فإن قبلها فهو الأحق وكان عليه الزيادة من وقت قبولها لا من أول المدة، وإن أنكر زيادة أجر المثل وادعى أنها إضرار فلا بد من البرهان عليه، وإن لم يقبلها أجرها المتولي، وإن كانت أرضاً، فإن كانت فارغة عن الزرع فكالدار، وإن كانت مشغولة لم تصح إجارتها لغير صاحب الزرع لكن تضم الزيادة من وقتها على المستأجر، وأما الزيادة على المستأجر بعد ما بنى، أو غرس، فإن كان استأجرها مشاهرة فإنها تؤجر لغيره إذا فرغ الشهر إن لم يقبلها، والبناء يتملكه الناظر بقيمته مستحق القلع للوقف، أو يصبر حتى يتخلص بناؤه، فإن كانت المدة باقية لم تؤجر لغيره وإنما تضم عليه الزيادة كالزيادة وبها زرع، وأما إذا زاد أجر المثل في نفسه من غير أن يزيد أحد فللمتولي فسخها وعليه الفتوى " [62].

 

نطاق عوض المثل وتطبيقاته:

ذكرنا عند تعريف عوض المثل ما يشمله بإيجاز وحصرناه في أربعة أنواع، ولكن بعض أنواعه يشمل أكثر من قسم، ولذلك نذكر بشيء من التفصيل أنواعه التي يمكن ذكرها هنا وهي مهر المثل، وثمن المثل في البيوع والسلم، ونحوهما، وأجر المثل في الإجارة والمضاربة الفاسدتين، وتمليك المثل، وضمان المثل...، ونحن في هذا البحث نلقي أضواء على الثلاثة الأولى تاركين الكلام عن الأمرين الآخرين لفرصة أخرى.

 

1 - مهر المثل: نذكر هنا تطبيقاته، وكيفية تقديره:

أ - تطبيقات مهر المثل:
والأصل والمرجع في هذه المسألة هو حديث بَرْوَع بنت واشق حيث روى أحمد وأصحاب السنن، والحاكم بسندهم عن ابن مسعود: أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً، ولم يدخل بها حتى مات ؟ فقال ابن مسعود: لها مثل صداق نسائها لا وكس ولا شطط.... فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في بروع بنت واشق - امرأة منا - مثل ما قضيت ففرح بها ابن مسعود " قال الترمذي: " حديث ابن مسعود: " حديث حسن صحيح، وقد روى عنه من غير وجه، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم [63]، من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) وغيرهم وبه قال الثوري وأحمد وإسحاق.... " [64].

 

قال ابن نجيم الحنفي: " يجب مهر المثل في النكاح الصحيح عند عدم التسمية، أو تسمية ما لا يصلح مهراً كالخمر، والخنزير، والحر... وخدمة زوج حُرٍّ، ونكاح آخر وهو نكاح الشغار، ومجهول الجنس والتسمية التي على خطر، وفوات ما شرطه لها من المنافع بشرط الدخول في الكل، أو الموت - أما إذا طلقها قبله فالمتعة ولا يتنصف - وفي النكاح الفاسد بعد الدخول، وفي الوطء بشبهة إن لم يقدر الملك سابقاً على الوطء...... " [65].

 

وقد شرح الإمام الكاساني بالتحليل والتعليل كثيراً من هذه المسائل فقال: " وإذا فسدت التسمية أو تزلزلت يجب مهر المثل، لأن العوض الأصلي في هذا الباب هو مهر المثل،... وإنما يعدل عنه إلى المسمى إذا صحت التسمية وكانت التسمية تقديراً لتلك القيمة، فإذا لم تصح التسمية، أو تزلزلت لم يصح القدير، فإذا لم يصح التقدير فوجب المصير إلى العوض الأصلي، ولهذا كان المبيع بيعاً فاسداً مضموناً بالقيمة في ذوات القيم لا بالثمن كذا هذا... ولو تزوج حر امرأة على أن يخدمها سنة فالتسمية فاسدة ولها مهر مثلها في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد التسمية صحيحة ولها قيمة خدمة سنة واستدل محمد بأن منافع الحر مال، لأنها مال في سائر العقود حتى يجوز أخذ العوض عنها، فكذا في النكاح، وإذا كانت مالا ً صحت التسمية، إلا أنه تعذر التسليم لما في التسليم من استخدام حرة زوجها وأنه حرام.. فيجب الرجوع إلى قيمة الخدمة كما لو تزوجها على عبد فاستحق حيث تجب عليه قيمته لا مهر المثل.

 

واستدل أبو حنيفة وأبو يوسف بأن المنافع ليست أموالا ً متقوِّمة - كما هي القاعدة العامة عندهم - ولهذا لم تكن مضمونة بالغصب والإتلاف، وإنما يثبت لها حكم التقوم في سائر العقود شرعاً ضرورة دفعاً للحاجة بها، ولا يمكن دفع الحاجة بها ههنا، لأن الحاجة لا تندفع إلا بالتسليم، وأنه ممنوع عنه شرعاً، لأن استخدام الحرة زوجها الحر حرام لكونه استهانة وإذلالا ً وهذا لا يجوز، ولهذا لا يجوز للابن أن يستأجر أباه للخدمة، فلا تسلم خدمته لها شرعاً فلا يمكن دفع الحاجة بها فلم يثبت لها التقوم فبقيت على الأصل فصار كما لو سمى ما لا قيمة له كالخمر والخنزير حيث ما دامت لم تصح التسمية فيهما رجعنا إلى مهر المثل فكذلك الأمر هنا.

 

ثم رداً على قياس محمد هذه المسألة على مسألة العبد بأنه قياس مع الفارق وذلك لأن استخدام زوجته للعبد ليس بحرام، لأنه عرضة للاستخدام والابتذال لكونه مملوكاً، ولأن مبنى النكاح على الاشتراك في القيام بمصالح المعاش فكان لها في خدمته حق، فإذا جعل خدمته لها مهرها فكأنه جعل ما هو لها مهرها فلم يجز كالأب إذا استأجر ابنه بخدمته أنه لا يجوز، لأن خدمة الأب مستحقة عليه، وكذلك الأمر هنا [66].

 

وقريب من هذا الباب جعل المهر تعليماً للقرآن، أو لغيره حيث يجب مهر المثل عند الحنفية، فلو تزوج على تعليم القرآن، أو على تعليم الحلال والحرام من الأحكام، أو على الحج والعمرة ونحوها من الطاعات لا تصح التسمية عندهم، لأن المسمى ليس بمال عندهم، وحينئذ يجب مهر المثل [67].

 

وأما المالكية فقد ذكروا - أيضاً - صوراً كثيرة لما يجب فيها مهر المثل منها: إذا ذكر في العقد شيء لا يجوز أن يكون مهراً في نظرهم فيثبت مهر المثل على رواية مثل أن يصدقه ما لا يجوز تملكه وبيعه من العين والعرض والأصول والرقيق وغير ذلك مما لا يتملك مثل الخمر والخنزير، أو كان المهر مجهولا ً - إلا في نكاح التفويض ففيه تفصيل [68] - قال ابن رشد عند كلامه على الأصدقة الفاسدة:" والصداق يفسد إما لعينه، وإما لصفة فيه من جهل وعذر... وفي ذلك خمس مسائل مشهورة:

 

المسألة الأولى: إذا كان الصداق خمراً، أو خنزيراً، أو ثمرة لم يبد صلاحها، أو بعيراً شارداً فقال أبو حنيفة: العقد صحيح إذا وقع فيه مهر المثل، وعن مالك روايتان: إحداهما: فساد العقد.. والثانية: أنه إن دخل ثبت ولها صداق المثل...

 

المسألة الثانية: واختلفوا إذا اقترن بالمهر بيع... حيث منعه مالك...

 

المسألة الثالثة: اختلف العلماء فيمن نكح امرأة واشترط عليه في صداقها حباءً يحابي به الأب على ثلاثة أقوال: فقال أبو حنيفة وأصحابه: الشرط لازم والصداق صحيح، وقال الشافعي: المهر فاسد ولها صداق المثل، وقال مالك: إذا كان الشرط عند النكاح فهو لابنته، وإن كان بعد النكاح فهو له.

 

المسألة الرابعة: واختلفوا في الصداق يستحق، أو يوجد به عيب فقال الجمهور: النكاح ثابت، واختلفوا هل ترجع بالقيمة، أو بالمثل، أو بمهر المثل، واختلف في ذلك قول الشافعي فقال مرة بالقيمة، وقال مرة بمهر المثل، وكذلك اختلف المذهب - أي المالكي - في ذلك، فقيل: ترجع بالقيمة، وقيل ترجع بالمثل، وقال أبو الحسن اللخمي: ولو قيل: ترجع بالأقل من القيمة، أو صداق المثل لكان ذلك وجهاً... " [69].
وكذلك يجب مهر المثل في الفاسد من عقد النكاح اعتباراً بيوم الوطء [70].

 

وقد ذكر الشافعية تطبيقات كثيرة متناثرة ذكرها النووي وغيره، وجمعها السيوطي في سبعة مواضع:
الموضع الأول: النكاح إذا لم يسم الصداق، أو تلف المسمى قبل قبضه أو بعضه، أو تعيب، أو وجدته معيباً واختارت الفسخ، أو بان مستحقاً أو فسد لكونه غير مملوك كحر، ومغصوب، أو مجهولا ً، أو شرط الخيار فيه، أو شرط في العقد شرط يخل بمقصوده الأصلي كأن لا يتزوج عليها، أو نكح على ألف إن لم يسافر بها وألفين إن سافر، أو على أن لأبيها ألفاً، أو تضمن الربا كزوجتك بنتي وبعتك هذه المائة من مالها بهاتين المائتين، أو جمع النسوة بمهر واحد، أو تضمن إثباته دفعه كأن يزوج ابنه بامرأة ويصدقها أمه، لأنه يتضمن دخولها أولا ً في ملك الابن فتعتق فلا تنتقل إلى الزوجة صداقاً.

 

وكذلك يجب مهر المثل إذا عقد ولي المجبر، أو ولي السفيهة عقد النكاح على موليته بأقل من مهر المثل، أو عقد لابنه القاصر، أو السفيه بأكثر أو يخالف ما أمرت به الرشيدة، أو يفسخ بعد الدخول بعيب، أو تغرير، أو اختلفا في المهر، وتحالفا، أو نكحها على ما يتفقان عليه في ثاني الحال أو أسلما وقد عقدا على فاسد ولم يقبضاه، أو طلق زوجته على أن يزوجه ابنته وبضعها صداقها [71].

 

الموضع الثاني: الخلع إذا فسد المسمى بغالب الصور المذكورة، وحينئذ يرجع عليها بمهر المثل وذكر النووي أربع صور: إحداها: لو خالع على مجهول كثوب غير معين حصلت البينونة ورجع إلى مهر المثل، ولو خالع بألف إلى أجل مجهول، أو خالع بشرط فاسد كشرط أن لا ينفق عليها وهي حامل، أو لا سكنى لها، أو لا عدة لها، أو أن يطلق ضرتها بانت بمهر المثل..

 

الصورة الثانية: خالعها على ما ليس بمال كخمر، أو حر بانت وهل يرجع عليها بمهر المثل، أم بدل المذكور قولان: أظهرهما: الأول - وهو مهر المثل.

 

الصورة الثالثة: الخلع على ما لا يقدر على تسليمه، وما لا يتم ملكه عليه فلو خالعت على عين فتلفت قبل القبض، أو خرجت مستحقة، أو معيبة فردها، أو فاتت منها صفة مشروطة فردها يجب مهر المثل على أحد القولين.

 

الصورة الرابعة: التوكيل بالخلع من الجانبين، حيث إذا خالف الموكل بما ليس لمصلحته يكون الطلاق واقعاً بمهر المثل على أظهر الأقوال [72].

 

الموضع الثالث: الوطء في غير نكاح صحيح، إما فاسد، أو بشبهة، أو إكراه، أو زوجة رجعية، أو مرتدة موقوفة في العدة...، أو في نكاح المتعة.

