جزيرة العرب بين التشريف والتكليف2-6
27 رجب 1424

جزيرة العرب وعلاقتها بفضل العرب:



سل المعاني عنا إننّا عرب
شعارنا المجد يهوانا ونهواه

هي العروبة لفظ إن نطقت به

في الشرق والغرب والإسلام معناه


لقد قرر أهل العلم أن العرب هم "رأس الأمة وسابقوها إلى المكارم"(1) فهم "أفضل من العجم"(2) بل "أفضل من غيرهم"(3) بل "أفضل الأمم"(4) قاطبة،قال شيخ الإسلام: "ولهذا ذكر أبومحمد حرب بن إسماعيل بن خلف الكرماني صاحب الإمام أحمد في وصفه للسنة التي قال فيها: هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها: وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها، فمن خالف شيئا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها، فهو مبتدع، خارج عن الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم، فكان من قولهم أن الإيمان قول وعمل ونية، وساق كلاما طويلاً إلى أن قال: ونعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها ونحبهم، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حب العرب إيمان وبغضهم نفاق) ولا نقول بقول الشعوبية وأراذل الموالي، الذين لا يحبون العرب، ولا يقرون بفضلهم، فإن قولهم بدعة وخلاف. ويروون هذا الكلام عن أحمد نفسه، في رسالة أحمد بن سعيد الأصطخري عنه إن صحت، وهو قوله وقول عامة أهل العلم"(5) وقال الكرماني أيضاً: "فالعرب أفضل الناس، وقريش أفضلهم، هذا مذهب الأئمة وأهل الأثر والسنة.." (6) قال شيخ الإسلام: "(إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة) الحديث، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح وهذا يقتضي أن إسماعيل وذريته صفوة ولد إبراهيم، فيقتضي أنهم أفضل من ولد إسحق، ومعلوم أن ولد إسحق الذين هم بنو إسرائيل أفضل العجم، لما فيهم من النبوة والكتاب، فمتى ثبت الفضل على هؤلاء فعلى غيرهم بطريق الأولى"(7) وقال قبلها: "فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة: اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم...وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم بمجرد كون النبي صلى الله عليه وسلم منهم، وإن كان هذا من الفضل بل هم في أنفسهم أفضل، وبذلك ثبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أفضل نفسا ونسبا وإلا لزم الدور"(8)، وقد وضع المصنفون كُتباً وأجزاء في الدليل على فضل العرب فلتراجع(9).
وسر تفضيل العرب على من سواهم، هو ما تميزوا به من خصال حميدة، وأخلاق نبيلة ، كما قال الحكيم الترمذي: "فالعرب بالأخلاق شرفوا، وإلاّ فالشجرة واحدة وهو خليل الرحمن"(10) وقال الشيخ بكر: "فالعرب هم حملة شريعة الإسلام إلى سائر المخاطبين بها ... لأنهم يومئذ قد امتازوا من بين سائر الأمم باجتماع صفات أربع لم تجتمع في التاريخ لأمة من الأمم، وتلك هي: جودة الأذهان، وقوة الحوافظ، وبساطة الحضارة والتشريع، والبعد عن الاختلاط ببقية أمم العالم"(11)، كما أنهم "أطوع للخير، وأقرب للسخاء، والحلم، والشجاعة، والوفاء ... أصحاب إباء لا يعرفون التزلف والنفاق وتحمل الاستبداد.. ومما تميز به العرب الصدق، حتى الذين كانوا يحاربون الإسلام ظهر صدقهم في أمور"(12). فيا لله كيف انتكست بعد ذلك الفطر وتغيرت العقول ففتن بعضنا بحضارة غربية قاصرة على جوانب قاصرة فيها ما فيها، واسْتَبْدَل -يوم اسْتَبْدَل- شرها بمكارم حضارة عريقة.

مولى المكارم يرعاها ويعمرها ** إن المكارم قد قلت مواليها



ولا يخفى على القارئ الكريم أن هذا التفضيل ينبغي أن يراعى عند النظر إليه أمران:
الأول: أن النظرة هنا إلى طبائع الشعوب والأجناس مجردة عما تأثرت به من أمور خارجة عنها، فمن استصلح بالشرع والدين يفضل من سواه ويعلوه بقدر ما قام فيه من دين. ومَن فضّلَ العرب إنما فضلهم لمكارم الأخلاق التي اتصفوا بها، وجاءت الشرائع بتميمها، فإذا التزم الناس بالشرائع فلا فضل لعربي على أعجمي إلاّ بالتقوى، والأصل أن الناس معادن(13).
الثاني: أنه وصف عام وعند التفصيل ومقارنة الأفراد يشذ بعضهم، فقد تجد شخصاً من العجم يفضل بعض العرب في أخلاقه وصفاته، ولكن عند الإطلاق والتعميم فالعرب أفضل ممن سواهم.

