الموقف بين قضايا الساعة وتربية الناشئة
22 صفر 1425

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
لا شك أن الأحداث تتوالى، والفتن يتبع بعضها بعضاً، وهذا الواقع المرير الذي تعيشه الأمة، لا يمكن أن تخرج منه بردود الأفعال، وكذلك المد التغريبي والغزو الصليبي، لا يمكن أن يقوم له أهل الشهوات، ولهذا كان إعداد العدة، وتهيئة الشباب للنهضة بالأمة، في كافة المجالات من أحد المهمات، فعملية بناء أجيال الغد وتنشئتهم التنشئة الصحيحة، عملية حيوية لا ينبغي أن يُشتغل عنها بالعوارض التي لا تنتهي.
والله _عز وجل_ عندما ذكر الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، وذكر الأجر العظيم المرتب عليه "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (التوبة:120، 121) بعد كل هذا الترغيب، وبعد أن ذكر هذا الأجر العظيم يعقب فيقول: "وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ" (التوبة:122).
فانظر كيف أمر طائفة بملازمة العلماء الربانيين للتفقه في الدين، بينما يقاتل إخوانهم الكافرين، أي نازلة وأي قضية أعظم من هذه؟ ومع ذلك لم تشغل المجتمع عن البناء والتربية والتعليم.
إذن تربية الأجيال وظيفة مهمة، واستراتيجية أساسية في بناء الأمة، لا ينبغي أن تشغل عنها الشواغل أو تصرف عنها الصوارف مهما عظمت.

ولا يعني هذا إهمال هموم الأمة وأحداثها العظام، بل ينبغي أن يتصدى لمعالجة قضايا الأمة العلماء الراسخون، والأئمة المرضيون، والدعاة المخلصون، وينبغي كذلك أن يُحَمَّل همها النشء لينوء برفعها إذا اشتد ساعده، وليحل بعضهم محل بعض من خرمتهم أيدي المنون من العلماء والمصلحين.

فعلى العلماء والدعاة معالجة القضايا وتولي الردود، وعلى المربين والقادة استثمار الأحداث في التربية والتوجيه، لا أن تشغلهم عن المشاريع المهمة، وتصرفهم عن العناية بالشباب.
والعلماء الكبار، والأئمة الهداة على مر التاريخ، هم من يجمع بين الأمرين بتوازن واطراد، دون طغيان جانب على آخر، يستمدون من كل حدث دروساً وعبراً، ويخضعون الأحداث للشريعة حكماً ووصفاً.

والناس حيال واقع الأحداث طرفان ووسط، فطرف يتعامل بردود الأفعال، فكلما وقع حدث اشتغل به وجعله همه ومقصده، وانجر معه إلى حيث ساقه، وطرف آخر معرض عنها كأنها لا تعنيه، وكأن من أصيب لا ينتمي إلى أمته أو ملته، وقليل من يستثمر الحدث لخدمة أهداف استراتيجية، ويستفيد منه في تربية الناشئة والذرية.

أسأل الله أن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصبحه أجمعين.