الثمرة المرجوة للتربية الإسلامية

الإسلام دين عملي، واضح ومحدد، له أهداف وغايات، وله وسائل توصل إلى هذه الأهداف والغايات، ومن أجل ذلك فإن له فلسفة وتصور وفكر خاص به، يجمع هذه الغايات والوسائل ويحكمها ويضبطها.

ومن الأهداف الإسلامية المهمة، إيجاد وتكوين الشخصية المتكاملة المسئولة، ذات النفع للآخرين، الشخصية المتعاونة، التي تبذل الخير لغيرها، وللوصول لهذا الهدف وهذه الغاية، صاغ الإسلام شخصية المسلم بطريقة دقيقة، تجمع الجسد والروح والعقل والنفس، في إطار منظومة متكاملة، لو نفذتها بدقة برامج التربية الإسلامية، فإنها ستقود حتمًا إلى صياغة الشخصية بالشكل الإيجابي المطلوب.

فإذا كانت بعض الأديان والفلسفات والحضارات تركز على الجسد مهملة الروح، وبعضها الآخر يهمل الجسد ويتواصل مع الروح ببرامج عاجزة، فإن التربية الإسلامية يتكامل فيها الاهتمام بالروح والجسد والعقل والنفس.
ومن هنا، كان المسلم، على مر الزمان، تكوينًا فريدًا في بنائه الداخلي، الذي يجعله يواجه الصعاب والآلام بنفس راضية مطمئنة، وهو في ذلك يملك روحًا عالية للمقاومة، تثير غيظ الغزاة والطغاة، لأنه يحمل روحًا لا تقبل الذل والاستكانة، كما أنه دائم اللوم لنفسه، من أجل أن يطوعها حتى يستطيع قيادتها إلى الخير والإيمان، بدلاً من أن تقوده هي إلى الهاوية والهلاك.

التفرد في حياة المسلمين الروحية

والمتأمل في ماضي المسلمين، أيام صعودهم الحضاري وفي واقعهم الحالي، يجد أنهم في الأوقات التي يخيل للناس أنهم في طريقهم للتحلل والذوبان، نتيجة لضعفهم، سرعان ما ينتفضون ويستعيدوا قوتهم.
كما أنهم، ورغم هزيمتهم وضعفهم، لديهم ما يستطيعون من خلاله أن يقنعوا الغزاة المحتلين بدينهم، فيسارع الضباط والجنود الأمريكان في العراق مثلاً إلى اعتناق الإسلام، كما فعل ذلك التتار من قبل وقت غزوهم لبلاد المسلمين، ورغم أنهم كانوا هم الطرف المنتصر. والسبب أن المسلمين يمتلكون دينًا وسطًا واقعيًا فعالاً في مختلف جوانبه.

وأهم جوانب الإبهار والجاذبية عند المسلمين، هي حياتهم الروحية، وسوف نتحدث عنها من خلال مقارنتها بالحياة الروحية عند الغربيين، وخاصة الأمريكان، الذين يتربعون على عرش الحضارة العالمية الآن.
ولن نجهد أنفسنا حتى نتأكد أن الفراغ الروحي في المجتمع الأمريكي أنتج مضاعفات ومعاناة خطيرة في حياة وسلوك الأمريكيين، حيث ينتشر القلق، وتزداد حوادث الانتحار، وتتصاعد جرائم العنف حتى على مستوى طلاب المدارس الابتدائية، كما تحدثت عن ذلك وسائل الاعلام، فضلاً عن الفساد الأخلاقي المستشري.

وفي قائمة الكتب الاكثر مبيعاً في أمريكا، كتاب عنوانه (الخروج النهائي) تأليف البريطاني (ديريك همفري سيتندر) يتحدث عن أساليب الانتحار ووسائله المختلفة، بلغة إرشادية توجيهية.

هذا الواقع المأزوم لفت انظار المفكرين الغربيين إلى موقع الخلل في الحضارة المادية، وهو الخواء والفراغ الروحي، كما دفع بفئآت من المجتمع الأمريكي والغربي، إلى البحث عن مصدر إلهام روحي، يسد ذلك الفراغ، ويملأ ذلك الخواء، مما أفسح المجال لنمو التوجهات الأسطورية والخرافية.