 

الموضع الرابع: إذا أرضعت أمه، أو أخته زوجته، أو أرضعت زوجته الكبرى زوجته الثانية الصغيرة المرتضعة المعقود عليها، ففي الحالتين انفسخ النكاح وللزوج على المرضعة نصف مهر المثل في الأظهر، وعلى القول الظاهر يجب مهر المثل كله له، ولو أرضعت أم زوجته الكبرى زوجته الصغرى انفسختا، وحينئذ يكون له على المرضعة مهر المثل الكامل لأجل الكبرى، ونصفه لأجل الصغرى.

 

الموضع الخامس: في رجوع الشهود بعد الشهادة بطلاق بائن، أو رضاع، أو لعان وفَرَّقَ القاضي، فإن الفراق يدوم، وعليهم مهر المثل، وفي قول نصفه إن كان قبل الوطء.

 

الموضع السادس: الدعوى إذا أقرت لأحد المدعيين بالسبق، ثم للآخر يجب له عليها مهر المثل، أو للزوج أنه راجعها بعدما تزوجت.

 

الموضع السابع: إذا جاءت المرأة مسلمة في زمن الهدنة غرم لزوجها الكافر مهر مثلها على قول مرجوح عند الشافعية [73].

 

واستعرض ابن قدامة كثيراً من الصور التي يجب فيها مهر المثل عند الحنابلة، منها: إذا تزوجها على شيء محرم وهما مسلمان ثبت النكاح ولها مهر المثل بعد الدخول ونصفه قبل الدخول إن طلقها، فقال: إذا سمى في النكاح صداقاً محرماً كالخمر والخنزير فالتسمية فاسدة، والنكاح صحيح نص عليه أحمد، وبه قال عامة الفقهاء.. ويجب مهر المثل، وهذا قول أكثر أهل العلم... وذلك لأن فساد العوض يقتضي رد المعوض وقد تعذر رده لصحة النكاح فيجب رد قيمته، وهو مهر المثل.... " [74].

 

وقال ابن حزم: " ومن انفسخ نكاحه بعد صحته بما يوجب فسخه فلها المهر المسمى كله، فإن لم يسم لها صداقاً فلها مهر مثلها دخل بها أو لم يدخل...." وأما النكاح على صداق فاسد، أو على شرط فاسد، مثل أن يؤجل إلى أجل مسمى، أو غير مسمى، أو على خمر، أو نحو ذلك فالنكاح فاسد مفسوخ أبداً عند الظاهرية [75].

 

وبالإضافة إلى هذه التطبيقات فإن الفقهاء وضعوا مهر المثل معياراً عند اختلاف الزوجين يحتكم إليه فيصدق من يدعيه، ويقدم قوله على قول غيره، قال ابن قدامة:" وإذا اختلفا في الصداق بعد العقد في قدرة ولا بينة على مبلغه فالقول قول من ادعى مهر المثل منهما " وكذلك الأمر إذا أنكر أن يكون لها صداق فالقول أيضاً قولها قبل الدخول وبعدها ما ادعت مهر مثلها إلا أن يأتي ببينة تبرئه منه، وكذلك إذا أنكر الزوج تسمية الصداق وادعى أنه تزوجها بغير صداق فإن كان بعد الدخول نظرنا فإن ادعت المرأة مهر المثل، أو دونه وجب ذلك من غير يمين... " [76].

 

مسائلُ مُختلفٌ فيها في مهر المثل مع الأدلة والترجيح:

بعد هذا الاستعراض السريع لمسائل مهر المثل نرى أن هناك بعض مسائل اختلف فيها الفقهاء نذكر هنا منها أنموذجاً واحداً موضحين فيه أدلتهم مع المناقشة والترجيح وهو:
إذا جعل الرجل خدمته لزوجته أو تعليمها مهراً فقد اختلف فيه الفقهاء فذهب الحنفية [77] والمالكية [78] في المشهور إلى ثبوت مهر المثل في هذه الحالة على تفصيل بينهما، في حين ذهب الشافعية [79] والحنابلة [80] والظاهرية [81] إلى جواز ذلك، وبالتالي يثبت لها المسمى دون مهر المثل.

 

وسبب الخلاف في هذه المسألة يعود إلى اختلاف الأصول ووجهات النظر لدى الفريقين، فالأصل عند الحنفية هو أن المنافع ليست من الأموال المتقومة وحينئذ لا تصح أن تكون مهراً لأنه يشترط أن يكون مالا ً متقوماً، قال الكاساني:" وعلى هذا الأصل مسائل إذا تزوج على تعليم القرآن، أو على تعليم الحلال والحرام من الأحكام، أو على الحج والعمرة ونحوها من الطاعات لا تصح التسمية عندنا، لأن المسمى ليس بمال فلا يصير شيء من ذلك مهراً...

 

وإذا فسدت التسمية أو تزلزلت يجب مهر المثل [82] وأما المالكية على المشهور فقد نظروا إلى هذه المسألة من منطلق أن المهر يشبه العبادة في نظرهم ولذلك يجب تقديره وتحديده وهذه الأمور السابقة ليست محددة ومؤقتة ولذلك فسدت التسمية وحينئذ يجب مهر المثل، ولذلك قدَّروا أدنى المهر بما لا يقل عن ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، وأن يكون معلوماً، في حين قدره الحنفية بعشرة دراهم قياساً على نصاب السرقة [83] وأما الجمهور فقد انطلقوا من أن كل ما يجوز أخذ العوض عنه جاز أن يكون مهراً [84].

 

الأدلة:
استدل الحنفية ومن معهم بالكتاب والمعقول:
1 - أما الكتاب فقوله تعالى: ((وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم)) [85] وجه الاستدلال في أن هذه الآية حصرت المهر في الأموال، وربطت حلها بأن يكون المهر مالا ً، فما لا يكون مالا ً لا يكون مهراً، وخدمة الرجل زوجته أو تعليمها القرآن أو غيره لا يسميان مالا ً، وحينئذ تصبح التسمية فاسدة فيجب مهر المثل [86].
واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: ((فنصف ما فرضتم..)) [87] حيث أمر الله سبحانه و تعالى بنصف المهر في حالة الطلاق قبل الدخول، وهذا يقتضي كون المفروض المسمى محتملا ً للتنصيف وهوالمال، والخدمة والتعليم لا يمكن تنصيفهما [88].

 

2 - وأما المعقول فهو أن المهر في مقابل الانتفاع بالمرأة ولذلك يجب أن يكون مالا ً مقدراً قال ابن رشد:" قالوا: عضو مستباح بمال فوجب أن يكون مقدراً، ولذلك قاسوه على نصاب السرقة، وكذلك قاسوه على العبادة حيث قالوا: إن له شبهاً بها، وهي لا بد أن تكون مقدرة ومؤقتة، فكذلك فلا بد من تحديدها بشيء يقبل التقدير والتحديد، فخدمة الزوج لها، أو تعليمها ليسا مما يمكن تقديره وتحديده فلم تصح التسمية بهما [89] ويدل على ذلك ما روي أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: " لا مهر دون عشرة دراهم " [90]، ومن جهة أخرى إن تعليم القرآن قربة لفاعله فلم يصح أن يكون صداقاً كالصوم ونحوه، كما أن فيه جهالة حيث يختلف باختلاف الأشخاص، وأنه لا يكاد ينضبط.
وأما الجمهور فقد استدلوا بالكتاب، والأحاديث الثابتة، والمعقول.

 

أما الكتاب فقوله تعالى في قصة موسى مع شعيب (عليهما السلام): ((إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج)) [91] حيث جعل شعيب قيام موسى (عليهما السلام) بالعمل ثماني سنوات مهراً لابنته [92]، وهذا وإن كان حكاية للشريعة السابقة، ولكنه شرع لنا ما دام لم يرد ناسخ في شريعتنا ولا دليل على نسخه

 

وأما السنة فهي ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما بسندهم عن سهل بن سعد الساعدي قال: " جاءت امرأة إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فعرضت عليه نفسها، فقال: ما لي اليوم في النساء من حاجة، فقال رجل: يا رسول الله زوجنيها، قال: ما عندك ؟ قال: ما عندي شيء.. قال: فما عندك من القرآن ؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا.. قال: فقد ملكتكها بما معك من القرآن " [93]، والحديث نص في موضوع الدعوى حيث جعل النبي (صلى الله عليه وسلم) التعليم مهراً.
وأما المعقول فهو أن الخدمة والتعليم منافع يجوز العوض عنها في الإجارة، فجازت صداقاً.

 

المناقشة والترجيح:
ويمكن أن نناقش أدلة الحنفية بأن الآية الأولى ليست دليلا ً على دعواكم، وكل ما تدل عليه هو اشتراط المال وهو لا ينحصر في الأعيان، بل هو يشملها والمنافع، فقصر الأموال في الأعيان لم يرتض به جمهور الفقهاء، وقاموا بالرد على هذه الفكرة، ولو سلم فهذا اصطلاح خاص بالحنفية لا يلزم غيرهم، قال ابن قدامة:" وقولهم: ليست مالا ً ممنوع، فإنها تجوز المعاوضة عنها، وبها، ثم إن لم تكن مالا ً فقد أجريت مجرى المال " [94].

 

ثم إن الحنفية على الرغم من قولهم بأن المنافع ليست أموالا ً متقومة فلم يسيروا على هذا الأصل بالنسبة إلى جميعها حيث أجازوا كون المهر " منافع سائر الأعيان من سكنى داره، وركوب دابته، والحمل عليها، وزراعة أرضه ونحو ذلك من منافع الأعيان مدة معلومة " [95] وعلى ذلك فما قالوه سابقاً في عدم صحة التسمية إذا كان المهر خدمة الزوج لزوجته مدة معينة، أو تعليمها منقوض بقولهم هنا، إذ الكلُّ منافع، بل إن خدمة الرجل تؤدي إلى النتيجة السابقة نفسها فقد ذكر ابن قدامة أن الإمام أبا بكر الخلال قال في رجل تزوج امرأة على أن يخدمها سنة أو أكثر بأن تكون لها ضياع وأرضون لا تقدر على أن تعمرها ؟:" إن كانت الخدمة معلومة جاز وإن كانت مجهولة لا تضبط... " [96] فالشاهد في هذا المثال أن خدمة الرجل زوجته لمدة معلومة تؤدي إلى نفس النتيجة السابقة فالقول بعدم جواز هذه مع جواز تلك تحكُّمٌ لا مبرر له، ومن جهة أخرى أن المهر تسومح فيه ما لا يتسامح في غيره في كثير من الأمور عند الجميع.

 

وأما الجواب عن استدلالهم بالآية الثانية فهو أننا لا نسلم عدم قبول الخدمة والتعليم للمناصفة، وذلك لأنه بالإمكان تنصيفهما من خلال الوقت، أو من خلال الكمية المتفق عليها للتعليم وحسب التراضي.
وأما دليلهم العقلي فغير مسلم وذلك أن المهر في الواقع ليس في مقابل الانتفاع بالمرأة من جميع الوجوه، وإنما هو منحة ومكرمة من عند الله تعالى للنساء فقـال تعالى: ((وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ً)) [97] وكذلك قياسهم على نصاب السرقة في غاية من الضعف يقول ابن رشد في بيان هذا الضعف:" وذلك أن القطع غير الوطء، وأيضاً فإن القطع استباحة على جهة العقوبة والأذى ونقص خلقه، وهذا استباحة على جهة اللذة والمودة، ومن شأن قياس الشبه على ضعفه أن يكون الذي به تشابه الفرع والأصل شيئاً واحداً لا باللفظ بل بالمعنى، وأن يكون الحكم إنما وجد للأصل من جهة الشبه وهذا كله معدوم في هذا القياس، ومع هذا فإنه من الشبه الذي لم ينبه عليه اللفظ، وهذا النوع من القياس مردود عند المحققين [98] وقال ابن حزم: " إن قياسه على القطع..... أسخف قياس في العالم لأنه لا شبه بين النكاح والسرقة " [99].

 

وأما قولهم بأن الصداق له شبه بالعبادة فيجب أن يقدر فلا يشهد لذلك دليل معتبر، يقول ابن رشد - وهو مالكي المذهب - في الرد عليه:" إن القياس الذي اعتمده القائلون بالتحديد ليس تسلم مقدماته، وذلك أنه انبنى على مقدمتين: إحداهما أن الصداق عبادة، والثانية: أن العبادة مؤقتة، وفي كلتيهما نزاع للخصم، ولك لأنه قد يلغي في الشرع من العبادات ما ليست مؤقتة، بل الواجب فيها أقل م ينطلق عليه الاسم، وأيضاً فإنه ليس فيه شبه العبادات خالصاً " [100].

