قبل أن تتكلم
8 صفر 1428

إن الأبكم عندما يريد التعبير عن شيء، فإنه يستخدم كثيراً من أعضائه، ومع ذلك لا يشفي نفسه، ولا يبلغ مراده، وإن بلغه فبشق الأنفس.
إذن، فنعمة اللسان من أجل النعم، ومن أكبر المنن الإلهية علينا، فهل حافظنا عليها؟ هل استخدمناها في الخير وجنبناها الزور والوقيعة في أعراض العلماء وغير العلماء؟

إن النصوص تدل على خطورة أمر هذه الجارحة، وفداحة الخسارة الناجمة عن التهاون في حفظها، قال الله _تعالى_ في شأن الإفك: "إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ" (النور:15). وقال –تعالى- في المنافقين: "فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ" (الأحزاب: من الآية19)، وقال تعالى: "يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ" (الفتح: من الآية11)، وقال تعالى: "وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى" (النحل: من الآية62).

ولذلك جاء الأمر بحفظ اللسان، والتحذير من إطلاق العنان له قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً" (الأحزاب:70)، وقال: "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" (قّ:18)، وقال عز وجل: "وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ" (الإسراء: من الآية36).

وفي الحديث الذي رواه الترمذي: "وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم"(1)، ويقول الرسول _صلى الله عليه وسلم_ في الحديت المتفق على صحته: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة".

إن كثيرا من الناس -وبخاصة الطيبين المستقيمين- يضمنون ما بين الفخذين، وهذه نعمة عظيمة، وفقهم الله -تعالى- إليها.
ولكن.. هل نحن نضمن ما بين اللحيين؟ هل يمر علينا يوم بدون أن نقع في عرض مسلم، عالما كان أو غير عالم؟! ليحاسب كل امرئ نفسه، وليناقشها في ذلك الأمر الخطير؛ لكي نصحح أوضاعنا في هذا الجانب؛ امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" متفق عليه؛ وحذرا من الوعيد في مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب" متفق عليه.



يصـاب الفتـى مـن عـثرة بلسانه وليس يصـاب المرء من عثرة الرجل
فعثرتــه بــالقول تـذهب رأسـه وعثرتـه بـالرجل تـبرا عـلى مهل

وقول الآخر:


احفظ لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقاءه الشجعان

وقول الآخر:


الصمت زين والسكوت شجاعة فإذا نطقت فلا تكن مكثارا
فإذا ندمت على سكوتك مرة فلتندمن على الكلام مرارا

قال حاتم الأصم: "لو أن صاحب خبر جلس إليك ليكتب كلامك؛ لاحترزت منه، وكلامك يعرض على الله -جل وعلا- فلا تحترز!".

فأقوالنا مكتوبة وألفاظنا محسوبة أما لنا أو علينا وكم من الأخيار يقوي أحدهم على الصيام والقيام ومنع النفس من كثير من الحرام ويعسر عليه أن يطبق فكيه على لسانه وإن المرء ليعجب ممن سجن كثير من جوارحه عن الحرام وعجز أن يسجن أولى ما ينبغي أن يسجن!

______________
(1) رواه الترمذي وصححه الألباني في إرواء الغليل.