تجربة قرية تربت على البذل

التربية على البذل تحتاج إلى مجهودات عملية من المربي يكون فيها قدوة لمتبوعيه، وذلك حتى يؤتي العطاء ثمرته، والأمة الإسلامية بحاجة شديدة في هذا التوقيت لهذا النوع من التربية، وذلك على كافة المستويات فرديا وجماعيا ومجتمعياً الأمر الذي سنجده متجسدا في قصة القرية التالية وهي: قرية " تفهنا الأشراف" إحدى قرى مصر والتي لها وضع مختلف عن أي قرية أخرى سواء داخل مصر أو خارجها، فالمشاهد لها الآن يجد بها من الإنجازات التي تتجاوز في قيمتها المادية عشرات الملايين من الدولارات، مما يجعله يندهش ويتساءل عن سر اهتمام الدولة بتلك القرية دون غيرها من القرى؟ تزداد دهشته عندما يعلم أن تلك الخيرات خالية من أي دعم حكومي وأن وراء هذا النجاح والتوفيق قصة مباركه مبنية على البذل مرت فيها القرية بعدة مراحل...
المرحلة الأولى....... البدء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ- نقطة الصفر:
ــــــــــــــــــــــ
الحد الفاصل بين فترتي الاستقرار والتغيير يسمى نقطة الصفر وقرية تفهنا الأشراف قبل عام 1984 كانت مثل بقية القرى المصرية في ذلك الوقت بما تحمله من خصائص وما تعانيه من مشكلات، وكان يبلغ عدد سكانها 4000 نسمة ومساحتها 600 فدان.
ب – البداية:
ــــــــــــــــــــ
كانت البداية عندما قام مهندسان من شباب القرية بعمل مزرعة للدواجن حيث خصصا نسبة 10% من أرباح هذه المزرعة ليتم إنفاقها في الأغراض الخيرية وعندما نجح المشروع الأول قاما بعمل مزرعة ثانية وخصصا نسبة 20 % من الأرباح لتنفق في نفس المضمار. وعندما واكب النجاح تلك المشاريع قاما بإنشاء مزرعة ثالثة وتم تخصيص نسبة 30 % من الأرباح لتدخل لنفس الوعاء الذي دخلته سابقتاها.
ثم جعلا كل أرباح أعمالهم الجديدة لله. في هذه الأثناء تفتق ذهن أحد الشابين إلى فكرة تطوير القرية من خلال العمل الجماعي المبني على المنهج الإسلامي وعلى إثر هذه الفكرة تم إنشاء المركز الإسلامي.
ج- المركز الإسلامي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد صلاة عصر يوم الجمعة 3 ربيع ثان 1404 هـ 6 يناير 1984 حدث اجتماع عام لأبناء القرية. حيث ترأس الاجتماع عمدة القرية وتحدث المهندسان وأعلنا عن فكرة إنشاء مركز إسلامي متكامل بالبلدة يشارك في إنشائه كل أبناء تفهنا الأشراف وتم اتفاق الحاضرين على الفكرة... كما اتفق الجميع على الآتي:
1- أن تكون القرية عائلة واحدة لها قيادة جماعية واحدة وتسمى بعائلة الأشراف.
2- اختيار 20رجلا يمثلون قيادة القرية تحت قيادة اختارها الناس برضاهم وهو عمدة القرية وكان القادة بالكامل من فلاحي القرية.
ثانيا... المرحلة الثانية.... مرحلة التنفيذ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في هذه المرحلة أخذت آليات العمل في التبلور وكانت صورتها كالآتي
1- تم تشكيل مجلس إدارة للمركز الإسلامي.
2- تم وضع لائحة داخلية للمركز توضح الأهداف والهياكل الإدارية والخطط والمشروعات المنوط بتنفيذها مع تحديد أولويات التنفيذ.
3- تم تشكيل لجان نوعية كل لجنة تضم ثلاثة من اللجنة القيادية مع كافة المهنيين المتخصصين وسنتعرض تلك اللجان بشيء من التفصيل.