ومن القضايا التي يتناولها التلفزيون الأمريكي، مسألة كشف الغموض ومعرفة الحظ أو قراءة الطالع والبحث عن المفقود حتى وإن كان حبيباً أو رفيقاً، أو ربما مالاً وجاهاً، ففي هذه الحال عليك أن تتصل برقم مكتوب على شاشة التلفزيون وتحكي ما تعاني منه أو تبحث عنه أو ربما ما تريد أن تتجنبه، وسوف تعطى الإجابة عما تريد: هل فقدت مالاً؟ هل فقدت أوراقاً ووثائق مهمة؟ سوف يظهر لك شخص دجال أو طبيب يقودك بالإيحاء لإيجاد ضالتك ويحصل منك على حاجته وهو المال بالطبع.

وبالمقارنة بهذا التخبط والخواء الروحي، نجد أن الإسلام يعنى عناية خاصة بالروح، وهي في نظره مركز الكيان البشري ونقطة ارتكازه، وهي القاعدة التي يستند إليها الكيان كله ويترابط عن طريقها، وهي المهيمن الأكبر على حياة الإنسان، ويكفي أنها صلة الإنسان بالله.

وطريقة الإسلام في تربية الروح هي أن يقيم صلة دائمة بينها وبين الله، في كل لحظة وكل عمل وكل فكرة وكل شعور، ووسائل الإسلام في ذلك متعددة منها النظر في هذا الكون الواسع المبدع المعجز، واستحضار قوة وقدرة الله عز وجل، التي توقظ القلب، وتشحذ العقل وتقدح زناده ليسبح الله ويجله ويعظمه.
وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم مهمتها أيقاظ القلوب وتحريك المشاعر لله عز وجل، وإخراج الناس من الإلف والعادة إلى الربط بالله تعالى والتفكير في قدرته الخلاقة المبدعة حتى يكون هذا الكون بما فيه نقطة وصل بين الإنسان وربه.

ثم يأتي بعد ذلك دور العبادات، التي تربط الإنسان بخالقه، والإسلام يوسع معنى العبادة حتى تشمل كل الحياة. كل عمل يتوجه به الإنسان إلى الله فهو عبادة، وكل عمل يتركه الإنسان تقرباً لله واحتساباً فهو عبادة، كل شعور نظيف في باطن النفس فهو عبادة، وكل امتناع عن شعور هابط من أجل مرضاة الله فهو عبادة، وكل ذكر لله في الليل والنهار فهو عبادة.
ومن ثم تشمل العبادة الحياة، ويصبح الإنسان عابداً لله حيثما توجه إلى الله، وبهذا المعنى تصبح العبادة هي الصلة الدائمة للروح.

وهكذا كانت النتيجة والثمرة لهذا الجانب الروحي، الذي تغرسه مناهج التربية الإسلامية في نفوس المسلمين، هو اطمئنان، وهدوء، ورضا، واستقرار، وتسليم بالقضاء والقدر، والتطلع إلى ما عند الله وطلب الأجر منه، والتعفف عما في أيدي الناس، ولهذا فإننا نجد أن الفقير المسلم لا ينتحر ولا يفكر في الانتحار، بل يعتمد على الله ويبدأ من جديد لو أصابته خسارة أفقدته كل شيء، أو يتوب ويبدأ من جديد لو ارتكب الذنوب والمعاصي.
كما أن المسلم الملتزم بالإسلام، مهما كان فقيرًا أو ضعيفًا فإنه يعيش في سعادة واطمئنان يحسده ورضا عليها الأثرياء والجبابرة وأهل الضلال والظلم.

التميز الإسلامي في تقويم النفس

ولكي تكتمل الصياغة الربانية، فإن الإسلام ينظر إلى نفس الإنسان على أنها مستودع قوي، والمؤمن الذي يطيع ربه يكون ربانياً، فالله هو الذي يقول للشيء كن فيكون، وطاعة الله واجبة لقوله تعالى: [إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم] ويعني هذا أن على الإنسان اتباع أوامر الله واجتناب نواهيه حتى ينال رضا الله وييسر له أموره.

