قاعدة عموم نفي المساواة وأثرها في الفقه الإسلامي (2-4)
16 جمادى الأول 1432
د. عبد الرحمن بن محمد القرني

المطلب الثالث
أدلة القولين ومناقشتها
وإليك الآن أهم دلائل الفريقين في المسألة وما ورد على كلٍ منها من الإيرادات.
أولاً: أدلة الجمهور:
استدل القائلون بأن نفي المساواة دالٌ على العموم بأدلة، منها:
الدليل الأول:
أن مفهوم قولنا: (يستويان) أعم من أن يكون في بعض الأمور أو في جميع الأمور، بدليل صحة انضمامه إلى كل واحدٍ منهما من غير تناقض في المعنى ولا تهافت في اللفظ؛ إذْ يصح أن يقال: (يستويان في بعض الأمور) ويصح أن يقال: (يستويان في جميع الأمور).
ومَوْرد التقسيم يجب أن يكون مشتركاً، ونفي المفهوم العام ينفي كل فرد من أفراده؛ فإن نفي (الحيوان) يقتضي نفي كل واحد من أفراده كالإنسان والفرس والأسد وغيرها من أفراد أنواعه.
فإذاً؛ قولنا: (لا يستويان) يقتضي نفي كل فرد من أفراد (يستويان)([1]).
•           ويمكن الاعتراض على هذا الدليل بأنه معارَضٌ بمثله على ما سيأتي في أدلة الحنفية([2]).
الدليل الثاني:
أن قولنا: (لا يستوي كذا وكذا) في معنى قولنا: (لا مساواة بينهما) فيفيد نفي المساواة من كل وجهٍ؛ لأن الجملة نكرة، وكذلك توصف بها النكرة، فوجب التعميم كغيره من النكرات المنفية([3]).
•           واعترض على هذا الدليل من وجوه:
أحدها: لا نسلم أن الفعل (يستوي) نكرة، ودليله تصريح النحاة بأن التعريف والتنكير من خواص الاسم، وهذا ينفي كون الجملة نكرة([4]).
•           وأجيب عن هذا الاعتراض من وجهين:
أ‌-            أن المراد بتنكير الجملة أن المفرد المؤول منها نكرة، فمعنى (لا يستوي) أي: لا مساواة([5]).
ب‌-   أن تعريف الأفعال محالٌ؛ لأنها لا تضاف كما أنه لا يضاف إليها؛ ولأن الاسم إنما اختص بتعريفه بالألف واللام لأنها يشير بها المتكلم إلى عهدٍ بينه وبين مَنْ يخاطبه، والأفعال غير مقصورة على شيءٍ واحد حتى تُعَرِّف بذلك الشيء.
ولأن الأفعال جملٌ كما ذكرنا، ودخول الألف واللام على الجمل محال؛ ولأنها لا تَتَعَرَّف بالموضع إلا أن يُسَمَّى بها رجلٌ أو امرأة، فإذا سمي بها رجعت إلى أحكام الأسماء وجاز فيها جميع ما يجوز في الأسماء([6]).
ثانيها: أن هذا قياس في اللغة([7])، ومسألتنا مبناها على اللغة، والقياس في اللغة ممنوع.
•           ويمكن الجواب عن هذا الاعتراض من وجهين:
أ‌-            لا نسلم منع القياس في اللغة، بل هو عندنا جائز.
ب‌-       سلمنا منعه في اللغة، لكن ما ذكرناه في الدليل ليس قياساً في اللغة، بل هو استدلال بالاستقراء([8]).
ثالثها: سلمنا جواز القياس في اللغة، لكن خصوصية المادة – وهي الاستواء المنفي – مانعة من العموم؛ وذلك لحصول المساواة من بعض الوجوه كالمعلومية والشيئية وغيرهما، والقياس مع وجود المانع فاسدٌ([9]).
•           ويمكن الجواب عن هذا بأن المراد نفي المساواة في الوجوه الممكن نفيها.
رابعها: أنه وإن سُلّم أن ما نحن فيه نكرة منفية مفيدة للعموم، إلا أن العمل بعموم نفي المساواة بينهما من كل الوجوه متعذر؛ لحصول المساواة بين الشيئين في الوجود وغيره، فوجب الاقتصار في نفي المساواة على ما دل عليه سياق الكلام؛ لأن صيغة العموم إذا أضيفت إلى محل لا يقبل العموم فإنه يراد به أخص الخصوص([10]) الذي دل عليه الكلام([11]).
وعليه فإن قولكم: «الجمل نكرات، والنكرة في سياق النفي تعم» محله حين لا يكون العقل مخصِّصاً، فإن كان مخصِّصاً كانت من قبيل العام المخصوص([12]).
•     ويمكن الجواب عن هذا من قِبَلِ الجمهور بأننا قيدنا المسألة بنفي الأحكام الشرعية التي يمكن نفيها، وتساوي أصحاب النار وأصحاب الجنة مثلاً في الجسمية والناطقية وغير ذلك لم يكن مراداً للشارع أصلاً حتى يدخل في العموم، فلا يصح دعوى خروجه حتى يجعل سنداً يمنع من إرادة التعميم.
الدليل الثالث:
أنه إذا قال القائل: (لا مساواة بين زيد وعمرو) فإن النفي داخل على مسمى المساواة، فلو وُجِدتْ المساواة بينهما من وجهٍ، لما كان مسمى المساواة منفياً، وهو خلاف مقتضى اللفظ([13]).
•     ويمكن أن يعترض على هذا على طريقة الحنفية بأن ما نحن فيه لا يمكن حمله على العموم؛ لأننا نعلم يقيناً تساوي الشيئين من وجهٍ أو أكثر ولو نُفي التساوي بينهما، وذلك كاستوائهما في الوجود والمعلومية وغير ذلك، وعلى هذا فلا نسلم أن مقتضى اللفظ نفي التساوي من كل وجه.
•     ويمكن أن يجاب عن هذا الاعتراض بأن يقال: المراد بقولنا في الدليل: (لو وُجِدت المساواة بينهما من وجهٍ) أي من وجوه الأحكام الشرعية، لأن الشارع لا يمكن أن يكون مراده نفي الجسمية والوجودية والمعلومية ونحو ذلك من الأوصاف العقلية أو الحسية؛ لأن النص الشرعي جاء لبيان الأحكام الشرعية، فهي المرادة عند الإثبات أو النفي.
الدليل الرابع:
أنه لو كَفَى في إطلاق نفي المساواة بين الشيئين نفيها ولو من بعض الوجوه؛ لَصَدَق إطلاق نفي المساواة على كل شيئين؛ لأن كل شيئين لابد أن يستويا من بعض الوجوه وأقله التعيين والوجود.
وإذا صدق على كل شيئين أنهما لا يستويان؛ وجب أن لا يصدق عليهما أنهما يستويان، ضرورةَ كونهما متناقضين في العرف، ألا ترى أن مَنْ قال: (هذان الشيئان يستويان) فمَنْ أراد تكذيبه من أهل العرف قال: (إنهما لا يستويان)؟!
ولولا أنهما متناقضان لما استعملا في التكاذب، لكنه([14]) باطلٌ لأمرين:
أولاً: لأن أهل اللغة والعرف يطلقون من غير نكير على المِثْلين أنهما يستويان، والأصل في الإطلاق الحقيقة.