 

وأما الحديث الذي استندوا إليه فهو حديث ضعيف جداً لا ينهض حجة حيث إن في سنده: مبشر بن عبيد وهو... كما قال الدار قطني وغيره - متروك الحديث لا يتابع عليه، وأسند البيهقي إلى أحمد قوله: "أحاديث مبشر بن عبيد موضوعة كذب" وقال عنه البخاري: "منكر الحديث" بل قال ابن عدي في الحديث الذي نحن بصدد التعليق عليه: "وهذا باطل، لا يرويه غير مبشر" [101] وقال في التقريب: ".... متروك ورماه أحمد بالوضع..." [102].

 

وبالإضافة إلى هذه الآفة فإن في سنده أيضاً حجاج بن أرطأة وهو أيضاً ضعيف، قال فيه أحمد والدار قطني وغيرهما: لا يحتج به، وقال أحمد: كان يدلس، وتركه ابن مهدي والقطان، قال في التقريب:" صدوق كثير الخطأ والتدليس " [103]، وقال ابن حزم:" والحديثان المذكوران - أي لا صداق أقل من عشرة دراهم " و " لا مهر دون عشرة دراهم " - مكذوبان بلا شك أحدهما من طريق حرام بن عثمان - وهو في غاية السقوط - لا نجد الرواية عنه - والآخر من طريق مبشر بن عبيد الحلبي - وهو كذاب مشهور بوضع الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجاج بن أرطأة - وهو ساقط - ولو صح لكانوا قد خالفوه لأنهم يجيزون النكاح على دينار لا يساوي عشرة دراهم " [104].

 

وأما قولهم أن تعليم القرآن قربة فمسلم ولكنه لا يمنع من أنه فائدة لغيره، ولذلك يجوز الإجارة عليه عند جمهور الفقهاء [105] وأما كونه يتضمن جهالة فهي جهالة مغتفرة ولا سيما في المهور ما دام هناك تراض.

 

وأما ما أدلة الجمهور فقد ناقشها الحنفية ومن معهم بما يأتي:
أن قصة شعيب مع موسى داخلة ضمن:" شرع من قبلنا " وهو ليس حجة ملزمة عند كثير من الفقهاء، ولذلك لا ينهض حجة على الغير.
أن الحديث المذكور كان خاصاً بهذه الحالة فقط فلا يقاس عليها، ويدل على ذلك ما رواه النجاد بإسناده:" أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) زوج رجلا على سورة من القرآن، ثم قال:" لا تكون لأحد بعدك مهراً " [106].

 

أن معنى الحديث:" أنكحتكها بما معك من القرآن، لأنك من أهل القرآن " كما زوج أبا طلحة على إسلامه حيث روى ابن عبد البر بإسناده عن أنس قال:" إن أبا طلحة أتى أم سليم يخطبها قبل أن يسلم. فقالت: أتزوج بكَ وأنت تعبد خشبة.. إن أسلمت تزوجت بك، قال:" فأسلم أبو طلحة فتزوجها على إسلامه " [107]. فعلى ضوء ذلك أن تعليم القرآن إياها ليس مهراً، وإنما هو سبب للزواج.

 

ويمكن أن نرد على هذه المناقشة بأن الجواب الأول غير مسلم، وذلك، لأن شرع من قبلنا حجة عند الحنفية أنفسهم قال البزدوي:" والصحيح عندنا أن ما قص الله تعالى منها علينا من غير إنكار، أو قصه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من غير إنكار فإنه يلزمنا على أنه شريعة رسولنا (عليه السلام) [108] ويدل على ذلك قوله تعالى: ((أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)) [109]، وقوله تعالى: ((لا نفرق بين أحد من رسله)) [110].

 

وأما جوابهم عن الحديث بأنه خاص... فغير مسلم، وذلك لأن الأصل العموم، وأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص الحادثة، كما أنه لم يرد في الروايات الصحيحة الثابتة أنه (صلى الله عليه وسلم) خصص السائل بهذا الحكم، وكل ما ورد هو ما رواه النجاد بإسناده، وهو على فرض صحته يعتبر شاذاً لأنه على من هو أوثق منه فكتب الصحيحين والسنن لم ترد فيها هذه الزيادة، بل إنها زيادة لم تثبت بطريقة صحيحة، قال ابن حزم:" وموهوا بالخبر الساقط الذي رويناه من طريق سعيد بن منصور، نا أبو معاوية، نا أبو عرفجة الفاشي عن أبي النعمان الأزدي قال:" زوج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) امرأة على سورة من القرآن، ثم قال: لا يكون لأحد بعدك مهراً " فهذا خبر موضوع فيه ثلاثة عيوب:
أنه مرسل، ولا حجة في مرسل إذ رواه شعبة عن أيوب.
أن أبا عرفجة الفاشي مجهول لا يدرى من هو ؟
أن أبا النعمان الأزدي مجهول أيضاً، ثم قال: في رد من قال بأن هذا خاص لرسول الله (صلى الله عليه وسلم):" وهذا كذب... " [111].

 

وأما جوابهم الثالث فبعيد جداً، وتعسف في التأويل لا داعي إليه، فالحديث صريح جداً في أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) طلب من الخاطب أن يبحث عن أي مال حتى ولو كان خاتماً من حديد، فقال الرجل: لا أجد شيئاً، ثم سأله: أمعك شيء من القرآن ؟ فقال: معي كذا وكذا من سور القرآن، ثم قال له (صلى الله عليه وسلم):" ملكتكها بما معك من القرآن " وفي بعض الروايـات:" زوجتكها بما معك من القرآن " [112] وهما بمعنى واحد. فهذا واضح في أن تعليم القرآن لها كان مهرها. هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن قياسهم هذه المسألة على قضية أبي طلحة قياس مع الفارق قال ابن حـزم:" وموَّه بعضهم بالخبر الذي فيه أن أبا طلحة تـزوج أم سليم (رضي الله عنهما) على أن يسلم فلم يكن لها مهر غيره، وهذا لا حجة لهم فيه لوجهين:

 

أحدهما: أن ذلك كان قبل هجرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بمدة، لأن أبا طلحة قديم الإسلام من أول الأنصار إسلاماً، ولم يكن نزل إيجاب إيتاء النساء صدقاتهن. الثاني: " أنه ليس في ذلك الخبر أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) علم ذلك ".

 

ومع تسليم كل هذه الاعتبارات فصياغة الحديثين مختلفة، فلا حجة في قصة أبي طلحة على ما ذكروه.
وبعد هذا العرض الذي رأينا فيه أن أدلة الجمهور استطاعت الصمود أمام المناقشة ولم تستطع التأثير فيها في حين أن أدلة الحنفية قد ظهر ضعفها ودكت المناقشة بنيانها، نرى رجحان ما ذهب إليه الجمهور.

 

ويمكن تلخيص أهم الحالات التي يجب فيها مهر المثل فيما يأتي:
1 - عقد النكاح بدون تسمية المهر، حيث ننظر فيه فإن مات الزوج، أو طلقها بعد الدخول يجب لها مهر المثل، غير أنه ثار الخلاف بين الفقهاء فيما لو مات قبل الدخول فذهب الجمـهور منهم الحنفية [113] والحنـابلة [114] والشافعية - في الراجح عندهم [115] - إلى وجوب مهر المثل في حين ذهب مالك [116] والشافعي في قول [117] إلى عدم وجوبه، وإنما وجوب الإرث والمتعة، والراجح هو مذهب الجمهور لحديث بروع بنت واشق الصحيح الذي يدل على وجوب مهر المثل في هذه الحالة - كما سبق.

 

2ـ إذا ذكر المهر في العقد ولكن كانت التسمية فاسدة لجهالة الشيء المسمّى جهالة فاحشة، أو كونه محرماً لا يملك مثل الميتة ونحوها، فحينئذ يجب مهر المثل عند جماهير الفقهاء ما عدا الظاهرية [118] حيث ذهبوا إلى أن العقد فاسد.

 

3 - أن يكون هناك اتفاق على نفي المهر بينهما مثل أن يقول الزوج تزوجتها على أن لا يكون لها مهر فيقول وليها بعد موافقتها: قبلت.. فيجب لها مهر مثلها عند جمهور الفقهاء [119] خلافاً للظاهرية حيث ذهبوا إلى أن العقد فاسد [120]. بالإضافة إلى حالات الخلع التي يجب فيها مهر المثل. كما سبق.

 

الثاني: كيفية تقدير مهر المثل ومعياره:
إن تقدير مهر المثل يتحكم فيه عدة عناصر أساسية كالنسب، والشرف، والجمال والوقت، والمكان، ونحوها، بالإضافة إلى عنصر الرغبة، فعلى ذلك له ركنان: ركن مادي وهو رعاية النسب ونحوه، وركن معنوي مرن وهو الرغبة، قال علماء الشافعية: مهر المثل هو الذي يرغب به في مثلها، وركنه الأعظم: النسب، فينظر إلى نساء عصباتها، وهن المنتسبات إلى من تنتسب هذه إليه، وتقدم القربى، والشقيقة، فأقربهن: الأخوات للأبوين، ثم بنات الإخوة، ثم العمات، ثم بنات الأعمام كذلك، فإن فقدن فنساء الأرحام كالجدات، والخالات، والمراد بالفقد هنا - أن لا يوجدن أصلا ً، أو لم يُنكَحن، أو جهل مهرهن - ولا يتعذر اعتبارهن بموتهن فإن فقدت الأرحام فمثلها من الأجانب، وكذلك يعتبر ويلاحظ البلاد والصفات المرغبة كالعفة، والجمال، والسن، والعقل، واليسار، والبكارة، والعلم، والفصاحة، والصراحة وهي شرف الأبوين، ولذلك يلاحظ الفضل والنقص في المرأة التي يقدر لها مهر مثلها إذا وجد فيها زيادة فضل، أو نقص ليس في النسوة المعتبرات مثلها، فيزاد المهر، أو ينقص بقدر ما يليق بها.

 

والرجوع في ذلك إلى غالب عادة النساء فلا ينخرم المعيار فيما لو كان لإحداهن مهر أكثر، أو أقل [121] والخلاصة كما قال النووي وغيره: أن كل ما يختلف به الغرض فهو معتبر في تقدير مهر المثل، ولذلك يزاد عندما تكون تختص بفضل، وينقص بقدر نقص فيها حسبما يليق بحالها في الحالتين، والمرجع في ذلك اجتهاد القاضي [122]

 

ثم إن الحنفية، والحنابلة في وجه يذهبون إلى ملاحظة نسائها من الجانبين - أي الأب والأم - في حين ذهب الشافعية في الراجح والمشهور عندهم إلى أن الاعتبار أولاً بنساء العصبة خاصة، ثم ذوات الأرحام [123].

 

وقد أثار الفقهاء عدة مسائل بهذا الخصوص منها: أن البلد يدخل في التقدير، ومن هنا فلو كانت نساء عصباتها ببلدتين وهي في إحداهما. قالوا: يعتبر بعصبات بلدها فإن كن كلهن ببلدة أخرى فالاعتبار بهن لا بأجنبيات بلدها خلافاً للبعض، لأنه قيمة متلف فيعتبر محل الإتلاف [124].

 

ومنها: أننا ننتقل في مهر المثل بعد بنات الأخ إلى بنات بني الأخ على عكس الإرث حيث تقدم العمات عليهن، ومنها أن المراد بالأرحام هنا قرابات الأم، لا المذكورات في الفرائض، لأن الجدة، أم الأم ليست منهن قطعاً، ومنها أن يعتبر حال الزوج، أو الواطئ - في شبهة - من اليسار، والعلم، والعفة، والنسب صرح به صاحب الكافي وغيره من الشافعية، ومنها أن المعتبر من الأقارب ثلاث نسوة، أما إذا لم يوجد إلا واحدة أو اثنتان فمحل نظر عند بعضهم [125].