4- تم البدء في جمع التبرعات وكان مستوى التبرع والبذل عال جدا فالفلاح البسيط كان يجود بمعظم ما عنده بدءً من الأنعام وحتى بيضة الدجاجة. وتدرجت التبرعات تبعا للمستوى الاقتصادي حيث كان هناك متبرعون يقدمون قطع أرضية لبناء مشروعات المركز الإسلامي الخدمية والرامية لتطوير القرية.
5- تم شراء قطعة ارض مساحتها 2750 م2 في مدخل القرية؛ وذلك لإنشاءات المركز.
6- من خلال الصدقات المبنية على أرباح المزارع السابق ذكرها وكذا بذل أبناء القرية تم إنشاء مصنع للأعلاف تكلف في ذلك الوقت مليون جنيه مصري، وهذا الرقم يعادل أكثر من عشرين مليون جنيه حالياً قياساً بسعر السوق، وقد خصص عائد مصنع الأعلاف بالكامل للإنفاق على مشروعات المركز وأعمال الخير، وبذلك حلت أزمة التمويل أصعب مشكلات التنمية.
* اللجان النوعية
ـــــــــــــــــــ
أولاً..... لجنة الزراعة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضمت ثلاثة من الفلاحين أعضاء لجنة القيادة وجميع المهندسين الزراعيين بالقرية وبقيادة أقدم مهندس زراعي، وقد روعي في تشكيل باقي اللجان استخدام هذا الأسلوب، وحددت أهدافها في الآتي:
1- المساعدة في حل مشاكل جميع الفلاحين في الجمعيات الزراعية وتسهيل كافة الإجراءات اللازمة للزراعة والإرشاد الزراعي والتعاون معهم في هذا الاتجاه.
2- القيام بتشجير مداخل البلدة وزراعة ألف نخلة على الترع الموجودة بالبلدة بحيث تعطي إنتاجها بعد 6 سنوات على الأقل وتجمع في وقت واحد ويتم توزيعها على أبناء القرية جميعاً.
3- دراسة وتخطيط كل ما من شأنه دفع العملية الإنتاجية الزراعية إلى الأمام والاستفادة من خبرات الجميع وتوظيفها في هذا الاتجاه.
ثانياً.... لجنة التعليم
ـــــــــــــــــــــــــــ
وكانت أهدافها:-
1- دراسة وحل المشكلات التعليمية التي تواجه الطلاب على مختلف مستوياتها الدراسية مثل مشكلة الدروس الخصوصية وإبدالها بفصول تقوية لجميع الطلاب الذين يحتاجونها.
2- الاهتمام بقضية " محو الأمية " والعمل على حل هذه المشكلة.
ثالثا...... اللجنة الصحية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكانت أهدافها:
1- توفير العناية الطبية الوقائية لأطفال القرية وضمان تحصينهم ضد الأمراض.
2- إنشاء عيادة لعلاج النساء وأخرى للرجال مجانا.
3- تكوين قوافل طبية لزيارة القرى الأخرى لتقديم الخدمات العلاجية مجانا.
رابعا....... لجنة الشباب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومهامها:
1- تكوين الفرق الرياضية الجادة في كافة الأنشطة من خلال إنشاء مركز الشباب.
2- تكوين فرق الخدمة العامة التي تقوم بأعمال مختلفة كتنظيف شوارع القرية وإنارتها.
3- تقديم الجهود الذاتية من عمل يدوي وخبرات فنية لكافة المشروعات التي توجد في القرية تطوعا.
4- القضاء على ظاهرة " وقت الفراغ " وكذا أماكن اللهو في القرية مثل المقاهي ومراكز الفيديو وغيرها.
خامسا... لجنة الزكاة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ومهمتها إنشاء بيت مال المسلمين وإدارته والإشراف على جمع وتوزيع الزكاة في مصارفها الشرعية.
سادسا.... لجنة فض المنازعات:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقوم هذه اللجنة بفض المنازعات التي تقع بين الأفراد والأسر وديا وعرفيا وتوقع غرامات على المعتدي تحصل لصالح المركز مع عمل سجل بكافة القضايا والخلافات وما انتهت إليه من مصالحات.
سابعا.... لجنة الخدمات:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتقوم هذه اللجنة بالمهام الآتية:
1- تولى مسؤولية الخدمات الاجتماعية في القرية.
2- رعاية أيتام المسلمين وكفالتهم.