ثانياً: لأن كل شيئين لابد أن يستويا في أمورٍ نحو الشيئية والمعلومية والمذكورية، ومتى صدق المقيَّد صدق المطلق، وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم، فيلزم أن لا يكفي في إطلاق نفي المساواة بين الشيئين نفي المساواة بينهما من بعض الوجوه، بل من كل الوجوه وهو المطلوب([15]).
•           وأجيب عن هذا الدليل من وجهين:
أحدهما: مَنْعُ سند الدليل، وبيان ذلك: أن قولكم: (إنهما يستعملان في التكاذب عند أهل العرف مطلقاً) ممنوعٌ، بل إنما يتكاذبان بواسطة القرينة الحالية أو المقالية الدالة على تعيُّن ما فيه الاستواء أو عدمه([16]).
قلت: يمكن جوابٌ آخر بالمعارضة، والمعارِض هو ما سيأتي في الدليل الأول للحنفية وموافقيهم.
ثانيهما: أن كون الشيئين في إثبات التساوي للخصوص – أي للتساوي من بعض الوجوه – على الوجه الذي قررتموه منافٍ لمطلوبكم؛ لأنكم جعلتم التساوي عاماً في النفي باعتبار الخصوص حيث قلتم إنما ينفي خصوص الوجوه الممكنة لا كل الوجوه، وذلك القدر هو المعتبر في خصوص الإثبات، فكان النفي والإثبات إما خاصين وإما عامين، وحينئذ فلا منافاة بينهما ولا تناقض، وبناء دليلكم على تناقضهما([17]).
الدليل الخامس:
أن العمل بالعموم واجب ما أمكن؛ لأن العمل بالنص الشرعي على ما يقتضيه واجبٌ بحسب الإمكان، وإذا تعذر العمل بالعموم في بعض الأفراد لم يلزم منه سقوط العمل به فيما بقي وراء ذلك، وهذا كالعام المخصوص، ألا ترى إلى قول الله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) ([18]) لمَّا لم يمكن العمل بعمومه بدلالة العقل؛ فإن ذات الله تعالى وصفاته لم تدخل تحته، بقي فيما وراء ذلك على العموم.
فكما أن دليل الخصوص فيما يحتمل العموم لا يُخْرِج العام عن الحكم بثبوت كونه حجة فيما وراء ذلك، فكذلك عدم احتمال العموم حساً لا يخرج العام عن أن يكون حجة فيما يحتمله([19]).
•     وأجيب عن ذلك بأن حاصل الدليل هو التسوية بين محتمل الحال([20]) وبين محتمل اللفظ فيما يثبت بصيغة العام من الحكم، وفيما يثبت من الشبهة المانعة من العلم به قطعاً.
ونحن نقول: ما ذهب إليه الخصم تحقق فيه الحرج الذي هو مدفوع، وهو الوقوف على مراد المتكلم ليعمل به فيما يحتمل العموم، واعتبار الإرادة المغيرة للعموم عن حقيقتها فيما يحتمل العموم؛ حتى لا يكون موجباً قطعاً فيما تناوله، وذلك غير جائز شرعاً، وبه تبيَّنَ فساد التسوية بين محتمل الحال ومحتمل اللفظ، وتبيَّن أن موجب العموم لا يثبت فيما لا يمكن العمل بعمومه لانعدام محل العموم([21]).
ومسألتنا كذلك؛ لأن نفي المساواة بين شيئين لما لم يقبل العموم لعدم صدوره في محل العموم لم ينعقد للعموم أصلاً؛ لأن الشيء ينتفي بانتفاء محله، وصار كأنه قيل: (إنهما لا يستويان في بعض الصفات) فكان نفي المساواة في معنى المجمل، فيجب الاقتصار على ما دلت عليه صيغة النص وعلى ما يتيقن به أنه مراد.
والقياس على العام المخصوص لا يصح؛ لأن العام الذي خُصَّ قد انعقد للعموم ثم خُصَّ بعض أفراده بعارضٍ لحقه بطريق المعارضة، فيقتصر على قدر المعارض، فيبقى ما وراءه على العموم، وما نحن فيه ليس كذلك لأن محل الكلام لا يقبل العموم، فكان قياساً فاسداً لفقدان الوصف الجامع([22]).
ثانياً: أدلة الحنفية ومَنْ وافقهم:
 استدل القائلون بأن نفي المساواة غير دالٍّ على العموم بأدلة، منها:
الدليل الأول:
أن حَدَّ المجمل وحقيقته حاصلة في نفي المساواة، فلذلك دخل في جملته؛ لأن المجمل هو الخطاب الذي لا يفهم المراد منه على التعيين إلا باعتبار غيره، ونفي المساواة لا يفهم المراد منه إلا باعتبار غيره؛ فإن القائل إذا قال: (زيدٌ وعمرو لا يستويان) حَسُنَ من السامع أن يقول: فيم؟ وحُسْنُ هذا الاستفهام دليلُ إجمالهِ([23]).
•     ويمكن الاعتراض على هذا الدليل بعدم تسليم حُسْن الاستفهام المذكور في اللغة؛ وذلك لقيام الأدلة على اقتضاء نفي المساواة في اللغةِ العمومَ.
ولو سُلِّمَ حُسْن السؤال المذكور فلأنَّ احتمال الخصوص قائم، فلا يكون عمومه مراداً فيحسن الاستفهام حينئذ، ألا ترى أن صيغ العموم الأخرى تفيد الشمول وذلك لا يمنع الاستفهام عن التعميم أو بعض الأفراد([24])؟! أَوْ لا ترى أن المنطوق يدل على حكم المسكوت ولا يمنع ذلك السؤال عنه؟! أَوْ لا ترى أن الأمر المطلق يفيد الوجوب ولم يكن ذلك مانعاً من الاستفهام عن غير الوجوب؟!
وغاية الأمر أن المدعي للعموم في مسألتنا لا يقول بالقطعية، بل نفي الاستواء ظاهر في العموم، فلا يجزم بنفي احتمال ضده وهو الخصوص، فمن هنا حَسُنَ الاستفهام([25]).
الدليل الثاني:
أنه لو كَفَى في إطلاق لفظ المساواة بين الشيئين([26]) استواؤهما من بعض الوجوه؛ لوجب أن يصدق على كل شيئين أنهما يستويان؛ لأن كل شيئين لابد أن يستويا من بعض الوجوه وأقله التعيين والوجود.
وإذا صدق على كل شيئين أنهما يستويان، وجب أن لا يصدق عليهما أنهما لا يستويان؛ ضرورةَ كونهما متناقضين في العرف، ألا ترى أن مَنْ قال: (هذان الشيئان لا يستويان) فمَنْ أراد تكذيبه من أهل العرف قال: (إنهما يستويان)؟! ولولا أنهما متناقضان لما استعملا في التكاذب، لكنه باطلٌ([27]) لأمرين:
أولاً: لأن أهل اللغة والعرف جميعاً يطلقون من غير نكير على الضدين والنقيضين([28]) أنهما لا يستويان، والأصل في الإطلاق الحقيقة.
ثانياً: لأن كل شيئين لابد أن يتفاوتا في بعض الأمور نحو التعيُّن والتشخص([29])، فيصدق عليهما أنهما لا يستويان فيه، ومتى صدق المقيد صدق المطلق؛ ضرورةَ كونه جزءاً منه، وإذا بطل اللازم بطل الملزوم، فيلزم أن لا يكفي في إطلاق لفظ المساواة على الشيئين المساواة من بعض الوجوه، بل من كل الوجوه، وإذا اعتبر الكلي في جانب الإثبات وجب أن يعتبر الجزئي في جانب النفي، لما سبق أنهما متناقضان، ونقيض الموجب الكلي هو السالب الجزئي، فإذا كان قولنا: (استوى زيدٌ وعمرو) مفيداً للتسوية من كل وجه، ثبت أن قولنا: (ما يستوي زيد وعمرو) مفيد للتسوية بينهما في جزئية واحدة أي وجه واحد([30]).
