الطب النفسي والدعوة إلى الله

كيف تكون العلوم الإنسانية والطب النفسي خاصة وسيلة تحمل محتوى الدعوة الصحيحة إلى الناس تحت سلطان منهج أهل السنة، وفي إطار هدي الإسلام القويم؟
سؤال أجاب عنه الدكتور/ عبد الله الخاطر – رحمه الله – في كتابه (الطب النفسي والدعوة إلى الله) من خلال عرضه لهذا العلم والأساليب المتبعة فيه وكيف تطبق هذه الأساليب في مجال الدعوة لتحقق النجاح في الوصول إلى أكبر شريحة من الناس الذين نود مخاطبتهم.

يصنف الكاتب نظرة الناس في العالم الإسلامي إلى العلوم الإنسانية التي يتعلمونها في بلاد الغرب كعلم النفس، وعلم الاجتماع وعلم الإدارة وعلم الاتصالات وغيرها إلى ثلاثة أقسام:
قسم ينادي بعدم الأخذ بهذه العلوم على الإطلاق؛ لأنها بنيت على أساس خاطئ، فالنتائج حتماً ستكون خاطئة.
وقسم يطالب بالأخذ بهذه العلوم كلها بخيرها وشرها، إيجابياتها وسلبياتها.
وقسم ثالث يدعو إلى تنقية هذه العلوم بأخذ إيجابياتها وترك سلبياتها، ويؤيد الكاتب هذه النظرة، حيث يرى أننا نتعلم الآن من جميع التخصصات على طريقة تفكير الغرب لا على طريقة التفكير الإسلامي الصحيح، والمطلوب من الشباب المسلم أن ينقي ويهذب ما يتلقاه، ويسخر كل ما يحصل عليه من علوم لخدمة هذا الدين سواء في الأسلوب أو في الهدف الذي يوجه إليه.

ويبحث الدكتور عبد الله الخاطر في كتابه هذا الطب النفسي كأحد هذه العلوم التي يتلقاها شباب المسلمين من الغرب كأي دراسة طبية أخرى، ويبين أن مثل هذه العلوم فيها الكثير من الحشو وتحتاج أن توجه الوجهة الصحيحة، وهذا الجهد هو ما نفتقده في عالمنا الإسلامي عند الكثير منا، اللهم إلا القليل من علمائنا الذين لديهم الفكرة ولكنهم يحتاجون إلى تطوير مناهجهم وطريقة تفكيرهم، ويحتاجون إلى إخضاع علوم الطب النفسي للفكر الإسلامي الصحيح.
ويبين أن الوصول إلى ذلك يستدعي الاهتمام بالأسلوب الذي يتبعه الطبيب النفسي في جميع المعلومات وتحليلها وكسب ثقة الآخرين، وما إلى ذلك، إذ إننا مأمورون في دعوتنا بأن نتخذ الأسلوب الأفضل في تعاملنا، حيث يقول الحق _سبحانه وتعالى_: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (النحل: من الآية125).
وعلّل الدكتور عبد الله الخاطر أن من الأسباب التي جعلته يبحث أسلوب الطب النفسي وإمكانية تطبيقه في الدعوة إلى الله امتناعه التام بأن الداعية يملك مضموناً عظيماً وأفكاراً قويمة، لكنها تحتاج فقط إلى أسلوب شيق للعرض وللتأثير في المتلقين؛ وهذا ما يفتقر إليه كثير من الدعاة، ويفتقر إليه بعض علمائنا أحياناً.

ويستعرض الدكتور الخاطر في كتابه؛ الأساليب التي يستخدمها الطب النفسي والذي يمكن أن يستفيد منها الداعية:
الطبيب النفسي يستطيع كسب ثقة مريضه في اللقاء الأول ويستطيع الداعية فعل ذلك..
أولاً: دعه يتحدث عن نفسه، فهي خطوة أولى لكسب ثقته دون أن تقاطعه أو تبدي استغراباً لما يقوله.
ثانياً: الاهتمام بطريقة الاستماع للمتحدث كطريقة الجلسة أو اختيار المكان والوقت المناسب.
ثالثاً: إشعاره بأهمية حديثه، وأنك متابع ما يقول كأن تردد ملخص ما قاله، واسأله باستمرار لتشعره باهتمامك.
رابعاً: تعلم فن الأسئلة كالسؤال المفتوح؛ وهو السؤال الذي يكون له عدة إجابات ولا يكون له جواب واحد بـ(نعم) أو (لا) فهذا الجواب يجعل الحديث قاصراً أو مختصراً، وهو حديث المحققين، كما يجب أن تكون أسئلتك صريحة اللفظ.
خامساً: التعليق على مشاعره، يجعله يتحدث أكثر كأن تقول له يبدو أنك متضايق اليوم مما يجعله يفضي بأسباب انزعاجه مثلاً.
سادساً: الهمهمات وتعبيرات الوجه.
سابعاً: الاهتمام بحاجات الناس والحرص على خدمة الآخرين متمثلاً قول الرسول _صلى الله عليه وسلم_: "إن أسعى بحاجة أخي خير من أن أعتكف شهراً" فالسعي لخدمة الآخرين يؤدي دوراً عظيماً في عملية الدعوة؛ لأنك بهذا تستأثر بقلوبهم.

