البغي وقطيعة الرحم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لا يخفى على كل مسلم أن الشريعة جاءت بكل خير ونهت عن كل شر وقطعية. ومن ذلك البغي وقطعية الرحم كما جاء من حديث أبي بكر _رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: (ما من ذنب أجدر (أحق وأولى وأحرى) أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة (أي مع يؤجله له من العقوبة في الآخرة). من البغي وقطيعة الرحم). (أخرجه أبو داود في الأدب، باب في النهي عن البغي 2/693 برقم 4902، والترمذي، كتاب صفة القيامـة، باب رقـم (57) 4/664 برقم 2511 وقال حديث حسن صحيح، وابن ماجه في الزهد، باب البغي برقم 1408 ورقم 4211).

وقفة مع الراوي: هو أبو بكرة نفيع بن الحارث، مولى النبي _صلى الله عليه وسلم_، تدلى في حصار الطائف ببكرة، وفرّ إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ وأسلم على يده، وأخبره أنه عبد فأعتقه، روى جملة أحاديث، وكان من فقهاء الصحابة، مات _رضي الله عنه_ في خلافة معاوية بن أبي سفيان بالبصرة.
والبغي هو الظلم.
والرحم هم: ذوو الأرحام والأقارب، كالعم، والخال، والعمة، والخالة، وأبناؤهم، وبناتهم، وقطيعة الرحم: عدم وصلهم وزيارتهم والسلام عليهم.

من الأحكام في الحديث:
1ـ الظلم ظلمات في الدنيا والآخرة، يستحق صاحبه العقوبة العاجلة في الدنيا فيراها قبل موته، وقد تضافرت الآيات والأحاديث في التحذير من الظلم يقول تعالى: "مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ" (غافر: من الآية18). ويقول سبحانه: "وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ" (إبراهيم: من الآية42)، ويقول سبحانه: "وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً" (الفرقان:27).

وروى الشيخان عن أبي موسى _رضي الله عنه_ أنه قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: (إن الله ليملي للظـالم، فإذا أخـذه لم يفلته) ثم قـرأ: "وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ" (هود:102). والحديث (أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى 8/354 رقم4686، ورواه مسلم، كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم 4/1977 برقم 2583).

2ـ الظلم أنواع، ورأسه: الإشراك بالله تعالى، قال تعالى ـ في ذكر وصايا لقمان لابنه: "يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" (لقمان: من الآية13).
ومن الظلم: ظلم الأسرة والأولاد بعدم تربيتهم التربية الإسلامية الحقة.
ومنه أيضاً: ظلم الناس بعامة، بالاعتداء عليهم، أو بخسهم حقوقهم، أو النيل من أعراضهم.
ومنه أيضاً: الظلم بالتقصير في أداء المصالح العامة، كعدم الإيفاء بمتطلبات الأعمال، أو تأخير مصالح الناس ونحو ذلك.
ومنه أيضاً: الظلم الواقع على الخدم والعمال والأجراء ببخسهم حقوقهم، أو تكليفهم ما لا يطيقون.

3ـ للرحم في دين الله شأن عظيم، يجب وصلها، وتحرم قطيعتها، روى البخاري وغيره عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ أنه قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: (اقرؤوا إن شئتم): "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ" (محمد:22، 23). والحديث (رواه البخاري، كتاب التفسير، باب وتقطعوا أرحامكم 8/579 برقـم4830، ومسلم، كتاب البر والصلة، 4/1980 برقم 2554).

4ـ صلة الرحم تكون: بالزيارة، والسؤال عن الحال، والاطمئنان على القريب، والتلطف بالخطاب، كما تكون بإهداء الهدايا المناسبة، والتهنئة فيما يحصل من الخير، ومساعدة المدين المعسر في سداد شيء من دينه، والسعي له في سداده، وبذل الجاه، وقضاء الحاجات، والدعاء بالتوفيق والمغفرة، وغير ذلك.

5ـ صلة الرحم تزيد في العمر، وتبارك فيه، كما تزيد المال وتنميه، بالإضافة إلى تكفير السيئات، ومضاعفة الحسنات، وإرضاء الخالق جل وعلا روى البخاري وغيره عن أنس _رضي الله عنه_ أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال: (من أحب أن يبسط له فيرزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه). (أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم 10/415 برقم 5986، ورواه مسلم، كتاب البر والصلة، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها 4/1982 برقم 2557.ومعنى ينسأ له في أثره: يؤجل له في عمره.

6ـ المسلم الحق هو الذي يحب للآخرين ما يحب لنفسه، فيؤدي حقوقهم ولا يتعدى عليهم أو يظلمهم، أو يتطاول عليهم حسياً أو معنوياً.

7ـ العقوبات التي يسلطها الله تعالى على بعض عباده قد تكون في الدنيا وقد تؤجل في الآخرة، فلينتبه المسلم لنفسه فلا يحقر شيئاً من الذنوب أو المعاصي عندما لا يرى أثرها في الدنيا.