قبل أن تخرج في وسيلة إعلامية

السطور التالية تهدف الى ترشيد المشاركة في وسائل الإعلام عامة، والغربية منها خاصة عسى أن تكون بداية يسهم اخصائيون وإعلاميون في بلورتها وتأصيلها، وتكون نتيجتها التركيز والفعالية في الظهور الاعلامي.

قبل المشاركة فكر بما يلي:

قبل المشاركة في أي برنامج يجب التفكير في النتيجة المرجوة من تلك المشاركة، وإمكانيات تحقيقها، والمقارنة بينها وبين عدم المشاركة، بحيث لا يكون الاندفاع والغيرة إلى المشاركة العمياء، فقد شهدت الأحداث المختلفة ظهور الكثيرين في القنوات الاعلامية دون حساب، فكانت النتيجة مخيبة للآمال، من حيث ظنوا أنهم يحسنون صنعا.

وهناك مجموعة من العوامل والاعتبارات يمكن عن طريقها تقييم المشاركة من عدمها، وأهمها:

- أي محطة إعلامية هي الداعية:

ليست المحطات الاعلامية كلها على مستوى واحد من حيث الجدية والموضوعية واحترام المهنية، لذلك فالانتقاء بينها مهم، وليس المطلوب هنا الاحتجاب التام عن الاعلام، لكن العديد من المحطات ذات مستوى هابط بحيث تعرض من يظهر فيها للانتقاد، فهذه يفضل الابتعاد عنها، ولو طلعت عنا ذات يوم ببرامج فيها شيئ من الجدية.

كذلك فإن العديد من المحطات تسعى الى استغلال المقابلات السريعة التي غالبا ما تسودها الأخطاء والتسرع، وتحاول التركيز على الزلات التي يقع فيها عامة الناس، من خلال تضخيم السلبيات وحذف الإيجابيات، ونشر التعميمات والأحكام المسبقة.

ومن المفيد هنا تنبيه العامة على تجنب الإدلاء بتصريحات متسرعة خلال الأزمات، خاصة للمحطات المتحاملة والعابثة، كي لا يقعوا ضحية تزوير تصريحاتهم، ويوقعوا غيرهم في الضرر والحرج.

- كذلك ينظر للبرنامج نفسه ومستواه، وهل هو برنامج ناجح وله متابعون، أم أنه مجرد ملء وقت فارغ وتسليات لا فائدة منها، فالكثير من البرامج تعتمد على التسلي بعرض بعض الأشخاص، ونمط حياتهم المختلف، وتتفكه بأخطائهم المختلفة، فهذه البرامج لا قيمة لها، ولا معنى للظهور فيها.


- ويحتل مقدم البرنامج كذلك مكانة مهمة فيه، فشخصيته يمكن أن تكون عاملا في مسألة الترجيح بين المشاركة أو عدمها، فمن الخطأ بمكان الإصرار على المشاركة في برنامج يقدمه أحد المتحاملين على الاسلام خاصة في دولة غير مسلمة، فهذا لن يترك لك المجال لأن توضح وجهة نظرك، وسيكون نصيبك المقاطعات الدائمة، وسيحاول استغلال تدني مستواك اللغوي قياسا الى غيرك من المشاركين لعدم تمكينك من الدفاع عن مبادئك وتوضيح أفكارك.

كذلك فالمقدم ذو التاريخ الطويل في البرامج غير اللائقة وغير الأخلاقية، سيجعل منك عرضة للأقاويل والنقد والسخرية.

عند قرار المشاركة فكر بما يلي: إذا استقر الرأي بالمشاركة في البرنامج، فمن المهم التفكير بالتالي:

- بأي صفة تتكلم : من المهم بمكان أن تعي جيدا بأي صفة تتكلم في البرنامج، فالناطق باسم نفسه لا يلتزم بأي معايير أو مبادئ في الحديث، غير ما يرى ويعتقد، أما ممثلو الجمعيات فعليهم أن ينطقوا باسم من يمثلون، ويعكسوا وجهة نظرهم، وأن يبتعدوا عن وجهات نظرهم الشخصية إن وجد تعارض بينها وبين ما ترى الجماهير التي يمثلونها. كذلك كلما كانت صفتك تمثيلية أكثر- مركز، جالية أو ما شابه- كلما زادت الأعباء الملقاة على عاتقك، لأن ظهورك بمظهر الضعيف معدوم الحجة، ينعكس سلبا عل من تتكلم باسمهم، ويزيد من حرج الأعضاء حول مختلف القضايا المطروحة. في حين أن المطلوب من الناطق باسم الجمعية أن يبين القول الفصل الذي لا يترك مجالا للاجتهادات المختلفة.

