د . عبد الرزاق الجاي للمسلم : هناك اختراقات كبيرة لمؤسسات العلماء بالمغرب من الجهال بالشريعة

يعتبر الدكتور عبد الرزاق الجاي - أستاذ السنة وعلومها بجامعة الرباط وعضو الدائرة العلمية للدراسات الإسلامية وعضو المجلس العلمي للرباط - ، أن أفضل الوجوه التي ينبغي أن نرد بها على الإساءات التي قامت بها بعض الدول الغربية لمقام الرسول صلى الله عليه وسلم هو الجواب الحضاري المتمثل في إحياء سنة رسول الله في قلوب المسلمين.
ويؤكد الجاي في حوار لموقع المسلم أن "هناك من اخترق مؤسسة العلماء في المغرب وليس بعالم، وتوجد نماذج خطيرة جدا اخترقت المؤسسات العلمية وشرعت من هذه المنابر تحارب شرع الله تعالى"، مبرزا دور العلماء في تأطير الشباب، ونافيا عنهم مسؤولية البعد عن هذه الشريحة الحيوية من المجتمع. وفي الحوار قضايا أخرى هامة ..لنتابع:

* يعرف العالم الإسلامي حاليا زخما كبيرا في المشاعر اتجاه قضية الرسوم المسيئة لمقام الرسول الكريم وإعادة نشرها مؤخرا، في رأيك كيف يمكن التصدي لمثل هذه الإساءات باعتبارك أستاذا للسنة وعلومها ومنافحا عنها في المحافل العلمية بالمغرب وخارجه؟

ـ المدافعة والتدافع بين الحق والباطل سنة ربانية باقية إلى قيام الساعة، يقول الله تعالى في سورة البقرة آية 251: (ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين)، والجواب في رأيي على هذه الإساءات القديمة الجديدة المتجددة يكون من وجوه ثلاثة:
الوجه الأول: جواب حضاري ـ الوجه الثاني: جواب لا يتعدى رد الفعل. والوجه الثالث في شكل إعراض سلبي.
أما الجواب الحضاري فيتمثل في إحياء سنة رسول الله في القلوب، ويُوجه هذا الخطاب بالدرجة الأولى والأساسية للمسلمين أنفسهم لأن المسلم اليوم بحاجة إلى التعرف عن قرب على سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وبحاجة إلى التفقه في سيرة هذا النبي لأنه لا يمكنه أن يحيى حياة إسلامية حضارية إلا إذا تمسك بهذين الرافدين: رافد السنة وما تحمله من أحكام وتشريعات، ورافد السيرة وما يحمله من سلوك وأخلاق ربانية عالية.
والجواب الثاني يمكن أن نجعله في إطار اقتصادي كأن نقاطع هذه الدول التي سمحت بهذه الإساءة إلى دين الإسلام ونبي الإسلام، أن نقاطعها اقتصاديا فلا نقبل
على شراء بضائعها وإن حاولت أن تغير أسماء هذه السلع فلا بد أن يكون المسلم على بينة من ذلك ويرفض التعامل الاقتصادي، وفي نفس الوقت يسمح له أن يعبر عن غضبه، لكن هذا الغضب يجب أن يكون حضاريا، يعني أن لا ينحو نحو إحراق أو سب أو شتم، لأن هذه الأفعال قد تأتي بنتائج سلبية، وبالتالي فرد الفعل هذا يمكن أن نقبله.
والوجه الثالث هو الإعراض السلبي، وأقصد بذلك موقف الحكومات الإسلامية التي لم تول اهتماما كبيرا لهذه المسألة إلا بشكل سلبي تمثل في الإعراض دون تسجيل أي موقف حازم تتبناه من أجل نصرة الرسول الكريم ونصرة الدين الإسلامي الذي هو سبب قيامها، فبدون هذا الدين لا يمكن أن تكون هذه الدول أو تقوم لها قائمة.
والذي أراه أن الانتصار للإسلام ولنبي الإسلام يجب أن يتخذ سبلا كثيرة تبدأ من تعريف المسلم بإسلامه، فكثيرون من المسلمين لا يعرفون في الإسلام إلا رسمه، ولا يعرفون من الدين ما هو معلوم منه بالضرورة. فالذين أساءوا للإسلام وجدوا الفرصة سانحة لأنه يوجد من أهل الإسلام من لا يعرف تعاليم دينه حتى، بل منهم من نصب نفسه ضد هذه التعاليم.

