تجربة مركز التنمية الأسرية في الأحساء والدمام (1 )

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الكريم ، وعلى آله ، أما بعد ..فـإن حاجـة الإنســان ليست محصورة فــي متطلبـات الجسد من مطعم ومشرب ومسكـن وملـبس، وإنما له حـاجات نفسية هي أعز عنده من تلك، وربمـا كانـت سببا في فقره في كل تلك الحاجات الجسدية ؛ فكم تسبـب الحرمان العاطفي في ضعف النـفـس وهوانهـا ، وفشلها وتخلفها ، وبطالتها وانحرافها . بل ربما تسبب في صناعة الجريمة ، وتفريخ الرذيلة .

ولذلك فإن الاستقرار الأسري هدف ينبغي أن يتخذه الغيورون على أوطانهم وأعراضهم شعارا يسعون لتحقيقه , فمن رحم الأسرة المستقرة المستقيمة : يخرج الإنسان الناضج، الناجح في حياته، السوي فـي تصوراته، المحب لدينه ولوطنه، الذي يشعر بأنه جزء من الوطن فلا يؤذيه بنـشر صور الإرهاب المتلبس بالدين أو بالمخدرات أو بالاعتداء على أعراض الآخرين أو ممتلكاتهم، بل يرعاه بقلبه، ويفديه بنفسه.

ومن خيمة الأسرة المستقرة : يخرج الموظف الهادئ الروح ، الغزير الإنـتـاج ، المتقـن لعملـه ، المتـسـم بالمعاملة الحسنة لمراجعيه ورؤسائه ومرؤوسيه.

ومن كنف الأسرة الواعية : يخـرج الأب الحـريص على تربية أولاده على معالي الأمور ، وتسنم سلم النجاح .

وفي عشِّ الأسرة الحانية : يتـوحــد الزوجان اللذان يحترم كل منهما الآخر ، ويتعاونان على صناعة السعادة في بينهما في أجواء المحبة والمودة والرحمة والبناء للمستقبل.

جاءت فكرة إنشاء مركز التنمية الأسرية، لتشمل خدماته الإنسانية الأسرة بكل فئاتها الاقتصادية؛ ساعيا إلى تثبيت دعائم خيمتها الضافية، بأساليب علمية مدروسة.

ومن خلال دراسة المجتمع الأحسائي تبين أن نسبة الطلاق أخذت تزداد في الفترة الأخيرة؛ حتى أصبحت تمثل حوالي خمس حالات الزواج ؛ فهي تنذر بخطر جسيم، ينبغي السعي الحثيث للحد منه؛ فإن الطلاق قد يؤدي إلى الفقر ، وإلى الانحراف ، وإلى الجنوح والجريمة، وإلى الخلافات المستعصية بين الأسر حول الأولاد والنفقة والحقوق ، وإلى الانكسار النفسي والاكتئاب، وإلى العنوسة، وإلى النظرة الانتقامية للمجتمع كله، وإلى التأخر الدراسي، ومن ثم التخلف الوظيفي، ومن ثم البطالة، إلى أمور كثيرة في غاية الخطورة.

ولذلك فإنه مهما بذل في سبيل الحد منه من الجهد والمال فإنه سيكون استثمارا حقيقيا للموارد البشرية والمادية من جانب ، وحفاظا عليها من جانب آخر.

وإن التجربة القصيرة جدا التي مر بهـا المركز في الأحساء في السنة الماضية ، تشير بوضوح إلى تقبل منقطع النظير من المجتمع الأحسائي لفكرته ، فـالمختصون في المجالات الشرعية والقضائية والاجتماعية والنفسية والتربوية مـن شتى المؤسسات الحكومية قد أبدوا فرحـة كبيرة بالمـركـز، وتعاونا رائعا، دفع المركز للاستفادة من كل الخبرات، فكـون فريق عمل داخلي يحمل مؤهلات عالية وخبرات تراكمية متميـزة كـل فـي الزاوية التي تسلم مسؤوليتهـا، وفـريـق عمل مدرب للاستشارات الأسرية، وفريق عمل معتمد في التدريب الأسـري، وفريق عمل من علماء البلد وفضلائها ووجهائها لإصلاح ذات البين، وفريق عمل ذا إبداعات ملونة للبرامج العامة. وأقبل أهـل المعـروف كل يجود بما يستطيع ويملك، وإن كنـا لــم نقارب حد طموحنا بعد ، ولكنا يصح في هؤلاء وهؤلاء قول الشاعر :

خل إذا جئته يوما لتسأله أعطاك ما ملكت كفاه واعتذرا
يخفي صنائعه والله يظهرها إن الكريم إذا أخفيته ظهرا

وقد طرحت الفكرة على جمعية البر بالمنطقة الشرقية، وجمعية البر في الأحساء، فصدر توجيه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز آل سعود أمير المنطقة الشرقية بتطوير مسمى شروع تيسير الزواج في الدمام ليكون مركز التنمية الأسرية، وصدر قرار جمعية البر بالأحساء بموافقة سمـو رئيـس مجلسهـا الأمير بدر بن محمد بن جلوي محافظ الأحساء حفظه الله على إنشاء المركز في الأحساء؛ الذي شرف المركز بأن أطلق عليه : مسمى (المشروع الرائد)، وتمنى للمركز أن يكون له السبق في نشر الفكرة في شتى مناطق المملكة ، إذ يتميز بين أمثاله في المملكة بأنه يجمع بين التوعية الاحترافية، وعلاج المشكلات الأسرية بوسائل متقدمة، والدراسة المختصة للمجتمع للوصول إلى معـرفـة دقيـقـة بأدوائـه وأسبـابهـا لعلاجها . كل ذلك في إطار واحد؛ لتكتمل الطريق للوصول إلى أسرة سعيدة آمنة .

وكانت بداية المركزين في مطلع عام 1426هـ. ولا تزال هذه البذرة الصغيرة تحمل طموحات كبيرة لعمل لتوه في لفافات المهد، كل يـوم تنطلق منه يـد أو قـدم ليكتمــل النمـو بـإذن الله، وها أنا ذا أراه مـن وراء سجـف الغيـب يقف علــى قدميـه شابـا طموحـا متزنـا بـإذن الله وعـونـه وتوفيقه ، ربنا لا تكلنا إلى أنفسنا وإلى أحمد من خلقك طرفة عين ولا أقل من ذلك .

شكرا لله تعالى على تيسيره ، ثم لكل من يدعم مشـروعات الخيـر فـي بلـد الخيـر ، من قمة المجتمع ؛ ولاة الأمور حفظهم الله تعالى إلى كل فرد من أهل المعروف ..........
يتبع

(نشر بالاتفاق مع موقع المستشار )