 

فعلى ضوء ما سبق فالعبرة في مهر المثل هو مهر مثلها من أقاربها وهذا ما ذهب إليه الحنفية [126]، والشافعية [127]، والحنابلة على تفصيل بينهم [128] في حين ذهب المالكية إلى أن العبرة بمن هي في مثل جمالها، ومالها، وشرفها - أي نسبها - ودينها وبلدها ولا تختص بأقربائها قال خليل:" ومهر المثل ما يرغب به مثله فيها باعتبار دين، وجمال، وحسب، ومال وبلد، وأضاف إليها الشـراح زمن العقد أيضاً، وقالوا:" ووجه اعتبار الزمن أن رب زمان شدة تقل فيه الرغبة، وزمن خصب تكثر فيه " [129].

 

وقد استدل الجمهور بحديث ابن مسعود الصحيح وكان فيه " لها مهر نسائها " [130] ونساؤها أقاربها فالحديث إذن نص أو ظاهر في محل الدعوى فلا يزحزح عنه في حين استدل المالكية بأن مهر المثل عوض وهو لا يلاحظ فيه القرابة، وإنما تلاحظ فيه الصفات المُرغِّبة وهي ما ذكرناه، ولكن الحديث قاض على التعليل بالإضافة إلى أنه غير مسلم قال ابن قدامة:" وقوله:" لا يختلف ذلك... " لا يصح فإن المرأة تطلب لحسبها - كما جاء في الأثر - وحسبها يختص به أقاربها فيزداد لذلك ويقل، وقد يكون الحيُّ وأهل القرية لهم عادة في الصداق ورسم مقرر لا يشاركهم فيه غيرهم ولا يغيرونه بتغير الصفات فيكون الاعتبار بذلك دون سائر الصفات " [131]، والذي يظهر رجحانه هو ما ذهب إليه الجمهور للحديث السابق.

 

ثم إن مهر المثل يقدر بالنقد الغالب في البلد، ويكون حالا ً - على ضوء القواعد العامة التي تتحكم في عوض المثل.

 

2 - ثمن المثل وتطبيقاته:

أولا ً: التعريف بثمن المثل: يطلق " الثمن " في اللغة، ويراد به العوض، وما يستحق به الشيء وقيمته [132] وقد أشار اللغويون - مثل الفراء - إلى لفتة طيبة في استعمالاته في القرآن الكريم حيث قالوا: إن ما ورد فيه منصوباً يراد به غير الدراهم والدنانير، مثل قوله تعالى: ((واشتروا به ثمناً قليلا ً)) [133]، وما ورد فيه مجروراً بالباب يراد به الدراهم - أو الدنانير - مثل قوله تعالى: ((وشَرَوه بثمن بخس دراهم معدودة...)) [134].

 

وأما الثمن في عرف الفقهاء فهو الشيء الذي يذكر في مقابل المثمن، فقد يكون الدراهم، أو الدنانير، أو أي نقد آخر، وقد يكون غيرها كما في المقايضة، يقول السرخسيُّ: إن النقود أثمان دائماً صحبها حرف الباء، أو لم يصحبها سواء كان ما يقابلها من جنسها، أو من غير جنسها...، ونوع هو ثمن من وجه، مبيع من وجه كالمكيل والموزون... فإن صحبها حرف الباء وقابلها مبيع فهو ثمن وإن لم يصحبها حرف الباء وقابلها ثمن فهي مبيعة " [135].

 

وقد لخص السرخسي تعريف الثمن بقوله:" والثمن في العرف: ما هو المعقود به " ثم قال:" وهو - أي الثمن - ما يصحبه حرف الباء، فإذا صحبه حرف الباء وكان ديناً في الذمة وقابله مبيع عرفنا أنه ثمن، وإذا كان عيناً قابله ثمن كان مبيعاً،... بخلاف ما هو ثمن بكل حال - أي مثل الدراهم... " [136].

 

والعلاقة بين الثمن والقيمة من وجه، حيث يمكن اجتماعهما إذا كانت قيمة الشيء مساوياً لثمنه الحقيقي، وقد يختلفان كما في حالة الغبن ونحوه، ولذلك ذكر الفقهاء أماكن كثيرة يتبع فيها القيمة لا الثمن [137] ومن جانب آخر فقد يطلق الثمن ويراد به ثمنه عموماً دون ملاحظة بعض حالاته في حين أن ثمن المثل أو القيمة نلاحظ فيه جميع المؤثرات، فمثلا ً يقال: إن ثمن الماء كذا - أي في غالب الأحوال، ولكن حينما يكون في مكان يعز فيه فيطلق عليه ثمن المثل، أو القيمة.

 

فعلى ضوء ما سبق فثمن المثل هو: القيمة المقدرة للشيء ملاحظاً فيه جميع ما يؤثر فيه - من الزمان، والمكان، والعزة والندرة وغيرها، قال السيوطي: " يختلف باختلاف المواضع، والتحقيق أنه راجع إلى الاختلاف في وقت اعتباره أو مكانه " [138].

 

ثانياً: تطبيقات ثمن المثل:

يلاحظ الفقهاء ثمن المثل في عدة حالات يمكن جمعها في أربعة أنواع، وهي:
التصرفات التي مبناها على الأمانة، كبيع المرتهن، أو العدلِ العينَ المرهونة، وكذلك الوكيل والوصي، والولي، والقاضي، وكذلك البيع للمسترسل والمستأمن ونحوهما، حيث اشترط الفقهاء أن تكون هذه التصرفات بثمن المثل، ولذلك إذا وقع فيها غبن فاحش، أو غبن يسير في بعضها - على تفصيل كبير بين الفقهاء وفي نوعيتها - تصبح غير لازمة، ويثبت الخيار فيها [139].

 

كل مال قيمي إذا وقع محلا ً للعقد ثم وجب رده بأي سبب من الأسباب كما في القرض، أو في البيع ونحوه عند الفسخ بعد تلفه فإنه يجب ثمن المثل، وهو قيمته يوم إنشاء العقد وتمامه.

 

المثليات التي أوجب الفقهاء الرد فيها بالقيمة إما بسبب دخول صفة فيها أخرجتها من المثليات، أو لعزتها مثل: أن يغصب شخص قدراً من الماء في مكان يعز فيه - ونحوه - فإنه يحسب بثمن المثل.

 

حينما يباع ماء الوضوء - أو نحو ذلك - بأكثر من ثمن المثل فإنه لا يجب شراؤه وحينئذ ينتقل إلى غيره فيكون له الحق في التيمم، كما سيتضح كل ذلك من نصوص الفقهاء الآتية:
قال ابن نجيم: " أما ثمن المثل فذكـروه في مواضع: منها باب التيمم، قال في الكنز: ولو لم يعطه إلا بثمن المثل وله ثمنه لا يتيمم، وإلا يتيمم، وفسره في العناية بمثل القيمة في أقرب موضع يعز فيه الماء، أو بغبن يسير، وفسره الزيلعي بالقيمة في ذلك المكان، لكن لم يبيِّن أنه في وقت عزته، أو في أغلب الأوقات، والظاهر الأول، فإن الاعتبار للقيمة حالة التقويم، ويتعين ألا يُعتبر ثمن المثل عند الحاجة لسد الرمق، وخوف الهلاك، وربما تصل الشربة إلى دنانير فيجب شراؤها على القادر بأضعاف قيمته إحياءً لنفسه.

 

ومنها: باب الحج، فثمن المثل للزاد والماء القدر اللائق به، وكذا الراحلة كما في فتح القدير.
ومنها على قول محمد: إذا اختلف المتبايعان تحالفا وتفاسخا وكان المبيع هالكاً فإن البيع يفسخ على قيمة الهالك، وهل تعتبر قيمته يوم التلف، أو القبض، أو أقلهما ؟
قال: ومنها إذا وجب الرجوع بنقصان العيب عند تعذر رده كيف يرجع به ؟ قال قاضيخان: وطريق معرفة النقصان أن يقوَّم صحيحاً لا عيب فيه، ويقوم وبه العيب فإن كان ذلك العيب ينقص عشر القيمة كانت حصة النقصان عشر الثمن " قال ابن نجيم:" ولم يذكر اعتبارها يوم البيع، أو يوم القبض، وكذا لم يذكره الزيلعي، وابن الهمام. وينبغي اعتبارها يوم البيع ".
ومنها المقبوض على سوم الشراء المضمون بتسمية الثمن إذا كان قيمياً فالاعتبار لقيمته يوم القبض، أو يوم التلف ؟..." [140].

 

ويقول السيوطي:" أما ثمن المثل فقد ذكر في مواضع: في شراء الماء في التيمم، وشراء الزاد ونحوه في الحج، وفي بيع مال المحجور، والمفلس والموكل، والممتنع من أداء الدين، وتحصيل المسلم فيه، ومثل المغصوب، وإبل الدية وغيرها، ويلحـق بها كل موضع اعتبرت فيه القيمـة، فإنها عبارة عن ثمـن المثل.. " [141].

 

ثم ذكر السيوطي تفصيلات رائعة في تقدير ثمن المثل في مواضع كثيرة نذكر أهمها وهي:
الموضع الأول: التيمم حيث ذكروا فيه ثلاثة أوجه:
أنه أجرة نقل الماء إلى الموضع الذي يقع فيه المشتري، ولا شك أن ذلك يختلف بعد المسافة وقربها.
أنه قيمة مثله في ذلك الموضع في غالب الأوقات، فإن الشربة الواحدة في وقت عزة الماء يرغب فيها بدنانير، فلو كلفناه شراءه بقيمته في الحال لحقته المشقة والحرج.
أنه قيمة مثله في ذلك الموضع في تلك الحالة، فإن ثمن المثل يعتبر حالة التقويم، وهذا هو الصحيح عند جمهور الأصحاب، وبه قطع الدارمي وجماعة من العراقيين [142].

 

الموضع الثاني: الحج حيث جزم أصحاب الشافعية بأن ثمن المثل للزاد والماء هو: القدر اللائق به في ذلك المكان، والزمان سواء كان ذلك بالنسبة للزاد والراحلة أم غيرهما عند الرافعي والنووي، في حين قيَّده ابن الرفعة بالزاد، وذكر أن الحكم بالنسبة للماء يجري فيه الوجوه الثلاثة التي ذكرناها في التيمم، وفي الوافي: ينبغي اعتبار ثمن المثل بما جرت به غالب العادة من ماضي السنين، فإن وجد بمثله لزمه وإلا فلا، وإن عرض في الطريق غلاء، وبيع بأكثر من ثمن مثله فله الرجوع، أما إذا كانت العادة غلاء ثمن الماء والزاد فيلزمه الحج قال: ويمكن أن يقال: كل سنة تعتبر بنفسها، لكن يعسر معرفة مقدار الثمن والزيادة قبل البلوغ إلى المنهل.

 

الموضع الثالث: الطعام والشراب حال المخمصة حيث إن ثمن المثل فيه هو القدر اللائق به في ذلك الزمان والمكان قطعاً، وكذا ثمن مثل السترة، والمبيع بوكالة، أو نحوها.

 

الموضع الرابع: المبيع حيث إذا تخالف البائع والمشتري، وفسخ، وكان تالفاً يرجع إلى قيمته، وقد اختلفوا في وقت اعتبارها، والراجح هو يوم التلف، لأن مورد الفسخ: هو العين، والقيمة بدل عنها، فإذا فات الأصل تبين النظر في القيمة إلى ذلك الوقت [143].

 

الموضع الخامس: حالة الرجوع بالأرش - وهو ملاحظة القيمة قبل العيب، ثم ملاحظتها بعد إحداثه، والفرق هو الأرش - ففي كل حالة يجب فيها أرش النقص يلاحظ ثمن المثل، قال العلامة المحلي:" وهو - أي أرش النقص - ما بين قيمته صحيحاً و(معيباً) مقطوعاً ".
وذكر له عدة تطبيقات في الإجارة، وفي البيع، والقرض، والنكاح وغيرها [144].

 

الموضع السادس: القرض في المسائل التي تُرد فيها القيمة حيث تعتبر قيمة بلد القرض يوم القبض على أحد الآراء للشافعية وعلى الثاني: يوم المطالبة.

