المعسكرات الترفيهية المدرسية.. تحفيز وتعزيز

تتسابق المدارس في المملكة العربية السعودية على ترسيخ نمطية تثقيفية وترفيهية للطلاب، تساعدهم على الارتباط بالمدرسة بشكل أمثل، وتستفز قدراتهم وإمكاناتهم، وتحفّز طموحهم وقدراتهم الكامنة، وتعزّز من ثقافتهم وطرق تفاعلهم مع الوسط المدرسي والاجتماعي، وتساعد في تفريغ شحنات كبيرة لدى الطلاب في المكان المناسب، مع الحرص قدر المستطاع على إيصال رسائل إيجابية تثقيفية وتربوية إليهم بأسلوب التشويق والمغامرة والترفيه.

هذه التجربة التي باتت تطبّق على نطاق واسع في المدارس السعودية وبعض الدول الخليجية، قد لا تجد لها تجارب مماثلة في بعض الدول العربية والإسلامية، ربما بسبب عدم وجود اهتمام محدد بذلك، أو بسبب عدم وجود مكان مخصص لها في النشاطات المدرسة، أو عدم النظر إليها بجدية، ولأن التجربة باتت واقعاً له مقاييس وأهداف وطموحات محددة، نستعرض فيما يلي تجربة بسيطة قد لا تكون شديدة التميّز، إلا أنها تعطي صورة واسعة عن نمطية هذه المعسكرات أو البرامج الترفيهية، وتساعد ربما في تبنيها لدى بعض المدارس المهتمة بتعزيز قدرات طلابها، وتحفيز نشاطهم.

أهمية المعسكرات الترفيهية لطلاب المدارس:
تعد المعسكرات الترفيهية الطلابية، من بين الأدوات الناجحة في صقل شخصية الطالب وإخراجه من الأجواء الروتينية للدراسة والعلم، وإدخاله في أجواء أكثر انفتاحاً وحركة وموهبة، فتشحذ فيه الهمم، وتتقارب فيها الأفكار العلمية والتربوية من الأذهان، ويصبح للتعليم طعم آخر.

فالروتين اليومي للدراسة في الصفوف المدرسية يجلب للطالب في أحيان كثيرة الملل والضجر، ويصبح العلم والتعلم عملية متكررة يجلس الطالب خلالها في الفصل الدراسي، وينتظر الأستاذ الذي يأتي ليلقي الدرس، ثم يطلب حل الواجبات، وهكذا.. وتأتي المعسكرات الترفيهية لتقدّم نوعاً جديداً من أنواع التعليم والتدريس، وتصبح الأفكار والمعلومات التي تقدّم للطلاب خلالها أكثر ثباتاً في الأذهان، وأطول عمراً في العقول، لذلك فإن من المناسب جداً استغلال هذه الدورات لتعميق قيم الإسلام الحنيف والعقيدة الصحيحة والأفكار الإيجابية البناءة في المجتمع.

كما يمكن تطبيق الأفكار العلمية التقنية على أرض الواقع خلال تلك المعسكرات، ليصبح قسم من المعسكر تمريناً عملياً للأفكار العلمية والتقنية وغيرها.

وتلائم المعسكرات الترفيهية نفوس الطلاب وميولهم، فيصبح التعلم خلالها سهلا وممتعا ، فعلماء النفس يؤكدون أن لدى الإنسان حاجات أساسية لا بد أن تتم تلبيتها لكي ينمو الفرد بصورة سليمة. حيث تقول الدكتورة أميرة داود في مقال لها بمجلة المعرفة تحت عنوان (الشباب والترفيه): "من هذه الحاجات ما هو فسيولوجي كالحاجة إلى الطعام والشراب والتنفس والراحة وغيرها. ومنها ما هو نفسي كالحاجة إلى الشعور بالأمان والحب والانتماء. ومنها ما هو اجتماعي كالحاجة إلى تحقيق الذات والتقدير. ومنها ما هو فكري كالحاجة إلى المعرفة. وهذه الحاجات تمر في نظام متسلسل في الأهمية ابتداء من الحاجات الفسيولوجية التي تمثل القاعدة في هرم الحاجات والتي يلزم توافرها قبل أي مستوى يتلوها، كما يتغير مستوى الحاجات لدى الأفراد بحسب مستوى نموهم العمري والعقلي، بمعنى أن الحاجات الفسيولوجية تكون أكثر أهمية في مراحل العمر الأولى، بينما تزداد أهمية الحاجات النفسية والمجتمعية في مراحل العمر الأكثر نضجًا".

