نحو تربية جنسية راشدة ... (2) الإخبار الجنسي

يقول بعض المربين بعدم جدوى الإخبار الجنسي للطفل وأنه لا داعي له ، ويتخذون ذلك منهجًا في التربية ، وحجتهم في ذلك الأمر بأنه لو تركنا طفل وطفلة بمفردهما بعيدا عن كل تربية أو مجتمعات إنسانية ، سيتعرفا وبدون مساعدة على إتمام الأفعال الضرورية للتكاثر .

فالجنس - من وجهة نظرهم - يولد ويتطور مع الفرد عبر مراحل عمره المختلفة ، حتى ولو لم يتعلم الفرد عنه شيء مطلقاً ، فمثله مثل الطفل الذي يلتقم ثدي أمه فور ولادته ويقوم بحركات الرضاعة من أجل  إشباع حاجة ضرورية له وللحفاظ على حياته وهو ( الغذاء ) ، فكذلك الوضع في الجنس .

وهنا نقول بأنه مع تتطور الحياة المدنية وتداخلها ، أصبح من الصعب أن نجد ذلك النمو الفطري ، نتيجة لمحاولة الفرد التكيف مع متطلبات المجتمع المتحضر، مما يفرض على المربي توضيح تلك الحقائق الجنسية للطفل ، وإلا سيحصل عليها من مصادر غير مأمونة . فالطفل لديه معرفة غامضة مقرونة بغريزة موجودة ، لذا يحتاج إلى مربي موجه مدرك يرقى بغموض تلك المعرفة إلا عالم الحقائق المجردة المقرون هو أيضًا بعفة الدين ورقيه الأخلاقي ؛ ليتجنب الوقوع في الأخطاء.

والمنهج الإسلامي والقرآن الكريم به من الآيات الكريمة التي تتحدث عن آداب ما يتعلق بعلاقة الزوجين , كما تتحدث عن مفاهيم متعلقة بالعلاقة بين الخاصة بين الرجل والمرأة ، وعن خلق الإنسان : قال تعالى:[ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ  فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ] المؤمنون 5-7 ، وقال تعالى:[ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ] البقرة : 187
وقال تعالى:[ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ] البقرة : 223
وقال تعالى:[ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ] الإنسان : 2

والعديد من الآيات الأخرى والتي توضح أهمية الفهم في هذا الجانب وأهمية التوضيح لأبنائنا حول تلك القضايا الهامة والشائكة ، وخصوصًا في زماننا ذلك ، والذي يمكن أن نطلق عليه زمن ( الانفجار الجنسي ) ، فالطفل لديه من الوسائل ما تمكنه من التعرف على الجنس بصورة خاطئة ( الإنترنت ، والمجلات ، والقنوات التلفزيونية ) ، لذا يجب على المربي أن يقدم المعلومة السليمة للطفل ، لكي يستقيها من مصدر أمن وطبيعي.

وبداية هناك بعض القواعد العامة للإخبار الجنسي يلتزم بها المربي أثناء التعامل مع تلك الحقائق :

1- إعطاء كل مرحلة من مراحل السن قدره المناسب من الإخبار الجنسي ، فلا يعقل أن نركز على الاتصال الجنسي بين الزوجين لطفل العاشرة.

2- قبل فترة المراهقة ننصح بألا تأتي الأجوبة قبل التساؤلات ، ولنعطي لأطفالنا زمام المبادرة . وتتحدد كيفية الإخبار تبعا للسؤال نفسه والمرحلة السنية التي يمر بها الطفل ، فأسئلة كل مرحلة تتوافق مع نموهم الطبيعي والتغيرات التي تطرأ عليهم.

3- إذا حدث وأراد الطفل الإجابة عن أسئلة ما تتعلق بالجنس ، يجب على المربي عدم إظهار الارتباك والتلعثم ، حتى لا يشعر الطفل بأن ما سأل عنه هو نوع من الأسرار التي يحب الكبار عدم التكلم فيها .

