بين الداعية والدعيّ

كثير من الناس في هذا الزمن يخاطبون العامة في المساجد، ويرفعون أصواتهم بالدعوة إلى الله بين الجماهير، ويسمون أنفسهم أو يصفهم غيرهم بالدعاة إلى الله، لكنهم أبعد ما يكونون عن الدعوة إلى الله من حيث يشعرون ولا يشعرون، وما الشكاوى التي تنطلق اليوم ضد الكثير من القائمين على المساجد والجمعيات الإسلامية، والنفور من التعامل مع بعضها الآخر إلا صورة للأزمة التي يسببها هؤلاء بإبعادهم الناس عن العمل الدعوي، بل عن الالتزام بالدين في أحيان أخرى.

ومن المعروف اليوم أن كثيراً من الناس ولأسباب كثيرة وإن كانت غير صحيحة لا يفرقون كثيراً بين المبدأ والشخص الذي يدعو له، ويخلطون بين الأمرين بشكل كبير؛ مما يوجب على الداعين إلى الله أن ينظروا كثيراً في تصرفاتهم، وأن يقدروا أن أفعالهم وأقوالهم تحسب عليهم من قبل الكثيرين، وأنها تنعكس سلباً أو إيجاباً على من يعرفهم، ومن الأمور السيئة أن الكثيرين من أصحاب القلوب المريضة لا همّ لهم إلا تتبع عثرات الناس خصوصاً الذين يدعون إلى الله والتشهير بهم وتسليط الأضواء على أخطائهم وعيوبهم.

والفرق بين الدعاة والأدعياء يمكن أن يلاحظ للعارفين عند مسائل، منها:
التعامل المالي:
فالأدعياء مهما تكلفوا في مصانعة الناس تراهم عندما يتعلق الأمر بالمعاملات المالية يضيقون صدراً ويبتعدون عن المسامحة ويطالبون بكامل حقوقهم، وربما أخذوا أكثر من حقوقهم في كثير من الأحيان، ويا له من تناقض فج بين الدعوة إلى التسامح والتعامل بمبادئ الإسلام السمحة في البيع والشراء والقضاء والواقع الذي يعيش فيه هؤلاء.

الانتقام للنفس:
وعندما يتعلق الأمر بحق شخصي مادي أو معنوي فهم لا يتساهلون بأي شكل وتثور ثائرتهم لأقل خطأ من الطرف المقابل؛ بينما يتفننون في تبرير تصرفاتهم وأخطائهم ويتبجحون بتهجمهم على الآخرين وكأنهم حققوا بذلك نصراً عظيماً.

الانتصار للرأي:
والأدعياء يضيقون صدراً بسماع الرأي المقابل؛ فضلاً عن أن يقتنعوا أو يعملوا به، ويقعون في جدالات عقيمة تدوم أوقاتاً طويلة لا فائدة عملية منها، لكن الكبر المسيطر في نفوسهم يجعل من المستحيل عليهم التسليم بصحة الرأي الآخر.

إساءة التصرف عند الخلاف:
وهذا داء مرير يقع به الكثير من الناس، فتراهم عندما يصادقون شخصاً ما يبجلونه ويعظمونه أيما تعظيم وكأنما صار خالياً من العيوب والمثالب، فإذا انقلبت الصداقة إلى سوء فهم أو خصومة، طووا صفحة الحسنات ونشروا صحيفة السلبيات، وأمعنوا في ذكر المساوئ وأفحشوا في الكلام، حتى يخيل للسامع أن الطرف الذي يجري الكلام عنه شيطان من المردة جدير بأن يختفي عن الأرض حالاً.

عدم الغيرة على الإسلام:
والدعاة الحقيقيون إلى الله يظهرون حقاً عند اشتداد الأزمات والحاجة إلى مواقف الرجال الحقة، حينها فقط يبدو من بكى ممن تباكى، أما الأدعياء فساحات نضالهم فارغة خاوية، وعندما تحتاج الأمور لوقفة حق وكلمة صدق فهم إما يتهربون وإما يقعون في فخ الترغيب والترهيب ويبررون الأوضاع غير السليمة.

الاستغراق في التنظير والبعد عن الأمور العملية:
والدعي لا يمكن أن يكون رجلاً عملياً، ولا أن يقدم للأمة شيئاً عملياً أبداً، فتراه في المجالس، بل جل ما يقدمه أن يغرق السامعين في النظريات والفلسفات التي لا تسمن ولا تغني من جوع .

الكبر الواضح في الأقوال والأعمال:
والناس لا يخفى عليهم المتكبر من المتواضع، والمتصنع لا يمكن أن يتصنع أبد الدهر، بل لا بد أن يظهر من مواقفه ما يدل على حقيقة نفسه.

ولا بد في النهاية من الإشارة إلى أن الموضوع على قدر من الأهمية؛ لأن النتائج لا تأتي على الأدعياء وحدهم، بل تنعكس على العمل بأجمعه وترجع به إلى الوراء، بل إن تصرفات خاطئة لا يحسب فيها حساب الجماعة وينتصر فيها للنفس كثيراً ما تأخذ أعمالاً استغرق بناؤها سنوات عديدة، وهذا ما حدث ويحدث في الكثير من الأماكن على الساحة الإسلامية اليوم.