كذلك من المهم عند وجود أكثر من ممثل عن الجالية أو الجمعية، أن يكون حد أدنى من التنسيق والتناسق بين الأفكار المطروحة، بحيث لا يظهر أي تناقض أو اختلاف بينهم.


المناسبة التي تدعى للكلام عنها والاستعداد المناسب: المناسبة التي تدعى للمشاركة في التعليق عليها مسألة مهمة لا يجوز إغفالها، فعلى المشارك أن يتهيأ نفسيا لكل مناسبة واحتمال ردود الفعل المختلفة خصوصا إن كان البرنامج مباشرا، ويتلقى اتصالات من متابعين.

كذلك لا بد أن تعرف تمام المعرفة الموضوعات المطروحة وذلك للتهيؤ المناسب والاستعداد الكامل للموضوع، فما يقال في ظرف لا يصح أن يقال في ظرف آخر، وما يصح في مجال لا ينطبق بالضرورة على سائر المجالات، فالبرنامج العلمي البحت مثلا، لا يصح الاستشهاد فيه بالغيبيات، ولكل مقام مقال.

وفي هذا المجال لا بد أن يجهد المشارك نفسه في مراجعة معلوماته ومطالعة المزيد من الكتب والمراجع المتعلقة بالموضوع، وألا يأخذه الغرور بعلمه مهما اتسع، فقد يؤتى من حيث لا يحتسب، وقد تطرح قضايا جزئية وتفصيلية تحتاج الى ذاكرة قوية لا تتوفر إلا مع مراجعة المعلومات.

معرفة شيء عن المتكلمين الآخرين: من المفيد معرفة شيء عن المشاركين الآخرين في البرنامج، مثل تاريخهم السياسي والفكري، الأحزاب والمبادئ التي يؤيدونها، فذلك أدعى الى قوة الحجة، حيث إن الاستشهاد بسِـيَر المشاركين أو الخصوم حجة لا يمكن التهرب منها، والمحيط بسيرة الآخرين يكتسب قوة في الحجة، تجعلهم يترددون في التهجم عليه أو انتقاده.

اصطحاب شيء من الوثائق أو الصور المفيدة

لا بأس أن يصطحب المشارك شيئا من الوثائق والشهادات التي تؤيد وجهة نظره، ومن المفيد في هذا المجال الاستشهاد بآراء وشهادات علماء ومنصفين غير مسلمين، كذلك من المفيد اصطحاب بعض الصور المعبرة، فالصورة لها قوة لا تعادلها مئات الكلمات.

ومن الجيد أن ينسق المشارك مع التقنيين في المحطة، بحيث تكون الصور والوثائق التي يرغب بالاستشهاد بها محفوظة لدى المخرج، ليتم عرضها عند الطلب، فذلك خير من أن يعرضها بيده، وربما لا تستطيع الكاميرا إيضاحها في الوقت المطلوب.


التوكل على الله وسؤال التوفيق من عنده وإخلاص النية، وعدم الغرور بالأضواء:

وقبل كل ما ذُكر، لا بد من إخلاص النية لله في العمل، فكم من عمل متقن ذهبت به النوايا غير الصالحة، وكم من مشارك في برنامج أو أكثر أعجبه الظهور وغرته الأضواء، وسره إشارة الناس إليه في الشوارع، فصار يجري وراء كل دعوة وكل مناسبة ففسد وأفسد.

تأكد من امتلاكك المبادئ الأساسية في:

الثقافة الاسلامية:

الثقافة الاسلامية هي العامل الأساس في الدفاع عن الاسلام وأهله، فهي الكنز الذي يلجأ اليه المشارك لتفسير وجهة نظر الاسلام في شتى القضايا، وذوو الثقافة الاسلامية الضحلة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يفلحوا في مشاركاتهم فضلا عن أن يبدعوا فيها.


والثقافة الإسلامية التي يحتاج إليها المتكلم في وسائل الإعلام الغربية تشمل ما يلي:

- التاريخ الإسلامي، ويشمل ظهور الاسلام وبداية الدعوة إليه، الفتوحات، الصراعات بين دولة الخلافة وإمبراطوريات العالم القديم، الحروب الصليبية، الدولة العثمانية، الاستعمار الغربي الحديث للعالم الإسلامي، الفرق الاسلامية.

