تعزيز السلوك الإسلامي للأبناء

تعد شريحة طلاب المدارس من أوسع الشرائح العمرية التي يقع عليها هم التربية والتعليم والتنشئة الإسلامية الصحيحة، وغرس المبادئ الإسلامية الفكرية والسلوكية، قبل أن تكبر وتضطلع بدورها في بناء المجتمع الإسلامي.
فمستقبل المجتمعات بيد هؤلاء الطلاب والشباب الذين سيكونون في غدٍ عمادها، ويقولون كلمتهم في طريقة تعاملهم مع الآخر، وطريقة حياتهم، خاصة في ظل تزايد التحديات أمام المجتمعات الإسلامية، عبر الإساءات المتكررة، وعبر التحالفات الحضارية، والعولمة، ومحاولة الدول الكبرى غرس أفكارها في مجتمعاتنا الإسلامية.
وإن وضع الأهل والمدرسون آمالهم في تربية نشئ مثقف ومتعلم، فإن الكثيرين يأملون أن تكون سنوات دراسة أبناءهم وطلابهم، مليئة بتعزيز قيم الإسلام، فهو خاتم الأديان وأنقاها, وفيه كمل الدين وارتضاه الله عز وجل لعباده.

وقد كان لبعض مدارس المملكة العربية السعودية تجارب في تعميق الأفكار الإسلامية الإيجابية لدى النشء الجديد، عبر برامج توعوية وتعليمية، تربي فيها الطالب على الأخلاق الحميدة، والآداب الحسنة، أملاً في صلاح المجتمع وتطوره عقدياً وسلوكياً.
ومن بين التجارب التي نستعرضها في موقع (المسلم) تجربة ثرية لإدارة التربية والتعليم في المدينة المنورة، تم تطبيقها خلال العام الفائت. على طلاب المدارس. بإشراف قسم التربية الإسلامية وقسم التوعية الإسلامية في الوزارة.
وحمل البرنامج التثقيفي والتعليمي عنوان "تعزيز السلوك الإيجابي" للطلاب.
وفيما يلي نستعرض أهم الفقرات التي يمكن تطبقيها وتحقيقها في جميع المدارس الإسلامية والعربية في العالم.

بين يدي التجربة:
ينطلق البرنامج التربوي من أن المسلم مأمور بالتربية الإسلامية والعلم الإسلامي، حيث يقول الله تبارك وتعالى: "اقرأ وربك الأكرم، الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم". وانطلاقاً من أن الرسول الكريم _صلى الله عليه وسلم_ هو المعلم الأول، والمربي الأعظم، الذي أنار لأمته الطريق، وكان الأسوة الحسنة، والقدوة المثلى في التربية, فقد رسم ونفّذ الأساليب التربوية الفعالة والتي أدت إلى بناء الدولة الإسلامية الخالدة.
ولقد تم اختيار هذا البرنامج تحديداً لأن تعزيز السلوك الايجابي مطلب شرعي ديني، كما أنه مدعاة للاستمرار فيه والعكس بالعكس.

وبحسب إدارة التربية والتعليم في المدينة المنورة، فإن أهمية الموضوع تنطلق من عدة أمور، منها:
1-أن الدراسات والأبحاث التجريبية دلت على أن سلوك الإنسان لا يمكن أن يعزز من خلال المواعظ فحسب بل لا بد من تطبيقات عملية تستمر لفترات طويلة.
2- قدم الرسول _صلى الله علية وسلم_ لأمته نماذج عملية حية تسمى في علم النفس "النماذج الضمنية" وتعتبر أحد تعزيز السلوك في علم النفس.
3- نماذج عملية في تعزيز السلوك منها ما ثبت في الصحيح (أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد ففقدها رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فسأل عنها بعد أيام فقيل له إنها ماتت قال فهلا آذنتموني , فأتى قبرها فصلى عليها } ورواه ابن خزيمة في صحيحه.