4- كذلك إذا سئل الطفل ؛ يجب أن تكون هناك إجابة مقنعة وشافية ، لأنه إن لم يجد الإجابة عندك أيها المربي ، سيبحث عنها بطريقته.

5- في حالة كان السؤال صعب ، والمربي لا يعرف إجابة مقنعة له تتناسب مع تفكير الطفل ، يطلب من الطفل مهلة للبحث والرد على اسئلته ، مع عدم اهمال تلك الاسئلة مطلقًا.

6-  يراعى في تلك الإجابة أن تكون محصورة في إطار السؤال الذي سأله الطفل ، ولا تخرج عنه ، ولا تؤدي لطرحه المزيد من التساؤلات حول مواضيع أخرى ( الإجابة على قدر السؤال )

 

2- طرق الإخبار الجنسي : (1)
يمكن جمعها في ثلاث طرق رئيسية :

أ‌- الإخبار غير اللفظي :
وهو الإخبار بالموقف بحسب التجربة الحياتية للطفل , وتبدأ تلك التجارب مع السنة الأولى للطفل ، حيث يتعرف على أعضائه التناسلية بلمسها ، وتحديد مكانها بالنسبة لجسمه ، ثم تتطور تلك التجارب الحية ليتعرف الطفل على الفرق بين الأعضاء التناسلية للفتى والفتاة.

وكذلك المواقف العادية التي يمر بها الطفل في يومه العادي ، فمثلا إدراكه بأن أبيه وأمه يتقاسمان حجرة واحدة ، وكذلك رؤية أحدى النساء وهي حبلى تثير في رأسه الكثير من التساؤلات ، وكل تلك التجارب يجب التعامل معها بشكل سوي وهادئ.

ب‌- الإخبار اللفظي العادي :

في مرحلة ما من عمر الطفل تتداخل الحاجة لوجود إعلام لفظي للطفل حول الجنس ، فوعي الطفل للحقائق الجنسية بواسطة الكلام مهم في تطوره عاطفيًا ، ويحتاج الطفل في تلك المرحلة إلى مساعدة الكبار الناضجين لكي يوصلوا إليه معنى الحقائق الجنسية بكلمات مناسبة ، أما الكلمات التي يسمعها من رفاقه حول تلك المواضيع تكون في غالب الأحيان نابية أو سوقية. وللكلمة قدرة هائلة فهي تحول الفعل من فعل شريف إلى فعل قبيح ومنفر ، مما سيعطي الطفل إيحاءا بأن الجنس شيء منفر ويجب أن يخفي الأسرار التي عرفها من رفاقه.

ففي إحصائية جرت في فرنسا أن 91.5% من الطلاب أعلنوا أنهم حصلوا على أول معلومات جنسية من مصدر غير سليم ، و 79% منهم أكدوا بأن ذلك كان له تأثير سلبي على اتجاهاتهم نحو الجنس . بينما الفئة التي تلقت إعلامًا جنسيًا مناسبًا لسنهم وتفكيرهم أجابت نسبة ضئيلة منهم لا تتجاوز 1.2% بأن ذلك أثر عليهم سلبيا ، بينما الباقي اعترف بنتائجها الحسنة على حياتهم.

ولا مانع من تسمية الأشياء بمسمياتها العلمية اثناء الحديث حول الحقائق الجنسية ، فيقول د/ برج " أن نسمي الأشياء بأسمائها هو أفضل وسيلة لوضع حد للترجيحات المزعجة ، فالإعلام اللفظي يجلب في كثير من الأحيان الارتياح والهدوء ، كما يؤثر في السلوك الاجتماعي في المناسبات ".

