( بإمكاننا إنهاء إسرائيل في اثني عشر يوما )

كلمات قالها عبد الناصر قبل هزيمة 67بإشهر والتي اكتسحت فيها إسرائيل الجيوش العربية العنترية في عدة ساعات;فمرغت انفها في الوحل ،وصغعتها على قفاها صفعات متتالية ،فولت مدبرة لاتألوا على شيء
وتضاعفت مساحة اسرائيل بعدها أكثر من ثلاث مرات خلال ستة أيام أي نصف مدة عبد الناصر
بعد هذه الهزيمة النكراء للقوميين والشيوعيين والعلمانيين والناصريين وأرباب المصالح والتي أطلق عليها هيكل زورا وبهتانا "نكسة "، وذلك عبر الآلة الإعلامية الهائلة التي كانت تمتلكها بلاده آنذاك - والتي يسميها "القوة الناعمة " - وهي بلا شك ناعمة ولكنها شديدة الفتك بما تنشره من الكذب والبهتان وبما تثيره من الفتن وبما تضحك به على السذج بلبسها الحق بالباطل ..................
يقول أحد مهندسي هذه النكبة - وهو السادات - بعد وقوع الكارثة وتدمير الجيش المصري (ذهبت إلى البيت وبقيت فيه أياما لأنني لم أستطع سماع الجماهير تنشد وترقص وتهلل لدى سماعها التقارير المزيفة عن النصر الكاذب التي تبثها وسائل الإعلام ساعة بساعة ...) .
ويقول السفير الأمريكي في القاهرة آنذاك (وبعد أن ذكرت التقارير الأولية أن 86 طائرة معادية قد أسقطت بما فيها قاذفات أميركية مقابل خسارة طائرتان لمصر ، كانت تقابل هذه الأنباء بهياج وتصفيق وكانت الإذاعة تبث أغان وطنية تقاطعها نداءات ودعوات إلى العودة إلى فلسطين واللقاء في تل أبيب ..) . ولك أن تعلم أخي القارئ أنه في الساعات الأولى من الهجوم الإسرائيلي لم يبق لمصر إلا 30 طائرة من أكثر من أربعمائة طائرة دمرت وهي رابضة على الأرض دون حراك ، وتبخر معها عرق الشعب المصري في صحراء سينا والذي اقتطع ثمنها من قوته ، حتى إن أشد المتفائلين في إسرائيل لم يكن يتوقع أن تكون النتائج بهذه الصورة الكارثية على الجيش المصري ؛بل إن موشي دايان وزير الدفاع الصهيوني لم يصدق هذه النتائج عند أول وهلة ، إذ كتب بعد ذلك يقول (حجر واحد فقط ولكنه ذو وزن مميت خرج من القلب ) ، ولاشك عند أي مطلع أن نتائج هذه الحرب كارثية ومدمرة على الأمة العربية والإسلامية بكل ما تعنيه هذه الكلمة وعلى كافة الأصعدة ، ولا ريب أن هذه النكبة التي حلت بالعرب ليست بسبب قوة إسرائيل وإعدادها المتقن لهذه الحرب منذ سنوات طويلة فحسب ، بل لأن استعداد العرب لهذه الحرب وعلى رأسهم جمال عبد الناصر وزبانيته ؛ كان أقل ما يقال فيه أنهم ذهبوا إلى سينا لصيد الأرانب والجرابيع ، وصدق الله عز وجل إذ يقول في سبل تمكين اليهود {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ..... }. وأي حبل وجده اليهود من العرب في نكبة 67.

بعد هذه الحرب ظن اليهود أنهم قد قضوا على هذه الأمة قضاء مبرما ، وأنه لا قائمة لها ، وأن أبواب العيش في سلام معها باتت مشرعة ، وأن الاعتراف بهم أصبح أقرب إليهم من شرك أحذيتهم ، وما عرف اليهود في ذلك الحين أنهم قطعوا الحبل المنقذ لهم من الذلة والصغار بهزيمتهم للقوميين واليساريين العرب ولكل من قاتلهم تحت راية شيطانية ، فهم أذلة صغرا مخذولين وهذا الأصل فيهم والاستثناء هو أن تزول عنهم هذه الصفة بحبل من الله (أي بذمة من الله، وهو عَقْد الذمة لهم وضَرْب الجزية عليهم ، وإلزامهم أحكام الملة) وحبل من الناس (أي أمان منهم ولهم) أو أن يتخلى المسلمون عن دينهم ، وهذا ما حصل لمن ينتسبون للإسلام ممن خاضوا مهزلة 48 ومهلكة 67 ، فقد مدوا حبلا متينا لليهود ليتسلقوا حصون هذه الأمة ويعيثوا في أرضها فسادا ، ويهلكوا الحرث والنسل .
فعرفت الأمة أنها ما أتيت إلا من قبل هؤلاء الخونة الذين خانوها عندما ابتعدوا بها كثيرا عن منهجها الأصيل الذي مهما ابتغت العزة بغيره أذلها الله ، خانوها عندما فرطوا في مقدساتها من أجل كراسيهم ومن أجل عرض حقير من الدنيا زائل ....، خانوها عندما لوثوا عقول أبناءها وقلوبهم بجراثيم القومية العربية والبعث والشيوعية وكل منهج رقيع من وضع البشر ....... خانوها عندما وءدوا كل تجربة تدعوا للعودة إلى تحكيم شرع الله في كافة مناحي الحياة ...،وعرفت الأمة أنها لاستطيع أن تعود إلى أمجادها وعزها إلا بالعودة إلى معينها الصافي الذي لا كدر فيه ولا تخليط ؛ كتاب ربها وسنة حبيبها صلى الله عليه وسلم كما فهمها سلفها الصالح ، وبدأت المقاومة للصهاينة تصطبغ شيئا فشيئا بالصبغة الإسلامية حتى عاد إليها لونها الأخضر بعد ثمانينات القرن الميلادي المنصرم .