- الفكر الإسلامي، ويشمل موقف الإسلام من مخالفيه، السياسة ونظام الحكم في الإسلام، الأقليات في الإسلام، الجهاد وما يتعلق به، قضايا المرأة، البيئة.

- الفقه، ويشمل قضايا الحدود وكيفيتها وشروط إقامتها، المواريث وفلسفتها، القضايا الطبية الحديثة مثل إسقاط الأجنة وما يعرف بقتل الرحمة.

- حسن عرض محاسن الإسلام، أي عرض نجاح الإسلام في علاج الكثير من الأمراض الاجتماعية المستعصية، واختصاره للكثير من الجهود في التخلص منها، مثل: الاكتئاب، الانتحار، الطلاق، المخدرات، إضافة إلى تعاليمه الوقائية التي تقي من كثير من الأمراض النفسية والعضوية، وقضايا الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ونحوها.


ممثلو الجاليات الاسلامية في البلاد غير المسلمة لا بد لهم من الاحاطة بالفكر والثقافة الغربيين مثل:

- تاريخ الغرب منذ الصراعات الأوروبية القديمة حتى نشوء الدولة الدول الأوروبية الحديثة، صراعات الغرب مع الأمم الأخرى، تجربة الحكم وتداول السلطة والديمقراطية والانتخابات.
- تاريخ الكنيسة الغربية بأجنحتها، صراعها مع العلماء، الحروب الدينية في الغرب.
- التيارات الفكرية وحركات الاصلاح السياسي والديني والاجتماعي.
- الفلسفة الغربية المادية وأثرها في حياة الغرب المعاصر، العلم والدين في الغرب، الفلسفات المختلفة، نظرة الغربيين الى الحياة والموت، العلمانية.

- متابعة القضايا الغربية الحديثة وهموم المجتمع، مثل مشاكل الأسرة، التفكك الإجتماعي، المسنين ومشاكلهم، البطالة، البيئة، الجريمة، المخدرات.
- متابعة الحالة الثقافية في البلد الذي يعيش فيه، مثل المؤتمرات العلمية والثقافية، الكتب الحديثة، المحاضرات المختلفة.

لا بد لأي مشارك من ان يمتلك:

- ملكة تحليل سياسي تمكنه من الإدلاء برأيه بشكل متوازن في شتى القضايا مع الاستدلال والتعليل.
- قضايا المسلمين في العالم والنزاعات القائمة في مناطقهم، مثل قضيتي العراق وفلسطين.
- قضايا السياسة المحلية، أي سياسة البلد التي يعيش فيها، الأحزاب السياسية، النقابات، الشخصيات السياسية.

* وليس المقصود من كل ما ورد أن يكون المرء موسوعة علمية وثقافية ودينية، فذلك غير ممكن، لكن المقصود ألا يكون عديم البضاعة في أي مجال منها، بحيث يستطيع المشاركة والتعليق على أي موضوع يطرح، وبحيث لا يؤتى من أي ثغرة غير محصنة.



الطريقة والأسلوب

- المشاركة بطريقة علمية منطقية، وهذا ليس بدعا من الكلام، ولا تكلفا لتحسين الصورة، بل هو من صميم هذا الدين، الذي يأمر أتباعه أن لا ينجروا الى مواقف متطرفة ردا على استفزازات الطرف المقابل: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا".

- عدم التصلب في الرأي، خصوصا في مجال الاجتهادات الشخصية والاعتراف بصحة الصحيح وواقعية الطروح المعتدلة، فالمتحدث المتوازن لا يجد غضاضة في الموافقة على الآراء الصحيحة من أي جانب جاءت، والمتصلب برأيه منفر للناس ولغيره من المشاركين.


- تحمل التهجمات وعدم الرد بنفس الطريقة، لن يكون جميع المشاركين أو المتصلين منصفين مع ما يطرحه المشارك من آراء وأفكار، بل سيوجد من يحاول مقاطعته ومهاجمته واستفزازه والافتراء عليه وعلى من يمثل، وقد تتفق مجموعة من المغرضين على إحراجه من خلال التهجمات والضغوطات النفسية.

وهنا لا بد أن يكون المشارك ذا ثقة بنفسه، متمرنا على تحمل الضغوطات والتهجمات، وألا يفت في عضده كثرة المعارضين وتحامل المشاركين، وأن يكون الرد على تلك الهجمات موضوعيا غير منجر الى المستوى السوقي الذي تشهده بعض البرامج اليوم.

* ويمكن هنا، عند إتاحة المجال للمشاركة من الخارج عبر الهاتف أو غيره، أن يتم التنسيق مع مجموعة من المؤيدين للاتصال والمشاركة بطريقة متوازنة وموضوعية.