 

الموضع السابع: المستعار إذا تلف ترد قيمة مثله يوم التلف على وجه، وعلى وجه آخر يوم القبض... وغير ذلك [145].

 

وقد ذكر المالكية عدة صور يتم فيها ثمن المثل منها: إذا اختلف المتبايعان في جنس ثمن، كأن قال البائع: بعته لك بدينار، وقال المشتري: بل بثوب، أو في جنس مثمن كبعتك هذا الخروف فقال: بل المعزة، أو اختلفا في نوع الثمن كدينار ودراهم أو المثمن كثوب من حرير، أو من قطن - حلف كل واحد منهما وفسخ البيع مطلقاً، ويرد ثمن المثل في حالة فوات المبيع، وهو قيمته يوم البيع، لا يوم الحكم، ولا يوم الفوات، وهذا إذا كان مقوماً، فإن كان مثلياً رد مثله، وعلل العلامة الصاوي لترجيح الاعتبار بيوم البيع فقال: " لأنه أول زمن تسلط المشتري على المبيع، وهذا قول أبي محمد، وقال ابن شبلون: تعتبر القيمة يوم ضمان المشتري " [146].

 

ومنها: أن يدعي كل واحد من المتبايعين الجهل بالثمن حيث يحلفان، ويفسخ العقد، ثم إن فاتت السلعة المقومة ترد قيمتها، وغير ذلك مما ذكره المالكية [147] وكذلك الأمر في كل مسألة تجب فيها القيمة بسبب من الأسباب [148].

 

وكذلك الأمر عند الحنابلة، حيث إذا اختلف المتبايعان في ثمن السلعة وتحالفا وفسخ عقد البيع وكانت السلعة تالفة فحينئذ يرجع إلى قيمة مثلها وكذلك الأمر عندهم في كل قيمي في عقد القرض حيث يرد بقيمته يوم القرض لأنها حينئذ ثبت في ذمته أو كان مثلياً، ولكنه لسبب ما وجبت قيمته فحينئذ تكون بثمن المثل [149].

 

أجرة المثل:

نحتاج إلى أجرة المثل في عدة مسائل من أهمها الإجارة، والمساقاة، والمضاربة إذا أصبحت فاسدة، وكان الأجير، أو العامل قد قام بعمل، وكذلك نحتاج إليها في مسألة الحج إذا طلب الأجير أكثر من ثمن المثل حيث لا يجب استئجاره وكذلك في مسائل الغصْب إذا فاتت المنافع عند الجمهور، وغيرها مما سيتضح من خلال النصوص الآتية:
قـال السيوطي: " لو طلب الأجير في الحـج أكثر من أجـرة المثل لم يجـب استئجاره " [150] وقال أيضاً: " تجب أجرة المثل في مواضع:
أحدها: الإجارة في صور:
منها الفاسدة، ومنها أن يعير فرسه ليعلفه، أو ليعيره فرسه، ومنها: إذا حمل الدابة المستأجرة زيادة على ما استأجر له: تجب أجرة المثل لما زاد، ومنها إذا اختلفا في قدر الأجرة، أو المنفعة، أو غيرها، وتحالفا فسد العقد، ورجع إلى أجرة المثل.

 

الثاني: المساقاة في صور:
منها الفاسدة كأن يساقيه على ودي - أي الفسيل - ليغرسه، ويكون الشجر بينهما، أو ليغرسه في أرض نفسه ويكون الثمر بينهما، أو يدفع إليه أرضه ليغرسها والثمر بينهما، أو يشرط الثمرة كلها للعامل، أو يشرط له جزءاً منهما، أو مشاركة المالك أو غيرهما في صور الإفساد - أي عند الشافعية حيث نوقشوا في بعضها - ويستثنى ما إذا شرط الثمرة كلها للمالك فلا شيء للعامل في الأصح، وكذا نظيره في القراض ومنها إذا خرج الثمر مستحقاً فللعامل على المساقي أجرة المثل.
ومنها إذا فسخ العقد بتحالف، أو هرب العامل وتعذر الإتمام.

 

الثالث: القراض - أي المضاربة - إذا فسد سواء ربح المال أم لا إلا في الصورة السابقة وكذلك اختلفا وتحالفا.

 

الرابع: الجعالة إذا فسدت، أو فسخ الجاعل بعد الشروع في العمل، أو تحالفا.
الخامس: الشركة كذلك.
السادس: منافع الأموال، إذا فاتت في يد عادية غصباً، أو شراءً فاسداً، أو غيرهما تجب فيها أجرة المثل سواء استوفيت أم لا...

 

السابع: عامل الزكاة يستحق أجرة مثل عمله، حتى لو حمل أصحاب الأموال زكاتهم إلى الإمام فلا شيء له، وإن بعثه استحقها بلا شرط [151].

 

وذكر ابن نجيم الحنفي مواضع تجب فيها أجرة المثل:
أحدها: الإجارة في صور:
منها: الإجارة الفاسدة، ومنها لو قال له المؤاجر بعد انقضاء المدة إن فرغتها اليوم، وإلا فعليك كل شهر كذا، وقيل: يجب المسمى.
ومنها لو عمل له شيئاً ولم يستأجره وكان الصانع معروفاً بتلك الصنيعة وجب أجر المثل على قول محمد (رحمه الله) وبه يفتى.

 

ثانيها: في غصب المنافع إذا كان المغصوب مال يتيم، أو وقفاً، أو معداً للاستغلال على المفتى به، وليس منها ما إذا خالف المستأجر المؤجر في شرط بأن حمل أكثر من المشروط بأنه لا يجب أجر ما زاد، لأن الضمان والأجر لا يجتمعان.

 

ثالثها: إذا فسدت المساقاة والمزارعة كان للعامل أجر مثله.
رابعها: إذا فسدت المضاربة فللعامل أجر مثله إلا في مسألة وهي: أن الوصي إذا أخذ مال اليتيم مضاربة فاسدة فلا شيء له إذا عمل [152].

 

خامسها: عامل الزكاة يستحق أجر مثل عمله بقدر ما يكفيه ويكفي أعوانه، ويترتب على ذلك أنه إذا لم يعمل بأن حمل أرباب الأموال أموالهم إلى الإمام فلا أجر له.

 

سادسها: الناظر على الوقف إذا لم يشترط له الواقف فله أجر مثل عمله، ولذلك لو كان الوقف طاحونة يستغلها الموقوف عليها بأنفسهم فلا أجر له فيها كما في الخانية.

 

ثم إن ناظر الوقف هل يستحق أجر المثل بعمل أم مع تعيين القاضي له أجراً ؟ هذا ما ثار فيه خلاف فقهاء الحنفية: فبعضهم قالوا: يستحقه بعمله، وبعضهم الآخر قالوا: لا يستحقه إلا إذا عين له القاضي أجراً، أما إذا لم يعين له أجراً وبدأ هو بالعمل فيكون متطوعاً: ولكنهم صرحوا بأنه لا يجتمع أجر النظر والعمالة.

 

سابعها: الوصي إذا نصبه القاضي وعين له أجراً فلا بد أن يكون بقدر أجرة مثله، ولكنهم صرحوا بأن وصي الميت لا أجر له على الرأي الراجح عندهم.

 

ثامنها: القسام لو لم يستأجر بمعين فإنه يستحق أجر المثل.
تاسعها: يستحق القاضي على كتابة المحاضر والسجلات أجرة مثله.

 

عاشرها: إذا نقضت مدة الإجارة، وفي الأرض زرع فإنه يترك لأجر المثل إلى أن يستحصده، وهذا إذا كان ذلك قد تم بالتراضي، أو بحكم القاضي، أما بغيرهما فلا أجر له [153].

 

وأضاف بعضهم دَلاّل البيع، ودلاَّلة النكاح حيث يثبت لهما أجر المثل إن لم يُعَيَّن [154].

 

ومن الجدير بالتنبيه عليه أن الحنفية فرقوا في أجرة المثل بين ما إذا كان في العقد الفاسد مسمى معلوم أم لا قال ابن نجيم:" وإذا وجب أجر المثل وكان هناك مسمى فاسد فإن كان معلوماً لا يزاد عليه وينقص منه، وإن كان مجهولا ً وجب بالغـاً ما بلغ [155].

 

وفي المذهب المالكي نجد تطبيقات لأجرة المثل منها في الإجارة الفاسدة إذا عمل المستأجر، وفي المساقاة، والمزارعة ونحوها، يقول ابن جزي: " إذا وقعت المساقاة فاسـدة فإن عثر عليها قبل العمـل فسخت، وإن عثر عليها بعد العمل فاختلف: هل ترد إلى أجرة المثل، أو مساقاة المثل "، فعلى القول برعاية أجرة المثل يعطى العامل أجرة مثل عمله سواء ربح أم لا، أما على القول برعاية مساقاة المثل أنه يلاحظ الربح فيعطى للعامل بقدر الربح في مثلها، ويترتب على ذلك بعض الآثار الفقهية ذكر بعضها ابن جزي بقوله:" وإن عثر عليها بعد الشروع في العمل وقبل فراغه، وقبل تمام المدة المحدودة فعلى القول بإجارة المثل يفسخ، ويكون له فيما عمل إلى وقت العثور عليه أجرة مثله، وعلى القول بمساقاة المثل لا يفسخ، بل يمضي وتكون له مساقاة المثل " [156] وقال بخصوص المغارسة:" إذا وقعت المغارسة فاسدة فلرب الأرض الخيار بين أن يعطي المستأجر قيمة الغرس، أو يأمره بقلعه " [157] وفي المضاربة قال:" إذا وقع القراض فاسداً فسخ، فإن فات بالعمل أعطي العامل قراض المثل عند أشهب، وقيل أجرة المثل مطلقاً وفاقاً لهما - أي لأبي حنيفة والشافعي - وقال ابن القاسم: أجرة المثل إلا في أربعة مواضع: وهي قراض بعرض، أو لأجل، أو بضمان، أو بحظ مجهول " [158] وقال ابن رشد: " واتفقوا - أي الفقهاء على أن حكم القراض الفاسد فسخه ورد المال إلى صاحبه ما لم يفت بالعمل، واختلفوا إذا فات بالعمل ما يكون للعامل فيه في واجب عمله على أقوال:

أحدها: أنه يرد جميعه إلى قراض مثله، وهي رواية ابن الماجشون عن مالك وهو قوله، وقول أشهب.

 

والثاني: أنه يرد جميعه إلى إجارة مثله، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة وعبد العزيز بن أبي سلمة من أصحاب مالك، وحكى عبد الوهاب أنها رواية عن مالك.

 

والثالث: إنه يرد إلى قراض مثله ما لم يكن أكثر مما سماه، وإنما له الأقل مما سمى أو من قراض مثله إن كان رب المال هو مشترط الشرط على المقارض، أو الأكثر من قراض مثله، أو من الجزء الذي سمى له إن كان المقارض هو مشترط الشرط الذي يقتضي الزيادة التي من قِبَلِها فسد القراض، وهذا القول يتخرج رواية عن مالك

 

والرابع: أنه يرد إلى قراض مثله في كل منفعة اشترطها أحد المتقارضين على صاحبه في المال مما ليس ينفرد أحدهما بها عن صاحبه، وإلى إجارة مثله في كل منفعة اشترطها أحد المتقارضين خالصة لمشترطها مما ليست في المال، وفي كل قراض فاسد من قبل الغرر والجهل، وهو قول مُطَرِّف وابن نافع، وابن عبد الحكم، وأصبغ، واختاره ابن حبيب.

 

وأما ابن القاسم فاختلف قوله في القراضات الفاسدة، فبعضها وهو الأكثر قال: إن فيها أجرة المثل، وفي بعضها قال: فيها قراض المثل، فاختلف الناس في تأويل قوله، فمنهم من حمل اختلاف قوله فيها على الفرق الذي ذهب إليه ابن عبد الحكم ومطرف، وهو اختيار ابن حبيب، واختيار جدي (رحمهم الله) ومنهم لم يعلِّل قوله وقال: إن مذهبه أن كل قراض فاسد ففيه أجرة المثل إلا تلك التي نصَّ فيها على قراض المثل وهي سبعة: القراض بالعروض، والقراض بالضمان، والقراض إلى أجل، والقراض المبهم، وإذا قال له: اعمل على أن لك في المال شركاً، وإذا اختلف المتقارضان وأتيا بما لا يشبه فحلفا على دعواهما، وإذا دفع إليه المال على أن لا يشتري به إلا بالدين فاشترى بالنقد، أو على أن لا يشتري إلا سلعة كذا وكذا والسلعة غير موجودة فاشترى غير ما أمر به [159].