3- تقديم وجبات غذائية لأطفال مكاتب تحفيظ القران الكريم والمعاهد العلمية.

المرحلة الثالثة..... الإنجازات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحققت إنجازات كثيرة في القرية تفوق في مضمونها وفي ضوء الإمكانات التي تم بها بدء العمل – العقل التخطيطي المثالي. ويمكن حصر بعض الإنجازات بالصورة التالية:
1- تحقيق معظم أهداف اللجان النوعية بصورة أفضل مما كان مخطط لها وسيتم تفصيل ذلك.
2- القضاء على مشكلة البطالة تماما داخل القرية.
3- الحد من الأمية بصورة شبه تامة.
4- إنشاء معهد ثانوي أزهري للبنين بتكلفة 180 ألف جنيه مصري عام 1989
5- إنشاء معهد ثانوي أزهري للبنات بتكلفة 180 ألف جنيه مصري عام 1989
6- إنشاء محطة للسكة الحديد بتكلفة 150 ألف جنيه مصري.
7- وسائل انتقال (باصات) لنقل الطلاب من القرى الأخرى إلى المعاهد الدينية بالقرية مجانا.
8- رصف جميع طرق القرية.
9- تشجير القرية.
10- سنترال هواتف آلي.
11- مجمع خدمات المركز ويضم:
أ – المسجد الجامع على مساحة كبيرة وذي بنيان هندسي راق.
ب- ورش صيانة لكافة معدات وأثاثات المركز الإسلامي
ج- قاعة مؤتمرات
د- مكتبة متطورة.
12 – إقامة مصنع أعلاف كبير إضافة إلى المصنع الكبير الذي تم البدء به.
13- فرع لجامعة الأزهر للبنين.
14 – فرع لجامعة الأزهر للبنات.
كافة منشآت الجامعة تم بنائها على نفقة المركز الإسلامي.
15 – مدينتين جامعيتين للطلاب والطالبات المغتربين والمغتربات.
16- القضاء على كافة أوجه التلوث بالقرية.
17- مستشفى طبي متكامل.
18 – مطابخ لتقديم وجبات غذائية للطلاب.
19 – مشاغل لعمل أزياء الطلاب.
20- ورش نجارة لعمل أثاثات الإنشاءات.
21- مصروفات جارية من أجل(الأثاثات – زي أزهري" يقدم مجان " – وجبات غذائية – إدارة شئون القران الكريم – صيانة المعاهد الأزهرية)
22- إقامة بيت مال للمسلمين يخدم القرية والقرى المجاورة.
23 – ترتب على وجود لجنة فض المنازعات عدم لجوء الناس إلى المحاكم أو أجهزة الأمن ولم يعد الناس بحاجة إلى مكاتب المحامين بالقرية مما أدى إلى إغلاق مكتبين للمحاماة كانا قد أنشئا من قبل.
24- القضاء على أماكن اللهو بالقرية.
25- لقاء الجمعة وفيه يجتمع المهندس رئيس المركز- والمربي الرئيس في هذا المشروع والذي يشدد على عدم ذكر اسمه في أي مقابلة صحفية أو بحثية - بعد صلاة الجمعة مع كل صاحب حاجة سواء كانت شخصية أو مجتمعية وقد يكون صاحب الحاجة من شمال مصر أو جنوبها ولا يعود إلى بلده إلا وحاجته مقضية.
هذه بعض الإنجازات المستمرة داخل هذه القرية وجميعها من ثمرات البذل سواء المالي أو البدني وإذا أرادت قرية أو منطقة أخرى أن تحذو حذوها فإنها ستجد نفسها أمام شقين
الأول... شق فني: وهو المتعلق بالجانب الإداري الهيكلي والمتمثل هنا في المركز الإسلامي كهيكل، وهذا الجانب إذا أريد تكراره في منطقة أخرى أو تطويره فانه يمكن الأخذ في ذلك بأساليب الإدارة الحديثة الفنية
الثاني.... شق مذهبي: وهو الخاص بالفلسفة التي يدار بها الجانب الفني السابق والمرتبط في حالتنا هذه بقوله تعالى " والله يضاعف لمن يشاء " وهذا الأمر متوقف على مدى التجرد لله والتوكل عليه _سبحانه_.