•           واعترض على هذا الدليل من وجهين:
أحدهما: أنه معارَضٌ بما ذُكر في الدليل الرابع([31]).
•           وقد سبق ذكره وذكر ما أُوْرِد عليه.
ثانيهما: أنه لا يشترط في صدق التساوي الاستواء في جميع الوجوه؛ إذْ لو اشترط لما صدق التساوي على شيئين أصلاً؛ لاستحالة التساوي في المعيَّن، وإذا كذب التساوي على كل شيئين يلزم أن يصدق على كل شيئين أنهما غير متساويين([32]).
الدليل الثالث:
أن نفي المساواة في الجملة أعم من نفي المساواة من بعض الوجوه ومن نفيهِ من كل الوجوه، بدليل صحة تقسيمه إليهما([33])، ومورد القسمة يجب أن يكون مشتركاً، والدال على القدر المشترك بين القسمين لا دلالة له على الخصوصيات أصلاً.
وبيان هذا: أن الاستواء ينقسم إلى الاستواء من كل وجه، وإلى الاستواء من بعض الوجوه؛ ولهذا يصدق قول القائل: (استوى زيدٌ وعمرو) عند تحقق كل واحد من الأمرين، والاستواءُ مطلقاً أعمُّ من الاستواء من كل وجه، ومن الاستواء من وجهٍ دون وجه، والنفيُ إنما دخل على الاستواء الأعم، فلا يكون مشعراً بأحد القسمين الخاصين، فإذاً: لا دلالة لنفي الاستواء على نفي الاستواء من كل وجه ولا من بعض الوجوه([34]).
•           وقد اعترض على هذا الدليل من وجوه:
أحدها: لا نسلم أن نفي الاستواء في الجملة أعم من نفيه من بعض الوجوه ومن نفيه من كل الوجوه؛ وذلك أننا نمنع أن (لا يستويان) نفي للاستواء وأنه أعم من نفي الاستواء من كل وجه؛ لأن أداة النفي دخلت على الاستواءِ، والاستواءُ يصدق على المتساويين من جميع الوجوه على ما قررناه في أدلتنا، والاستواء من جميع الوجوه أخص من نفس الاستواء، فبطل بهذا التقرير إحدى المقدمتين من دليلكم، فيبطل الدليل([35]).
ثانيها: أنه معارَضٌ بمثله، بأن يقال: إن المساواة في الجملة أعم من المساواة في بعض الوجوه ومن المساواة في كل الوجوه، بدليل صحة تقسيمه إليهما، والمنقسم إلى شيئين أعم من كل واحدٍ منهما، فنفي الاستواء نفيٌ للعام، فيقتضي نفيهما جميعاً؛ لأن نفي العام يقتضي نفي كل أنواعه وأفراد أنواعه قطعاً، فالدالُّ على انتفاء نفس الاستواء دالٌّ على انتفاء كل واحد من الخصوصين، فبطل ما ذكروه وهو أنه دالُّ على القدر المشترك وأن الدال عليه لا دلالة له على الخصوصيات([36]).
•           وقد أجيب عن هذا الاعتراض من وجهين:
أ‌-            لا نسلم أن نفي الاستواء عامٌّ؛ لأنه لما دل عليه السياق اختصَّ النفي به، فلا يكون عامَّاً([37]).
ب‌-       أن هذا الاعتراض لا يستقيم على مذهبكم؛ لأنكم جعلتم فيه نفي الاستواء أعم من نفي الصورتين([38])، ومذهبكم أنه لنفي الاستواء من جميع الوجوه فحسب([39]).
 ثالثها: أن ما ذكرتم من عدم إشعار الأعم بالأخص إنما ذلك يكون في طرف الإثبات([40]) وليس كلامنا فيه، فأما في طرف النفي فغير مسلَّم؛ لأن نفي الأعم يستلزم نفي الأخص ضرورةً؛ لأنه نفيٌ للحقيقة، ويلزم من انتفاء الحقيقة والماهية انتفاء كل فرد؛ لأنه لو وجد منها فرد لكانت الماهية موجودة.
ولهذا فإنه لو قال القائل: (ما رأيت حيواناً) وكان قد رأى إنساناً، فإنه يعدُّ كاذباً؛ لأن (الإنسان) ينتفي بانتفاء (الحيوان) قطعاً، ولولا ذلك لجاء مثله في كل نفيٍ فلا يصح نفيٌ أبداً؛ إذْ يقال في (لا رجل) هو أعم من (الرجل) بصفة العموم فلا يُشْعِر به، وهذا خلاف ما ثبت بالدليل([41]).
•           وأجيب عن هذا الاعتراض من وجوه:
‌أ-     أن ما قلتموه – وهو أن نفي الأعم مستلزمٌ نفي الأخص في طرف النفي – مسلَّمٌ إذا لم يمنع منه مانع عقلي، ومعلوم أن العقل يقطع ببطلان نفي مطلق الاستواء وحقيقته التي تقتضي انتفاء كل فرد من أفرادها؛ لأنَّ نقيضَ هذا النفي الذي هو الاستواء بوجهٍ متحققٌ، فالماهية موجودة فيه قطعاً، فلا يصح أن يكون النفي هذا لعموم السلب.
وعليه فقياس هذا على قول القائل: (ما رأيتُ حيواناً) وكان قد رأى إنساناً عُدَّ كاذباً: قياسٌ مع الفارق([42]).
‌ب-   أن مطلوبكم بهذا الاعتراض منع انتفاء العموم، وما ذكرتموه في بيان الملازمة لا يفيده؛ لأن الخصوص يجوز أن لا ينتفي لا أنه يجب أن لا ينتفي، فإذا انتفى فإن العموم ينتفي بالنفي، وإذا لم ينتفِ فإن العموم لا ينتفي؛ لأن عدم استلزام نفيِ العمومِ نفيَ الخصوص أعم من استلزام نفي العموم عدم انتفاء الخصوص([43]).
‌ج-    أن الاستواء شيء واحد ومدلوله واحد، وهو الاستواء من كل وجه، وما يحصل بين الشيئين من الاشتراك في بعض الوجوه ليس هو المساواة الحقيقية، وإذا كان كذلك فلا فرق فيه بين جانب الإثبات وجانب النفي([44]).
الدليل الرابع:
أنه لو كان نفي المساواة عامَّاً – أي يقتضي نفيها من كل وجه – لما صدق نفي المساواة حقيقةً على شيئين أصلاً؛ لأنه ما من شيئين إلا ويستويان من وجهٍ وأقله نفي ما سواهما عنهما، وهو خلاف الأصل؛ لأن الأصل في الإطلاق الحقيقة([45]).
وإذا ثبت أنه خلاف الأصل، فما يستلزمه يكون كذلك خلاف الأصل([46]).
•           واعترض عليه من وجهين:
أحدهما: منع الملازمة، وذلك بتخصيص الدعوى؛ لأنه إذا قيل: (لا مساواة بين كذا وكذا) فإنما يراد مساواةٌ يصح انتفاؤها، فهذا مما خصَّصه العقل، فتبيَّن بهذا أن دليلكم ليس وارداً في محل النزاع([47]).