*هناك من يقول إنه لا ينبغي إعطاء حجم اكبر لما حدث ويحدث، وأنه على المسلمين أن لا يكونوا دائما بصدد رد الفعل، وعليهم القيام بالفعل، كيف ترى هذا المعطى؟

ـ ما حدث يحدث حاليا وسيحدث مستقبلا، لأن الله تعالى قضى بذلك فخاطب المؤمنين (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم)، فالمنطوق من الآية يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم لن يحبه النصارى إلا إذا اتبع ملتهم، والمعنى أنه لو تهود أو تنصر فلن يحظى بمحبة ورضا اليهود والنصارى، فالنظرة اليهودية نظرة قومية وعرقية بدعوى أنهم شعب الله المختار وليس غيره.
وبرأيي، لا أتفق مع أصحاب الرأي الذي يقول إنه لا ينبغي إعطاء حجم أكبر لهذه الأحداث والوقائع، بل علينا أن نعطيها حجما كبيرا ذلك أنها أثارت في أنفسنا ـ نحن المسلمين ـ السؤال العريض: هل نحن مسلمون حقا؟ وهل حققنا فعلا مقتضيات محبة الرسول صلى الله عليه وسلم التي بينها الله في سورة آل عمران بقوله: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم)، فمقتضى المحبة ليس في إقامة المظاهرات فحسب، نعم المظاهرات يمكن أن تخيف الطرف المسيء وأيضا المقاطعة الاقتصادية التي جعلت بعض الدول تُذل وتعد بعدم تكرار ما حدث، لكن هذا غير كاف؛ لأن حصون الإسلام لا يُخاف عليها من الخارج بل من الداخل، كما عرض لذلك وحلله الدكتور محمد محمد حسين في كتابه القيم "حصوننا مهددة من داخلها". إذن المفروض أن يعود المسلم إلى ذاته، ويتساءل هل هو فعلا يحب الرسول الكريم؟، وهل حقق مقتضيات تلك المحبة؟..فعندما كنت في الحج خلال السنة المنصرمة قلت في نفسي وأنا اتأمل لعض تلك الجموع الغفيرة: ليس بمثل هؤلاء ننتصر للإسلام.

ـ مقاطعا: لماذا؟

ـ لأنني رأيت مسلمين كثرا في الحج لا يقتدون بالرسول العظيم في هدوئه وفي سمته وعطفه وحنانه، فهذا المسلم الذي يصارع أخاه من أجل أن يكون الأول، بل هناك من يأخذ لكمات قوية عند الاقتراب من الحجر الأسود، وأيضا التدافع في رمي الجمرات، بل عاينت تصرفات ربما تصل بالمرء إلى درجة الشرك والعياذ بالله، لهذا أقول ليس بمثل هذه النماذج من المسلمين يمكننا أن ننتصر للرسول الكريم، ونحرر القدس.. لهذا علينا أن نراجع قيم المسلم، علينا أن نعود لذواتنا، ونحرك هذا المسلم ونضعه في منخال لنخرج بالمسلم النموذج الذي صنعه الرسول صلى الله عليه وسلم، فالمسألة ترجع إلينا نحن في نهاية المطاف،
وبالتالي علينا قبل أن نتهم الآخر، ينبغي أن ننظر في أنفسنا أولا، ماذا حققنا من محبة للرسول حقا وصدقا، وكم اتبعنا من أوامر الله واجتنبنا من نواهيه..

*هناك من يحارب في المغرب بعض مظاهر السنة بل بعض الفرائض أيضا مثل حجاب المرأة، أو الحث على اقتراف مناكر معينة، بصفتك عالما متخصصا في السنة كيف يمكن للعلماء المغاربة الذود عن حياض السنة داخل البلاد، ويردوا هذه التهجمات المحلية؟

ـ ما يمكنني قوله إن هناك من اخترق مؤسسة العلماء في المغرب وليس بعالم، وهناك نماذج خطيرة جدا اخترقت المؤسسات العلمية وشرعت من هذه المنابر تحارب شرع الله تعالى. وكمثال على ذلك مُنحت لهم شهادات عليا في الدراسات الإسلامية فطفقوا يناقشون الأحكام الشرعية ويجادلون فيها مثل قول أحدهم "ما يسمى بالحجاب"، فهو لا يعترف بفريضة الحجاب.
إن الذي يفعل مثل ذلك يعتبر في نظري جاهلا بكتاب الله، حيث لم يعط نفسه فرصة الاطلاع، لأن من جهل الشيء عاداه كما هو معروف، وحبذا لو أعطى نفسه