وتتابع بالقول: " ويشكل الترفيه وسيلة مهمة من وسائل تحقيق هذه الحاجات الإنسانية. فالترفيه جزء من الحاجات الفسيولوجية الأساسية لكون الإنسان يحتاج إليه في صورة الراحة الذهنية والبدنية كما أنه جزء من الحاجات الاجتماعية لكون الإنسان يحتاج إليه كجزء من التفاعل الاجتماعي بين الأفراد في جو يخلو من الصرامة والضغوط التي تفرضها متطلبات الحياة. كما أنه جزء من الحاجات الفكرية، لكون الإنسان يحتاج إلى التعلم والمعرفة، وقد يكون التعلم في أحايين عدة أكثر فاعلية إذا تم عن طريق الترفيه واللعب في جو بعيد عن الرسمية والقيود، كما هو الحال عند الأطفال مثلاً".


الإطار العام للمعسكر الترفيهي:
ولتقريب الصورة إلى الأذهان، ننقل تجربة واقعية أقيمت خلال الفصل الدراسي الأول من العام الدراسي 1427 – 1428هـ في مجمّع الأمير مساعد بن عبدالعزيز لتحفيظ القران الكريم، في العاصمة السعودية الرياض.
وجاء المعسكر وفق الإطار التالي:
• تم اختيار (36) طالباً للمعسكر من المرحلتين المتوسطة والثانوية.
• وضع القائمون على المعسكر برنامجاً منوعاً، يشتمل برامج ثقافية وترفيهية وتوجيهية ورياضية.
• تم استئجار خيمة (6×12م) وتم نصبها في ملعب المدرسة.
• بدأ المعسكر بعد نهاية دوام يوم الأربعاء الموافق 29/11/1427هـ، وتحديداً عند الساعة الواحدة ظهراً، وكانت أولى فقرات البرنامج مسابقات ثقافية وترفيهية، واستمرت هذه الفقرة حتى الساعة الثانية ظهراً.
• عند الساعة الثانية بدأ وقت الغداء، واستمر حتى الساعة الثالثة ظهراً.
• عند الساعة الثالثة ظهراً أدى جميع المشاركين صلاة العصر.
• عند الساعة الثالثة والنصف استضاف المعسكر فضيلة الشيخ/ سعد بن عتيق العتيق (مدير المجمع)، الذي ألقى كلمة توجيهية مفيدة نالت على استحسان الجميع.
• عند الساعة الرابعة عصراً بدأ البرنامج الرياضي، واستمر حتى الساعة الخامسة مساءً.
• عند الساعة الخامسة والربع أدى جميع المشاركين صلاة المغرب.
• عند الساعة الخامسة والنصف انصرف جميع الطلاب إلى منازلهم، وبذلك انتهى هذا المعسكر.

وفيما يلي، جدول ببرنامج المعسكر الترفيهي:

الوقت البرنامج
1-2 برنامج ترفيهي
2-3 فترة غداء
3-3.30 صلاة العصر
3.30-4 كلمة توجيهية
4-5 برنامج رياضي
5-5.30 صلاة المغرب
5.30 انصراف

أصداء المعسكر:
رغم البساطة التي قد تبدو للوهلة الأولى للمعسكر الترفيهي، إلا أنه استطاع أن يختزل في حجمه معانٍ كبيرة للمعسكرات الترفيهية، تتمثل بدور فكرة المعسكر بحد ذاته في تحفيز الطلاب على المشاركة فيه، والجهد والاجتهاد لضمان حصولهم على مقعد في المعسكر. فضلاً عن تفاعلهم الإيجابي مع المعسكر، وتقديم جرعة ترفيهية تتضمن رسائل تربوية وتثقيفية عديدة.

وقد عبّر عدد من الطلاب عن انطباعات إيجابية للغاية من المعسكر، منها ما قاله الطالب إسماعيل جبر، الذي أكد أن المعسكر كان أشبه برحلة مميزة وممتعة، ابتعد بها الطالب عن أجواء الدراسة داخل المدرسة. فيما قال الطالب ياسين الشهري: "أعجبني التنظيم، وفكرة الخيمة في المدرسة، وكذلك استفدت من الدروس والفوائد في المعسكر".
ويرى الطالب خالد القحطاني أن المعسكر كان مفيداً للغاية لهم، ويقول: "نشكر القائمين على هذا المعسكر حيث لمسنا منهم كل مفيد وجميل وأكثر ما أعجبني تنوع برامج المعسكر والانضباط بالوقت".
الطالب ناصر القحطاني أيضاً أثنى على المعسكر، وقال: "من إيجابيات المعسكر: المتعة والرفاهية، والتنظيم، والكلمة التوجيهية".