•     وأجيب عن هذا الاعتراض بأنه إقرارٌ بعدم العموم؛ لأن الاستغراق شرط في العموم، هذه حقيقة العام وهي متعذرة في مسألتنا، وإذا كانت الحقيقة متروكة يصار إلى مجاز تدل عليه القرينة، وهو ما دل عليه سياق النص، ففي قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) ([48]) المراد نفي المساواة في الفوز بالجنة لقرينة قوله سبحانه: (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) فيحمل عليه اللفظ، وفيما عدا ذلك يكون كالمجمل، وهكذا يقال في سائر المواضع([49]).
ثانيهما: أن قولكم: (الأصل في الإطلاق الحقيقة) إنما يصح حين لا يدل دليلٌ على خلافه، فإن دل الدليل على خلاف هذا الأصل فالعمل على المجاز حينئذ، وههنا قد دل الدليل على المجاز، ودليله هو ما ذكرناه([50]).
قلت: هذا الأخير مبني على القول بأن العام المخصوص مجازٌ فيما بقي، ولو مُنع هذا لم يتوجه رأساً.
الدليل الخامس:
أن معنى الاستواء بين الشيئين في اللغة هو اشتراكهما في جميع الصفات، فإذا افترقا في بعض الصفات فما استويا في جميع الصفات، فيصح حينئذ أن يقال: إنهما لم يستويا.
ومعلوم قطعاً أن المسلم والذمي مثلاً قد افترقا في كثير من الصفات، فيصدق بهذا أنهما لا يتساويان، من غير حاجة إلى التعميم([51]).
•           ويمكن الاعتراض على هذا الدليل من وجهين:
أحدهما: أننا نمنع كون مدلول (استوى) في لغة العرب هو الاشتراك في كل الصفات، بل يصح أن يقال: (تساوى زيدٌ وعمرو) ولو لم يكن تساويهما إلا في صفة واحدة.
ثانيهما: أن الفعل (استوى) ونحوه في قوة النكرة كما سبق، والمسألة مفروضة في وقوعه منفياً، فيفيد العموم، ولا يصدق حينئذ إلا بإيقاعه على مقتضاه وهو نفي كل الوجوه الممكن نفيها من الأحكام.
الدليل السادس:
أن الشيء لا يساوي غيره مطلقاً وإلا لاتّحدا، ولا يباينه مطلقاً وإلا لما اشتركا في المعلومية والمحكومية([52])، فإذاً لابد من تقييد المساواة بما فيه التساوي([53])، ولمَّا لم يذكر في النص الشرعي كان مجملاً لا عامَّاً([54]).
•     واعترض على هذا الدليل بأن قولكم: (الشيء لا يساوي غيره مطلقاً وإلا لاتّحدا) كلام يقتضي نفي المتساويين والمِثْلين مطلقاً، وقد اتفقوا على أنَّ لنا مِثْلين متساويين في الأحكام الشرعية، كوجوب صلاة الصبح في يوم السبت وفي يوم الأحد، فلو شُرِط في المثلين الاتحاد لانتفت الأمثال لأنها تكون حينئذ واحداً، والواحد ليس بمثلين.
فإذاً ليس من شرط التساوي حصول التساوي من كل وجهٍ حتى التعين، بل لابد من المباينة في التعيين([55]).
•     وأجيب عن هذا الاعتراض بأنه غير متوجه؛ لأن قولنا: (الشيء لا يساوي غيره من جميع الوجوه وإلا لاتّحدا) معناه: أنه لا يشترط في تساوي الشيئين تساويهما من كل وجهٍ؛ لأنه لو شرطنا ذلك يلزم اتحاد الشيئين وهو محال.
بيان لزوم ذلك: أننا نتكلم على تقدير الاشتراط في تساوي شيئين تساويهما من جميع الوجوه، ومن جملة الوجوه ما به التعيُّن، فيلزم اتحاد الاثنين حينئذ، واللازم باطل فالملزوم كذلك.
ونحن لا ندعي اشتراط ما به التعيُّن في تساوي الشيئين في نفس الأمر حتى يرد علينا ما ذكرتموه، بل نقول: لا يشترط في تساوي شيئين تساويهما من كل وجه؛ إذْ لو اشترط ذلك لزم الاتحاد المذكور، فهو نافٍ للاشتراط المذكور.
والحاصل أنه فرقٌ بين دعوى الشيء تقديراً ودعوى الشيء في نفس الأمر([56]).
الدليل السابع:
أن الفعل في سياق النفي إما أنه يفيد الإطلاق أو يفيد العموم، فإن كان يفيد الإطلاق فالمطلق يصدق بالصورة الواحدة، وما نحن فيه فعلٌ في سياق النفي فيكون كذلك.
وإن قلنا يفيد العموم، فإنه يكون مطلقاً في ذلك المفعول وأنَّ له مفعولاً غير معينٍ محتملٍ لأمور غير متناهية، فإذا قلنا: (لا تضرب زيداً)([57]) والمضروب غير معلوم وإن كنا نعلم أن له مضروباً في نفس الأمر فهو مجملٌ في المضروب.
وما نحن فيه كذلك؛ فإن قوله تعالى: (لا يستوون) ([58]) فعلٌ في سياق النفي، فيكون عاماً في نفي مصادره، وأما مفعوله الذي يقع الاستواء فيه فلم يُذكر، فهو محتملٌ لما لا يتناهى من المفاعيل، ولم يتعين شيء منها فكان مجملاً في المفاعيل([59]).
•     ويمكن الاعتراض على هذا الدليل بأن العموم في نحو: (لا تضرب زيداً) ليس في مفعوله، وإنما في الفعل نفسه، حيث أفاد النهي عن كل وجوه الضرب، وكذلك ما نحن فيه؛ فإن (لا يستوي) نفي لجميع وجوه المساواة.
وقولكم: (وأما مفعوله الذي يقع الاستواء فيه فلم يذكر) فجوابه أن المفعول معلوم من كون النصوص جاءت لبيان الأحكام الشرعية، فهي المقصودة في الإثبات والنفي.

المطلــب الرابع :
سبب الخلاف:
ذكر الأصوليون في هذه المسألة جملة من أسباب الخلاف فيها، يلوح بعضها مما سبق تقريره من أدلة الفريقين وما ورد عليها من إيرادات، فمن تلك الأسباب:
السبب الأول:
وقد ذكره جماعة منهم شهاب الدين القرافي([60])، وصلاح الدين([61]) العلائي([62])، وتاج الدين السبكي([63])، وجمال الدين([64]) الإسنوي([65])، وبدر الدين الزركشي([66])، ومحمد بن علي([67]) الشوكاني([68]).
حيث قال تاج الدين السبكي: «والخلاف دائرٌ على حرفٍ واحد، وهو أن لفظ (ساوى) و(استوى) و(ماثلَ زيدٌ عمراً) و(زيدٌ مثل عمرو) والمتماثلات كلها والاستواءات هل مدلولها في اللغة المشاركة في جميع الوجوه حتى يكون مدلولها كلاً شاملاً ومجموعاً محيطاً ؟ أو مدلولها المساواة في شيءٍ هو أخص الأوصاف حتى يصدق بوجدانه وإن انتفى ما عداه؟
ذهب أبو حنيفة إلى الأول، وعلماؤنا إلى الثاني؛ فلذلك اختلفوا حالةَ النفي، فمَنْ عَمَّمَ في جانب الإثبات خَصَّصَ في جانب النفي، وبالعكس» اهـ([69]).
