المعجزة الكبرى
15 رجب 1428

نـزل القرآن بلسان عربي مبين، على أفصح العرب وأقومهم لسانا، وكان القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى لرسول صلى الله عليه وسلم وقد تحداهم الله أن يأتوا بمثله فعجزوا قال الله تعالى: "قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً" (الإسراء:88)، تحدهم القرآن وهم البلغاء الذين كانوا يتبارون في ميدان البيان أن يأتوا بعشر سور من مثله ففشلوا قال الله تعالى: "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (هود:13)، بل تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة مثله ولو كانت أقصر سورة، قال الله تعالى: "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (يونس:38)، وعجز العرب وأذعنوا واستسلموا لهذا الإعجاز البياني الرائع، المتضمن أسمى المعاني، واستمرت تلك المعجزة البيانية على مرّ العصور والأجيال شاهدة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم - وقوة رسالته.

وهذا القرآن المعجز للبشرية يقف المسلم أمامه منبهراً، يقف بين الإعجاز وبين سلاسة الأسلوب وسهولة العبارة وقوة نفاذها إلى أعماق القلوب، لا تعقيد ولا تكلف ولا تركيب مغلق.

يقرأه العالم المتخصص فيشعر بالضعف أمام روعة أسلوبه وبيانه، ويسمعه الأمي فيزداد إيمانه وخشوعه، ويتلوه الأعجمي فيخر لله ساجدًا دون أن يجد تفسيرًا لقوة سلطانه على قلبه.

ولا غرو ولا عجب فهذا كلام الله: "وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً" (النساء: من الآية122) وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كتاب هداية وبيان ودلالة وإرشاد، تأسرك آياته بأسلوبها رصين، وعرضه القضايا الحية بأساليب متعددة، لئلا تملّ القلوب أو تكل الأفهام، استمالة للقلوب، وإيقاظا للنفوس، ذكرى للمؤمنين، وتنبيها للغافلين، وحجة على الكافرين والمعاندين، تبدأ الآية بأسلوب رائع ثم تنتهي بأسلوب أخّاذ، وتزداد نبضات القلب أثناء التنقل بين آياته ومعانيه، فلا تستثقله الآذان، ولا تتعب فيه الأذهان، تنـزيل من عزيز حكيم.

فإلى اللاهثين خلف متع الآذان المحرمة، واللاهجين بما عن خير الكلام صرفهم وألهاهم: لقد ضللتم الطريق، طريق لذة الأسماع، ومتعة الحديث، وروعة البيان، وسعادة الجنان، فعودوا والعود أحمد لتسعدوا بكلام الرحمن، فمن لم يغنه القرآن فلا أغناه الله.

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: "وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً * قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا"، جعلني الله وإياك من الذين أوتوا العلم، المعتبرين بآيات الذكر الحكيم، المتدبرين لها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.