السلوكيات الإيجابية:
من بين السلوكيات الإيجابية التي تحاول الإدارة زرعها بين طلاب المدارس على اختلاف مستوياتهم العمرية والعلمية، مجموعة منتقاة بعناية، تؤثر بشكل مباشر في سلوكيات الطلاب، وتنعكس في المجتمع الذي يعيشون فيه، منها:

1- الكلمة الطيبة: مستشهدين بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قدمت على رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو بالبطحاء فقال: أحججت؟ قلت: نعم. قال: بم أهللت؟ قال: لبيك بإهلال كإهلال النبي _صلى الله عليه وسلم_. قال : أحسنت. رواه البخاري
2- العفو عندما يخطئ: مستشهدين قصة حاطب بن أبي بلتعه رضي الله عنه وإخباره قريشا بعزم النبي _صلى الله عليه وسلم_ على غزوهم واستئذان عمر بن الخطاب رضي الله عنه النبي _صلى الله عليه وسلم_: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ " إنه قد شهد بدراً ، وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدراً فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ".
وعلى المتخلفين عن القتال مع رسول الله "وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم..." الآية التوبة(188)
3- قبول الرأي الآخر: مستشهدين بقصة قبول رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ في أحد رأي بعض أصحابه وترك رأيه، وفي الخندق حفر الخندق مع أصحابه أخذاً برأي سلمان الفارسي رضي الله عنه.
4- التمثل بالعمل الصالح: قال تعالى: "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم"
5-. الابتسامة: يقول جرير بن عبد الله البجلي: (ما حجبني رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي). رواه البخاري.
6- بيان عاقبة السلوك السلبي: " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم" [ آل عمران:77].

تطبيقات عملية مقترحة
يهدف البرنامج إلى تطبيق هذه الأفكار التوعوية الإسلامية بين طلاب المدارس، لذلك، فقد حرص القائمون على هذه التجربة على الاستعانة ببعض البرامج التطبيقية التي يمكن من خلالها زرع هذه المفاهيم بين الطلاب، وغرسها في أذهانهم، وتعليمهم إياها. ومن بين هذه البرامج التي تم تطبيقها تبعاً لمكان التطبيق:
أولاً: خارج حجرة الصف:
1. الإشادة بالطلاب ذوي السلوك الإيجابي من خلال: (الإذاعة الصباحية - لوحة الشرف - المناسبات المدرسية).
2. إقامة اللقاءات والحفلات التكريم لهم وتوزيع الهدايا المناسبة لهم وفق آليات ووسائل محددة شاملة للجميع مبنية على المنافسة الشريفة والملاحظة المستمرة.
3. تخصيص جوائز لبعض السلوكيات الإيجابية مثل: جائزة التعاون، الصدق، الأمانة، الخلق، الطالب المثالي.

ثانياًً / في حجرة الصف:
1- إلقاء السلام عند الدخول والخروج.
2- تبسم المعلم في وجوه طلابه.
3- مناداتهم بأحسن أسمائهم.
4- أخذ آرائهم في القضايا المتعلقة بهم والعمل بها.
5- مشاركتهم في بعض أعمالهم وألعابهم.
6- إسناد بعض المهام الصفية إلى الطلاب ذوي السلوك الإيجابي.
7- الإشادة بهم أمام زملائهم.
8- دعوة الآخرين إلى الاقتداء بهم.
9- التغاضي عن أخطائهم أحياناً.
10- العفو عن الآخرين من أجلهم.
11-. الدعاء لهم واستعمال الكلمة الطيبة في التعامل مع الجميع.
12. تفقد أحوالهم والسؤال عنهم.
13. استخدام طرق تدريس تعزز السلوك الإيجابي(التعليم بالقدوة - التعليم بالتطبيق العملي – التعليم بالحدث –
التعليم بالتفكير(المقارنة)...).
14. تكريم أصحاب السلوك الحسن وتقديرهم والاهتمام بهم.
15. تمثل القدوة الحسنة في جميع الأقوال والأفعال.