هكذا قال ابن السبكي وسكت([70])، فأمَّا عَصْرِيُّه العلائي فذكر هذا السبب ثم قال: «والمأخذان متقاربان» اهـ([71]).
•     وأما القرافي فإنه قال بعد ذكره هذا السبب: «والذي أعتقده في المسألة أن الحق غير القولين، وأن مسمى (استوى) إنما هو الاستواء في المعنى الذي سيق الكلام لأجله لا في مطلق المعنى ولا في جميع المعاني، فإذا قالت العرب: (استوى الماءُ والخَشَبةَ) فليس المراد من جميع الوجوه حتى يحصل الاستواء في مائية الماء وخشبية الخشبة، بل التباين واقع قطعاً في هذين الوجهين وفي وجوه كثيرة جداً، والأصل في الاستعمال الحقيقة، فيكون الكلام حقيقة فيما سيق الكلام لأجله، وهو الاستواء في الارتفاع عن الأرض بسبب كثرة الماء، وليس المراد مطلق المعنى؛ لأن ذلك حاصل والماء بعيد من الخشبة في كونهما جسمين أو متحيزين([72]) أو مرئيين أو ممكنين أو معلومين إلى غير ذلك من الوجوه التي حصل الاستواء فيها.
مع أن العرب لا تقول في هذه الحالة([73]): (استوى الماءُ والخشبةَ) ألبتة، فلو كان ما ذكره الشافعية صحيحاً لقالت ذلك([74]).
وكذلك الآية المذكورة فنفي الاستواء إنما وقع فيها باعتبار ما سيق الكلام لأجله، وهو حالة النعيم والعذاب، وإلا فأصحاب الجنة والنار مستوون من وجوه كثيرة؛ فإنهم أجسامٌ ومُجَزَّأون ومدركون إلى غير ذلك من الوجوه التي وقعت الشركة فيها، فكان لا يصح النفي بمقتضى قولهم، لكن النفي صحيح قطعاً، ولكن باعتبار ما ذكرته وهو ما سيق الكلام لأجله.
وكذلك القول في (المماثلة) فإذا قلنا: (زيدٌ مثل الأسد شدةً) إنما تريد العرب بهذه العبارة المماثلة في الشدة فقط.
وكذلك: (السواد مثل البياض) في الافتقار للمحل، لو قلنا هو يساويه في ذلك، لا بقول أئمة اللغة: إن هذه العبارة مجاز بل حقيقة، وعلى هذه الطريقة لا تكون الآية تقتضي نفي القصاص؛ لأن الأمر إذا كان مقيداً بما دل عليه السياق كان ما عداه مسكوتاً عنه» اهـ([75]).
•     أقول: وعليك أن تلاحظ أن قول القرافي: (أن الحق غير القولين) أي في معنى كلمة (استوى) حال الإثبات ولهذا مَثَّلَه بقولهم: «استوى الماءُ والخشبةَ»، وسائر ما ذكره من أمثلة([76])، فأمَّا مسألتنا فلا يختلف مذهب القرافي ومذهب الحنفية ومتابعيهم في النتيجة وهو عدم إجراء نفي المساواة على العموم، غير أن القرافي عَبَّرَ بأنه يختص بما دل عليه سياق النص ويكون الباقي مسكوتاً عنه، والحنفية قالوا: أن ما دل عليه السياق يكون مراداً بنفي التساوي لتيقنه، ويكون فيما عداه كالمجمل([77]).
السبب الثاني:
وقد ذكره جماعة منهم نجم الدين([78]) الطُّوفي([79])، وبدر الدين الزركشي([80])، والشوكاني([81])، وصديق حسن خان([82]) القِنَّوْجي([83]).
حيث قال الطوفي: «وقد رجع الخلاف إلى أن صيغة (لا يستويان) هل تقتضي عموم نفي التسوية؟ أو نفي عموم التسوية؟
والفرق واضح بين عموم السلب وسلب العموم، فعموم سلب الحقيقة يمنع ثبوت شيء من أفرادها، وسلب عموم الحقيقة لا يمنع ثبوت بعض أفرادها، وقد ظهر ذلك في قوله:
قد أصبحتْ أمُّ الخيارِ تدَّعي ***  عَلَيَّ ذنباً كلُّه لم أَصنعِ([84])
برفع (كله) على عموم السلب، وبنصبه على سلب العموم.
وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ذي اليدين([85]) رضي الله عنه: «كلُّ ذلك لم يكنْ» ([86]) برفع (كل) لا غير على عموم السلب؛ لأنه أراد نفي النسيان وقصر الصلاة جميعاً، وقول الشاعر:
وقالوا تَعَرَّفْها([87]) المنازلَ من مِنىً ***  وما كلُّ مَنْ وافَى مِنىً أنا عارفُ([88])
على سلب العموم.
والفرق بينهما من جهة التركيب أن العموم والسلب أيهما تقدم لفظه أضفتَه إلى الآخر، فإن تقدم لفظ العموم على أداة السلب فهو (عموم السلب) كما في الحديث، وإن تقدم لفظ السلب فهو (سلب العموم) كالبيت الأخير، وأما البيت الأول فيحتملهما بناءً على أن تقديره: (كله لم أصنعه) أو (لم أصنع كله) فعلى الأول: هو عموم سلب الصنع، وعلى الثاني: هو سلب عموم الصنع.
وعلى هذا التقرير ربما ظُنَّ أن (لا يستوي كذا وكذا) من باب سلب العموم لتقدم حرف السلب، وليس كذلك.
والفرق بينهما أن سلب العموم شرطه أن يدخل حرف السلب على لفظٍ عام تحته متعدد، فإذا سُلِبَ عمومه بقي الحكم في بعض أفراده، نحو: (لم أضربْ كل الرجال) بخلاف: (لا يستويان) فإن حرف السلب دخل في المعنى على ماهية الاستواء فنفاها، والماهية من حيث هِيَ هي لا تعدد فيها ولا اتحاد، فلم يبقَ بعد سلبها شيء يثبت له الحكم، فلهذا قلنا: إن صيغة: (لا يستوي كذا وكذا) من باب عموم السلب لا سلب العموم.
وهذا بحثٌ استطردناه بديهةً فلك النظر فيه » اهـ([89]).
•     أقول: وقول الطوفي: «وعلى هذا التقرير ... » الخ هو احتراز من أن يظن ظانٌّ رجحان مذهب مَنْ مَنَعَ التعميم في المسألة بناءً على تقريره المذكور، كما هي عبارة الزركشي حيث قال: «فإن قلت: فهذا يرجح مذهبهم؛ لأن حرف النفي سابقٌ ...»الخ ثم ساق كلامَ الطوفي([90]).
السبب الثالث:
وقد انفرد بذكره – فيما رأيتُ – أبو صالح([91]) السجستاني([92]).
وهو بناء الخلاف في مسألة عموم نفي المساواة على الخلاف في مسألة عموم المقتضَى([93])، ومعلوم أنَّ المالكية([94]) والشافعية([95]) والحنابلة([96]) قائلون بعموم المقتضَى، وأما الحنفية([97]) فيقولون: لا عموم للمقتضَى.
مثاله: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «رُفِعَ عن أمتي الخطأُ والنسيانُ»([98]) ومعلوم أن نفس الخطأ والنسيان واقعان في الأمة لم يُرْفَعا، فالنص إذاً يقتضي – ليصدق الكلام – مقدَّراً، وهو: رفع عن أمتي حكمُ الخطأ والنسيان.