فرصة قراءة سورة الأنعام آية 57 التي يقول فيها رب العزة والجلال: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
وهذه الحرب في الحقيقة محك لمؤسسة العلماء، ولا أقصد هنا المؤسسات الرسمية وحدها. فعلى العلماء أن ينشروا العلم بصدق لأن تفشي الجهل جعل "القردة" يقفزون
ويتحركون بحرية ويشيرون إلى أحكام الدين بالتشكيك والريبة والتضليل، وأعجب كل العجب أنه في هولندا أو الدنمارك مثلا، من فيهم يتجرأ على الأسقف أو الرهبان؟، ليس هناك أحد يجرؤ على أساقفتهم ورهبانهم، مع العلم أن الكنيسة ليست هي المسجد بأي حال من الأحوال.
إن العلماء دائما في تطوير مستمر، فالله تعالى يبعث من يجدد للأمة دينها، فعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"، فلا يمكن لأي قزم من الأقزام أن يتجرأ على مؤسسة العلماء، ويقول إن هؤلاء لا يصلحون، وإن خطابهم مرفوض، فهذا لا يمكن السكوت عنه.
ويمكنني أن أؤكد أنه بنشر العلم الصحيح يتم دحض كل الهجمات المغرضة، لأنه حين يبتعد العالم عن هذه المجالات يُسمح لكثير من الأفكار السيئة والمتطرفة بالذيوع.

*علاقة العلماء بالشباب يعتبرها البعض علاقة فاترة باردة، لا روح فيها، إلى من يمكن نعزوا هذا التباعد؟ من المسئول بصراحة؟

ـ عسى أن يتم تصحيح السؤال بالقول: من المسئول عن إبعاد العلماء عن هموم الشباب..

* (مقاطعا): صيغة ما اقترحته دكتور عبد الرزاق تشير إلى نفيك لأي مسؤولية عن العلماء في هذا الجانب..

ـ نعم، ذلك أن الأمر يتعلق بمنع العلماء من ولوج المؤسسات بدعوى الخوف من "الإرهاب"، وهذا قيل حينما أراد بعض العلماء في المغرب أن يقوموا بتنوير شبابنا في بعض المؤسسات التعليمية، إذ رفض المسئولون دخول هؤلاء العلماء لدعوى أنه "لا يمكن أن يُسمَح بدخول الإرهاب لهذه المؤسسات"، والعكس يحدث عندما يتسلط على الشباب نوعان من الإرهاب:
إرهاب الأخلاق السيئة وذلك عندما تنتشر المخدرات والمسكرات بين شبابنا، مما يفضي بهم إلى ارتكاب أبشع الجرائم الإرهابية، وهناك إرهاب الجهل بحقيقة التدين، وينتج هذا عندما يتم إبعاد العالم عن تأطير الشباب، فيتدخل "الزعيم" ليحل محل العالم ويؤطر هذا الشباب، بل يصنع منه قنبلة قد تنفجر في أي وقت وأي مكان دون استعمال للعقل، فيصير الشباب مسلوب الإرادة وتحكيم المنطق.ومن هنا، أرى أنه

يجب الخضوع لمؤسسة العلماء الذين يعتبرون تلك المصابيح التي تستضيء بها الأمة شاء من شاء وأبى من أبى.

* يقسم البعض العلماء المغاربة إلى قسمين: علماء رسميون او علماء السلطة وعلماء شعبيون،، هل هذا التقسيم صحيح في نظرك؟ ثم ماهو دور العالم الذي عليه ان يقوم به حتى لا يتماهى مع دور السلطة فلا تؤثر في عمله ولا توجهه؟
ـ هذا تقسيم إيديولوجي بامتياز، والحق إن العالم لا ينتمي إلا إلى الإرث النبوي الذي قال عنه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم" الحديث.. فالعالم هو للجميع يوجه ويرشد الجميع ويخاطب جميع الفئات بكل توجهاتها حسب مقام كل واحد إذ لكل مقام مقال، فحضور العالم المغربي مسجل في كل مكان وكل مجال بحضور فعال ومؤثر أيضا، فهو حاضر في الأحياء الراقية ولا يفرق بين هذا وذاك، لكونه يعتبر الجميع خلقا لله تعالى، وتستوجب منه هذه الحقيقة أن يسدي لهم النصح بكامل الصدق والإخلاص.