وللثقة عامل مهم وحاسم في توصيل تلك الكلمات الهامة لعقول أطفالنا ، وحينما تخرج من داخل الأسرة فهذا يعني أنها من مصد موثوق به ، مما يضفي على تلك الكلمات الطابع العائلي ، ويساعد أيضًا على ترسيخ القيم العائلية ويساعد على ترسيخ الروابط الأسرية . فالمربي الذي يسعد بهروبه من الاجابة على اسئلة أطفاله الحرجة ، ويظن انه بذلك قد نجا من موقف صعب ، لا يدرك أنه بذلك قد فوت فرصة عظيمة للتواصل والتحاور الايجابي مع أبنائه.

ت‌- الإخبار العلمي:

وهنا ياتي دور المدرسة الرسمي ، فبعد ان فتحنا الكلام في تلك المواضيع داخل العائلة بشكل يغلب عليه العاطفة نحتاج هنا إلى وقفة علمية ليتعرف الطفل على حقيقة التركيب الفسيولوجي المجرد للأعضاء التناسلية للذكر والأنثى .

والتربية الإسلامية تتميز بالتدرج في توصيل المعلومات نحو الجنس بما يتوافق مع طبيعة كل مرحلة من مراحل النمو المختلفة ، ففي فترة الكمون الجنسي ( 6 -9 سنوات ) يبدأ الطفل في تلقي بعض المواضيع الخاصة بالجنس من خلال أحكام الطهارة والصلاة وخلافة عن طريق التعريض ، ثم تأتي مرحلة المراهقة ليكون التلاقي فيها مباشرا حول الغسل وآدابه ونحوه والاحتلام والاستمناء وحكمهما ، ثم في مرحلة الرشد تكون المعلومات أكثر وضوحًا ، حول الجماع وآدابه وسننه ، وهذا التدرج الهادئ نفتقره في مناهجنا فالملاحظ أن الطفل يدخل المدرسة في سن السادسة تقريبًا أي في مرحلة الكمون ، ولا يتعرض لأي معلومات جنسية تناسب مرحلته في تلك المرحلة ولو حتى بالتعريض ، ثم يبدأ الكلام حول تلك المعلومات في بدايات التعليم الثانوي أي في منتصف عاصفة المراهقة ، مما يجعل تقبل الأمر صعبًا على كل من الطالب والمعلم ، فالمعلم يريد أن يعبر سريعًأ على تلك الدروس وكأنها ليست في المنهج – وخصوصًا لو كانت معلمة - ، والطالب نهم لمعرفة تلك الحقائق لما يرى من تغيير يمر به فعليًا ويحتاج إلى تفسير ، ولكنه يخجل من طلب ذلك . لذا ندعو القائمين على المناهج التربوية ، بأن تحتوي المناهج قبل سن المراهقة على مسحة - ولو بطريقة غير مباشرة –  من الحقائق الجنسية من خلال تعريفهم بأداب الاغتسال ونحوه مثلاً ، حتى لا يحدث ما يحدث أثناء فترة المراهقة.

نماذج للأسئلة المتوقعة من جانب الطفل

يمكن تلخيص المواضيع التي يمكن ان يسأل فيها الطفل حسب سنه .
         - فطفل الثانية وحتى السنة الثالثة : تتمحور أسئلته حول الفوارق بين الجنسين ،
         - طفل السنة الثالثة إلى السادسة : تتركز الأسئلة حول مسألة الحمل والولادة،
         - المراهق : فتنصب الأسئلة حول الأمور الجنسية الدقيقة كالزواج والتناسل.

و تطرح " د.ليلي الأحدب " أسلوبا للحوار مع الطفل حول الأمور المتعلقة بالجانب الجنسي : (2)

الطفل: من أين أتيت ؟
الأم: أتيت بأمر الله سبحانه الذي خلقك , وشاء أن تبقى في بطن أمك ثم عندما يكتمل جسمك تخرج من مكان أسفل البطن خلقه الله عز وجل لخروج الأطفال .