ولما كان من أصعب أنواع الجهاد جهاد النفس، فهذا يدل على مدى أهمية النفس في الإسلام، والعاقل يعلم أن حياته الصحيحة هي التوبة والرجوع إلى الله سبحانه ومحبته واغتنام الفرص للعبادة، وهذا من أهم أساليب العلاج النفسي وقد سئل النبي عن أفضل الناس فقال: (كل مخموم القلب صدوق اللسان، فقالوا له صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ فقال هو التقى النقي لا إثم فيه ولا بغى ولا غل ولا حسد).

والسنة النبوية وتعاليم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، هي البلسم الشافي للنفوس الطالبة لليقين، الظامئة إلى الحق، والنفس في السنة النبوية إذا صلحت صلح أمر الجسم، وإذا فسدت فسد أمر الجسم، فعلاجها أولى وأهم من علاج البدن. فالمقصود من هذا أن كثيراً من الأمراض العضوية يكون سببها المباشر أو غير المباشر نفسي أي نتيجة اضطراب الحالة النفسية.

وقد قام الرسول - صلي الله عليه وسلم- بتشخيص الأمراض البدنية التي ألمت ببعض أصحابه ووصف العلاجات المناسبة لها، وربط صلى الله عليه وسلم بين العلاج البدني والعلاج النفسي، فنصح بعض أصحابه ممن يعانون منهم بألم في بطنه أو ألام في رأسه بالصلاة أو الاستعاذة أو باستخدام الرقية أو بذكر بعض الآيات القرآنية كالمعوذتين و آية الكرسي وغير ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة.

ولقد كان العلماء المسلمين وعلى رأسهم الغزالي وابن تيميه وابن حزم سابقين للمعالجين النفسيين المحدثين من أتباع مدرسة العلاج السلوكي المعرفي في تركيز الاهتمام في العلاج النفساني على تغيير أفكار الفرد ومعتقداته السلبية أو الخاطئة، على اعتبار أن أفكار الفرد ومعتقداته هي التي تؤثر في سلوكه، فهؤلاء العلماء المسلمون السابقون هم في الحقيقة رواد العلاج السلوكي المعرفي الحديث.

وقد كان أبو حامد الغزالي مجدداً ومبدعاً حينما تناول في كتاب "إحياء علوم الدين" موضوع رياضة النفس وتهذيب الأخلاق وعلاج أمراض النفس، وقد أخذ الغزالي على عاتقه مهمة القيام بإصلاح الأخلاق وعلاج آفات السلوك، وقام بتحليل دقيق للأخلاق المذمومة الشائعة، وحدد أسبابها، ووصف أساليب ناجحة فعالة في علاجها، وكان هذا إسهاماً رائعاً منه في موضوع تعديل السلوك، تميز بدقته وعمقه عما سبق من المفكرين الإسلاميين .. كما أنه سبق به المعالجين النفسانيين السلوكيين المحدثين بحوالي تسعة قرون.

وبدأ الغزالي تناوله تناوله لموضوع تعديل السلوك وعلاج أمراض النفس بتعريف حسن الخلق أي السلوك السليم إذ أنه على أساس معرفتنا به يمكن معرفة الخلق المذموم أي السلوك غير السوي أو المنحرف.
وأوضح الغزالي أن الأخلاق قابلة للتغير أي أنها يمكن أن تكتسب بالتعلم ويمكن تغييرها أيضاً بالتعلم وهذا القول يتفق مع ما يقوله علماء النفس المحدثون من أصحاب نظرية التعلم ، غير أن الغزالي لم يغفل أيضاً أهمية دور الوراثة.

ومرة أخرى نتوقف على الثمرة في هذا البناء النفسي الرائع الذي تقوم به التربية الإسلامية، التي تدفع المسلم دائمًا إلى اتهام نفسه ومحاسبتها، وعدم الرضا عن خلقه وسلوكه، وإنما يجب التطلع للفضل من أجل تعديل الخلق والسلوك، عن طريق الاقتداء بالمثل والقدوة، وهو رسول الإسلام – صلى الله عليه وسلم -.

