هذه تجربتي في الحياة2/2

قام أ.د/ مقداد يالجن بكتابة مجموعة من تجاربه في الحياة، وضمنها كتابه (الطريق إلى العبقرية) وقمنا هنا باختيار ما يمس التربية للنفس والغير من تجاربه التي يستفاد منها في هذا المجال، وسبق لنا في الحلقة الأولى أن عرضنا تجربتين من تجاربه، هما:
((هكذا تغلبت على الصعوبات)) و((تجربتي في المذاكرة وطلب العلم))، وهنا نواصل مع تجاربه
a
طريقتي في القراءة، وكيف استفدت منها:
ليس هناك ساعات محددة للقراءة الآن، أما عندما كنت طالباً فكنت أقضي معظم أوقاتي في القراءة، وكنت أتردد على المكتبات، وأبحث في الفهارس وأي كتاب يجذبني عنوانه كنت أطلبه وأقرؤه، أما الآن فإنني أقضي معظم أوقاتي في الكتابة؛ لأنني أشعر الآن بحاجة إلى الوقت لكثرة ما يتردد في ذهني من الأفكار وتلح عليّ رغبة شديدة في تدوينها، وإذا كانت هناك قراءات فهي على حسب البحوث والمشكلات العلمية التي تدور في ذهني، وأي كتاب أراه يتصل بتلك الموضوعات أقرؤه.
وأنظم قراءاتي عادة على حسب ما يقول المبدأ التعليمي من أنه ينبغي أن ينتقل الإنسان من موضوع إلى آخر، ومن علم إلى علم آخر إذا ما شعر بالملل من هذا العلم، كما ينصح المربون أن يكون الانتقال من الأصعب إلى الأسهل في أي من العلوم الصعبة، مثل الفلسفة إلى الأسهل، وذلك مثل علم الأصعب إذا بدأ بالأسهل ومل منه؛ لأن الانتقال من علم إلى آخر يجدد النشاط، وهذا ما يحصل فعلاً، فالإنسان أحياناً عندما يحس بملل من علم يرى أن يرتاح قليلاً، لكن إذا أخذ يقرأ علماً آخر في الوقت نفسه يشعر بتجدد النشاط وكأنه لم يتعب، ثم إنه كلما كانت القراءة على حسب الحاجة إلى معلومات كانت القراءة فيها أكثر استمراراً وأكثر فائدة، ويجب أن نلاحظ هنا أمراً وهو أن المخ مقسم إلى مراكز، فكل مركز خاص بقدرة معينة من القدرات العقلية، مثل: القدرة الرياضية، والقدرة اللغوية، والقدرة العلمية، والقدرة على الاستدلال المنطقي، والقدرة على هذا التذوق الفني، والقدرة الكلامية والكتابية والتذكر، وما إلى ذلك من مراكز معروفة لدى علماء التربية، فإذا تعب الإنسان من مذاكرة علم معين خاص بمركز معين من تلك المراكز، فإن القدرة الخاصة بهذا المركز هي التي ترهق أكثر من غيرها، وإذا انتقل إلى علم آخر فإن النشاط يستمر؛ لأن القدرة المركزية الخاصة بهذا النوع من العمل العلمي لا ترهق كإرهاق المركز الآخر، ومن هنا يجد الإنسان نفسه عند الانتقال من علم إلى آخر وكأنه لم يرهق.
وبناء على علمي بمراكز القدرات العلمية في المخ أنتقل من نشاط علمي إلى آخر، ومن هنا أستطيع الاستمرار في الأعمال العلمية مدة طويلة، فهناك عدة تنقلات في نشاطي هذا من علم إلى آخر في القراءة، ومن كتابة إلى المراجعة ثم إلى التفكير فيما أقرأ، وهكذا وكل ذلك أنشطة مختلفة ترجع إلى مراكز للقدرات المختلفة،
وأما طريقة استفادتي مما أقرأ فهي التدبر والتفكير في كل ما أقرأ، وأقضي من الأوقات في تحليل ما أقرأ، أكثر مما أقضيها في القراءة، وإذا كانت فكرة صعبة أفكر فيها بعد الاستيقاظ صباحاً؛ لأن الذهن يكون متفتحاً عندئذ، وخاصة عندما يفكر الإنسان وهو مستلق على ظهره قبل الاشتغال بأي علم أو بأي شيء آخر.
ثم إنني أدون الأفكار القيمة المهمة المتعلقة في أي بحث من البحوث التي تدور في ذهني وعازم على كتابتها إن عاجلاً أو آجلاً، وأشير إلى تلك الأفكار في أماكنها، وأعمل لها فهرساً في الغلاف الداخلي للكتاب ليسهل الرجوع إليها عند البحث وعند اللزوم.
ومن الناحية العملية فإنني وضعت مبدأ لنفسي بأنه يجب أن أطبق كل فكرة إذا اقتنعت بها في حياتي الخاصة.
وهذا العزم يجعل المعلومات تستقر في ذهني، ثم عندما أطبقها ترسخ في ذهني بصورة لا أظن أنها تنسى بعد ذلك.