 

وعقب ابن رشد على هذه المسائل المتناثرة فقال: " وهذه المسائل يجب أن ترد إلى علة واحدة، وإلا فهو اختلاف من قول ابن القاسم " ثم نقل عن عبد الوهاب أنه حكى عن ابن القاسم نفسه أنه فصل فقال:" إن كان الفساد من جهة العقد رُدَّ إلى قراض المثل، وإن كان من جهة زيادة ازدادها أحدهما على الآخر ردَّ إلى أجرة المثل " لكن ابن رشد لم يرتض بذلك فقال:" والأشبه أن يكون الأمر في هذا بالعكس ".

 

وقد بين ابن رشد الفرق بين أجرة المثل، وقراض المثل حيث قال:" إن الأجرة تتعلق بذمة رب المال سواء كان في المال ربح أو لم يكن، وقراض المثل هو على سنة القراض إن كان فيه ربح كان للعامل منه، وإلا فلا شيء له " [160].

 

وفي المذهب الحنبلي نجد مسائل تجب فيها أجرة المثل مثل الإجارة الفاسدة والمضاربة الفاسدة، والمزارعة الفاسدة والمساقاة الفاسدة، ونحوها، يقول ابن قدامة:" ولو فسدت - أي المزارعة - والبذر من رب الأرض كان الزرع له وعليه أجر مثل العامل لذلك، وإن كان البذر منهما فالزرع بينهما ويتراجعان بما يفضل لأحدهما على صاحبه من أجر مثل الأرض التي فيها نصيب العامل، وأجر العامل بقدر عمله في نصيب صاحب الأرض " [161] وقال أيضاً: " فإذا فسدت المضاربة... لم يستحق المضارب من الربح شيئاً، وكان له أجر مثله " [162].

 

والأمر لا يختلف كثيراً في هذه المسألة عند الظاهرية حيث أوجبوا أجرة المثل في الإجارة الفاسدة، قال ابن حزم:" والإجارة الفاسدة إن أدركت فسخت، أو ما أدرك منها، فإن فاتت، أو فات شيء منها قضى فيها أو فيما فات منها بأجر المثل، لقول.[163]تعالى: ((والحرمات قصاص))

 

فمن استغل مال غيره بغير حق فهي حرمة انتهكها فعليه أن يقاص بمثله من ماله " [164]
وقال بخصوص المزارعة... فإن أراد أحدهما... أي العامل، أو صاحب الأرض - ترك العمل وقد حرث، وقلب، وزبّل ولم يزرع فذلك جائز، ويكلف صاحب الأرض للعامل أجر مثله فيما عمل، وقيمة زبله إن لم يجد له زبلا ً مثله إن أراد صاحب الأرض إخراجه، لأنه لم تتم بينهما المزارعة التي يكون كل ما ذكرنا ملغى بتمامها، وقال تعالى ((والحرمات قصاص)) فعمله حرمة فلا بد له من أن يقتص بمثلها... " [165].

 

والخلاصة أن جمهور الفقهاء - ما عدا الحنفية - رتبوا على كل انتفاع بالعين المؤجرة أجرة المثل سواء كان هذا الانتفاع نتيجة عقد باطل، أم فاسد، حيث إنهم لم يفرقوا بينهما، فسواء كان النهي لذات المنهي عنه، أو لوصفه، أو كان الخلل في أصل العقد، أم في وصفه فإن انتفاع المستأجر غير مشروع، وحينئذ لا يجب الأجر المسمى، وإنما يلزمه أجر المثل بالغاً ما بلغ ما دام قبض المعقود عليه، أو استوفى المنفعة، أو مضى زمن يمكن فيه الاستيفاء، ذلك لأن الإجارة كالبيع، والمنفعة كالعين، فكما أن البيع الفاسد، كالصحيح في استقرار البدل فكذلك الإجارة الفاسدة، غير أن مالكاً وأحمد في رواية والحنفية خالفوا في المسألة الأخيرة وهي الحالة التي قبض فيها المؤجر العين المستأجرة ومضى زمان لكنه لم يستوف المنفعة أو شيئاً منها - حيث قالوا: لا شيء للمؤجر، واستدلوا بأنه عقد فاسد على منافع لم يستوفها فلم يلزمها عوضها، كالنكاح الفاسد [166].

 

والراجح هو ما ذهب إليه الشافعية وأحمد في رواية في وجوب أجرة المثل حتى وإن لم يستوف المنفعة ما دامت مضت مدة كان بإمكانه الإفادة منها ولم يفد منها، وذلك لأن القصور من طرفه، وقد فاتت منافع، فليس من العدل أن نحمل قصور المستأجر على المؤجر، قال ابن قدامة في تعليل ذلك:" لأن المنافع تلفت تحت يده بعوض لم يسلم له فرجع إلى قيمتها كما لو استوفاها " [167] وأما قياسهم هذه المسألة على النكاح فقياس مع الفارق، وذلك لأن منافع المرأة لم تكن معطلة مثلما كان الأمر في الدار ونحوها، كما أن مسألة النكاح أمر يختلف عن المعاملات المالية في كثير من الأحكام فلا يمكن قياسها عليه، أو بالعكس لأن له نظامه الخاص حيث يصح مع الجد والهزل، ودون ذكر المسمى من المهر وغير ذلك.

 

ومما خالف فيه الحنفية الجمهور هو أن أجرة المثل لا يجوز أن تزيد على المسمى حيث قالوا: يجب أقل الأمرين من المسمى، أو أجرة المثل بناءً على أن المنافع لا تضمن إلا بالعقد، وأما الجمهور فلم ينظروا إلى هذه المسألة من هذه الزاوية، بل قالوا: ما دام العقد أصبح فاسداً فلم يعد للعقد حريم وحرمة فحينئذ تكون الأجرة في مقابل العمل أو الانتفاع ومن هنا لا بد أن يلاحظ المثل فقط دون المسمى [168].

 

فما قاله الحنفية فيه نوع من الاضطراب، لأننا إما أن نقول باعتبار المسمى فحينئذ يجب اعتباره مطلقاً، أو لا نقول به فحينئذ لا يلاحظ لها في الحد الأدنى ولا في الأعلى.

 

ثم إن ما قلنا هنا لا يخص الإجارة، وإنما هو عام لكل العقود التي تجب فيها أجرة المثل كالمزارعة والمساقاة والمضاربة ونحوها.

 

ومما ثار فيه خلاف كبير بين الفقهاء في هذه المسألة غصب الأعيان دون الانتفاع بها فهل تجب فيها أجرة المثل أم لا ؟

 

فذهب الشافعية والحنابلة والظاهرية إلى أن الغاصب يضمن أجرة المثل للأعيان التي اغتصبها وعطلها ولم ينتفع بها في حيث ذهب الحنفية والمالكية إلى أنه لا يضمن ما دام لم يستعملها، أو لم يقم باستغلالها، أو استئجارها للغير، بل إنهم ذهبوا إلى عدم ضمان منافع الأعيان المنقولة - مثل الحيوان ونحوه - حتى وإن استعملها [169].

 

الأدلة والمناقشة والترجيح:

استدل المالكية والحنفية على ما ذهبوا إليه بما يأتي:
الحديث النبوي الشريف الذي رواه الأئمـة بسندهم، عن عائشة (رضي الله عنها) قالت:" قضى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن الخراج بالضمان " وهو حديث صحيح صححه الترمذي، وابن خزيمة وابن الجارود، وابن حبان، والحاكم وابن القطان [170]، وجه الاستدلال به هو أن الغاصب ضامن للعين المغصوبة وهذا يقتضي أن لا يكون ضامناً لمنافعها حتى التي استفاد منها بالفعل فكيف بالمنافع المفترضة التي لم تحصل للغاصب، فإذا كان هناك مبرر لتضمين الغاصب للمنافع التي حصلت له بناءً على القاعدة العامة في الشريعة المبنية على الحديث النبوي الشريف، وهو: " ليس لعرق ظالم فيه حق " [171]، فلا يوجد أي مبرر لتضمينه ما لم يتحقق له، لأنه إذا لم يوجد عرق ظالم، ولم يتحقق منفعة للغاصب فكيف يضمن هذه المنفعة المفترضة وهو ضامن لأصلها ؟

 

لم يتحقق لغاصب أي سبب من أسباب الضمان من عقد، أو شبهة ملك فكيف يكون ضامناً.
ثم إن الغصْب إزالة يد المالك عن ماله بفعل في المال، وفي الحالة التي ذكرناها لم يحصل فيها إزالة من قبل الغاصب فحينئذ لا يكون ضامناً، لأنه لم يتحقق إتلاف قال الكاساني:" ألا ترى أنه تزول يده وملكه عن الضمان فيستدعي وجود الإتلاف منه إما حقيقة أو تقديراً، لأن الله سبحانه وتعالى لم يشرع الاعتداء إلا بالمثل قال تعالى: ((فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)) [172]، ولم يوجد ههنا الإتلاف من الغاصب لا حقيقة ولا تقديراً، أما الحقيقة فظاهرة، وأما التقدير، فلأن ذلك بالنقل والتحويل والتغييب عن المالك على وجه لا يقف على مكانه، ولهذا لو حبس رجلا ً حتى ضاعت مواشيه وفسد زرعه فلا ضمان عليه، والعقار لا يحتمل النقل والتحويل فلم يوجد الإتلاف حقيقة وتقديراً فينتفي الضمان لضرورة النص... " [173].

 

إن المنافع ليست بأموال متقومة بأنفسها وإنما تتقوم بالعقد عند الحنفية، ولذلك تضمن بالغصب [174].
أن تعطيل المنافع أمر سلبي وليس عملا ً ولا فعلا ً إذن لا يترتب عليه الضمان.

 

واستدل الجمهور - الشافعية والحنابلة والظاهرية - لما ذهبوا إليه بما يأتي:
إن الغاصب ظالم بالاتفاق وقد فوَّت على المغصوب منه المظلوم منافع لا شك فيها فيكون ضامناً لها بالمثل، قال ابن قدامة:" فعلى الغاصب أجر مثله سواء استوفى المنافع أو تركها حتى ذهبت، لأنها تلفت في يده العادية فكان عليه عوضها كالأعيان " [175].

 

إن المال - ولا سيما العقار - إنما يطلب لأجل منافعه ومن هنا ففواتها أو تفويتها ضرر على المظلوم، والقاعدة الفقهية تقضي أن الضرر يزال وإنما يزال الضرر في مسألتنا هذه إذا ضمن ما فات المغصوب منه، وما ذنب المغصوب منه أنه عطل عقاره فترة من الزمان لو لم يكن هناك هذا الغصب لكان قد انتفع بعقاره، فالغاصب بغصبه قد حال دون انتفاعه منه فيكون ضامناً لفعله الظالم وما ترتب عليه.

 

لو ترك هذا الباب لأدى إلى مظالم لا قبل لها حيث يستغله الظلمة وأصحاب السلطة والنفوذ للإضرار بمن يريدون فيقومون بغصب دورهم وأراضيهم ولكنهم لا يستعملونها بل يعطلونها سنة - أكثر وأقل - وحينئذ قد أضروا إضراراً بالغاً بالمغصوب منه المالك دون أن يقضي عليه بالضمان والتعويض، وأجر المثل، وفي هذا ظلم بَيِّنٌ لا يتفق مع القواعد العامة لشريعتنا الغراء المبنية على العدل والقسطاس المستقيم.