حياتنا العقلية هي بوابتنا للنهضة

أما العقل فقد شرفه الله عز وجل العقل بالخطاب وجعله مناط التكليف، وندبه إلى النظر والتفكير، ووجه انتباهه إلى ملكوت السموات والأرض.
وقد بدأ القرآن الكريم تربية العقل عن طريق تحديد مجال النظر العقلي فيصون الطاقة العقلية أن تتبدد وراء الغيبيات التي لا سبيل للعقل البشري أن يحكم فيها.
وينطلق العقل من المعرفة بالله تعالى، لتمتدَّ هذه المعرفة إلى معرفة كل ما خلقه الله تعالى، وكل ما أبدعه.

لذلك كانت توجيهات أئمة الإسلام ودعاته المخلصين ومفكريه المميزين إلى توجيه الأمة إلى ضرورة تنمية عقول أبنائها بالفكر والتأمّل والتجربة المستمرة والممارسة، وأن تدرس لهم كلَّ خطوة ليعرفوا إيجابياتها وسلبيّاتها.
وهكذا فإنه، تواصلاً مع عطاء هؤلاء الأئمة الكبار، يجب علينا أن نعطي الجيل الجديد علماً وتربية، ولكن مع ذلك، وقبل ذلك، علينا أن نحاول توجيه الجيل الجديد إلى أن يفكر، لا أن نوجهه إلى أن يقلّد.
علينا أن نربي أولادنا منذ البداية على التّفكير النّاقد، وكيف ينتجون الفكر، وكيف يعتمدون على أنفسهم، وكيف ينمّون عقولهم، وليتعلم الآباء والأمّهات أن لا يقمعوا الأبناء ليمنعوهم من التفكير، وليمنعوهم من الحوار معهم والمناقشة، حتى ننشئ جيلاً يملك الاستقلال في عقله، وفكره، ويخطط لمستقبله.

والنتيجة المتوقعة لهذه التربية العقلية هي أن تقيم الأمة نظام تعليم كفؤ، ينظر إلى التعليم باعتباره منظومة متكاملة تهدف إلى تأسيس المنهجية العلمية، التي تجمع العقل والنقل، والتأكيد على النظرة الموضوعية، واتساع الأفق في التعامل مع ثقافات الغير، وربط التعليم بضرورات الحياة الاجتماعية، وسيادة نظم التعليم النقدي مقابل التعليم التلقيني.

والنتيجة المتوقعة لهذه التربية العقلية الإسلامية هي حتمية مواجهة كفؤة للأمية بأنواعها الأبجدية، الثقافية، التكنولوجية، المنتشرة في مجتمعاتنا العربية، والتي تشكل تحديا لكل خطط التنمية والنهضة. فإذا كان رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – قد طلب من أسرى بدر فك أمية نفر من المسلمين، فمن العار علينا ونحن في القرن الواحد والعشرين أن تكون الأمية نصف مجتمعاتنا.
والنتيجة المتوقعة للتربية العقلية الإسلامية أيضًا، أنه تواصلاً مع حضارتنا التي بنيناها وأقمناها بالفعل، واستمرت قرونًا، يجب أن نبعد عنا ثقافة التعصب والإقصاء والانعزال عن العالم وما فيه من تيارات، بل لابد أن تكون ثقافتنا متفاعلة منفتحة تستفيد من الإنجازات العالمية، والقيم العالمية البناءة والإيجابية المشتركة معنا في الضمير الإنساني العام.

كما أن من النتائج والثمار المرجوة للتربية العقلية الإسلامية مواجهة انتشار الفكر غير العلمي وسطوته على الجماهير البسيطة، خاصة ما كان فيه موروثات ما قبل الإسلام (المفاهيم الفرعونية والمسيحية في مصر مثلاً)، أو من موروثات عصور التخلف والانحطاط والبعد عن الإسلام، التي زرعها فينا الغزاة والأعداء، وما يشكله هذا النمط من الفكر والقيم في عرقلة اعتناق فكر أكثر نضجًا، يساهم في دفع المجتمع للأمام.

إن قدرة الأمة غير محدودة في الإنتاج والإبداع، ولكن ينبغي أن تصبح هذه القدرة مشاعة، وليست مقصورة على بعض النخب المثقفة، ولهذا لابد من نشر وإشاعة الفكر المنهجي النقدي، إشاعة مجتمعية شاملة، فهو أهم وأعظم الأسلحة لتجاوز التخلف بشرط أن يصبح في يد الجماهير، لا محصوراً في أيدي وعقول قلة أو نخبة من المثقفين.