كيف تؤثر في الناس؟
يبين "الخاطر" أن أعظم ما يكون التأثير في الآخرين بالقدوة الحسنة وليس بالكلمات والمواعظ وحدها ولا بد أن تستفيد من أسلوب علم النفس في التعامل مع الآخرين في طريق الدعوة، فالأسلوب مهم جداً لجعل الناس يتقبلون كلامنا، مما يجعل أمر الحوار معهم ممكناً وسهلاً.
ومن أساليب التأثير في الناس:
1- أن تذكر إيجابياتهم قبل السلبيات.
2- مخاطبة الناس على قدر عقولهم.
3- تقويم طريقة التفكير الخاطئة.
4- تهيئة الجو المناسب للشخص المقصود بسماع الموعظة، ولم تكن عادة الرسول _صلى الله عليه وسلم_ الدخول في الموعظة مباشرة، بل كان يمهد لها بغيرها، وأحياناً يبدأ بالسؤال عن معلومة ما.
واستخدم الرسول _صلى الله عليه وسلم_ في تنويع أسلوب الحوار وتهيئة المستمع وإثارة شغفه وذهنه وتشويقه كقوله: "ألا أدلكم على كنز من كنوز الجنة".
فلو تتبعنا حديثه _صلى الله عليه وسلم_ لرأينا كيف أنه سابق الزمن وفاق كثيراً مما يتشدق به خبراء التربية الأجانب الآن في الأساليب التربوية الحديثة.
يوضح الدكتور "الخاطر" أن طبيعة الناس تتفاوت؛ فكل إنسان له ميوله واتجاهاته وعلاماته البارزة التي تميزه عن غيره، ويمكن التعرف وتحديد شخصية الإنسان من خلال التعايش معه كمرافقته في السفر لمسافات كبيرة أو الاعتكاف معه أو المعايشة عن قرب وخصوصاً في التجارة والتعامل بالمال.

وهنا يجب أن تكون الموعظة حسب شخصية من تريد إقناعه، فمن أساليب الرسول _صلى الله عليه وسلم_ في تحديد الشخصية عندما جاءه أحد الصحابة يقول: أوصني يا رسول الله! قوله _صلى الله عليه وسلم_: "لا تغضب". قال: أوصني، قال: "لا تغضب"، قال: أوصني، قال: "لا تغضب"؛ حتى يعرف أن هذه صفة بارزة عنده. ويأتي آخر ليقول: يا رسول الله! أوصني، فأوصاه بذكر الله.
ويوضح "الخاطر" أن الوصية تغيرت بين سائل وآخر؛ لأن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أراد أن يبين لنا أن الموعظة ليست مجرد كلام وإنما هي وضع النقاط على الحروف أو القول المناسب في المكان المناسب.
ويشير "الخاطر" إلى أن تشجيع السلوك الطيب من الأمور المهمة في مجال الدعوة، وأن له تأثيراً كبيراً في النفس، وتحفيز للإنسان لكي يستزيد من الأعمال الصالحة والسلوك المرغوب فيه.

هل يصلح أسلوب العلاج الجماعي للدعوة؟
يبين الدكتور الخاطر أن الطب النفسي يستخدم أحياناً أسلوب العلاج الجماعي؛ وذلك بأن عدداً معيناً من الناس، يشعر الطبيب بأن هنا تجانساً في حالتهم ويشير إلى أن هذا الأمر وارد في موضوع الدعوة؛ إذ يصبح هذا الالتفاف، وهذا التعايش أمراً عظيماً ومؤثراً في تغيير السلوك؛ إذ يشعر كل فرد في المجموعة أنه أمام قضية مهمة؛ لأنها تخص عدداً كبيراً من الناس؛ إلى جانب المحاكاة؛ حيث يحاول كل منهم ألا يكون شاذاً عن الجماعة، ففي هذا الالتفاف تشجيع لهم.

ويختم الدكتور عبد الله الخاطر كتابه بالإشارة إلى تربية السلوك وتهذيبه عند وقوع الحدث؛ وهذا أمر جدير بالملاحظة والاهتمام، إذ لا بد من ربط أحداث الحياة كافة لتكوين شعور عام، أو تغيير سلوك إلى الأفضل؛ فعندما يقع حدث ما يصاحبه شعور بالتقصير يستقر ذلك في الذاكرة، ويرتبط بأحداث أخرى فتكون مجتمعة سبباً في تغيير السلوك.