 

المناقشة:

يمكن أن نناقش أدلة الحنفية والمالكية بما يأتي:
أن الحديث الذي استدلوا به - الخراج بالضمان - ليس فيه حجة لهم، حيث إنه يقضي بثبوت الخراج - أي الغلة والمنافع المتولدة من الشيء لمن كان الشيء في حوزته في مقابل الضمان، وهذا يقضي بأن تكون الحيازة مشروعة والقبض مأذوناً فيه، أما إذا كان القبض غير مشروع فكيف يثبت له الخراج، بدليل الحديث الثاني الذي استدلوا به وهو:" وليس لعرق ظالم حق فيه " فالعرق الظالم لا يثبت فيه أي حق للظالم، وبذلك أصبح الحديث الثاني دليلا ً للشافعية ومن معهم وليس عليهم، فحينئذ - على ضوء مصطلح الجدل - هو مقلوب عليهم، هذا من جانب، ومن جانب آخر أن الحنفية أنفسهم لم يجيزوا للغاصب منافع الدار التي استعملها في مقابل الضمان فكيف أخذوا بجزء من الحديث وتركوا بقية معانيه، فالحديث عام في أن الخراج بالضمان مطلقاً وبيَّن الحديث الثاني بأن ذلك خاص في الأمور المشروعة، أما الظالم فليس له، ولا يثبت له حق، فعلى ضوء ذلك فالحديثان ليسا دليلين لهم، بل هما دليلان منسجمان مع رأي الجمهور، فالحديث الأول لا يدخل فيه الغصب لأنه لا يجوز الانتفاع بالمغصوب بالإجماع [176].

 

لا نسلم أن أسباب الضمان تنحصر في العقد، أو شبهة الملك، وإنما الغصْب نفسه سبب للضمان إذا حصل به إتلاف بالإجماع، وفوات المنافع على المغصوب منه إتلاف لحقه الثابت لولا الغصب، فهو في الواقع إتلاف على سبيل الحكم والمعنى، إذ أن المغصوب منه يستوي أمامه فوات منافع المغصوب، أو تفويتها، واستعمالها أو عدم استعمالها إذ أن النتيجة واحدة، وهي أن المغصوب منه كان يمكن أن يؤجر بيته بمبلغ معين أو ينتفع به لولا هذا الغصب الظالم.

 

أن أصل هذا الخلاف يعود إلى قاعدة عامة مسلمة بها عند الحنفية - ما عدا محمداً - ولم يسلم بها غيرهم، وهي أن الغصْب لا يرد في العقار باعتبار أن الغصب إزالة يد المالك عن ماله المتقوم في المال من نقل وتحويل، ولذلك لا يضمن غاصب الأرض والدور إلا إذا أحدث فيها شيئاً، وتترتب على ذلك آثار كبيرة منها: إذا غصب داراً أو عقاراً فانهدم شيء من البناء، أو جاء سيل فذهب بالبناء والأشجار، أو غلب الماء على الأرض فبقيت تحت الماء أنه لا ضمان عليه عند أبي حنيفة، وأبي يوسف، وأما محمد فهو مع الشافعية في وجوب الضمان [177]، وهذا الأصل عند الحنفية غير مسلم ولا ملزم لدى غيرهم، فالتفرقة بين العقار والمنقول في الغصب لا يشهد له دليل، بل إن الدليل الثابت من السنة المشرفة ضده، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحهمـا وغيرهمـا بسندهم أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:" من أخذ من الأرض شبراً بغير حقه - وفي رواية:" ظلماً " - خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين " [178]، ولذلك هاجم ابن حزم عليهم هجوماً عنيفاً ووصفهم وصفاً لا يليق، - لأن القضية قضية الاجتهاد والفهم فلا يليق أن يتهم بعض بعضاً بالكذب ونحوه ـ، ثم قال:"... لأن الغصب هو أخذ الشيء بغير حقه ظلماً... فصح أن الأرض تؤخذ بغير حق - كما في الحديث الصحيح فصح أنها تغصب " [179].

 

لا نسلم أ، الغصب إزالة، لأن الغصب هو أخذ الشيء بغير حقه ظلماً، وهو لا يقتضي الإزالة الفعلية، مثل العقود الناقلة للملكية حيث لا تحتاج فيها إلى نقل وتحويل على سبيل الحقيقة، وإنما ذلك أمر اعتباري منوط بذمة الإنسان فكذلك الغصب، فالغاصب ما دام قد استولى على المغصوب ومنع مالكه من الانتفاع به فقد تم الغصب وترتبت عليه آثاره.

 

لا نسلم أن المنافع ليست أموالا ً متقومة، وذلك، لأن الفائدة الأساسية في الأموال هي الانتفاع قال الرافعي:" إن المنافع مضمونة بالعقد الفاسد وتضمن بالغصب كالأعيان، وأيضاً فإنها متقومة ألا ترى أنه يبذل المال لتحصيلها " [180]، غير أن هذه المسألة من الأمور الخلافية فلا يكون رأي الحنفية ونظرتهم إلى المنافع ملزمين لغيرهم.

 

وبعد هذه المناقشة، الذي يلوح لنا ترجيحه هو ما ذهب الشافعية والحنابلة والظاهرية في أن غصْب الأعيان التي لم يستعملها صاحبها يوجب أجرة المثل، يؤكدُ ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أمر بإعطاء كل ذي حق حقه [181] ومما لا شك فيه أن أجرة منزله وبقية أعيانه من حقه، فحينئذ يجب على مانعه الذي وقف حائلا ً بينه وبين صاحبه أن يعطيه هذا الحق ولا يظلمه.

 

خلاصة البحث ونتائجه:

بعد أن طاف بنا البحث حول نظرية عوض المثل في أرجاء المدارس الفقهية وجدنا أن فقهاءنا الكرام قد أولوها عناية فائقة، وإن كانوا لم يريدوا تجميع جزئياتها، ومسائلها في مكان واحد، وإنما في عدة أبواب متفرقة على عادتهم في العناية بالتطبيقات العملية أكثر من النظريات.

 

فقد وصلنا من خلال البحث عن معاني " عوض " و" المثل " وأماكن ورودهما في اللغة والفقه إلى تعريف جامع مانع لعوض المثل، وأنواعه الأساسية، كما توصلنا إلى معياره المرن القائم على تحقيق العدالة، كما انتهينا إلى أن عوض المثل أساس فقهي متين لتحقيق العدالة، وأنه أمر لا بد منه في العدل الذي به تتم مصلحة الدنيا والآخرة، فهو يعالج حالات كثيرة ليحقق العدالة المنشودة فيها، ومن هنا ينظر في عوض المثل إلى جميع الأمور والملابسات التي تحيط بالقضية ليكون العوض عادلا ً ولذلك يتكون من عنصرين أساسيين عنصر مادي، وعنصر نفسي.

 

وقد أثرنا كيفية التقويم، ورجحنا أنه تدخل فيه رغبات الناس والعرف السائد، والزمن والمكان وكل ما له تأثير، ثم تطرقنا إلى أن التقويم يكون بغالب نقد البلد، كما رجحنا اشتراط عدد المقوِّمين إلا إذا رضي الطرفان بالتحكيم، كما أثرنا موضوع اختلافهم في التقويم، وثبوت التقويم غير العادل ورجحنا القول بأن التقويم الأول إذا ثبت كونه ظلماً فإنه ينقض بحكم القاضي، كما أثرنا مدى تأثير الزيادة على ثمن المثل، وتغير عوض المثل، ورجحنا فيه قول من يقول بأن تغير الأحوال والظروف مؤثر.

 

ثم أسهبنا القول في نطاق عوض المثل، وتطبيقاته ومسائله وجزئياته لثلاثة من أنواعه حيث لم تسعفنا طبيعة البحث أن نتطرق إلى نوعيه الآخرين، غير أننا فيما تناولناه ذكرنا الأقوال الفقهية، وأدلتهم مع المناقشة والترجيح.

والله َنسأل أن يوفقنا للحق واتباعه، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.

 