أسباب عناية الإسلام بالجسد

لو نظرنا في تاريخ المجتمعات قبل ظهور الإسلام، لوجدنا مجتمعات اهتمت كثيرا بالجسد ومن ثم اهتمت بالرياضة من أجل الارتقاء بالجسد والمحافظة عليه قويًا، إلا أن الفكر الذي بنيت عليه كان فكرا منحلا. فالمجتمع الفارسي والروماني مثلا كان أساسهما تكوين مواطن قوى حتى يستطيع السيطرة على الغير واستعماره والحصول على ما في يده وإذلاله وإخافته. ولم يكن في الأمر قيم ومثل.
كما وجدنا مجتمعات أهملت الجسم وأهملت بالتبعية الرياضة إهمالا تاما وصل إلى درجة التحريم، وهذا ناتج عن فكر غير سليم. والعرب قبل الإسلام اهتموا بالفروسية والمبارزة والرياضة ومع هذا كان الأساس الفكري لهذا الاهتمام غير سوي.

وفي القارة الهندية نجد البوذيين الذين قالوا إن المادة شر وإن أهم شيء أمامهم حتى يصلوا إلى مرحلة الاتحاد مع الإله كان هو عدم الاهتمام بجسم الإنسان كي تسمو النفس وتصبح جديرة بالاتحاد مع الإله.
وبعد أن سادت المسيحية في الشعوب الأوروبية في القرون الوسطى رفعوا شعارات مثل (أنقذ روحك – دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله – أهم شيء للقساوسة والرهبان الروح). وبدأ الرهبان والعباد يضربون المثل بأنفسهم فيعذبون الجسد ولا يعتنون بالنظافة والتغذية .. وكان هذا لأنهم نظروا للإنسان نظرة غير متوازنة باعتبار أن أهم ما فيه هو الروح وأن الجسد لا قيمة له وأن الجسد عبء على هذه الروح ولكي يخففوا من هذا العبء فلا بد من إهمال الجسد إهمالا تاما.
وأدى ذلك إلى سوء الحالة الصحية للناس وانتشار الأمراض بينهم وبهذه الطريقة لا يمكن أن تتحقق خلافة الإنسان في الأرض.

أما الإسلام فكان متوازنًا في هذا الجانب أيضًا، فقد دعا رسول الإسلام – صلى الله عليه وسلم – إلى ضرورة أن يكون المؤمن قويًا، فقال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير ...)، ولما رأى بعض الصحابة رسول الله يقوم الليل ويصوم كثيرا فهموا أن ذلك عزوف عن الدنيا فقال أحدهم أنا أقوم الليل ولا أنام وقال الآخر وأنا أصوم ولا أفطر وقال الثالث وأنا لا أتزوج النساء. فاعتبر الرسول ذلك أمرا خطيرا وقال ألا إني أصوم وأفطر وأقوم وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني.

والمتأمل في حال المجتمعات الغربية يجد الانتشار الكبير لظاهرة البدانة المرتبطة بالوفرة والبحبوحة التي يعيشها الغرب، حتى أصبحت البدانة ظاهرة مقلقة هناك، بما فيها من خطورة على الصحة، وانعكاسات سلبية على مستوى أداء الفرد. أما التربية الإسلامية فإنها تنظر إلى هذه الظاهرة معتبرة أن الإيمان بأن أي نظام غذائي دون اعتبار الحاجات الروحية، وبإهمال للتجديد الفكري، لا بد أن يبوء بالفشل، وصيام شهر رمضان كعبادة دينية لا يحقق نقص الوزن والكولسترول فقط، بل هناك المزيد من الفوائد مثل الانتعاش الروحي وضبط النفس، وتعديل الأولويات، والتراحم والتواصل الاجتماعي.

والتعليمات النبوية تخبر المسلمين أنه (ما ملأ ابن آدم وعاءً شر من بطنه؛ فإن كان لا محالة فاعلاً؛ فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه)، وما ذلك إلا اهتمامًا بالجسد، وتحسينًا من كفاءته، لأن هذا الجسد هو الذي سيعبد الله ويقيم الحضارة، في آن واحد.