إلى موقع القيادة
24 محرم 1428

من الملحوظ على هذه الأمة في عصورها المتأخرة، مواقف السلب وعدم الإيجابية، فقد رضيت أن تكون في صفوف المتفرجين، وعلى هامش الحياة، فإذا ما وقع حدث ما أو كاد أن يقع، هبت تصرخ وتولول، وتنادي بالويل والثبور وعواقب الأمور.

إن أمر هذه الأمة أمر عجب، فلم يكن هذا دأبها فيما مضى، وليست هذه سمتها، ولا خاصية من خصائصها، بل كانت هي الأمة الرائدة، الأمة القائدة، فهل عقمت؟ أم ماذا حل بها؟ وما سر تغير حالها وتبدل شأنها؟

تأملت في هذا الواقع فأزعجني ما أرى، وأقض مضجعي ما أشاهد، ثم ازددت يقينا أن سر قوة هذه الأمة، ومكمن عزها، ومنبع مجدها، هو في دينها وعقيدتها، ومدى التزامها بمبادئها. ولا يعود هذا إلى أصلها ونسبها ولغتها، كما تصور الواهمون ونادى المضللون.


فإن يكن لهم في أصلهم شرف   يفاخرون به فالطين والماء

لذا فإننا سنظل عالة على الأمم، وكالأيتام على موائد اللئام، والخدم في قصور الأسياد، ما لم نعد إلى ديننا، ونعرف حقيقة عزنا ومجدنا (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون: من الآية8).

وهناك لن نقف مكتوفي الأيدى أمام مكائد الشرق ومؤامرات الغرب، بل سيهرع الشرق والغرب والشمال والجنوب يخطب ودنا، ويستجدي رضانا، ويتسول ما يفيض به كرمنا، مع أننا سنكون أكرم من أن ننتظر السائل حتى يسأل والمحتاج حتى يطلب، وسنجود بمهجنا وأرواحنا -فضلا عن أموالنا- في سبيل نشر عقيدتنا، وترسيخ مبادئنا، إذا أصر الظالمون إلا الحيلولة بيننا وبين تحقيق الخيرية التي منحنا الله إياها.

وبهذا ستتفجر مواهبنا، وتظهر عبقريتنا، وتعم العالم مبادراتنا، وهنا يحق لشاعرنا أن يقول:

أنام ملء جفوني عن شواردها   ويسهر الخلق جراها ويختصموا

وأعود مرة أخرى فأقول:
إن هذه الأمة لم تعقم، ولن تعقم بإذن الله، والطريق أمامنا مفتوح، والسبيل سالك والمنهج واضح، فعلينا بنبذ الكسل والخمول:


لا تصحب الكسلان فـي حالاته   كم صـالح بفـساد آخـر يفسد
عدوى البليد إلى الجليد سريعة   كالجمر يوضع في الرماد فيخمد

ولا بد أن ننتشل أنفسنا من هذا الذل والهوان:

من يهن يسهل الهوان عليه   ما لجـرح بمـيت إيلام

وأن ندرك أنه لا بد من تحمل الصعاب وبذل المهج والأرواح وإلا:

ومن يتهيب صعود الجبال   يعش أبد الدهر بين الحفر

وأن نعلو بأهدافنا وغاياتنا:

وإذا كانت النفوس كبارا   تعبت في مرادها الأجسام

وبذلك يكون المسلم هو المسلم الذي يصدق فيه:

يهتز كسرى من خوفه فرقا‌   على كرسيه وملوك الروم تخشاه

بل يصدق فينا قول الحق -جل وعلا-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران: من الآية110).
وحتى يتحقق هذا الأمل -بإذن الله- لابد من بذل لأسباب والأخذ بالوسائل الموصلة للغايات ولا يصح أن تلفتنا مناظر الطريق عن غابة المسير.