الدكتورالدويش : الإخفاق التربوي مسؤولية المربين ... المدعوون ليسوا أصفارا

 

حاوره : القسم التربوي بالموقع

كان لموقع المسلم لقاء مبارك مع فضيلة الدكتور محمد الدويش الأكاديمي والمتخصص التربوي ورئيس مجلس إدارة مؤسسة المربي، وقد يسر الله لنا في الحوار أن طرحنا مع فضيلته عددا من القضايا التربوية الهامة جدا والمؤثرة في المسيرة التربوية بالعموم سواء على المستوى الخاص أو العام المسلم : في بداية هذا الحوار نرحب بفضيلة الدكتور محمد الدويش المسلم : هل مفهوم العمل التربوي عند الإسلاميين في المحاضن التربوية المغلقة بآليات مثل الجلسة والحلقة مفهوم ناقص أم أن هذا المفهوم صحيح؟ ج: بسم الله الرحمن الرحيم، منذ وقت طويل ومنذ بداية نشأة الحركة الإسلامية، كانت هذه المحاضن أدوات الاستقطاب وأدوات بناء كوادر الحركة الإسلامية ، وأصبح يطلق عليه مفهوم العمل التربوي وينحصر في هذا الإطار، لكن أعتقد إن ما يُنتظر من العمل الإسلامي من حيث العمل التربوي أوسع بكثير جدًا من هذه البدائل المحدودة جدا، فعلى نطاق العمل الإسلامي ينبغي أن تنفتح أدوات العمل التربوي وتتجاوز الأطر المحدودة، وتستوعب الواقع الذي تغير، وبخاصة أن الأدوات التي نشأت في ظل عصر له خصوصية وله طبيعة لا يمكن أن تستمر كثوابت. البعد الثاني: المجتمع فله حظ مهم من العطاء، وعلينا واجب تجاهه، وهو يتطلب أن نقدم له جهدًا تربويًا، وهذا الجهد يتنوع في عمقه، وفي مضمونه وما يتوقع منه. البعد الثالث: ما يتصل بالتعليم؛ فمنتظر من العمل الإسلامي أن يقدم رؤى وحلولا ومشروعات تربوية تسهم في تطوير التعليم في المجتمعات الإسلامية. البعد الرابع: ما يتصل بالتعليم الشرعي، وهو لا ينفصل عن العمل التربوي. وحينما ننظر بهذة النظرة سنرى أن ما أشرت إليه في السؤال لا يمثل إلا جزئية يسيرة جداً، ومع ذلك فكثيرٌ من معالم هذه الجزئية تحتاج إلى أن يعاد فيها النظر. المسلم: لكن هناك هوة بين العلم والعمل في العملية التربوية، ذكرت فضيلتك أنه ينبغي أن تغلق هذه الهوة أو تُضَيَق، كيف تُضَيق الفعل التربوي من حالة علمية وعظية إلى حالة عملية تطبيقية؟ ج: في نظري أن هناك عددا من الأبعاد، هناك بُعد يتعلق بطبيعة الخطاب التربوي الدعوي، ففي حالات كثيرة قد لا يكون واقعيًا، ويرسم صورًا مثالية وحينئذ لا يمكن أن يتحول إلى عمل لأنه غير قابل للتطبيق ابتداءً، فالإنسان حينما يكون في إطار التفكير والتخطيط يتطلع إلى صور عليا قد لا تكون واقعية. البعد الثاني: أن طبيعة البشر القصور حتى في الأمور الواقعية الممكنة التطبيق، وقد أخبرنا النبي (صلى الله عليه وسلم) بهذا المعنى حينما قال: "لولا أنكم تذنبون لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم"، فللحديث دلالة أبعد من مجرد الوقوع في الذنب، وهي أن القصور من طبيعة البشر، وأنه لا يمكن أن يصل البشر إلى حالة الصورة المثالية، فالذنوب مقدور على تركها، وما لايقدر على تنركه فليس بذنب، ومع ذلك لا يصل الناس إلى هذا القدر. إذا يجب أن نفترض أنه ستبقى هناك إشكالات نتيجة الطبيعة البشرية، ثم يبقى الجزءالذي يمكن إحالته إلى الخلل، وفي نظري أن من أهم ما يسهم في حل هذه المشكلة، العناية بالقدوة، لأن القدوة نموذج عملي يشعر الناس بإمكانية التطبيق، وتؤثر تأثيرا عميقا، يتجاوز مجرد الجانب النظري، والحديث النظري. المسلم: بعض العلماء تكلم في سلبيات العمل الجماعي ، وعرض رؤية تقول : إن الحال الآن لا يناسبه مسألة الانتماء للجماعات ، لكن ينبغي أن تفكك، هذه الرؤية - رؤية العمل الجماعي الذي بٌني على محاضن تربوية - لما له من سلبيات شديدة جدًا متعلقة بالأفراد القائمين على العمل التربوي الذين هم في حاجة إلى الكثير من الكماليات التربوية والرؤية المتكاملة ويقول أنه " ينبغي أن تفك هذه الروابط الجماعية ويكون العمل عملا عاما " فما رؤية فضيلتكم ؟ ج: لست أحبذ الطريقة الحادة في التعامل مع القضايا، والثنائية الحادة في التعامل مع المشكلات، فإما العمل الجماعي أو الفردي. هناك مشكلات عدة حول الجماعي: مشكلات ترتبط بطبيعة العمل الجماعي وآلياته، فكل خيار له مشكلات وله سلبيات، ومشكلات ترتبط بالممارسة، ومشكلات ترتبط بأن كثيرا من تيارات العمل الإسلامي لازالت لم تخرج عن إطار ظروف النشأة التي نشأت في ظل معطيات تغيرت كثيرًا. وما أراه هو أن الحل ليس في هذه الخيارات الصارمة إنما في أن نطور الأدوات، فالعمل الجماعي ليس هو النموذج الوحيد، وهو في الوقت نفسه يحقق أهدافاً لا يحققها العمل الفردي. والعمل الفردي كذلك له مشكلات، ويحقق إيجابيات، والعمل المؤسسي له مشكلات ويحقق إيجابيات. ولهذا فالتعامل الحاد بافتراض أنه ليس هناك إلا خيار واحد وأسلوب واحد من أساليب العمل ليس منطقاً صحيحاً، و تنوع التحديات في الواقع اليوم، واختلاف الناس وتعددهم، وتنوع طريقة تفكيرهم وطبيعتهم يفترض أن يكون عندنا العديد من الخيارات والعديد من الأدوات التي يمارس من خلالها العمل الإسلامي، وفي النهاية هذه كلها هي أدوات ووسائل. وحين نقبل أي خيار فلا يجب أن يقودنا ذلك إلى قبوله مطلقا بكل ما فيه من مشكلات وسلبيات، وحين نكتشف وجود سلبيات ومشكلات في خيار ما فهذا لا يعني رفضه بإطلاق. المسلم: نستطيع أن نقول الآن ان نسبة غالبة من العمل الإسلامي عمل جماعي، وهذا العمل قائم على مجموعة أصول معينة، فهل ترى أن الأمر يحتاج إلى إعادة التأسيس من جديد، لأن هناك بعض الباحثين حاولوا تعديل بعض الرؤى التربوية في بعض الجماعات، فما كان من الحاصل إلا أن عوملوا معاملة الأعداء ج: وجود مشكلات داخل تنظيمات أو تجمعات معينة، ليس مصدره أصل وطبيعة العمل الجماعي، بل قد يكون مصدره الممارسات وأرى أن المشكلة في نظري، ليست مرتبطة بذات العمل الجماعي، إنما هي مرتبطة بعوامل عديدة أبرزها، عاملان أساسيان :. العامل الأول: أن العمل الجماعي تبلورت صورته ونماذجه في ظل ظروف معينة - بغض النظر عن سلامة ذلك الخيار في ذلك الوقت- ، والمجتمعات والوقع تغير كثيرًا، ولا يزال العمل يعيش بالصورة نفسها التي رسمت في ظل واقع سبقها كثيرا. العامل الثاني: يرتبط بممارسات سلبية تأصلت وارتبطت بالعمل الجماعي ومع تطور الوقت أصبحت تعطى مشروعية تعتبر ملازمة للعمل الجماعي، وهو يحتاج إلى حلول جذرية، وإلى أن تعيد المؤسسات الدعوية والجماعات الإسلامية فلسفة العمل الجماعي ومفهومه وأهدافه وأدواته، وأن تفكر بصورة جريئة في تقويم واقعها من الداخل، أما التعامل المتطرف فلن يجدي أياً كان اتجاهه سواء أكان ضد الأوضاع القائمة، أم متمسكاً بها مبرراً لواقعها. المسلم: برؤيتكم هل ترون نجاحا لتلك الممارسات في السابق ؟ ج: نعم، وحين نكون واقعيين، فالحركة الإسلامية رغم كل السلبيات حققت تغييرا كبيرا؛ فالصحوة الإسلامية اليوم -التي أصبحت تيارا يتجاوز التنظيمات الدعوية- كان من أهم عوامل صناعتها ممارسات الحركة الإسلامية مهما قلنا فيها من سلبيات، وفي نظري أن كل فصائل العمل الإسلامي بلا استثناء حققت إنجازات، وعندها إخفاقات، وفي حالات كثيرة يأتي الحديث حادًا إما غلو في المدح أو في القدح ، فالذي يتحدث عن تيار أو عن مدرسة فكرية أو دعوية يتحدث عنها وفق رؤية معينة فإما ينظر للسلبيات بصورة معينة ويصور لك كأن هذا التيار هو من أكبر مشكلات الأمة، أو العكس، فيجب أن ننظر نظرة متوازنة تسعى للإصلاح. المسلم: البعض قد يرى أن تلك الممارسات أوجدت أمراضًا لم تكن موجودة ؟ ج: في نظري أن كثيرا من الأمراض التي ارتبطت بالعمل الإسلامي، لم يكن العمل الإسلامي هو الذي أوجدها ، فعلى سبيل المثال إذا تحدثنا عن التعصب والحزبية، فهي موجودة في مجتمعات المسلمين في العالم الإسلامي القديم ولايزال حاضرا، فهناك أسباب إقليمية وقبلية, وهناك أسباب فقهية أو مدارس ثقافية وهناك تعصب بين المشرق والمغرب, وهناك تعصب داخل كل دائرة من تلك الدوائر، فتجد تعصبا داخل كل إقليم داخل الدولة، وداخل مدرسة جزئية في مدرسة أكبر، فلم يكن التعصب شيئًا جديدًا صنعته الحركة الإسلامية، فعلى سبيل المثال كَتَب شيخ الإسلام قريبا من هذا عن بعض الطوائف والتجمعات في وقته وتكلم عن قضية الحزبية والتعصب وعن من يتعصبون لمن يدخل في حزبهم بالحق والباطل. فمن الظلم أن نقول أن العمل الإسلامي هو الذي أوجد التعصب، فالذين هم خارج إطار الحركات الإسلامية كثير منهم يمارس أنواعا من التعصب والتحزب أشد بكثير ممن هم داخله، فمنهم من انكفأ على مدرسة معينة في التفكير والتعامل مع القضايا، وجعلها أصلا يقيس الناس من خلاله ، فلا يوجد فرق في التعصب والتحزب فالنتيجة واحدة والمشكلات موجودة. ولكني رغم كل هذا لا أبرئ العمل الإسلامي من الحزبية والتعصب، بل هو موجود، والحركة الإسلامية كان لها أثر لا ينكر في توسيعه، بل إعطائه المشروعية أحياناً. المسلم: هل طريقة التلقين التربوي بمعنى إلحاق مسؤولية مجموعة من الأفراد إلى شخص واحد يسمى المربي، ويظل معه لفترة من الزمن ليلقنه تلقينا تربويا ويعتبر المربي هو مصدر التربية الوحيد هل هي عملية تربوية علمية وصحيحة ومفيدة تربويا؟ ج: هذا الأسلوب ينطلق من نظرة للموقف التربوي تفترض أن هناك شخصين الأول مرب يملك خبرات ونعارف عالية، والثاني مترب يأخذ عنه كل شيء ويتلقاه، والواقع خلاف ذلك بكثير، فالمربي إنسان قدراته وخبراته وإمكاناته محدودة، والمتربي له وجوده وقيمته، وهو بحاجة إلى أن ينمو نموا متوازناً ومتكاملا، وينبغي أن يتفاعل مع الموقف التربوي إذا ما أردنا له أن يتربى بطريقة صحيحة. والمدارس التربوية اليوم تتفق على أن هذا الأسلوب أسلوب عقيم وغير مجد، أياً كان موقع ممارسته. المسلم: وهل هذا النموذج موجود بكثرة ؟ ج: نعم هو نموذج موجود، ومنتشر، وليس قاصرا على البيئات الدعوية فهو موجود في الأسرة، والمدرسة وحلقات العلماء والمشايخ، والاختلاف إنما هو في وصره وأشكاله لا في جوهره. المسلم: كيف إذا وجد خلل في عملية تربوية كيف تحدث إن جاز التعبير تلوثًا تربويًا، كيف يخرج المتربى من هذا الإطار؟ هل من نصيحة أو رسالة من فضيلة الدكتور محمد الدويش، لقادة العمل الإسلامي أو المختصين من المربين في العمل الإسلامي في هذا الجانب بالذات؟ ج: أولاً، يجب أن نحترم شخصية المتربي، ونعتبر أن له استقلاليته وله شخصيته، وأنه يجب أن يكون فاعلا في الموقف التربوي ومساهما في صناعة الموقف التربوي، وواعيا للموقف بكل ما فيه، وأن يتجاوز مجرد كونه سلبيًا يتلقى فقط ، وأن يتحول المربي إلى دور التوجيه والإدارة أكثر من دور السيطرة والتلقين، فإذا كنا نريد شخصيات فاعلة، فلابد أن نحدث هذا التغيير. ثانيا: لابد أن تتعدد القنوات، وتتنوع الأدوات والوسائل، فقديمًا كان السلف يؤكدون على الرحلة في طلب العلم، ويعتقدون أن الرحلة أحد أدوات بناء شخصية طالب العلم، وأنك لن تعرف خطأ شيخك حتى تصاحب غيره. إن القدرات التي يمتلكها المربون اليوم ضئيلة جدًا، لا تتلاءم مع ما كان يملكه أهل العلم آنذاك ومع ذلك كان يؤَكد على طالب العلم، أنه يجب أن يرحل، وجزء من أهداف الرحلة مرتبط بسماع الجديد، لكن جزء منه مرتبط أيضًا باكتساب ثقافة جديدة، وبطرق تفكير