والشاهد من هذا التقرير هو أن البيئة التي يعيش فيها الإنسان، والأرض التي ينشأ عليها لها صلة وثيقة بأخلاقه وعاداته، وقد عرفت العرب هذه العلاقة منذ زمن بعيد، ولهذا كانوا يدفعون أولادهم إلى المراضع "لينشأ الطفل في الأعراب ، فيكون أفصح للسانه وأجلد لجسمه وأجدر أن لا يفارق الهيئة المعدية وقد قال - عليه السلام - لأبي بكر - رضي الله عنه - حين قال له: "ما رأيت أفصح منك يا رسول الله". فقال: (وما يمنعني ، وأنا من قريش ، وأرضعت في بني سعد ؟) فهذا ونحوه كان يحملهم على دفع الرضعاء إلى المراضع الأعرابيات . وقد ذُكِر أن عبد الملك بن مروان كان يقول أضر بنا حُب الوليد لأن الوليد كان لحّاناً، وكان سليمان فصيحاً; لأن الوليد أقام مع أمه، وسليمان وغيره من إخوته سكنوا البادية، فتعربوا، ثم أدبوا فتأدبوا"(14)، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فرق بين من يتقلب في عيش لين الأعطاف رطب، وبين آخر تربى في بيئة شديدة وعرة، فذلل شظف العيش وركب صعبه، وقد قيل:

إنما الإسلام في الصحرا امتهد**ليجـــيء كل مســلم أســـد


فإذا شرف العرب لأخلاقهم وصفاتهم فالبيئة [الجزيرة العربية] هي التي ساعدت في صنع كثير من تلك الأخلاق والخصال التي تميز بها العرب(15)، ولهذا كانت الجزيرة العربية أفضل من غيرها.



1 - نوادر الأصول في أحاديث الرسول ص106، لمحمد بن علي الحكيم الترمذي، طبعة المكتبة العلمية بالمدينة المنورة.
2 - انظر تفسير القرطبي 1/141.
3 - السابق 4/263.
4 - انظر تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي 9/379، لمحمد بن عبدالرحمن المباركفوري، طبعة دار الكتب العلمية.
5 - اقتضاء الصراط المستقيم 1/148، لشيخ الإسلام ابن تيمية. وانظر كذلك ص156، وقد نسب القول بفضل العرب للجمهور في منهاج السنة النبوية 4/599.
6 - انظر فيض القدير شرح الجامع الصغير 4/515، لعبد الرؤوف المناوي، الطبعة الأولى للمكتبة التجارية الكبرى.
7 - انظر اقتضاء الصراط المستقيم، لشيخ الإسلام بن تيمية، 1/154، الطبعة الثانية لمطبعة السنة المحمدية بالقاهرة.
8 - السابق 1/148.
9 - لابن القيم -رحمه الله- فصل في الدليل على فضل العرب، وللمقدسي مسبوك الذهب في فضل العرب وشرف العلم على شرف النسب، وللهيتمي مبلغ الأرب في فخر العرب، اختصره الهيتمي من كتاب حافل للحافظ العراقي.
10 - انظر نوادر الأصول في أحاديث الرسول، لأبي عبدالله الحكيم الترمذي ص96.
11 - خصائص جزيرة العرب ص61، للشيخ بكر أبو زيد. مع اختصار يسير.
12 - جزيرة الإسلام ص42-46، للشيخ سلمان بن فهد العودة، والنقل باختصار وتصرف يسير.
13 - جزء من حديث الصحيحين، انظر صحيح البخاري كتاب أحاديث الأنبياء باب قول الله تعالى }لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين{ 3381، وصحيح مسلم رقم 2526.
14 - انظر الروض الأنف، لعبدالرحمن بن عبدالله السهيلي، شرح حديث الرضاع 1/188، طبعة مكتبة الكليات الأزهرية.
15 - ذكر الشيخ بكر أبو زيد في كتابه خصائص الجزيرة ص63-66 ستاً وعشرين ميزة للعرب وجزيرتهم نقلاً عن كتاب أم القرى فلتراجع.