فإذا قلنا بعموم المقتضَى كان المراد رفع الحكم الدنيوي والأخروي، وإن لم نَقُلْ بعمومه كان المراد رفع الحكم الأخروي؛ حيث قام الدليل على إرادته، فلا يتناول غيره وهو الحكم الدنيوي لأن المقتضَى لا عموم له.
•   ووجه بناء الخلاف في عموم نفي المساواة على الخلاف في عموم المقتضَى هو أن الله تعالى قال: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ)  ([99]) ومعلوم أنهما يستويان في الجسمية والناطقية وغير ذلك، فاقتضى النص مقدراً، وهو: لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة في الحكم.
فإن قلنا بعموم المقتضَى كان المراد عدم استوائهما في الحكم الأخروي وفي الحكم الدنيوي فلا يقاد مسلمٌ بذميّ، وإن لم نقل بعمومه كان المراد عدم استوائهما في الحكم الأخروي حيث قام الدليل على إرادته فلا يتناول غيره وهو الحكم الدنيوي لأن المقتضى لا عموم له، فلا يلزم بهذه الآية عدم قتل المسلم بالذمي.
ونحو هذا يقال في سائر أمثلة المسألة.
وإليك عبارة السجستاني، حيث قال: «ثم ما يثبت بمقتضى اللفظ لا عموم له عندنا، وعند الشافعي – رحمه الله – له عموم.
وقال الشافعي: ولهذا قلتُ بأن الكافر لا يساوي المسلم في حق الأحكام نحو القصاص والدية وغيرهما لقوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ)  ولم يُرِد به المساواة في حق الوصف الحقيقي فكان المطلوب من اللفظ الحكم الشرعي، فكأنه قال عز ذكره: لا يستويان في الحكم.
وأصحابنا – رحمهم الله – احتجوا فقالوا بأن المقتضَى ليس بمذكور في اللفظ، واللفظ ما وضع له، ولا يقتضي الثبوت باللفظ لغة أيضاً، إنما يثبت شرعاً ضرورةَ تصحيح الكلام، وجعلُ المعدوم الذي ليس بمذكور بمنزلة المذكور قلبٌ للحقيقة، فيصار إليه لأجل الضرورة، وضرورة تصحيح اللفظ بالأدنى، فلا يثبت ما هو الأعم.
فإن قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) ينبيء عن انتفاء المساواة بينهما، ولا يتعرض للحكم، وإنما صرفناه إلى الحكم ضرورةَ تصحيح اللفظ» اهـ([100]). أي: فلا يتوسع فيه لأن ضرورة تصحيح اللفظ حصلت بالحد الأدنى فلا يثبت ما هو أعم منه؛ لأن المقتضَى لا عموم له.
السبب الرابع:
وقد انفرد بذكره ابن بَرْهان فيما رأيت.
حيث قال: «وسِرُّ المسألة من الجانبين أن علماءنا نظروا إلى التساوي في كل صفة على الخصوص، وجعلوا اللفظ عاماً في نفي ذلك، ومقتضى هذا النظر أنه إذا وجد التساوي في صفةٍ واحدة فما قَضَى حق اللفظ.
والخصم يجعل التساوي خُطَّةً([101]) واحدة، فمتى وجد التساوي في صفة واحدة فقد تحقَّق معنى مقتضى اللفظ » اهـ([102]).
السبب الخامس:
وقد ألمحَ إليه الزركشي، وكذا الشِّرْبِيني([103]).
حيث قال بدر الدين الزركشي: «مما يتفرع على أن النكرة المنفية للعموم نفي المساواة بين الشيئين، فهو عامٌّ عندنا، وخالفت الحنفية ومنعوا عمومه » اهـ([104]).
 وكذا الشربيني، فإنه قال عند ذكر دليل الجمهور من كون الفعل نكرة وهو واقع في سياق النفي فيعم، قال: «وقد تقدم أن تركيب النكرة المنفية وُضع لنفي جميع الأفراد، خلافاً للحنفية » اهـ([105]).
•     أقول: بناء الخلاف في المسألة على هذا السبب ضعيف؛ للغلط فيما نُسب إلى الحنفية؛ وذلك أن الحنفية قائلون بإفادة النكرة المنفية للعموم وضعاً لغوياً([106])، وإنما خالف ابن الهمام([107]) وابن عبدالشكور([108]) فقالا بأنها تقتضي العموم عقلاً أي من جهة اللزوم، وأنتَ ترى أنه على كلا الاحتمالين أن الحنفية قائلون بإفادتها العموم.
 

----------------------------------------------

([1])   (نهاية الوصول) 4/1365 و(الفائق) 2/219.
([2])   سيأتي ما يعارض هذا في الدليل الثالث من أدلة الحنفية وموافقيهم، إن شاء الله تعالى.
([3])   (نهاية الوصول) 4/1365 – 1366 و(الفائق) 2/219 و(الإشارات الإلهية) للطوفي 3/337 و(أصول الفقه) لابن مفلح 2/826 و(نهاية السول) 1/464 و(تحفة المسؤول) 3/124 و(شرح مختصر ابن اللحام) للجراعي ص228.
([4])   (حاشية التفتازاني) 2/114.
([5])   المصدر السابق.
([6])   (الإيضاح) للزجاجي ص120.
([7])   (شرح العضد على مختصر ابن الحاجب) 2/114 و(تحفة المسؤول) 3/124 و(فصول البدائع) ص221.
([8])   المصادر السابقة، والجواب الأول من تقييدي.
([9])   (الردود والنقود) للبابرتي 2/149.
([10])   إنما قالوا: (يراد به أخص الخصوص) لكونه هو المتيقن. (التبيين) لأمير كاتب 1/276.
([11])   (الكافي) للسغناقي 2/849 – 850.
([12])   (سلم الوصول) 2/353.
([13])   (الإحكام) للآمدي 2/247 و(منتهى السول) 2/31 و(تلقيح الفهوم) ص418.
([14])   الضمير في (لكنه) عائدٌ لقوله: (وجب أن لا يصدق عليهما أنهما يستويان).
([15])   (نهاية الوصول) 4/1366 و(الفائق) 2/219.
([16])   (نهاية الوصول) 4/1369.
([17])   (الردود والنقود) 2/151.
([18])   من الآية 16 سورة الرعد، ومن الآية 62 سورة الزمر.
([19])   (أصول السرخسي) 1/143 و(كشف الأسرار عن أصول البزدوي) 2/190 – 191.
([20])   كتب في هامش (أصول السرخسي) 1/143 منقولاً من هامش إحدى النسخ المخطوطة للكتاب: (أي حال المحل عند قبوله العموم في العمل بالعموم بقدر الإمكان فيهما).
([21])   (أصول السرخسي) 1/143.
([22])   (كشف الأسرار عن أصول البزدوي) 2/191 و(الردود والنقود) 2/151 و(التقرير) للبابرتي 2/886 وراجع (بديع النظام) 1/70 – 71.
([23])   (صفوة الاختيار) ص116.
([24])   وذلك أن مَنْ سمع قول القائل: (زيد وعمرو لا يستويان) فقال: فيم؟ أنَّ مراده: فيم يستويان، أفي كل الصفات أو صفةٍ ما؟
([25])   وإنما حسن الاستفهام في هذه الصور كلها لأنَّ به ينتقل السامع من الدلالة الظنية إلى الدلالة القطعية، وهو مقصود حسنٌ عند العقلاء.