الطفل: في أي وقت يخرج الطفل؟
الأم: هذا أمر الله , كل البشر يخرجون من ذكر وانثى , كما خرجنا جميعا من نتاج لقاء أبينا آدم وأمنا حواء , وكذلك عندما يلتقي الزوج مع زوجته  ، يظل الطفل في بطن أمه 9 شهور، وهناك يرعاه الله عز وجل .

الطفل: سن 8 سنوات هل يخرج الطفل عن طريق شق بطن الأم ؟
الأم: ليس في كل الحالات، ولكن يمكن ذلك وفي الحالات العادية يخرج من مكان أسفل البطن جعله الله سبحانه وتعالى مخصص لذلك وهي فتحة قريبة من فتحة البول تتسع عند الولادة ثم تعود إلى طبيعتها بأمر من الله عز وجل .

الطفل: في سن ما قبل البلوغ : (ما معنى الحلم أو البلوغ) ؟
الأم: هي أن يبلغ الطفل مبلغ الرجال ، فيكون هو العمر الذي يكلفه الله به بالطاعات والفرائض , وتكون الطهاره مفروضة عليه , فإذا حدث له حادث تسبب له في خروج شىء من مخرج البول كقطرات ثخينة مع شعوره برغبة فيه فيجب عليه الغسل قبل الصلاة ، وهذا ما يمكن أن يحدث لك بعد عام أو اثنين .

 

ومع الدخول في طور المراهقة ، تبدأ الأسئلة في النضج والصراحة والبعد عن التلميح كالآتي :

- ما هي الدورة الشهرية وكيف تحدث ؟
البويضة تخرج من المبيض وتنزل إلى الرحم في انتظار أن يتم تلقيحها فإذا لم يحدث تلقيح فإنها تذبل وتموت ويطردها الرحم مع بعض الدم ، وتسمى بالدورة الشهرية لأنها تحدث كل شهر قمري بشكل دوري

- ما هو الشذوذ الجنسي ؟
خلق الله عز وجل الرجل وخلق المرأة ليتزوجا وينجبا الأطفال وجعل لذلك مسارا محددا في قوله تعالى "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " آية 222 : البقرة .
ولكن هناك أناس تنحرف رغباتهم الجنسية عن مسارها الصحيح وهذا مايسمى بالشذوذ الجنسي وهؤلاء الشاذون ملعونون عند الله سبحانه ومنبوذون عند الناس , وصحبتهم شر وضرر والبعد عنهم فضيلة ورحمة .

- كيف يعرف الولد وصوله إلى سن البلوغ ؟
قبل سن البلوغ مباشرة تحدث طفرة في النمو الجسمي للمراهق وتظهر علامات لدى الفتى منها ظهور (الشارب) (وعلى العارضين والذقن واللحية) إضافة إلى خشونة الصوت كما تظهر لدى الفتاة منها طفرة في النمو ونعومة في الصوت وبروز الثديين والأرداف وتصل الفتيات إلى سن البلوغ قبل الذكور بعام أو أكثر ثم يحدث في مرحلة البلوغ القذف عند الرجل (الاحتلام) ، ويحدث عند الفتاة نزول دم الحيض أو مايسمى بالدورة الشهرية .

- هل هناك أمراض جنسية تصيب الجهاز التناسلي؟
نعم هناك أمراض جنسية فتاكة بالإنسان والبشرية جميعا ً بسبب اللقاء الجنسي غير الشرعي (الزنا واللواط) ، وهذا ما يطلق عليه الغرب بالأمراض السرية لأن صاحبها يخشى الإعلان عنها مما يساعد على انتشارها ومن أخطر هذه الأمراض مرة الإيدز0

------------------------------------------
( 1 ) التربية الجنسية..كيف نساعد اولادنا علي تخطي فترة المراهقة – موريس شربل – دار المناهل بيروت – صـ 43 : صـ 56 – مختصر بتصرف
( 2 ) ( لمحات حول التربية الجنسية من المفهوم الإسلامي ) – د/ عبد العزيز بن عبد الله الأحمد – موقع مركز حلول للاستشارات النفسية والسلوكية