- البساطة وعدم التكلف، فالتكلف مثير للاشمئزاز، والمتكلف منفر لغيره، خصوصا إذا صاحب التكلف كلام كثير عن النفس والإنجازات الشخصية، وهذا- وإن كان ينطبق على أي متكلم- لكنه مطلوب أكثر هنا كيلا يضيع الوقت في موضوعات جانبية غير ذات أهمية.

- عدم مقاطعة المتكلمين الآخرين، فالمقاطعات الدائمة تنبئ عن شخصية غير متوازنة، لا تكن أي احترام للاخرين وأفكارهم كما أنها هدر للوقت ودليل ضعف حجة المقاطع وتهافته، وهي على العموم مما يؤخذ على صاحبها، ويوهن من مشاركته.

- عدم الانحراف بالموضوع عن الهدف المنشود لأي سبب من الأسباب، بعض الأشخاص، كونهم يكثرون المطالعة في موضوعات معينة، يحولون الكلام عن أي موضوع إلى مجال مطالعاتهم، ولو كانت العلاقة غير موجودة بين المجالين، وهذه سلبية تنبئ بعدم توازن المتكلم وقلة معرفته بأصول الحوار.

- الانتباه للمظهر العام، أهمية الشكل وعدم الإبتذال في المظهر، والظهور بشكل لائق غير بعيد عن الأعرافف والأذواق العامة السليمة، إن أي شيء يحول انتباه المتابعين من المضمون العام للكلام إلى أسلوبه، أو إلى لباس المشارك وهندامه، غير مفيد، فمن المهم الابتعاد عن اللباس الغريب المستهجن، والظهور المثير للسخرية والاستغراب.

في حال تمثيل الجاليات المسلمة لا بد من الانتباه الى :

- عدم الاستفزاز والحذر من مهاجمة ما يحترم أهل البلد، لا بد أن يتذكر المشارك في البرنامج –إن كان أجنبيا عن البلد- أنه يتحدث كغريب عن البلد، وأنه يمثل شريحة من الناس، أوكلوا إليه أمانة تمثيلهم وإعطاء الصورة الأمثل عنهم، وأن أي إشارة أو تعبير يدل على استخفاف أو استهزاء بعقائد أهل البلد أو شخصياتهم التاريخية، أو عاداتهم، سيكون له أثر بالغ السوء على الجالية بأسرها وعلى المبادئ التي يمثلها بشكل عام، خصوصا أن أخطاء الأجانب تضخم وتسلط عليها الأضواء بشكل كبير، والهجوم على الثوابت الوطنية يوحد جميع الأطراف على الطرف المهاجم.

- إتقان اللغة الأجنبية بشكل جيد : اللغة المحلية هي المفتاح الذي يمكن من خلاله مخاطبة المجتمع، وهي مهمة جدا لكل متكلم، ولا يكفي في القضايا الحساسة والكبيرة أن يحسن المشارك الكلام الصحيح والقواعد اللغوية، بل لا بد من أن يكون ذا مستوى راق في اللغة لا يقل كثيرا عن مناظريه إن لم يساوهم. فعدم إتقان اللغة من أهم الثغرات التي يستغلها الآخرون لإضعاف موقف المتكلم الأجنبي، حيث لا يتمتع باللياقة اللغوية والجمل المعبرة والأمثال والكلمات الموغلة في الخصوصية، وهنا لا بد لمن يتصدى لهذه القضايا أن يسعى بشكل دائم الى تحسين مستواه اللغوي بشكل دائم.

* هنا لا بد من الإشارة إلى أنه إذا وجد مسلم من أهل البلد يتمتع بالفهم السليم المتكامل للإسلام، ويستطيع التصدي للموضوع بجدارة، إضافة الى معرفته بأهل بلده وعاداتهم، فذلك خير ألف مرة من أن يظهر عالم معروف لا يحسن التعبير أو يحول الإنتباه من مضمون كلامه إلى أخطائه اللغوية التي لا تنتهي.


المعادلة المطروحة:

بعد عرض الموازنات بين المشاركة وعدمها، ومعارف وأسلوب المشارك، نعود الى التذكير بقاعدة عامة وهي: من الأفضل بكثير أن يخرج برنامج يهاجم الإسلام والمسلمين دون أن يشترك فيه أي مسلم، من أي يشارك فيه مسلم صاحب بضاعة مزجاة، لا يحسن الدفاع عن دينه وقضاياه.