([26])   يعني في طرف الإثبات.
([27])   الضمير في (لكنه) عائدٌ إلى قوله: (وجب أن لا يصدق عليهما أنهما لا يستويان).
([28])   الفرق بين الضدين والنقيضين: أن الضدين يمكن ارتفاعهما ولا يمكن اجتماعهما، مثل (السواد) و(البياض)، وأما النقيضان فلا يمكن ارتفاعهما ولا اجتماعهما، مثل (الحركة) و(السكون). انظر (فروق اللغات) للحسيني ص164.
([29])   التشخص: هو المعنى الذي يصير به الشيء متميزاً عن غيره بحيث لا يشاركه شيء آخر أصلاً، و(التشخص) و(الجزئية) متلازمان، فكل شخص جزئي، وكل جزئي شخص. (الكليات) ص313 وقال التهانوي: التعيُّن والتشخص سواء. (كشاف اصطلاحات الفنون) 1/489 وراجع (التوقيف على مهمات التعاريف) للمناوي ص190.
([30])   (المحصول) للرازي 2/377 – 378 و(تلقيح الفهوم) ص419 و(الكاشف عن المحصول) 4/357 و(نهاية الوصول) 4/1367 و(الفائق) 2/220 و(أصول الفقه) لابن مفلح 2/827 و(تحفة المسؤول) 3/125 – 126 و(فصول البدائع) ص221.
([31])   هكذا أجاب الهندي في (نهاية الوصول) 4/1367 وانظره مفصَّلاً في (الإحكام) للآمدي 2/248 و(أصول الفقه) لابن مفلح 2/827 و(تحفة المسؤول) 3/126.
([32])   (الكاشف عن المحصول) 4/358.
([33])   فصحة التقسيم دليلٌ، وهناك دليل آخر وهو صحة الاستفسار، فإن مَنْ قال: (زيدٌ لا يساوي عمراً) صح أن يقال له: هل هما لا يستويان من كل الوجوه؟ أو أنهما لا يستويان من بعض الوجوه؟ فحُسْن الاستفهام دليلٌ في الطرفين، أي دليل شمول نفي الاستواء مطلقاً لهما. (الإشارات الإلهية) 3/337.
([34])   (المحصول) للرازي 2/377 و(الإحكام) للآمدي 2/247 و(الكاشف عن المحصول) 4/356 – 357 و(تلقيح الفهوم) ص419 و(نهاية الوصول) 4/1367 – 1368 و(الفائق) 2/220 و(أصول الفقه) لابن مفلح 2/826 و(تحفة المسؤول) 3/125 و(فصول البدائع) ص221.
([35])   (الكاشف عن المحصول) 4/358 و(نهاية الوصول) 4/1368 و(الإبهاج) 4/1290 – 1291.
([36])   (الكاشف عن المحصول) 4/358 و(نهاية الوصول) 4/1368 و(تحفة المسؤول) 3/125.
([37])   (العقد المنظوم) 1/341.
([38])   الصورتان هما نفي كل الوجوه، ونفي بعض الوجوه.
([39])   (العقد المنظوم) 1/341.
([40])   مثال عدم إشعار الأعم بالأخص – أي عدم دلالته عليه – أنه لو قال قائل: (في الدار حيوانٌ) فإن لا يدل على خصوص الحيوان الناطق أو الحيوان الصاهل. (الكاشف عن المحصول) 4/357.
([41])   (الإحكام) للآمدي 2/248 و(شرح العضد على مختصر ابن الحاجب) 2/114 و(تلقيح الفهوم) ص419 و(نهاية السول) 1/464 و(تيسير الوصول) 3/279 – 280 و(شرح مختصر ابن اللحام) ص229.
([42])   (فصول البدائع) ص222 – 223 و(سلم الوصول) 2/353.
([43])   (الردود والنقود) 2/150.
([44])   (رفع الحاجب) 3/149 و(الإبهاج) 4/1291 – 1292.
([45])   (الإحكام) للآمدي 2/247 و(منتهى السول) 2/31 و(أصول الفقه) لابن مفلح 2/827 و(تحفة المسؤول) 3/125.
([46])   (الفائق) 2/220.
([47])   (أصول الفقه) لابن مفلح 2/827 و(تحفة المسؤول) 3/125.
([48])   من الآية 20 سورة الحشر.
([49])   (الردود والنقود) 2/150.
([50])   (الإحكام) للآمدي 2/248.
([51])   (بذل النظر) ص187 – 188.
([52])   يعني كون كلٍّ منهما معلوماً ومحكوماً عليه.
([53])   أي يقتضي صفةً ما غير معينة من غير شمول فلابد من تعيينها. (نفائس الأصول) 4/1882.
([54])   (تنقيح محصول ابن الخطيب) للتبريزي 2/252 وعنه القرافي في (العقد المنظوم) 1/341 و(نفائس الأصول) 4/1881.
([55])   (الكاشف عن المحصول) 4/359 و(نفائس الأصول) 4/1881.
([56])   (الكاشف عن المحصول) 4/359.
([57])   كذا في المصدر المنقول منه، ولعل الصواب حذف كلمة «زيداً».
([58])   من الآية 19 سورة التوبة، ومن الآية 18 سورة السجدة.
([59])   (العقد المنظوم) 1/342.
([60])   (نفائس الأصول) 4/1876 و(العقد المنظوم) 1/338 – 339.
([61])   هو خليل بن كَيْكَلْدي بن عبدالله العلائي، فقيه شافعي أصولي من حفاظ الحديث، أخذ عنه الذهبي وغيره، من كتبه (القواعد) و(عقيلة المطالب في ذكر أشرف الصفات والمناقب) و(تلقيح الفهوم) و(منحة الرائض بعلوم آيات الفرائض) توفي سنة 761هـ. (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 3/91.
([62])   (تلقيح الفهوم) ص418.
([63])   (رفع الحاجب) 3/148 – 149.
([64])   هو عبدالرحيم بن الحسن الإسنوي، فقيه شافعي أصولي، من كتبه (شرح المنهاج) في الأصول، و(كافي المحتاج في شرح المنهاج) في الفقه، و(الكوكب الدري) و(المهمات) توفي سنة 772هـ. (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 3/98.
([65])   (التمهيد) للإسنوي ص339.
([66])   (البحر المحيط) 3/121.
([67])   هو محمد بن علي بن محمد الشوكاني، فقيه أصولي من كبار علماء اليمن وأحد المكثرين من التصنيف، من كتبه (إرشاد الفحول) و(نيل الأوطار) و(الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة) و(فتح القدير) في التفسير، توفي سنة 1250هـ. (الأعلام) 6/298.
([68])   (إرشاد الفحول) 1/543.
([69])   (رفع الحاجب) 3/148 – 149.
([70])   وكذلك صنع في كتابه (الإبهاج) 4/1288 – 1289.
([71])   (تلقيح الفهوم) ص418.
([72])   التحيُّز: كون الشيء في مكانٍ ما. (الكليات) ص316.
([73])   قوله: (في هذه الحالة) أي حين يكون الماء بعيداً من الخشبة.
([74])   أي: لوجود التساوي بين الماء والخشبة في المعلومية والتحيُّز وسائر ما ذكر.
([75])   (العقد المنظوم) 1/339 – 340.