جديدة، وهذا ظاهر على شخصية العلماء حين ندرس سيرهم. المسلم: البخاري كان له ألف شيخ مثلا نعم المسلم: نحن إزاء مشكلة مزدوجة، ما بين مرب يريد أن يسيطر على المتربي وبين مترب لا يريد أن يفكر في هواء طلق، فبعض المتربين عالة على المربين ، يريد أن يفكر له هذا المربي، يلبس بنفسه طوقا.. ج: نعم، والمربون هم من صنعوا ذلك واللوم ينبغي أن يتجه لهم، فالمتربي نتاج تربية من البداية، و نتاج ثقافة عاش فيها، فحين يعيش المتربي بيئة تسعى إلى تهميش دوره وترى أن مهمته أنه يتلقى ويسمع، وإذا بذل جهدا ، فالجهد فقط في فهم ما يقال له وليس في إعمال عقله وصناعة الموقف، فلن نتوقع منه ألا أن يكون عالة. المسلم: وماذا عن مصطلح المحضن التربوي، هل له دلالة تربوية نافعة ؟ ج: ليست المشكلة من وجهة نظري في المصطلح فنحن الذين نؤطر دلالته، إنما هي في الفليفة والممارسات. المسلم: لكن كمصطلح؟ ج: كمصطلح، لا أعتقد إن فيه مشكلة المسلم: ألا يوحى بنوع من السيطرة كالمحضن الذي يربى فيه الوليد أو ماشابه؟ ج: المشكلة في الثقافة وليس في المصطح كما أشرت، ولهذا فهذه الثقافة تمارس في المدرسة، وتمارس في الأسرة، وتمارس في حلق العلم، وفي كافة المؤسسات التربوية. المسلم: ماهي الطريقة المثلى لتوجيه التفكير، نريد بعض التوجيهات الأساسية أو المحاور الأساسية للعملية التربوية لتغيير أو توجيه طريقة التفكير أو التوجيه الإصلاحي ؟ ج: أولا : نحتاج إلى أن نؤمن بأن من دورنا أن نبني العقول، وأن نعلم من نربيهم طرائق التفكير، فالواقع إذ هذه الأهداف ليست داخلة ضمن دائرة الاهتمام في بيئاتنا التربوية، بل إننا نجد في بعض الأوساط العلمية- وبالأخص السلفية منها - هاجساً كبيراً من مصطلح العقل العقل، وتطرفاً في التعامل معه. ولعل وصف بعض المخالفين وأهل الأهواء بأنهم عقلانيين أدى إلى إيحاء سلبي في الموقف من العقل، ولو أن الله عز وجل لم يرد لنا أن نستخدم العقل لما خلق لنا عقولا، والقرآن والسنة مليئان بالبحث عن العقل والتفكير والنعي على من لا يستخدمون عقولهم. إننا ينبغي أن نستهدف في تربيتنا- سواء في مؤسسات دعوية أو في الأسرة أو المدرسة- بناء العقل بشكل مستقل عن غيره بالمجالات الأخرى، إذ هو يأتي في الغالب تبعا وليس مستهدفا بذاته، فإذا أردنا أن نزيد قدرة الطالب على الاستنباط الفقهي تأتي المهارة العقلية خادمة لهذا الهدف لا أن تكون مقصود بذاتها. و تنمية التفكير والعقل ليست مجرد مجموعة أفكار وخواطر ، إنها عملية تراكمية تبدأ بالمربي الذي يمارس التربية فيجب أن تبني عنده هذه القدرات بشكل صحيح، ثم نزوده بالأدوات التي يمكن أن تسهم في بناء التفكير لدى المتربين، هذه هي القضية المحورية لا يمكن أن تتم من خلال مجموعة من الأفكار والقدرات المحدودة لها ما لم تكن ذات أهداف وبرامج تتلاءم معها. المسلم: هل يمكن طرح هذا الموضوع وأعني به بناء العقل، وهل ممكن أن يكون فيه محاضرات أو مؤتمرات أو غير ذلك لأنه موضوع هام؟ ج: الحديث عن أهمية التفكير وتعليم التفكير مثار الآن في ميدان التعليم بشكل كبير، وهناك مدارس ومشروعات علمية وإدارات خاصة في المؤسسات التربوية تسعى لذلك، لكن في الأوساط الدعوية مازال الأمر يعاني من مشكلة كبيرة، وبالأخص في الأوساط السلفية، ولازال هناك هاجس تجاه التعامل مع هذه القضية، وهناك تضخيم للنظر لآثار الانحراف التي نشأت عن خلل في التعامل مع العقل. فلم يكن مصدر انحراف الفرق التي انحرفت أنها تعاملت مع العقل أو وظفت أدواته، ولكن لأنها تعاملت مع العقل بصورة غير صحيحة، فقدمت العقل على النقل، أو أنها أدخلت العقل في دوائر ليست من ضمن مجاله، وهذه نتفق على أنها غير صحيحة، لكن هناك مساحة واسعة جدًا يتحرك فيها العقل حجبناها، وهناك جهد يجب أن نقوم فيه ببناء العقل وتطوير أدوات التفكير، أهملناه كثيرًا، نتيجة هذا الهاجس. المسلم: هل هذا الهاجس فقط، أم خشية البعض من إتاحة المجال للتفكير لربما خرج الناس من دائرة الاستحواذ؟ ج: نعم ما تقوله موجود فحين نتيح المجال للناس في التفكير، وننمي قدرتهم عليه، فسوف يتجاوزون الخطوط الوهمية التي نرسمها لهم ليتحركوا في خلالها، ويقفزون على الحواجز التي نضعها شعورا منا بأنها سبيل لحمايتهم. والمشكلة الأكبر أن هؤلاء المربين لا يملكون الأدوات فبناء كثير منهم ضعيف، وهم نتاج تربية لم تكن تعنى بهذه الأهداف، وهكذا تدور الحلقة فهؤلاء المربين تربوا على نموذج معين، وأنت تطلب منهم مالا يحسنون. إنه لا يمكن أن نأتي بمرب لم يتعلم منهجية التفكير بشكل صحيح، ولا يمتلك أدواته العقلية بشكل جيد، ونعطيه كتابا أو محاضرة أو فكرة في التفكير الإبداعي أو الخلاق فيتحول إلى إنسان مبدع. المسلم: نلحظ أن الجميع يكرر نفس الخطاب في مسألة التفكير فلماذا عند التطبيق يخشى الكثيرون من تطبيقها؟ ج: ليست المشكلة يا أخي قاصرة على مجرد الاقتناع بأهمية الفكرة، فالتفكير مهارة لا بد ان تكتسب بوعي، وهي مهارة تراكمية لا تتحقق من خلال قراءة أو محاضرة أو درس. المسلم: وهل المتخصصون تربويًا مؤهلون لمهارة الاهتمام بالعقل أو إنضاج العقل ؟ ج: هناك عدد ممن يتناول هذه القضايا ويكتب عنها وهو يفتقر إليها أصلا، إنه نتاج تربية سابقة لها طبيعتها، ولأنه أصبح يتعامل مع قضايا التفكير والعقل كمعرفة مستقلة، فقرأ كتابا أو كتابين أو ثلاثة أو حتى عشرين كتاب، في مهارات التفكير، وعرف مجموعة من المهارات والمصطلحات الهامة، وتصور أنه من خلال هذا وحده سيكون قادرًا على ممارسة التفكير بشكل صحيح. دعني أقرب لك الصورة، فالإلقاء على سبيل المثال مهارة يكتسبها الإنسان من خلال التدريب والممارسة، وهي مع ذلك تحوي أصولاً نظرية، وهؤلاء الذين يتحدثون في التفكير مثل شيخ لا يجيد الإلقاء ولم يتدرب عليه كمهارة، إنما قرأ كتباً عديدة في مهارات الإلقاء، فاكتسب معرفة معينة، لكن هذه المعرفة لن تحوله إلى إنسان قادر على الإلقاء، أعطيك صورة أكثر وضوحًا، فعندما نتحدث عن السباحة كمهارة بدنية، فمهما حاولت أن تعطي الإنسان قواعد في كيفية ممارستها السباحة فلن يستطيع بعدها أن يطفو على الماء؛ لأنها مهارة تحتاج إلى مزيد من التدريب إلى أن يتقنها الإنسان فيمارسها بعفوية، وهكذا سائر المهارات، سواء أكنا نتحدث عن مهارة حركية أو مهارة تتعلق بأداء عقلي أو فكري. إذن فالتفكير مهارة تراكمية أعقد من المهارات الحركية ، وحينئذ لا يمكن أن يتم إكسابها للمربين من خلال مجموعة توجيهات أو محاضرات المسلم: يرى البعض أنه ينبغي أن يربي الناس بالقدوة، فيصطنع القدوة للمتربين، فهل هذه خدعة تربوية ونوع من التدليس يؤدي في النهاية لاهتزاز شخصية المتربي؟ ج: من يفعل هذا التصنع يرى فاعليته، وبغض النظر عن جدوى هذا الأمر ومشروعيته، فإن قيمة القدوة أنها سلوك عملي يراه الناس فيتأسون به، فإذا كانت متكلفة، أصبحت نموذجا متصنعا يفقد تأثيره، فتأثير القدوة مصدره عفوية السلوك وتلقائيته، فحينما أقابل إنسانا يتكلف الابتسامة، ويتكلف الترحيب وأنا أعرف حقيقته، فلن تصلني هذه الرسالة ولن يترك هذا التكلف أثره، لكن لو وجدت أنها مشاعر صادقة ولو اتسمت بالبساطة فستترك أثرها الذي يفوق بكثير أثر التكلف. إن النموذج المتكلف يفقد القدوة تأثيرها، بغض النظر عن كونه سائغا أو غير سائغ، وما نشعر أننا بحاجة لأن نتكلفه للمتربين، يجب أن نتمثله حقيقة، ونجاهد أنفسنا فنتمثله ليصبح جزءاً من حياتنا، وحينئذ لا نحتاج إلى أن نتكلفه. المسلم: هل يصلح التخصص في التوجيه من جهة التربية الإسلامية بالذات، ومن جهة بناء الفرد تربويًا شرعيا إسلاميا ؟ ج: يجب أن نركز على الهدف والوظيفة، في حالات كثيرة ننشغل بالأدوات عن الأهداف، وتتحول الأداة بحد ذاتها إلى هدف، لا يهمني شكل ما نقدمه بقدر ماتهمني النتجية، إن المتربي بحاجة إلى أن يتلقى خبرات، ومعرفة، وعملاً، وأن يرى قدوات ونماذج، وأن يتلقى أدوات في الوعي والتعامل مع الواقع . فإذا وجد عالم قادر على تلبية هذه الاحتياجات كلها بمجموعها، فلسنا بحاجة إلى آخرين، لكن الواقع بخلاف ذلك؛ فاحتياجات المتربين أوسع بكثير من قدرات طلبة العلم والمربين والموجهن...أيا كانت أسماؤهم، والبشر طبيعتهم القصور والضعف فمن يتميز في مجال يفقد غيره، ومن يمتاز بإيجابية يتسم بقصور وسلبية في جوانب أخرى. وهذا يتطلب تنوع أدوات التلقي ومصادره لدى الشاب حتى يمكن تلبية احتياجاته التربوية. ومثل ذلك تنوع تخصصات العلم فالفقيه قد لايحسن تدريس العربية أو التفسير، والمفسر قد لايحسن تدريس العقيدة أو أصول الفقه، وهكذا. المسلم: هل طريقة الاستماع لشيخ ما في درس عام تكفي لكون المستمع تلميذا لهذا الشيخ ويطلق ذلك على نفسه، وهل هذه الطريقة في التلقي تعتبر طريقة كافية في تلقي المنهج؟ ج: مجرد الاستماع للشيوخ والوعاظ لا يكفي في بناء الشخصية، وإن كان يحقق نتاج مهمة ومتعددة، ولا بد من تنوع أدوات التلقي ما بين تلق مباشر يتم بالتواصل، وما بين سماع وقراءة ونحو ذلك. المسلم: كيف تتحقق الموازنة بين التربية الذاتيه، والتربية الجماعية ؟ كيف تقود الجماعية إلى ذاتية ؟ ج: لإنسان يحتاج إلى التربية الذاتية، لتنمي شخصيته، ومهاراته، ويحتاج أيضًا إلى وسط جماعي يعينه على نفسه ويساعده، ويتعلم من خلاله كثيرا من القيم التي لايمكن تعلمها بالتربية الفردية، وقد اعتنى الشرع بهذا المعنى، فأكد المعاني الجماعية في شأن الشعائر كالصلاة وغيرها، وفي الوقت نفسه أكد على المسؤولية الفردية. فوكلاهما مطلوب، وكلاهما لا يستغني عن الآخر ولا يقوم بمفرده، والجو الجماعي لا يكفي لصنع هذه الشخصية، مالم يتفاعل هذا الشخص منفردا مع الموقف الجماعي، بشكل إيجابي . المسلم: مع تناقص هذه القدرات والقدوات في العصر الأخير، ألا ينبغي أن ننهض أكثر بالتربية الذاتيه؟ ج: إذا كان القدوة فيها ضعف وغياب فلن تكون التربية الذاتية قادرة على تحقيق أهدافها؛ لأن الإنسان لن يستقل بإدراك كل شيء، لكني أعتقد أنه مع أهمية التربية الذاتية، فمن من البدائل تنوع القدوات، والقدوة ليست نموذجًا واحدًا، فهناك قدوة في العبادة، وقدوة في السلوك، وقدوة في الأخلاق، ولا يفترض الشخص أن أحدا من الناس هو قدوته الكاملة، ونموذجه الفكري الأوحد، إنما كل يكون قدوة فيما يحسن، وهذا التنوع سيخفف جزءاً من مشكلة غياب الشخصية التي تمثل قدوة متكاملة. المسلم: نلحظ غيابا لأكثرية الدعاة والعلماء عن الرأي العام وهمومه ، ما سبب هذا الغياب وكيف يمكن استدراكه ؟ المسلم: هل هو موجود أصلا من وجهة نظركم؟ ج: نعم موجود إلى حد كبير، لكن طبيعة الواعظ ومهمته ليست قيادة الرأي، وليس هذا هو الدور المتوقع منه، ومن الخطأ أن ينتظر من نفسه هذا الدور، أو ينتظر الناس منه ذلك، فمهمة الواعظ ترقيق القلوب وعلاج أمراضها، وقيمة كل إنسان ما يحسن، إنما قادة الرأي هم الأشخاص الذين هم يملكون القدرة على تشكيل رأي في القضايا التي لا يستقل الناس بوعيها. المسلم: فإذا كان واعظ الرأي يملك وعيًا ويملك حكمة تقودة إلى تشكيل هذا الرأي ؟ ج: نعم، ثم المرحلة التالية تسويق هذا الرأي المسلم: ثم تسويقه ؟ ج: ثمت أشخاص يملكون القدرة على تشكيل رأي يستحق أن يوجه من خلاله الجمهور، لكنهم لا يملكون الشهرة الكافية والقدرة على تسويق آرائهم. وفي المقابل هناك أشخاص أقل قدرة على صناعة الرأي ويبالغون في تسويق مواقفهم وأفكارهم أو قد نبالغ نحن في إعطائهم هذه المكانة، وفي النهايةحينما الشخص يمارس مهمة وهو غير مؤهل لها، أكثر من مرة، سيكتشف الناس ضعفه، ويتجاوزونه. المسلم: كيف يمكن أن نرى عندنا قادة رأي كبارا مؤثرين في الأمة، ما هو السبيل اللي تنصح به المؤسسة التربوية عمومًا؟ ج: هو بناء القيادات في الأمة، فسينتج لنا ذلك وعاظاً وطلبة علم وساسة متميزين وإحدى منتجات هذه القيادات هي إيجاد شخصيات قادرة على صناعة الرأي بشكل جيد. لكن هناك سطحية في تفكير الأمة، وهذه السطحية لا تخلو منها ميادين الدعوة، وبالتالي تتصدر كثيرا من الميادين الدعوية شخصيات غير مؤهلة إنما تجيد الخطابة والحديث مع مشاعر الناس وعواطفهم، وحينئذ لن تكون قادرة على إبداء رأي ولا قيادة رأي للأمة. لكن الاتجاه يسير نحن النضج، وأنا أتفائل كثيرًا، فهناك وعي حاضر داخل أوساط الأمة، وداخل الأوساط الدعوية، هناك تساؤل عن التميز, وأصبحت هناك فعلا تساؤلات جادة، وبحث عن النماذج المفقودة، وهذا سوف يقود إلى أن تتضاءل فرص النجومية للأشخاص غير المؤهلين، وفي المقابل ستتهيأ الفرصة لبروز الأشخاص الذين يملكون تأهيلا أعلى ولو لم يحملو خصائص النجومية المعاصرة. المسلم: سؤال يتبع هذا السؤال، ومن شقين، الشق الأول: ، كيف يمكن كبح جماح الإسراف في إبراز قيادات ليست مؤهلة أو ترقيتها في غير مجالها، والشق الآخر: كيف يمكن كبح هذا الصعود الفجائي لمن خرجوا من خارج عباءة هذه الكيانات، وتصدروا وأصبحوا بالفعل كأنهم قادة رأي، وهم أيضًا غير مؤهلين ؟ ج: في نظري إن مصدر هذا ليس بفعل الآخرين، وبروز كثير من القيادات هي نتيجة عفوية ربما أن أصحابها لم يكونوا يسعون لذلك، هناك أشخاص يعطون عطاء وافق نوعا من الفراغ عند الناس رغبة وتقبل، فأدى ذلك إلى اتساع دائرتهم ، حتى شعروا أنهم فجأة في موقع قيادة، أعتقد انه رغم وجود السلبيات الكثيرة إلا أننا يجب أن لا نقلل من جهود هؤلاء فهم يؤدون دورا جيدا وإيجابيا، وينبغي أن لا تتحول القضية إلى مواجهة وصراع. إننا يجب أن نكون عمليين ونصنع قيادات او نساهم في ذلك ، وفي نظري أن تجويد العمل والبناء أحد الأدوات المهمة في تحقيق ذلك، لكن هذا التجويد ليس بالمفهوم الضيق الذي يدور حول مجموعة محاضن ومجموعة كتب ومجموعة من المعلومات، وكلما أتقنا العمل التربوي وجودناه سوف يؤدي إلى بروز نماذج قوية وناضجة وقادرة على طرح تساؤلات جوهرية، ومن بينها سوف تبرز القيادات . الحل قد يبدو بعيدًا، لكن في نظري في هذا النموذج . فالقائد ليس آلة نأخذه ونعده من خلال برنامج معين ثم ندعه يبرز، هناك الكثير من الناضجين، والأمة تمتلك شخصيات عديدة ناضجة ومتميزة، لكنها قد لا تملك مؤهلات، أو لم يتح لها ظروف وفرص، وأدى هذا إلى أن يكون دورها أقل بكثير من غيرها، وفي الساحة الدعوية نماذج عديدة جدًا يملكون وعيا ونضجا وخبرة، ولكن أداءهم وحضورهم أقل بكثير من آخرين لا يقاربونهم، والفرق أنه هذا الأخير يملك ظروفا وإمكانات معينة أتاحت له البروز والشهرة، وكلما استطعنا أن نوسع دائرة النضج عند الدعاة الجدد أو الجيل الجديد، سوف يزيد من التحدي، ويفرض شروطا أعلى للشهرة والتصدر. المسلم: قضية وحدة العمل الإسلامي هل نطمع في وجود يوم يتوحد فيه العمل الإسلامي ويكون له مرجعية واحدة أم أنه ليس شرطا أن يتوحد العمل الإسلامي طالما يعمل الجميع بتناغم كما يقول بعض العاملين في العمل الإسلامي ؟ ج: اتفق مع هذا الرأي الأخير؛ فالوحدة العضوية غير ممكنة وتتعارض مع طبيعة البشر؛ فعوامل الاختلاف والتنوع في المدارس والأفكار والممارسات الدعوية عوامل تعود إلى تكوين البشر وطبيعتهم. وهذه سنة في تاريخ الأمم، كما كان الاختلاف في المدارس الفقهية والأفكار، وتنوع مدارس العلماء واتجاهاتهم، فليست المشكلة في تنوع المدارس ولكن في آلية التعامل مع هذا التنوع، فإذا تعاملنا معه تعاملاً إيجابياً صار أمرًا تكامليًا ، أما إذا وظف توظيفا سلبيا فسيفضي إلى الصراع والخصومة . وأعتقد أن جزءاً من مشكلة وحدة العمل الإسلامي تتمثل في المطالب المثالية التي ترسم رؤية ضيقة محدودة، وترسم حدودا يجب أن يكون كل الناس داخلها ، و هذه هي المعيارية صورة مثالية لا يمكن أن تتحقق. المسلم: هل يمكن الاستفادة من الممارسات التربوية الغربية أو الشرقية الغير إسلامية أم أن هذا يطعن في الولاء والبراء ؟ وهل يمكن نستطيع ان نعرض مؤلفًا تربويًا أو نعرض فكرة أو طريقة للتفكير ؟ الحق ضالة المؤمن، فهو يتبعه أينما وجد، والتربية علم يشترك في تطبيقاته كثير من الأمم على اختلاف ثقافتها ودياناتها، فما ثبت نجاحه فهو تجربة متاحة لنا بشرط ألا يتعارض مع ديننا. وأظن أن النقاش في هذه القضية مسألة يجب ان نتجاوزها إلى السؤال الإيجابي كيف يمكن أن نستطيع توظيف تجارب الآخرين ومعارفهم؟ والولاء والبراء يتصل بالموقف العقدي والقلبي تجاه الآخرين وليس متصلا بالإفادة من التجارب الناجحة عند الآخرين. المسلم: مشروعاتكم القادمة التربوية؟ ج: نسأل الله العون والتوفيق ، فالمشروعات عديدة منها مشروع قديم كنت بدأت العمل فيه أثناء دراسة الدكتوراه ولعلي إن شاء الله أتمكن من إنجازه، وهو يتصل بالهدي النبوي في التربية، وأعتقد أنه يحتاج العديد من القراءات، لأن الإنسان ينظر في إطار رؤية بشرية قاصرة، ومهما كتبنا عنه وتناولناه سيبقى يستوعب المزيد ، ونسأل الله أن يعين على هذا المشروع. المسلم: ألا يخشى من الكتابة في مثل هذه الأمور أحيانا إنه يضيق مثلا أو يتحجر واسعا، أو يلوى عنق نص معين في فهم قضية تربوية عصرية مثلا، أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما وجه فلان إلى كذا وإنما وجهه من أجل كذا؟ ج: بلى هذا وارد، وكثيرًا ما يحصل، ونحن بشر، وسنقع في هذه الهفوات وغيرها، لكن هذا لا ينبغي أن لا يعوقنا عن العمل إنما يقودنا إلى الاعتناء والإتقان، والسعي للموضوعية قدر الإمكان، ومع ذلك لن نصل إلى الحق في كل ما نقول، فسنبقى بشرا، لكن التفكير بهذا الهاجس يمنعنا ً من استجلاء التربية النبوية من خلال منهجية تربوية، وهذا الإشكال يرد حتى في التعامل مع المسائل الفقهية والعقدية وغيرها؛ فالخطأ في الاستدلال والاستنباط لا يسلم منه أحد. المسلم: هل النظرة من خلال نظرية تربوية حديثة والولوج بها إلى تربية النبي صلى الله عليه وسلم أو العكس؟ ج: ليس في نظري هذا ولا ذاك، حينما نأخذ قالباً معيناً ثم نحاول أن نفهم السنة أو السيرة من خلاله فسنصل إلى استنتاجات ليست صحيحة، لكن حينما يكون عندنا بناء تربوي، يوسع أفقنا في النظر للتربية، ثم نعود فنقرأ السيرة النبوية من خلال هذا الأفق، فسنخرج بأشياء جيدة المسلم: لكن تكون النظرة من الأصل إلى الفرع وليس من الفرع إلى الأصل؟ ج: ليست القضية من أين نبدأ، القضية هي أننا يجب أن نمتلك أدوات تساعدنا على فهم التربية النبوية، وأدوات تربوية تعيننا على فهم الموقف التربوي، ونمزج بينهما دون أن نستعيرها كإطار نفهم من خلاله السيرة. المسلم: كلمة ولو بسيطة لقراء المسلم؟ ج: هو أن يحرص كل منا على أن يقرأ سواء في هذا الموقع أو غيره، وأن يعتني باختيار ما يستفيد منه، و يوظف ما يقرأ بصورة إيجابية، وألا ينشغل بمشكلات وسلبيات بعض ما يقرأ عن الجوانب المضيئة جزاكم الله خيراً