ويشرح الشيخ سعد بن عتيق العتيق (مدير المجمع) لموقع (المسلم) بعضاً من الدروس المستفادة من تجربة هذه المعسكرات، قائلاً: "المعسكرات الطلابية... حضن تربوي جميل ينقل الطالب من البيئة التعليمية إلى التحليق في جوٍ من النشاط الحركي، ومحاولة تزويده ببعض السلوكيات الإيجابية وغرس معاني الرجولة والاعتماد على النفس واكتشاف بعض المهارات والمواهب والتي لربما لا يستطيع المعلم اكتشافها في الطلاب داخل الفصل الدراسي".

وعن الأهداف التي تطمح إليها مثل هذه المعسكرات، يتابع الشيخ العتيق بالقول: "من أجمل الأهداف التي ينشدها (النشاط المدرسي) من المعسكر غرس حب البيئة المدرسية في نفس الطالب وكذا إكسابه بعض الأخلاق الفاضلة كحب الإيثار وخدمة إخوانه".

تقييم التجربة على الصعيد الواقعي:
في المدارس التي تتبع إقامة البرامج الترفيهية، يوجد مدرس خاص مكلف بالبرامج والأنشطة المدرسية، يتولى إعداد النشاطات المدرسية، ويرسم لها مدة زمنية، وجدولاً معيناً، وبرنامجاً خاصاً يتوافق مع طبيعة المدرسة وطبيعة الطلاب، كما يحدد ميزانية النشاط، ويختار الطلاب الذين سوف يشاركون فيه، وغيرها من الأمور التنظيمية الخاصة بالنشاط.
وعادة ما يمتد المعسكر الترفيهي لساعات في يوم، أو لعدة أيام خارج المدرسة (خاصة خلال العطلات الصيفية أو النصفية)، يراعي التنوّع في النشاطات، وفي أنواع المعلومات التي يتم تقديمها للطلاب، مع تحديد هدايا وجوائز للمتميزين من أجل تحفيز الطلاب في المشاركة والفائدة.

وللمعسكرات الترفيهية أهداف وغايات، يمكن اختصارها بما يلي:
1- تحقيق مبدأ التآخي والتعارف والتعاون بين الطلاب المشاركين.
2- قضاء الطلاب وقتاً جماعياً ممتعاً ومفيداً بعيداً عن جو الدراسة الروتيني.
3- ممارسة الطلاب لمجموعة من البرامج والهوايات المحببة إلى النفس بطريقة منظمه.
4- تدريب الطلاب على تحمل المسؤولية والاعتماد على النفس وخدمة المجتمع تحت إشراف نخبه من المعلمين المتخصصين والمتميزين.
5- إيصال المعلومات الهامة والمفيدة إلى عقول الطلاب بشكل ترفيهي ومسلّ، ما يرسّخ تلك المعلومات في عقولهم.

ولكن قد تظهر بعض السلبيات في هذه المعسكرات، والتي عادة ما تكون بسبب سوء التخطيط مثلاً، أو عدم أخذ الحيطة التامة بمسألة أمن الطلاب وسلامتهم، كأن يتعرض البعض لإصابات أو إرهاق، كما قد يسهم اختيار بعض الطلاب دون غيرهم في ظهور الغيرة والإحباط، أو قد يكون البرنامج ترفيهياً بحتاً، فلا يستفيد الطالب منه أي معلومة إضافية.

قبل الختام:
وإذا حاولنا ذكر بعض ثمرات مثل هذه المعسكرات، فإننا نوجزها فيما يلي:
1 – تحبيب الطالب للمدرسة حيث إنها لا تقتصر على تزويد الطالب بالعلوم والمهارات فقط، بل هي أيضاً مكان للترويح والترفيه الهادف.
2 – ظهور صفات الرجولة عند بعض الطلاب، مثل: الخدمة والمساعدة، احترام الكبير، الإيثار وغيرها.
3 – توجيه الطالب تربوياً بطريقة غير مباشرة عن طريق بعض البرامج التي نفذت في المعسكر.
4 – تعويد الطالب على بعض الأمور المهمة، مثل: المحافظة على الصلاة، واحترام الكبير، ومساعدة الآخرين.

هي دعوة نقدمها للمدارس في كل مكان، على تبني إقامة معسكرات ترفيهية للطلاب، تقدم لهم الكثير، وتدعمهم نفسياً ومعنوياً وتربوياً، طالما أن همّ المدرسة الأول هو خدمة الطالب، ومساعدته على النجاح والتميّز، وتوظيف طاقاته في المكان المناسب.