أساليب تنمية وتعزيز السلوك الإيجابي
ويمكن الاستعانة ببعض الأساليب التنموية لتعزيز هذه السلوكيات، وفق الشريعة الإسلامية، منها:
1- المكافأة: قال تعالى: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجرا".
وعن عبد الله بن الحارث قال كان رسول الله _صلى الله علية وسلم_ يصفُّ عبد الله وعبيد الله وكثيراً من بني العباس ثم يقول: ((من سبق إلي فله كذا وكذا)) قال: فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلزمهم.
2- الدعاء: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ دخل الخلاء فوضعت له وضوءا، قال: من وضع هذا؟ فأخبر فقال:((اللهم فقهه في الدين)) أخرجه البخاري.
3. إشاعة التعامل الحسن وإلزام المعلمين بحسن الاستقبال والأخلاق الحميدة مع جميع الطلاب وبخاصة أصحاب السلوك الحسن، ويظهر ذلك جلياً:- في الطابور الصباحي.
- في الإشراف اليومي.
- في الحصص الدراسية
في التعامل مع الأخطاء، ونحوها.
4. تفقد الطلاب ذوي السلوكيات الحسنة من خلال المرشد الطلابي أو وكيل المدرسة والسؤال عنه من قبل لإدارة في حال مرضه أو مصابه وتشكيل وفد من الطلاب مع أحد المعلمين لزيارته أو مواساته ونحو ذلك.
5. التغاضي عن أخطاء بعض الطلاب المثاليين والتجاوز عن زلاتهم مقابل إحسانهم وإيجابياتهم.
6. تخصيص الطلاب ذوي السلوك الإيجابي ببعض المهام الإدارية والإشرافية في المدرسة أو الانضمام لبعض اللجان المدرسية.
7. تكريم أولياء أمورهم والإشادة بتربيتهم وبأبنائهم وتوزيع الهدايا عليهم.
8. مراعاة السلوك الإيجابي في إعادة الاختبارات التقويمية وزيادة الدرجات التحصيلية.
9. وضع نظام متكامل في المدرسة على شكل نقاط يحسب لكل سلوك إيجابي يصدر من الطالب بحيث يترتب على كل حصيلة يجمعها الطالب مكافأة معينة سواء عينية أو معنوية أو دراسية.
10. إقامة الأنشطة المتنوعة من زيارات ورحلات ومخيمات ولقاءات ومسابقات خارجية للطلاب ذوي السلوك الإيجابي.

أساليب وطرق تربوية تدريسية:
ويمكن أن يستند المدرس أو المربي إلى عدة طرق وأساليب تربوية لدعم هذه الأفكار التثقيفية، منها:
أ - التدريس بطريقة التشويق و الإثارة وانتباه السامع وترقب الفائدة وامتلاك ناصية الفؤاد. وهذه الطريقة تفتح قلب وعقل الطالب لما سلقى عليه ومن أمثله (أسلوب البداية بالعدد)
(ثلاث من كن فيه...)
( ثلاث يحبهم الله...)
(سبعة يظلهم الله...) وغيرها من الأحاديث
ب_ التدريس بطريقة جعل المعنويات في صور المحسوسات (.. حلاوة الإيمان) الحديث
ج- التدريس بطريقة التفصيل بعد الإجمال والإيضاح بعد الإبهام (ثلاث... أن يكون الله ورسوله أحب إليه ممن سواهما...) الحديث.

وتشير التجربة التي أقامتها إدارة التربية والتعليم في المدينة المنورة، إلى إمكانية إقامة برامج تثقيفية إسلامية في مختلف أوجه التربية الصحيحة، والتي ليس بالضرورة أن تكون ضمن المناهج الدراسية المقررة، كنوع من تعزيز قيمة إسلامية عالية، أو الخروج من الرتم المكرر في التدريس والمواد، وكل ذلك ينعكس بالتالي على الطالب، وعلى المجتمع الذي يعيش فيه.