([76])   ولأن كلامه فيه، حيث قال قبله: «واعلم أن البحث في تحقيق مسمى (استوى) في صيغة الثبوت؛ فإن النفي يتفرع على الثبوت...» ثم ذكر طريقة الشافعية في معناه حال الإثبات، ثم طريقة الحنفية، ثم قال عقبه: «والذي أعتقده في المسألة أن الحق غير القولين...» الخ. (العقد المنظوم) 1/338 – 339.
([77])   (أصول السرخسي) 1/194 و(المغني) للخبازي ص140 و(بديع النظام) 1/70 – 71 و(التبيين) 1/275 – 276 و(التقرير لأصول البزدوي) 2/886 و(الردود والنقود) 2/150 و(حاشية الإزميري) 1/463 ومعنى مذهب الحنفية ظاهرٌ وقد سبق عند ذكر الخلاف في المسألة، لكن لزيادة الإيضاح يقال: نفي المساواة بين الشيئين لما تعذر حمله على العموم لوجود الاشتراك بينهما في صفات كثيرة وجب صرفه للخصوص، وهذا الخصوص وجهان: وجهٌ نعلمه ووجهٌ لا نعلمه، أما الأول فهو الصورة التي دل عليها السياق فيحمل عليه نفي المساواة لتيقنه، وأما الثاني الذي لا نعلمه فهو ما عدا ذلك من الصور، فيكون مجملاً لعدم علمنا بكونه مراداً بالنفي المذكور، فيتوقف فيه إلى حين البيان.
([78])   هو سليمان بن عبدالقوي الطوفي الصَّرْصري، فقيه حنبلي أصولي مشارك في فنون عدة، وأحد المكثرين من التصنيف، من كتبه (الرياض النواظر في الأشباه والنظائر) و(الإكسير في قواعد التفسير) و(مختصر المحصول) و(دفع التعارض عما يوهم التناقض) و(مختصر الروضة) و(شرح مختصر الروضة) و(معراج الوصول) في أصول الفقه، توفي سنة 716هـ. (الذيل على طبقات الحنابلة) 4/404.
([79])   (الإشارات الإلهية) 3/337 – 339.
([80])   (البحر المحيط) 3/121.
([81])   (إرشاد الفحول) 1/543.
([82])   هو محمد صديق خان بن حسن بن علي القنوجي، فقيه أصولي، كان حاكم إقليم (بهوبال) في الهند، من كتبه (أبجد العلوم) و(فتح البيان في مقاصد القرآن) و(عون الباري) في الحديث، و(البلغة في أصول اللغة) و(حصول المأمول من علم الأصول) و(الروضة الندية) في الفقه، توفي سنة 1307هـ. (الأعلام) 6/167.
([83])   (حصول المأمول) ص211.
([84])   البيت لأبي النجم العِجْلي، فانظر (ديوانه) ص150 و(تخليص الشواهد) ص281 وأم الخيار المذكورة في البيت هي زوجة الشاعر، ولم أقف لها على ترجمة.
([85])   هو الخِرْباق بن عمرو السُّلمي، صحابي جليل من بني سليم، يقال له (ذو اليدين) لطولٍ كان في يديه، ولا تعرف سنة وفاته. (الإصابة) لابن حجر 2/271 و(شرح صحيح مسلم) للنووي 5/70.
([86])   الحديث أخرجه البخاري 482، 714، 1229 ومواضع أخرى، ومسلم 573.
([87])   تَعَرَّفْها: أي تأمَّلْها، وهو فعل أمر. (لسان العرب) 9/237 مادة (عرف).
([88])   البيت لمزاحم بن الحارث العُقَيلي، فانظر (ديوانه) ص28 و(الكتاب) لسيبويه 1/146 والشطر الأول لم يرد في كلام الطوفي.
([89])   (الإشارات الإلهية) 3/337 – 339.
([90])   (البحر المحيط) 3/121 وقد ساق كلام الطوفي باختصار يسير من غير عزوٍ إليه.
([91])   هو منصور بن إسحاق بن أحمد بن أبي جعفر السجستاني، فقيه حنفي أصولي، له كتاب في (أصول الفقه) توفي سنة 290هـ. (كشف الظنون) 1/114 و(هدية العارفين) 2/472 وذكر محقق كتابه (الغنية في أصول الفقه) ص8 – 9 أنه لم يعثر له على ترجمة إلا في هذين المصدرين وأن ما ذكر في سنة وفاته خطأٌ؛ لأنه ينقل في كتابه عن أبي زيد الدبوسي المتوفى سنة 430هـ.
([92])   (الغنية في الأصول) ص84 – 85.
([93])   المقتضَى: هو المقدَّر المحذوف الذي يتطلبه النص ليصدق الكلام أو يصح عقلاً أو شرعاً. مثل قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 184] التقدير: فأفطر فعدة. انظر في دلالة الاقتضاء (الإحكام) للآمدي 3/64 و(شرح تنقيح الفصول) ص53 و(شرح المحلي على جمع الجوامع) 1/239 و(تيسير التحرير) 1/91 و(شرح الكوكب المنير) 3/474 و(نشر البنود) 1/86.
([94])   (إحكام الفصول) للباجي 2/513 – 514 و(تحفة المسؤول) 3/127.
([95])   (تخريج الفروع على الأصول) للزنجاني ص279 وفي بعض المصادر أن الشافعية لا يقولون بعمومه، فانظر (الإحكام) للآمدي 2/249 واشتهر في كتب الحنفية أن الشافعية قائلون بعموم المقتضَى.
([96])   (المسودة) 1/242 و(شرح الكوكب المنير) 3/197.
([97])   (أصول السرخسي) 1/248 و(فواتح الرحموت) 1/294.
([98])   الحديث أخرجه ابن ماجه 2045 وابن حبان 7219 والدارقطني 4351 والبيهقي 15094 – 15096 والحاكم 2/198 وصححه ووافقه الذهبي، وحسَّنه النووي وأقره ابن حجر، وصححه أحمد شاكر وكذا الألباني. انظر (نصب الراية) 2/64 و(جامع العلوم والحكم) ص694 و(التلخيص الحبير) 2/464 و(المقاصد الحسنة) ص228 و(إرواء الغليل) برقم 82.
([99])   من الآية 20 سورة الحشر.
([100])   (الغنية في الأصول) ص84 – 85 باختصار.
([101])   الخُطَّة: الطريق، ويأتي بمعنى الأمر أو الحالة. (تاج العروس) 10/239 و(المعجم الوسيط) 1/244 مادة (خطط). فمعنى قول ابن برهان: (خطةً واحدةً) أي: مسلكاً واحداً، أو حالةً واحدةً.
([102])   (الوصول إلى الأصول) 1/314.
([103])   هو عبدالرحمن بن محمد بن أحمد الشِّرْبِيني المصري، فقيه شافعي أصولي ممن تولى مشيخة الأزهر، من كتبه (تقرير على جمع الجوامع) في الأصول، و(فيض الفتاح) في البلاغة، توفي سنة 1326هـ. (الأعلام) 3/334.
([104])   (البحر المحيط) 3/121 باختصار.
([105])   (تقريرات الشربيني) 2/19.
([106])   (فواتح الرحموت) 1/261 حيث حرر الأنصاري مذهب الحنفية في أن النكرة المنفية تقتضي العموم وضعاً أو عقلاً، ثم خلص إلى اقتضائها العموم وضعاً لغوياً.
([107])   (التحرير مع شرحه تيسير التحرير) 1/201.
([108])   (مسلم الثبوت) 1/261.