مساجد رمضان... فارغة!

في كل البلاد الإسلامية، وفي شتى بقاع الأرض، تتوافد الجموع في شهر الصيام، شهر الخير والبركات الى المساجد، لتزدحم بهم الصفوف، وتعج بهم الطرقات والباحات، فترى الراكع والساجد، والتالي والمسبح، الكل في خشوع واندماج في هذه اللحظات الربانية الرهيبة، تمتلئ الأجواء بالرحمات، فتنسي العبد الدنيا لتشغله العبادة بالآخرة.
هذه لحظات يعيشها الناس الان في كل بلد على هذه المعمورة، بسبب دخول الشهر الكريم ضيفا على بيت كل انسان مسلم، ولكن ماذا بعد رحيل هذا الضيف؟؟؟

نرى برحيله اليوم رحيل جميع هذه المظاهر، ترى برحيله تشتت المسلمين بعد توحدهم في الصلوات الخمس واجتماعهم لأداء التراويح جماعات، ترى برحيله تهافت الناس على الدنيا بعد انصرافهم عنها وانشغالهم بعمل الآخرة، ترى برحيل هذا الضيف نكسات ونكسات تحل بالأمة، بمجرد بزوغ هلال رجب، ترى برحيله انصراف الشباب الى اللعب واللهو تاركين الصلوات، بعد مداومتهم عليها طوال شهر رمضان، ترى برحيله عودة الجائع الى جوعه بعد شباعه من تلك الموائد الخيرية المنتشرة في كل مكان، ترى برحيله نسيان الاغنياء اخوانهم الفقراء، ترى برحيله اليوم صور وصور تجعل الحليم حيرانا.
لكن ما هو السر في انكفاء هؤلاء عن اكمال ما داوموا عليه في رمضان الى الشهور التالية من بعده؟
السر عزيزي هو:
أولا: التوفيق من رب العالمين بالمداومة على الاعمال الصالحة بعد رمضان، فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم معروف في هذا "خير الأمور أدومها وإن قل" والشاهد هنا بأن الخيرية في العمل تكون بالمداومة عليه حتى وإن قل وصغر حجمه.

ثانيا: العزم والنية الخالصة لله عز وجل، فكم من الناس يستغلون اسم رمضان للتباهي بفعل الخير وتقديم المساعدات، هؤلاء لم يخلصوا نياتهم الى الباري عز وجل، وإنما جعلوها بين الناس فم تجاوز اعمالهم مد بصرهم، يقول الله تعالى "قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله" (آل عمران: 29)، فالله تعالى مطلع على كل صغيرة وكبيرة يعملها الإنسان، ويعلم ما وراء النوايا وما مقصدها، لذا حث الاسلام على ان تكون النية لله عز وجل، لا لأمر اخر تريده النفس.

ثالثا: المصابرة على العمل الحسن والمداومة عليه الى ما بعد رمضان، فشهر رمضان أكبر مدرب على الصبر، وانجح معلم للذات على التحمل والمجالدة، فيجب على الانسان اذا ترك عملا سيء او اقدم على امر خير في رمضان ان يحاول الاستمرار به إلى ما بعد رمضان، فكم من أناس يصلون في رمضان ويتركون الدخان، ولكن حالهم يقلب بعد رمضان.

رابعا: الدعاء لله عز وجل بخشوع واصرار للقبول والرضا، فالدعاء أمر أهمله الكثير من المسلمين في وقتنا الحاضر، وهو من أمضى أسلحة المسلم، وللدعاء أوقات حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل "أي الدعاء أسمع؟" قال: "جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات" رواه الترمذي، فاجتهد أخي في الدعاء الصالح لك في دنياك وآخرتك، واجعل الصلة بينك وبين ربك قائمة طوال الأيام والسنين، فرَبُّ رمضان رَبُّ الشهور كلها.
نسال الله لنا ولكم القبول، ونرجو الله تعالى أن يجعل السنة كلها رمضان، فخيره لا يزال فينا ما بقينا مع الله موصولين، ونعيمه دائم بيننا ما بقينا على الطاعات مداومين.