الجهاد الأفغاني ونظرة المنصفين!

الحمد لله معز دينه ومظهره، وناصر أوليائه وحزبه، وصلى الله وسلم على نبي الرحمة ونبي الملحمة، القائد المحنك والرسول الملهم محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين، ثم أما بعد:
حين أتحدث عن الجهاد فإن النفس تشتاق للدخول في عتباته فهو ذروة سنام ديننا وبه عزتنا وقوتنا، وفيه خوض تجربة سلف الأمة الذين نقل لنا عنهم القصص البطولية والروايات الحقيقية التي من خلالها لايسع المرء إلا أن يبكي قهراً لواقعنا القامع لمثل هذه البطولات ويبكي قهراً لظلم الجناة، باسم حرب الإرهاب وحرب التطرف وماهي إلا أسماء ظاهرة يبطنون من خلالها العداء لفريضة الجهاد واعتبارها مخالفة للقوانين الدولية ومنتهكة لحقوق الإنسان وياليتهم صدقوا فهم قد فعلوا مالم يفعله تنظيم القاعدة، بل ولا نصفه، فهاهم يمشطون بين الحين والآخر الديار الإسلامية فيقتلون كل من يلاقون ويشردون وينتهكون ويبيدون، فضيعوا جميع الحقوق، وإذا عجزوا عن فرد في جماعه أبادوا الجماعة كلهم ويغطون ذلك بخبر يقولون فيه ((سقط الصاروخ بالخطأ)!!!

ولارتباط مواطن الجهاد بالفريضة فقد أصبح لها صيت لكل محب للجهاد، وأصبح الشباب يتغنون بأناشيد تلك البلاد ويحبون أهلها ويسألون عن أحوالهم، ومن تلك المواطن التي طالما قاست من ظلم الشيوعية ولا زالت تتجرع ذلك الآن من الصليبية، تلك الأرض التي ارتوت أرضها من دماء الشهداء، وأزال غبار كتائب الحق نتن الحرب وعواقبه الأليمة، فخرج من رحم تلك الأرض الأشاوس من الرجال، ورجعت إلى ذاكرتنا بطولات الصحابة ومن تبعهم فأصبحنا نعيش حياة الأمس بواقع اليوم، إنه الجهاد الأفغاني وكفى!

ومع مرور الأيام على ذلك الجهاد بدت أمور شوهت ذاك الجهاد وأزالت عنه القدسية ولا أحد يستطيع نكرانها ولكن ظهر لنا في المقابل من كسروا قاعدة ذلك الجهاد فأزلوا عنه مسماه الحقيقي وأبدلوه بمسميات أخرى ظناً منهم أنه هو السبب الحقيقي فيما يحصل اليوم من فرق القتل والتخريب في العالم.

إني لا أنكر أبداً أن لتلك الأيام عواقب وخيمة جناها المسلمون اليوم، وذلك بسبب انتشار الأفكار الضالة بين صفوف الشباب الغيور على دينه، و بسبب اختلاط مجموعات منهم مع قادة الفكر التكفيري في بلاد الأفغان فتأثروا به وانظموا إلى تنظيمات ساقتهم إلى تكفير المجتمعات وتخريب الممتلكات.

ويجب كما اعترفنا بما سبق أن نعترف بثمرات ذاك الجهاد وأنه قد أعاد للأمة الإسلامية روح التضحية والفداء، فقد كان الشباب يعيش بطولات حية على أرض الواقع وأصبحت تروى في المجالس وتعطر بها الآذان، فكانت بمثابة الروح الإيجابية لأمة عاشت الذل دهراً، وأصبح الواقع يقول أنه من الممكن أن تعودي يا أمة الإسلام إلى ما كنت عليه ولكن لابد من دماء تراق ومن أشلاء تمزق فالإسلام كما انتشر بالدعوة السلمية فقد انتشر كذلك بالسيف ولكن ليس ابتداءً أبداً ويجب التفريق.

وأنقل لكم كلاماً لأحد القادة الكبار أيام الجهاد الأفغاني والذي اطلعت عليه من خلال كتاب للإعلامي أحمد منصور يقول فيه هذا القائد بعد ما ساق أمثلة لواقع الجهاد: [لقد ذكرت لك هذه الأمثلة وهذه النوعيات لأن كثيراً من الناس ظلموا الجهاد والمجاهدين الأفغان، وأصبح تصرف أي أفغاني يحسب على الجهاد، وشاعت أخبار الفساق والمنافقين الذين ينضوون تحت راية الجهاد سواء عن طريق الصحفيين الغربيين أو غيرهم وكانت كلها تلصق بالمجاهدين والجهاد، فيما كان آخرون ينقلون صورة وردية ربما تصور المجاهدين على أنهم يفوقون المجاهدين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد التابعين، لكن الحقيقة التي نريدها أن ترسخ في أذهان الناس هي أن راية الجهاد منذ صدر الإسلام وعهده الأول تضم تحتها كثيراً من الناس الذين يقاتلون بنيات مختلفة ويبقى الفائز منهم من يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا]. (تحت وابل النيران ص120).

وبعد هذا الكلام النفيس من رجل كان يخوض غمار تلك الحرب ونظرته المنصفة التي يفقدها كثير من الناس اليوم وخاصة الذين يتصدرون للحديث عن مثل هذه الأمور، أختم مقالتي والتي أرجو أن تكون قد أوصلت ولو جزءاً يسيراً مما أريد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.