* أنت عضو في المجلس العلمي للرباط، بتقديرك ماهو الدور العملي الذي تقوم به مثل هذه المجالس لتزكية العلم الشرعي والدفاع عن مقومات الهوية الإسلامية لدى المغاربة؟

ـ ليس من حقي التحدث عن أنشطة المجالس العلمية لباقي المدن في المغرب، ولكن يمكنني الحديث عن المجلس العلمي للرباط بحكم أنني عضو فيه، فهو مجلس علمي يعمل بجد ونشاط ويشرك جميع الفعاليات في أعماله اقتناعا منه أن الشأن الديني مسؤولية الجميع، ومن ثَم انفتح على الجماعات المحلية والمنتخبة والمجتمع المدني والمؤسسات الجامعية والمعاهد العليا، وهو في ديمومة في التفكير من الرفع من مستوى التدين الصحيح وضمان الأمن الروحي للمواطنين، من خلال تجديد الخطاب على مستوى خطبة الجمعة ودروس الوعظ والإرشاد ومستوى المحاضرات، وعلى مستوى المطبوعات خاصة تلك المطبوعات التي تحاول تقريب التدين السليم لجميع الفئات.

* هناك من يعيب عن هذه المجالس العلمية أنها تتحدث فقط في المواضيع العامة، ولكنها بعيدة كل البعد عن القضايا التي تشكل هاجسا مؤرقا عند المغاربة مثل الارتفاع الصاروخي للأسعار، البطالة، والعنوسة وتجميد الأجور، والفساد المالي والإداري والسياسي. ما رأيك في هذا الانتقاد؟ كيف ترد على هذه الاتهامات؟

ـ للمجلس العلمي بالرباط حضور علمي متميز:- مساهمة فعالة في زلزال الحسيمة ـ مساهمة فعالة في النهوض بالمرأة ـ دفع شبح الأمية الدينية والقرآنية (مشروع 2000 حافظة للقرآن). ـ مساهمة في إيواء طلبة العلم وذلك بإشراك المحسنين.
فنفهم أن المجلس العلمي لا يبحث عن دغدغة المشاعر بقدر ما يبحث عن أعمال وأفعال يقوم بها.
وبالنسبة لمشاكل ارتفاع الأسعار وتجميد الأجور وغيرها، فأهل الاقتصاد لهم دراية أكبر ومسؤولية تحديد الداء والعلاج أيضا، في حين أن مسؤولية العلماء تكمن في الحث على عدم الاحتكار والرفق بالناس وإرشادهم إلى سبل الخير.

* الأسرة هي نواة كل مجتمع..كيف يمكن بنظرك غرس السنة الصحيحة في نفوس أبنائنا حتى يترعرعوا في جو إسلامي سليم؟ وما هي أدوات هذا الغرس؟ (تعليم ـ إعلام...؟

ـ تعتبر الأسرة أمة صغيرة، والأسرة تتعرض لسهام صهيونية مسمومة تسعى لتقويض أسسها ومن ثَم تقويض دعائم الأمة من خلال شعارات منها المساواة بين المرأة والرجل، وشعار تحرير المرأة وحقوق المرأة وشعار حقوق الطفل. وبين هذه الشعارات والحقوق تضيع حقوق الرجال وحقوق الأمة. ونحن نقول إن هذه الشعارات لا تعدو أن تكون جوفاء؛ حيث إنه في الإسلام تكمل المرأة الرجل، والرجل يكمل المرأة، وعلى كل واحد منهما أن يحترم حق الآخر، ويستوجب على كل منهما أن يقوم بواجبه، فهذه الحقوق والواجبات هي حقوق ربانية مستندة إلى كتاب اله وسنة رسوله الكريم. ومن سبل تحصين الأسرة الإكثار من المنابر العلمية ونقصد بها الصحافة والإذاعة والتلفزة والمدرسة، والأهم من هذا وذاك أن يكون القائمون عليها أمناء يحافظون على ثوابت الأمة ويدافعون عن مقدساتها حتى نضمن لهذه الأمة البقاء والخيرية التي ذكرها الله عز وجل في كتابه المنير: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر).