صفات القائد المؤثر (2)

( سبق في الجزء الأول أن ذكرنا بعضا من أهم صفات القائد واليوم نكمل بعضها )(**)

** الحسم :
ونقصد به انفاذ الرأي بصورة حاسمة , وهي صفة تحوي المبادرة والحزم معا , وبدونها تتعطل الأعمال بل وتنتشر الفوضى ، وربما كان القرار الحازم غير الكامل والمتبوع بتنفيذ جيد أفضل من الانتظار الطويل بقرار مثالي مدروس ولكنه متأخر .

ولما كثر اللغط وارتفعت أصوات المسلمين في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حسم عمر بن الخطاب الموقف قائلاً: يا معشر الأنصار ، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس ؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر ، فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر .. ( الطبري 3/202 ) . فبادر عمر قائلاً: ابسط يدك أبا بكر ، فبسط يده ، فبايعه عمر ، ثم بايعه المهاجرون ، ثم بايعه الأنصار ، وحسم الأمر ، بفضل من الله أولاً ثم ببداهة عمر ومبادرته .
ولما اختلف الناس في قتال مانعي الزكاة قام أبو بكر فقال : " والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه "
وتتحقق تلك الصفة باتخاذ القرار السريع المدروس ، لأن تردد القائد يشيع جواً من التوتر والقلق لدى الناس , وكذا الشجاعة في اختيار القرار وتنفيذه .

** الدقة والفاعلية :
وهما صفتان تكفلان نقل القرارات كما هي إلى حيز التنفيذ , وغالباً ما يحمل التنفيذ وجود عراقيل وعقبات ، والفاعلية هي في القدرة على التغلب عليها ، وحل المشكلات المعترضة وتتحقق بتركيز القائد في جو المهمة الملقاة على كاهله , والعيش بداخلها , وأن يصير جزءا منها حتى تتحقق , وحينما اعترضت الصخرة القاسية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلموهم يحفرون الخندق ، لجأوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستطاع كسرها في ضربات ثلاث وهو يكبر ويكبر من خلفه المسلمون ، حتى لا ينقطع جو التنفيذ ولا تقف العقبة حائلاً عن وصل الأعمال .

**كواحد منهم :
لا تستقيم نفوس العاملين بقائد قد صنع حواجز بينه وبينهم أو تكبر عليهم أو عاش في برج عاجي بعيدا عنهم , إنما القائد هو من عاش قضايا أصحابه واهتم بمشكلاتهم وبذل جهده في حلها واهتم بقضايا مجتمعه وأمته , وما أصدق ما كان عمر بن الخطاب ، حينما كان يذهب يومياً إلى مشارف المدينة ، ينتظر البشير الآتي بخبر المعركة ، فلما جاء البشير لقيه عمر وسأله : من أين أنت ؟ فأخبره ، قال : ياعبد الله حدثني ، قال البشير : هزم الله المشركين ، وأخذ عمر يسرع في مشيته والرجل راكب ناقته ، وهو لا يدري أن الذي يسأله هو أمير المؤمنين ، حتى دخل المدينة ، وسمع الناس يسلمون عليه بإمرة المؤمنين فعرف أنه عمر ، فقال له : هلا خبرتني رحمك الله أنك أمير المؤمنين ؟ فقال عم : لا بأس عليك يا أخي .
وقد سبقه نبيه صلى الله عليه وسلم حتى كان يصلي قاعدا من كثرة ما حطمه الناس في دعوتهم وحل مشكلاتهم .
وقد يخالف رأي القائد رأي الأغلبية ، أو يدلي بفكرة ولا يقبلها الأتباع ، وهذا طبيعي ، وتواضع مطلوب ، فقد تنازل النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً عن رأيه وفي أكثر من موضع لرأي الأغلبية أو الرأي الأصوب وكان هذا واضحاً في أحد ، فقد كان الرسول يميل رأيه إلى عدم الخروج لملاقاة القوم ، وقال عبد لله بن أبي : هذا هو الرأي ..
لكن الرجال أجمعوا على الخروج ، حتى لبس الرسول عدة القتال ، ولما شعر القوم أنهم استكرهوا الرسول صلى الله عليه وسلم على رأيهم ، وأظهروا الرغبة في النزول على رأيه ، رفض ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً : ما ينبغي لنبي لبس لأمته ( قد القتال ) أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه "

** الحزم :
والحازم هو الذي يضع الأمور في مواضعها، فلا يتساهل في حال تستوجب الشدة ولا يتشدد في حال تستوجب اللين , والحازم هو الذي جمع زمام نفسه بقوة مواقفه وزمام الآخرين لحزم قيادته .

يصف أحدهم شخصية القيادة الحازمة فيقول : إن القيادة الحازمة هي التي تحافظ على تفكير واضح ومنطقي رغم المتاعب وتبحث عن الحقيقة وتمسك بها بكل إصرار مهما كلف الأمر وتثبت في المأزق بكل صبر ولو انسحب الجميع من حولها وتحكم بدون تحيز لآرائها وتصرفاتها الشخصية وتعترف بأخطائها بكل صدق وأمانة .
وتظهر هنا العلاقة بين القيادة الناجحة واتسامها بالحزم بوضوح إذ أن من أهم معاني القيادة القدرة على امتلاك زمام الأمور وهذا لا يتأتى للقيادة إلا بعد أمور كلها من معاني الجزم :

أولها : القدرة على تسيير الأمور وقت الرخاء والشدة ، فالرجل الضعيف المتخاذل لا يستطيع أن يقود أفراده ويوحد صفوفهم ويشد أواصرهم وقت الرخاء فكيف به وقت الشدة حيث تزداد الحاجة إلى الحزم والقوة .

ثانياً : الوقوف أمام الأهواء فالرئيس الحازم لا تتلاعب به الأهواء ولا تتقاذفه الآراء فبحزمه يستطيع أن يضع الأمور في نصابها الصحيح دون أن يدع فرصة للأمور أن تتسيب أو تسير لتخدم غير المصلحة المناطة في عنقه ، فهو وبحكمته وحزمه يسمع لذوي الحجة والمنطق الصحيح ويقف واضحاً حازماً أمام ذوي الأهواء مما يؤهله للسير بقافلته دون تعثر .

ثالثاً : الوصول إلى الهدف ولو كان صعباً سمة الحازم فمعنى الإصرار لا يفترق عن معنى الحزم ، إذ إن القائد الحازم الذي رسخ في نفوس مرؤوسيه ضرورة تحقيق الهدف ، يجد نفسه في مقدمة من يصر ويسعى جاداً ليكون قدوة بحزمه وإصراره حتى يصل هو ومرؤوسوه إلى ما تطلعوا إليه وذلك خلاف القائد المتخاذل الذي ينقطع به الطريق في المنتصف .

هؤلاء الذين يعتقدون أن الحزم في الانفعال المفاجئ ، بعد هدوء طويل ، أو في الشخصية الصاخبة السريعة الغضب ، أبعد ما تكون نظرتهم عن الصواب ، إذ أن الحزم هو التفكير الهادئ الواضح المنطقي رغم المتاعب ، ولذلك فإن الحزم هو أقصر طريق للتنفيذ ، عندما يحقق معناه ، بلا تكلف ولا شطط .

عن الأسود بن يزيد قال : كان عمر رضي الله عنه إذا قدم عليه الوفد سألهم عن أميرهم : أيعود المريض ؟ أيجيب العبد ؟ كيف صنيعه ؟ من يقوم على بابه ؟ ( فإن قالوا لخصلة منها : لا .. عزله ) ( كنز العمال 3\166 )

---------------------------------------------------------------------------------------------------
(**) مستفاد من :
1- القيادة المؤثرة , د. جمال ماضي
2- أصول الدعوة , د. عبد الكريم زيدان
3- الحكمة , د . ناصر العمر

======================== يتبع =========================