____________________

1)    هي بروع بنت واشق الكلامية زوج هلال بن مرة. انظر الإصابة (7/534)
2)    الحديث صحيح رواه أحمد في مسنده (4/147) وأصحاب السنن والحاكم - وسيأتي المزيد من الكلام في مسألة مهر المثل - إن شاء الله.
3)    مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، ط. دار الإفتاء بالسعودية (29/520)
4)    أعلام الموقعين (1/131)
5)    لسان العرب ط، دار المعارف، والقاموس المحيط ط. مؤسسة الرسالة، والمصباح المنير ط. مصطفى الحلبي، مادة " عوض
6)    سنن أبي داود - مع العون- كتاب العتق (10/486)
7)    صحيح البخاري - مع الفتح- كتاب المرضى (10/116)
8)    فتح الباري شرح صحيح البخاري (10/116))
9)    صحيح البخاري - مع شرحه فتح الباري - كتاب الطلاق (9/420 - 422)
10)    يراجع لهذا وغيره من معانيه: لسان العرب ط. دار المعارف ص (4132) والقاموس المحيط ط. دار البشير ص (1362)ومختار الصحاح ص(615)مادة"مثل"
11)    المصباح المنير: (2/227 - 228)
12)    سورة إبراهيم الآية (11) وراجع تفسير ابن عطية، ط. قطر (8/210)
13)    سورة المؤمنون الآية (33)
14)    أعلام الموقعين (1/ 148 - 149)
15)    سورة البقرة الآية (24)
16)    تفسير ابن عطية (1/201) وتفسير الماوردي ط. الكويت (1/77) وتفسير المنار (1/159)
17)    سورة البقرة الآية (194)
18)    تفسير ابن عطية (2/144) وتفسير المنار (2/170)
19)    سورة المائدة الآية (95)
20)    الأحكام لابن العربي (2/670)
21)    يراجع أحكام القرآن للجصاص (2/471 - 472) وراجع الأحكام للشافعي (1/121) وتفسير الماوردي (1/487)
22)    أحكام القرآن للجصاص (26/471 - 472)
23)    المغني لابن قدامة (3/509).
24)    بدائع الصنائع (9/4421) وشرح الخرشي (6/134) وبداية المجتهد (2/317) وفتح العزيز (11/219) والمغني لابن قدامـة(5/239)
25)    بدائع الصنائع (9/4403) والمغني (5/240)
26)    المبسوط (13/12) ومواهب الجليل (4/466) ونهاية المحتاج (4/74) والمغني (4/5)
27)    فتح القدير (7/15) وبداية المجتهد (2/196) والأم (3/98) والمغني (4/5)
28)    الأشباه والنظائر للسيوطي ص (384 - 388) والوسيط للغزالي مخطوطة طلعت (ج 2/124).
29)    يراجع في تفصيل ذلك بحثنا حول: " تذبذب قيمة النقود الورقية وأثرها على الحقوق " في مجلة المسلم المعاصر، حيث ناقشنا فيه المعايير الممكنة لتحديد المثلي، والقيمي.
30)    مجموع الفتاوى (20/510)
31)    سورة الأعراف الآية (157)
32)    سورة الأعراف الآية (199)
33)    سورة الرحمن الآية (60)
34)    سورة النساء الآية (86)
35)    سورة الشورى الآية (40)
36)    سورة البقرة الآية (178)
37)    سورة النحل الآية (126) وراجع: مجموع الفتاوى (29/520)
38)    مجموع الفتاوى (29/522 - 525)
39)    مجموع الفتاوى (29/522 - 525)
40)    مجموع الفتاوى (29/524 - 525)
41)    الاختيارات الفقهية ص (238)
42)    الأشباه والنظائر ص (367)
43)    الروضة (7/287) والمنثور في القواعد (1/399)
44)    الأشباه والنظائر ص (381)
45)    الأشباه لابن نجيم ص (366)
46)    المغني لابن قدامة (6/723).
47)    الأشباه للسيوطي ص (381 - 382) والقواعد للزركشي (1/399).
48)    الأشباه للسيوطي ص (419)
49)    يراجع: رد المحتار (2/563) والبحر الرائق (3/32) وفتح القدير (2/263) حيث مالوا إلى جواز كون المقوِّم حتى في قتل المحرم الصيد أن يكون واحداً. وراجع: الأشباه للسيوطي ص (419).
50)    سورة المائدة الآية (95) وراجع أحكام القرآن لابن العربي (2/674).
51)    ([51]) أحكام القرآن للجصاص الرازي (2/473) ولابن العـربي (2/674) وتفسير ابن عطية (5/36) وأحكام القرآن للشـافعي(1/121...) والمجموع للنووي (7/423 - 431).
52)    يراجع في تفصيل التحكيم: كتاب: عقد التحكيم للدكتور قحطان الدوري، ط. وزارة الأوقاف العراقية، ومصادره المعتمدة
53)    الأشباه والنظائر للسيوطي ص (381.....)
54)    الأشباه والنظائر للسيوطي ص (381.....).
55)    المنثور في القواعد للزركشي (1/400) وفيه تفصيل يراجع في: المدونة (1/441) ومغني المحتاج (1/526)
56)    الأشباه والنظائر للسيوطي ص (383 - 384)
57)    المصادر السابقة، ويراجع: المدونة (1/441) والشرح الكبير للدردير (2/83).
58)    الأشباه والنظائر للسيوطي ص (377 - 379)
59)    الأشباه لابن نجيم ص (362....)
60)    الأشباه للسيوطي ص (392 - 393)
61)    الأشباه للسيوطي ص (392 - 393).
62)    الأشباه لابن نجيم ص (267 - 268)
63)    حيث وقع خلاف - ليس في أصل مهر المثل - وإنما في هذه المسألة بالذات وهي أن يتزوج الرجل امرأة فيموت عنها قبل أن يفرض لها، حيث ذهب الجمهور إلى مقتضى حديث ابن مسعود، وذهب البعض إلى أنها لا مهر لها في هذه الحالة، بل لها الميراث. راجع: الأم للشافعي (5/61) وفتح القدير (2/441) وتحفة الأحوذي (4/300) والمغني لابن قدامة (6/712....).
64)    راجع: مسند أحمد (4/279 - 280) وسنن الترمـذي - مع تحفة الأحوذي - (4/299) وأبي داود - مع عـون المعبود - (6/147 - 149) والنسائي (6/100) وابن ماجه (1/609) والمستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي في تلخيصه (2/180 - 181) والسنن الكبرى (7/244) ونصب الراية (3/201) وتلخيص الحبير (3/19).
65)    الأشباه لابن نجيم ص (366)
66)    بدائع الصنائع (3/1431 - 1432)
67)    بدائع الصنائع (3/1429)
68)    القوانين الفقهية لابن جزيء ص (174 - 175) وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/293...).
69)    بداية المجتهد (2/27 - 29) وراجع للتفصيل فيها شرح الخرشي على مختصر خليل (3/253 - 293).
70)    شرح الخرشي (3/277)
71)    يراجع: الأشباه والنظائر للسيوطي ص (3950) والروضة (7/364 - 386)
72)    الروضة (7/389 - 391)
73)    الأشباه والنظائر للسيوطي ص (395 - 396) والروضة (7/251......)
74)    المغني لابن قدامة (6/694 - 695)
75)    المحلى لابن حزم (11/76 - 91 - 92)
76)    المغني لابن قدامة (6/682 - 707 - 712)
77)    بدائع الصنائع (3/1428)
78)    شرح الخرشي (3/269) وبداية المجتهد (2/19).
79)    روضة الطالبين (7/249)
80)    المغني لابن قدامة (6/682).
81)    المحلى لابن حزم (11/97)
82)    بدائع الصنائع (3/1428).
83)    بداية المجتهد (2/18 - 21)
84)    المصادر السابقة، وراجع المغني (6/682)
85)    سورة النساء الآية (24)
86)    بدائع الصنائع (3/1429)
87)    سورة البقرة الآية (237)، وراجع: تفسير ابن عطية (2/321)
88)    بدائع الصنائع (3/1429)
89)    بداية المجتهد (2/ 19 - 20)
90)    رواه البيهقي في السنن (7/133) والدار قطني في سننه ص (392) بسند ضعيف، كما سيأتي عند مناقشته.
91)    سورة القصص الآية (27)
92)    المغني لابن قدامة (6/684)
93)    صحيح البخاري - مع الفتح - كتاب النكاح (9/131 - 189) ومسلم (2/1041) وسنن الترمذي - مع تحفة الأحوذي (4/254) والنسائي (6/101) وأبي داود - مع العون - (6/145).
94)    المغني (6/682)
95)    بدائع الصنائع (3/1431)
96)    المغني لابن قدامة (6/682)
97)    سورة النساء الآية (4)
98)    بداية المجتهد (2/20)
99)    المحلى (1/100)
100)    بداية المجتهد (2/19)
101)    انظر: ميزان الاعتدال (3/433) وتقريب التهذيب (2/228) ونصب الراية للزيلعي (3/196) ونقل ابن حيان في الضعفاء أنه قال:" يروي عن الثقات الموضوعات ولا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب ".
102)    تقريب التهذيب (2/288)
103)    تقريب التهذيب (1/152) وميزان الاعتدال (1/458) والمغني في الضعفاء (1/222)
104)    المحلى (11/99 - 100)
105)    انظر: المغني لابن قدامة (5/433) والمحلى (11/104....) فتجد فيه تفصيلا ً طيباً
106)    المغني لابن قدامة (6/684) وراجع المحلى (11/106)
107)    المغني لابن قدامة (6/684) وراجع المحلى (11/106)
108)    كشف الأسرار للبزدوي (3/2/2...).
109)    سورة الأنعام الآية (90)
110)    سورة البقرة الآية (285)
111)    المحلى (11/106 - 107)
112)    سبق تخريجه، وراجع المصادر السابقة له
113)    فتح القدير مع شرح العناية (2/441) وحاشية ابن عابدين (3/108)
114)    المغني لابن قدامة (6/721)
115)    روضة الطالبين (7/282) والغاية القصوى (2/755 - 756)
116)    بداية المجتهد (2/27) وشرح الخرشي (3/273)
117)    الأم للشافعي (5/61) حيث بنى قوله على أن حديث بروع لم يصل إليه بطريق صحيح، وعلق الحكم على الثبوت وعدم الثبوت، وراجع الغاية القصوى (2/756).
118)    المحلى (11/93 - 94).
119)    المصادر السابقة، ويراجع عقد الزواج للشيخ أبي زهرة، ط. دار الفكر العربي ص (241) وأحكام الأسرة للأستاذ نظام الدين عبد الحميد، ط. مطبعة الجامعة ص (158) وأحكام الصداق للأستاذ الدكتور يوسف عبد المقصود، ط. دار الطبـاعة المحمـدية ص (123).
120)    المحلى (11/294)
121)    الروضة للنووي (7/286) وتحفة المحتاج شرح المنهاج (7/398) والأشباه والنظائر للسيوطي ص (393)
122)    المنهاج مع شرحه تحفة المحتاج (7/400)
123)    المصادر السابقة، وراجع المغني (6/622)
124)    الروضة (7/287) والأشباه والنظائر للسيوطي ص (393 - 394)
125)    الأشباه للسيوطي ص (394)
126)    فتح القدير (2/468) والحنفية عمموا نساءها للعصبات وغيرها مثل أمها - كما سبق.
127)    الروضة (7/287) والأشباه للسيوطي ص (394) وتحفة المحتاج (7/398)
128)    المغني لابن قدامة (6/722)
129)    مختصر خليل مع شرحه للخرشي، وحاشية العدوي (3/277) ثم إن شرطي الدين والنسب لا يلاحظان في الذمية التي كان أصولها كفاراً.
130)    سبق تخريجه
131)    المغني (6/722)
132)    لسان العرب، والقاموس المحيط، والمصباح المنير: مادة (ثمن)
133)    سورة آل عمران الآية (187)، وراجع لتفسير الثمن: تفسير ابن عطية (1/271)
134)    سورة يوسف الآية (20)، راجع: لسان العرب (1/510)
135)    المبسوط (14/3)
136)    المبسوط (14/3).
137)    المبسوط (14/3)
138)    الأشباه والنظائر ص (367) وشرح المحلى (3/3)
139)    يراجع في تفصيل ما يتعلق بالغبن وثبوت الخيار فيه: كتابنا: مبدأ الرضا في العقود دراسة مقارنة (2/730 - 747)
140)    الأشباه والنظائر لابن نجيم ص (362 - 363).
141)    الأشباه والنظائر للسيوطي ص (367).
142)    المصدر السابق ص (368)
143)    الأشباه للسيوطي ص (369)
144)    شرح المحلي على المنهاج (3/83، 2/199، 3/221، 2/260، 3/29)
145)    الأشباه للسيوطي ص (367 - 371)
146)    بلغة السالك (2/528 - 529) وراجع: شرح الزرقاني على مختصر خليل (6/27).
147)    يراجع: بلغة السالك (2/530 - 536) وشرح الزرقاني (6/137، 5/304) وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (3/188) وشرح الخرشي (5/195).
148)    بلغة السالك (2/508)
149)    المصدر السابق (2/352 - 353، 360، 214)
150)    الأشباه والنظائر ص (379)
151)    الأشباه والنظائر ص (391 - 392)
152)    الأشباه لابن نجيم ص (262 - 365)
153)    الأشباه والنظائر لابن نجيم ص (365 - 366)
154)    موجبات الأحكام، وواقعات الأيام لابن قطلوبغا الحنفي، ط. مطبعة الإرشاد، بغداد 1983 ص (331).
155)    المصدر السابق ص (366) وراجع: حاشية ابن عابدين (5/39)
156)    القوانين الفقهية ص (241) وراجع بداية المجتهد (2/250)
157)    المصدر السابق ص (242)
158)    القوانين الفقهية ص (243)
159)    بداية المجتهد (2/ 242 - 243)
160)    بداية المجتهد (2/ 243).
161)    المغني لابن قدامة (5/426)
162)    المصدر السابق (5/72) وفي الإجارة قال مثله (5/442)
163)    سورة البقرة، الآية (194).
164)    المحلى (9/18)
165)    المحلى (9/78)
166)    حاشية ابن عابدين (5/39) والشرح الصغير (4/19، 23) ويراجع المغني لابن قدامة (5/445 - 446) والروضة للنووي(5/226) وراجع: الموسوعة الفقهية الكويتية (1/264 - 265).
167)    المغني (5/446)
168)    المصادر السابقة
169)    يراجع: بدائع الصنائع (9/4409) وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (3/448) والروضة للنووي (5/13...) وفتح العزيز بهامش المجموع (11/250، 262) والمغني لابن قدامة (5/246) والمحلى لابن حزم (8/573).
170)    الحديث رواه أحمد في مسنده (6/49، 208، 237) والترمذي في سننه - مع شرح تحفة الأحوذي - (4/507) وابن ماجه في سننه (2/754) وأبو داود في سننه - مع عون المعبود - (9/415، 417، 418) والبيهقي في سننه (5/321) والحاكم في مستدركه، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي (2/15) وراجع: تلخيص الحبير (3/23) ونيل الأوطار (6/371)
171)    رواه مرفوعاً أحمد، والترمذي وصححه وقال: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) وغيرهم ورواه أبو داود، والنسائي، ومالك، ورواه البخاري في صحيحه تعليقاً عن عمر، ومعنى الحديث كما قال الحافظ ابن حجر: قال ربيعه:" العرق الظالم يكون ظاهراً، ويكون باطناً فالباطن ما احتفره الرجل من الآبار أو استخرجه من المعادن، والظاهر ما بناه، أو غرسه، وقال غيره:" الظـالم من غرس، أو زرع، أو بنى، أو حفر في أرض غيره بغير حـق ولا شبهة " انظر: فتح البـاري (5/19) وقال الترمذي (4/633) نقلا ً عن أبي الوليد الطيالسي:" العرق الظالم: الغاصب الذي يأخذ ما ليس له. قلت: الرجل الذي يغرس في أرض غيره ؟ قال: هو ذاك ". انظر صحيح البخاري - مع الفتح - كتاب الحرث والمزارعة (5/18) والترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي - كتاب الأحكام (4/631 - 633) ومسند أحمد (5/327).
172)    سورة البقرة الآية 194
173)    بدائع الصنائع (9/4411)
174)    بدائع الصنائع (9/4411)
175)    المغني (5/246)
176)    المصادر السابقة
177)    بدائع الصنائع (9/4410)
178)    صحيح البخاري - مع الفتح - (5/103) ومسلم (3/1232) وأحمد (1/187، 188) وسنن الدارمي (2/181) والسنن الكبرى للبيهقي (6/98).
179)    المحلى (8/581)
180)    فتح العزيز بهامش المجموع (11/262)
181)    الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه، كتاب الصوم - مع فتح الباري - (4/209) وأحمد في مسنده (4/186، 5/267)