ولاشك ولا ريب أن الروح الإسلامية هي مرتكز الكفاح والنضال في القضية الفلسطينية منذ بدايتها إلى وقتنا الحاضر ، وهي تزيد - أي الروح الإسلامية - بزيادة الإيمان في القلوب والوعي في العقول حتى يصل النضال والكفاح إلى جهاد خالص لله عز وجل ؛ وهنا يفعل المسلمون في اليهود الأفاعيل ، وتنقص بنقص الإيمان وقلة أولي الألباب حتى تصل إلى القتال تحت راية عمية .
أما الحركات القومية واليسارية التي حملت شعار المقاومة ضد الصهاينة ورميهم في البحر فما هي إلا طفح جلدي خبيث أصيبت به الأمة سرعان ما تلاشى الجزء الأكبر منه بعد مهزلة 67 ، وكما يقولون في المحن منح ، فهزيمة 48 كانت محنة عظيمة على المسلمين إلا أنه تعرى فيها المشروع العلماني الليبرالي وانكشفت سوءته في رابعة النهار ، ونكبة 67 كانت كارثة رهيبة على المسلمين إلا أنه سقط فيها القوميون واليساريون سقوطا مدويا ، ولولا وقوف الغرب بكل ما أوتي من قوة مادية واستخباراتية ومكر ودهاء خلف هذه المشاريع - أقصد العلمانية الليبرالية واليسارية المتزنرة بالقمع ومحاربة الإسلام - لرأيتها تتهاوى وتسقط كبيوت بنيت من رمال ، ولرأيتها تتمزق كما يتمزق بيت العنكبوت عند هبوب الرياح القوية {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }.

ولا شك عند من لديه أثارة من علم واطلاع أن الصراع مع اليهود الصهاينة هو حلقة من حلقات الصراع الطويل بين دين الإسلام وبين ملة الكفر ، ولولا وقوف الغرب الكافر خلف إسرائيل يمدها بالسلاح والعتاد والمساعدات الاقتصادية الهائلة لما استطاعت أن تصمد وتبقى ؛ وهي في وسط محيط هادر من المسلمين يحيطون بها من كل جانب ، فالغرب يعلم علم اليقين أن المسلمين لو تركوا لشأنهم دون تدخله ،أنهم سينهضون من رقادهم ليعيدوا أمجادهم ، وأن في ذلك ضياع لمصالحه ، وخطر جسيم على أمنه القومي ، ويغلف كل ذلك العداء السافر للإسلام والمسلمين ، فساهم بكل قوته في زرع الكيان الإسرائيلي في قلب العالم الإسلامي ، لأنه يعلم جيدا أن اليهود هم الأقدر والأجدر والأخبث في النمو في هذا المكان الذي لفظهم وتحرر منهم ، وإلا فمشروع دولة إسرائيل مشروع فاشل اقتصاديا وسياسيا كما يقول أحد مفكري الغرب فهو كلف ويكلف الغرب الكثير اقتصاديا وعسكريا وسياسيا ، وكان يمكن للغرب أن يحققوا مصالحهم بشكل أفضل بكثير مع الدول العربية والإسلامية في ظل عدم وجود إسرائيل .
ولذلك فإن الصراع مع اليهود الصهاينة هو صراع عقدي شئنا أم أبينا ، وإن النصارى يمدونهم بحبل من عندهم لاعتقادات باطلة يعتقدونها ولحقدهم الأسود على المسلمين ، وأما صراع المصالح الأخرى فهي إما تبع للعقيدة ، أو تأتي في المرتبة الثانية بعد العقيدة ، وإلا فكيف نفسر الآيات الكثيرة في كتاب الله التي تبين لنا حقيقة العداوة بيننا وبين اليهود والنصارى .
لذلك فإن المؤمنين الصادقين هم أقدر الناس على إدارة الصراع مع اليهود إذا ما بذلوا الأسباب الشرعية من تمسك بالله وطلب للمدد من عنده وتوكل عليه وبذلوا الأسباب المادية من تخطيط وجدية وحسن سياسة واستفراغ للجهد وحشد لكل طاقات الأمة .