برنامجي اليومي:
ابتداءً من الفجر أو قبل طلوع الشمس أفتتحه بصلاة الفجر، وبعد صلاة الفجر إلى وقت الإفطار وقت التفكير وتحليل للأفكار التي سأكتبها اليوم، وبعد الإفطار أقوم بالواجب اليومي، وأحاول كتابة جزء مما أكتبه في ذاك اليوم إلى صلاة الظهر، وبعد الصلاة أشتغل بالأعمال الثانوية كالقراءة أو قضاء الأعمال الخارجية، وما إلى ذلك، وذلك إلى وقت الغداء، وبعد الغداء أحاول بقدر الإمكان أن آخذ وقت الراحة بقليل من النوم، أو الاستلقاء إلى صلاة العصر، وبعد ذلك أبدأ بالكتابة والقراءة إلى العشاء، وبعد صلاة العشاء أتناول عشاءً خفيفاً، وبعد ذلك بقليل من الراحة أواصل الأعمال الخاصة بالكتابة والاستعداد لأعمال الغد، إلى الثانية عشرة ليلاً، وبعدها أنام إلى صلاة الصبح، هذا هو غالب الأعمال اليومية، وهناك حالات استثنائية حسب مقتضيات الظروف ومقتضيات الواجبات الوظيفية.
وهذا التنظيم قائم على أساس علمي؛ لأن العلم ينصح بأن تكون المدة ما بين الوجبتين ست ساعات، وكما ينصح بعدم العمل بعد الأكل مباشرة؛ لأن الإنسان يرهق عندئذ بسرعة؛لأن النشاط الفسيولوجي يتركز عندئذ على المعدة لهضم الغذاء، فإذا حاول الإنسان أن يعمل عقله أيضاً، فيتوزع النشاط إلى هنا وهناك ومن ثم لا يكون التركيز الذهني كما ينبغي أولاً ثم يرهق بسرعة ثانية، كما ينصح الطب أن يتناول الإنسان الأغذية القليلة في الحجم والغنية بالفيتامينات؛ لأن ملء المعدة بالأطعمة الثقيلة تعيق عمل المخ، كما ينبغي أن يتعشى الإنسان عشاء خفيفاً؛ لأنه إذا أكثر من الأطعمة عندئذ لا يستطيع النوم براحة، ثم إن عمل المعدة حالة النوم إرهاق له، وقد يكون ذلك سبباً لعسر الهضم.
هذا إلى أن العلماء ينصحون دائماً بتنظيم الإنسان أوقاته، أوقات العمل والراحة والوجبات على الأسس العلمية، وأن يستمر على ذلك التنظيم دائماً؛ لأن اختلال النظام يؤثر على عمل الإنسان وعلى صحته معاً.

_____________
(*) من كتاب (الطريق إلى العبقرية).