رحيل رمضان وحال المسلم بعده

أخي المسلم أختي المسلمة ها هو قد ودعنا حبيب! وأي حبيب! إنه حبيب ألفناه وأحببناه وكنا نردد عند قدومه قائلين:




مرحبا أهلاً وسهلاً بالصيام يا حبيباً زارنا في كل عام
قد ألفناك بحب مفعم كل حب في سوى المولى حرام
فاقبل اللهم منا صومنا ثم زدنا من عطاياك الجسام

لقد رحل رمضان بعد أن قضى المسلمون أيامه بالصيام وأحيا الصالحون ليله بالقيام، رحل شهر الغفران والعتق من النيران، رحل شهر رمضان الذي تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران، رحل شهر القران، شهر ليلة القدر التي هي خير وأفضل من ألف شهر، رحل بعدما سكنت فيه النفوس واطمأنت فيه القلوب.








دع البكاء على الأطلال والدار واذكر لمن بان من خل ومن دار
واذر الدموع نحيباً وابك من أسف على فراق ليالٍ ذات أنوار
على ليال لشهر الصوم ما جعلت إلا لتمحيص آثام وأوزار
يا لائمي في البكاء زدني به كلفاً واسمع غريب أحاديثٍ وأخبار
ما كان أحسننا والشمل مجتمع منا المصلي ومنا القانت القاري
وفي التروايح للراحات جامعة فيها المصابيح تزهو مثل أزهار
شهر به ليلة القدر التي شرفت حقاً على كل شهر ذات أسرار
ومُنَزَّل الروح والأفلاك قاطبة بإذن رب غفور خالق باري

فيا ترى بعدما رحل رمضان كيف يكون حال المسلم والمسلمة وكيف يستغلون أوقاتهم وبماذا يتقربون إلى ربهم فإن كان شهر الصيام قد رحل فقد شرع الله الكريم سبحانه العديد من العبادات التي يتقرب بها المسلمون إلى ربهم سبحانه:

1- صيام النوافل بعد شهر رمضان فمن أتبع رمضان بصيام ستة أيام من شوال كان كمن صام الدهر كاملاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر" رواه مسلم.كما شرع الخالق سبحانه صيام ثلاثة أيام من كل يوم لما رواه أبو هريرة _رضي الله عنه_ حيث قال: "أوصاني خليلي- صلى الله عليه وسلم- بثلاث صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام" متفق عليه، وصح عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "ثلاثاً من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر" وفي الصحيحين من رواية عبدالله بن عمرو بن العاص _رضي الله عنهما_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله" قال أبو ذر رضي الله عنه: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "إذا صمت من الشهر ثلاثاً فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة" رواه الترمذي بسند حسن.

وسئل رسول الله صلى عليه وسلم عن صيام يوم عرفة فقال يكفر السنة الماضية والباقية وسئل عن صيام يوم عاشوراء فقال يكفر السنة الماضية فعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة قال:يكفر السنة الماضية والباقية وسئل عن صوم يوم عاشوراء فقال:يكفر السنة الماضية وسئل عن صوم يوم الاثنين فقال:ذلك يوم ولدت فيه وبعثت فيه وأنزل عليَّ فيه}رواه مسلم.

قال أهل العلم: وفي هذا الحديث دلالة على استحباب صيام يوم عرفة وصيام يوم عاشوراء وكذا صيام يوم الاثنين وليس في الحديث مايدل على الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم.كما رغَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صيام يوم الخميس كذلك فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم" وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى صوم الاثنين والخميس" رواهما الترمذي بسند حسن.وقال صلى الله عليه وسلم أفضل الصيام صيام نبي الله داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً.

ومن الصيام المستحب كذلك صيام شهر الله المحرم لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفضل الصيام بعد رمضان:شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة: صلاة الليل" رواه مسلم وروى أهل السنن بسند حسن عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان يصله برمضان" .

وأجر الصيام ليس مختصاً برمضان بل إن الصائم له أجر عظيم على صيامه حتى في غير رمضان لما رواه سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة باباً يقال له الريَّان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منت أحد غيرهم يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد" متفق عليه.

2- قيام الليل: فإن قيام الليل مشروع في كل ليلة فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم في معرض ثنائه على عباده المتقين "كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" (الذاريات:17، 18) وقال سبحانه وتعالى: "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ" (السجدة:16) وقال الله تعالى لنبيه الكريم: "وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً" (الإسراء:79) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: "نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي الليل" متفق عليه، وفي رواية "يا عبدالله لا تكن مثل فلان:كان يقوم الليل فترك قيام الليل" وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ذُكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلةً حتى أصبح! قال: "ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه – أو قال في أذنه-" متفق عليه.

3- أما قراءة القرآن فمشروعة في رمضان وفي غير رمضان وكما أن الصيام يشفع للصائم فإن القرآن يشفع لقارئه لما رواه أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله يقول:"اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه" رواه مسلم. ولما رواه النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما" رواه مسلم وفضل تلاوة القران لا تخفى فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول: ألم حرف ولكن: ألف حرف ولام حرف وميم حرف" رواه الترمذي بسند حسن.

4- التقرب إلى الله تعالى بسائر أنواع الأعمال الصالحة كصلاة الضحى وأقلها ركعتين ومن شاء زاد على ذلك أما كون أقلها ركعتين فلما رواه أبو هريرة رضي الله عنه من وصية النبي صلى الله عليه وسلم له وذكر فيها ركعتي الضحى وأما جواز الزيادة على الركعتين فلما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله" رواه مسلم كما أن المسلم يتقرب إلى ربه بسائر أنواع الأعمال الصالحة كالسنن الرواتب وبر الوالدين وصلة الرحم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله والصدقة وغير ذلك.

نعم لقد رحل رمضان وقال القائل برحيله:






سلام من الرحمن كل أوان على خير شهر قد مضى وزمان
سلام على شهر الصيام فإنه أمان من الرحمن كل أمان
لئن كنت يا شهر الصيام منوِّراً لكل فؤاد مظلم وجنان
ترحلت يا شهر الصيام بصومنا وقد كنت أنواراً بكل مكان
لئن فنيت أيامك الزهر بغتةً فما الحزن من قلبي عليك بفان
عليك سلام الله كن شاهداً لنا بخير رعاك الله من رمضان

ثم يبقى أن يعلم كل مسلم ومسلمة أن رب رمضان باق سبحانه وأنه قد أمر عباده بعبادته من سن البلوغ حتى الوفاة قال الله تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر:99).
أسأل الله تعالى أن يرزقني وإخواني المسلمين العمل بما يرضيه وأن يجنبنا ما يسخطه سبحانه وأن يتقبل منا وأن يعفو عنا وأن يدخلنا الجنة وينجينا من النار وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.